عرض مشاركة واحدة
  #8  
قديم 10-01-2023, 09:40 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 167,388
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد


تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الخامس
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(354)
الحلقة (368)
صــ 361 إلى صــ 380




.فأرسل إيشى داود إلى إخوته . قال الطبري : هو أيشى ، ولكن قال المحدث : [ ص: 361 ] إشى وكانوا في العسكر فقال : اذهب فزود إخوتك ، وأخبرني خبر الناس ماذا صنعوا ؟ فجاء إلى إخوته وسمع صوتا : إن الملك يقول : من يبرز لجالوت ! فإن قتله أنكحه الملك ابنته . فقال داود لإخوته : ما منكم رجل يبرز لجالوت فيقتله وينكح ابنة الملك ؟ فقالوا : إنك غلام أحمق ! ومن يطيق جالوت ، وهو من بقية الجبارين ! ! فلما لم يرهم رغبوا في ذلك قال : فأنا أذهب فأقتله ! فانتهروه وغضبوا عليه ، فلما غفلوا عنه ذهب حتى جاء الصائح فقال : أنا أبرز لجالوت ! فذهب به إلى الملك ، فقال له : لم يجبني أحد إلا غلام من بني إسرائيل ، هو هذا ! قال : يا بني ، أنت تبرز لجالوت فتقاتله ! قال : نعم . قال : وهل آنست من نفسك شيئا ؟ قال : نعم ، كنت راعيا في الغنم فأغار علي الأسد ، فأخذت بلحييه ففككتهما . فدعا له بقوس وأداة كاملة ، فلبسها وركب الفرس ، ثم سار منهم قريبا ، ثم صرف فرسه ، فرجع إلى الملك ، فقال الملك ومن حوله : جبن الغلام ! فجاء فوقف على الملك ، فقال : ما شأنك ؟ قال داود : إن لم يقتله الله لي ، لم يقتله هذا الفرس وهذا السلاح ! فدعني فأقاتل كما أريد . فقال : نعم يا بني . فأخذ داود مخلاته فتقلدها ، وألقى فيها أحجارا ، وأخذ مقلاعه الذي كان يرعى به ، ثم مضى نحو جالوت . فلما دنا من عسكره قال : أين جالوت يبرز لي ؟ فبرز له على فرس عليه السلاح كله ، فلما رآه جالوت قال : إليك أبرز ؟ ! قال نعم . قال : فأتيتني بالمقلاع والحجر كما يؤتى إلى الكلب ! قال : هو ذاك . قال : لا جرم أني سوف أقسم لحمك بين طير السماء وسباع الأرض ! قال داود : أو يقسم الله لحمك ! فوضع داود حجرا في مقلاعه ثم دوره فأرسله نحو جالوت ، فأصاب أنف البيضة التي على جالوت حتى خالط دماغه ، فوقع من فرسه . فمضى داود إليه فقطع [ ص: 362 ] رأسه بسيفه ، فأقبل به في مخلاته ، وبسلبه يجره ، حتى ألقاه بين يدي طالوت ، ففرحوا فرحا شديدا . وانصرف طالوت ، فلما كان داخل المدينة سمع الناس يذكرون داود ، فوجد في نفسه . فجاءه داود فقال : أعطني امرأتي ! فقال : أتريد ابنة الملك بغير صداق ؟ فقال داود : ما اشترطت علي صداقا ، وما لي من شيء ! ! قال : لا أكلفك إلا ما تطيق ، أنت رجل جريء ، وفي جبالنا هذه جراجمة يحتربون الناس ، وهم غلف ، فإذا قتلت منهم مائتي رجل فأتني بغلفهم . فجعل كلما قتل منهم رجلا نظم غلفته في خيط ، حتى نظم مائتي غلفة . ثم جاء بهم إلى طالوت فألقى بها إليه فقال : ادفع إلي امرأتي ، قد جئت بما اشترطت . فزوجه ابنته ، وأكثر الناس ذكر داود ، وزاده عند الناس عجبا . فقال طالوت لابنه : لتقتلن داود ! قال : سبحان الله ، ليس بأهل ذلك منك ! قال : إنك غلام أحمق ! ما أراه إلا سوف يخرجك وأهل بيتك من الملك ! فلما سمع ذلك من أبيه انطلق إلى أخته فقال لها : إني قد خفت أباك أن يقتل زوجك داود ، فمريه أن يأخذ حذره ويتغيب منه . فقالت له امرأته ذلك ، فتغيب . فلما أصبح أرسل طالوت من يدعو له داود ، وقد صنعت امرأته على فراشه كهيئة النائم ولحفته . فلما جاء [ ص: 363 ] رسول طالوت قال : أين داود ؟ ليجب الملك ! فقالت له : بات شاكيا ونام الآن ، ترونه على الفراش . فرجعوا إلى طالوت فأخبروه ذلك ، فمكث ساعة ثم أرسل إليه ، فقالت : هو نائم لم يستيقظ بعد . فرجعوا إلى الملك فقال : ائتوني به وإن كان نائما ! فجاءوا إلى الفراش فلم يجدوا عليه أحدا ، فجاءوا الملك فأخبروه ، فأرسل إلى ابنته فقال : ما حملك على أن تكذبين ؟ قالت : هو أمرني بذلك ، وخفت إن لم أفعل أمره أن يقتلني ! وكان داود فارا في الجبل حتى قتل طالوت وملك داود بعده .

5743 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد قال : كان طالوت أميرا على الجيش ، فبعث أبو داود مع داود بشيء إلى إخوته ، فقال داود لطالوت : ماذا لي فأقتل جالوت ؟ قال : لك ثلث ملكي ، وأنكحك ابنتي . فأخذ مخلاته ، فجعل فيها ثلاث مروات ، ثم سمى حجارته تلك : " إبراهيم ، وإسحاق ، ويعقوب " ثم أدخل يده فقال : باسم إلهي وإله آبائي إبراهيم وإسحاق ويعقوب ! فخرج على " إبراهيم " فجعله في مرجمته ، فخرقت ثلاثا وثلاثين بيضة عن رأسه ، وقتلت ثلاثين ألفا من ورائه .

5744 - حدثني موسى قال : حدثنا عمرو قال : حدثنا أسباط ، عن السدي قال : عبر يومئذ النهر مع طالوت أبو داود فيمن عبر ، مع ثلاثة عشر ابنا له ، وكان داود أصغر بنيه . فأتاه ذات يوم فقال : يا أبتاه ، ما أرمي بقذافتي شيئا إلا صرعته ! فقال : أبشر يا بني ! فإن الله قد جعل رزقك في قذافتك . ثم أتاه مرة أخرى فقال : يا أبتاه ، لقد دخلت بين الجبال فوجدت أسدا رابضا ، فركبت عليه فأخذت بأذنيه ، فلم يهجني ! قال : أبشر يا بني ! فإن هذا خير يعطيكه [ ص: 364 ] الله . ثم أتاه يوما آخر فقال : يا أبتاه إني لأمشي بين الجبال فأسبح ، فما يبقى جبل إلا سبح معي ! فقال : أبشر يا بني ! فإن هذا خير أعطاكه الله . وكان داود راعيا ، وكان أبوه خلفه يأتي إليه وإلى إخوته بالطعام . فأتى النبي [ عليه السلام ] بقرن فيه دهن وسنور من حديد ، فبعث به إلى طالوت فقال : إن صاحبكم الذي يقتل جالوت يوضع هذا القرن على رأسه فيغلي حتى يدهن منه ، ولا يسيل على وجهه ، يكون على رأسه كهيئة الإكليل ، ويدخل في هذا السنور فيملأه . فدعا طالوت بني إسرائيل فجربهم به ، فلم يوافقه منهم أحد . فلما فرغوا ، قال طالوت لأبي داود : هل بقي لك من ولد لم يشهدنا ؟ قال : نعم ! بقي ابني داود ، وهو يأتينا بطعام . فلما أتاه داود ، مر في الطريق بثلاثة أحجار فكلمنه وقلن له : خذنا يا داود تقتل بنا جالوت ! قال : فأخذهن فجعلهن في مخلاته . وكان طالوت قال : من قتل جالوت زوجته ابنتي وأجريت خاتمه في ملكي . فلما جاء داود ، وضعوا القرن على رأسه فغلى حتى ادهن منه ، ولبس السنور فملأه وكان رجلا مسقاما مصفارا ولم يلبسه أحد إلا تقلقل فيه . فلما لبسه داود [ ص: 365 ] تضايق الثوب عليه حتى تنقض . ثم مشى إلى جالوت وكان جالوت من أجسم الناس وأشدهم فلما نظر إلى داود قذف في قلبه الرعب منه ، فقال له : يا فتى ! ارجع ، فإني أرحمك أن أقتلك ! قال داود : لا بل أنا أقتلك ! فأخرج الحجارة فجعلها في القذافة ، كلما رفع حجرا سماه ، فقال : هذا باسم أبي إبراهيم ، والثاني باسم أبي إسحاق ، والثالث باسم أبي إسرائيل . ثم أدار القذافة فعادت الأحجار حجرا واحدا ، ثم أرسله فصك به بين عيني جالوت ، فنقبت رأسه فقتلته ، ثم لم تزل تقتل كل إنسان تصيبه ، تنفذ منه حتى لم يكن يحيا لها أحد . فهزموهم عند ذلك ، وقتل داود جالوت ، ورجع طالوت ، فأنكح داود ابنته ، وأجرى خاتمه في ملكه . فمال الناس إلى داود فأحبوه . فلما رأى ذلك طالوت وجد في نفسه وحسده ، فأراد قتله . فعلم به داود أنه يريد به ذلك ، فسجى له زق خمر في مضجعه ، فدخل طالوت إلى منام داود وقد هرب داود ، فضرب الزق ضربة فخرقه ، فسالت الخمر منه ، فوقعت قطرة من خمر في فيه ، فقال : يرحم الله داود ! ما كان أكثر شربه للخمر . ثم إن داود أتاه من القابلة في بيته وهو نائم ، فوضع سهمين عند رأسه ، وعند رجليه ، وعن يمينه وعن شماله سهمين سهمين ، ثم نزل . فلما استيقظ طالوت بصر بالسهام فعرفها ، فقال : يرحم الله داود ! هو خير مني ، ظفرت به فقتلته ، وظفر بي فكف عني ! ثم إنه ركب يوما فوجده يمشي في البرية [ ص: 366 ] وطالوت على فرس ، فقال طالوت : اليوم أقتل داود ! وكان داود إذا فزع لا يدرك فركض على أثره طالوت ، ففزع داود فاشتد فدخل غارا ، وأوحى الله إلى العنكبوت فضربت عليه بيتا . فلما انتهى طالوت إلى الغار ، نظر إلى بناء العنكبوت فقال : لو كان دخل هاهنا لخرق بيت العنكبوت ! ! فخيل إليه ، فتركه .

5745 - حدثت عن عمار بن الحسن قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع قال : ذكر لنا أن داود حين أتاهم كان قد جعل معه مخلاة فيها ثلاثة أحجار . وإن جالوت برز لهم فنادى : ألا رجل لرجل ! فقال طالوت : من يبرز له ؟ وإلا برزت له ؟ فقام داود فقال : أنا ! فقام له طالوت فشد عليه درعه ، فجعل يراه يشخص فيها ويرتفع ، فعجب من ذلك طالوت ، فشد عليه أداته كلها وإن داود رماهم بحجر من تلك الحجارة ، فأصاب في القوم ، ثم رمى الثانية بحجر ، فأصاب فيهم ، ثم رمى الثالثة فقتلجالوت . فآتاه الله الملك والحكمة وعلمه مما يشاء ، وصار هو الرئيس عليهم ، وأعطوه الطاعة .

5746 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : حدثني ابن زيد في قول الله - تعالى ذكره - : ( ألم تر إلى الملإ من بني إسرائيل ) ، فقرأ حتى بلغ : ( فلما كتب عليهم القتال تولوا إلا قليلا منهم والله عليم بالظالمين ) قال : أوحى الله إلى نبيهم : إن في ولد فلان رجلا يقتل الله به جالوت ، ومن علامته هذا القرن تضعه على رأسه فيفيض ماء . فأتاه فقال : إن الله أوحى إلي أن في ولدك رجلا [ ص: 367 ] يقتل الله به جالوت ! فقال : نعم يا نبي الله ! قال : فأخرج له اثني عشر رجلا أمثال السواري ، وفيهم رجل بارع عليهم ، فجعل يعرضهم على القرن فلا يرى شيئا ، فيقول لذلك الجسيم : ارجع ! فيردده عليه . فأوحى الله إليه : إنا لا نأخذ الرجال على صورهم ، ولكنا نأخذهم على صلاح قلوبهم . قال : يا رب ، قد زعم أنه ليس له ولد غيره ! فقال : كذب ! فقال : إن ربي قد كذبك ! وقال : إن لك ولدا غيرهم ! فقال : صدق يا نبي الله لي ولد قصير استحييت أن يراه الناس ، فجعلته في الغنم ! قال : فأين هو ؟ قال في شعب كذا وكذا من جبل كذا وكذا . فخرج إليه ، فوجد الوادي قد سال بينه وبين البقعة التي كان يريح إليها ، قال : ووجده يحمل شاتين يجيز بهما ولا يخوض بهما السيل . فلما رآه قال : هذا هو لا شك فيه ! هذا يرحم البهائم ، فهو بالناس أرحم ! قال : فوضع القرن على رأسه ففاض . فقال له : ابن أخي ! هل رأيت هاهنا من شيء يعجبك ؟ قال : نعم ، إذا سبحت سبحت معي الجبال ، [ ص: 368 ] وإذا أتى النمر أو الذئب أو السبع أخذ شاة قمت إليه فأفتح لحييه عنها فلا يهيجني ! قال : وألفى معه صفنه . قال : فمر بثلاثة أحجار ينتزى بعضها على بعض ، كل واحد منها يقول : أنا الذي يأخذ ! ويقول هذا : لا ! بل إياي يأخذ ! ويقول الآخر مثل ذلك . قال : فأخذهن جميعا فطرحهن في صفنه . فلما جاء مع النبي - صلى الله عليه وسلم - وخرجوا ، قال لهم نبيهم : " إن الله قد بعث لكم طالوت ملكا " فكان من قصة نبيهم وقصتهم ما ذكر الله في كتابه ، وقرأ حتى بلغ : " والله مع الصابرين " . قال : واجتمع أمرهم وكانوا جميعا ، وقرأ : " وانصرنا على القوم الكافرين " . وبرز جالوت على برذون له أبلق ، في يده قوس نشاب ، فقال : من يبرز ؟ أبرزوا إلي رأسكم ! قال : ففظع به طالوت قال : فالتفت إلى أصحابه فقال : من رجل يكفيني اليوم جالوت ؟ فقال داود : أنا . فقال : تعال ! قال : [ ص: 369 ] فنزع درعا له ، فألبسه إياها . قال : ونفخ الله من روحه فيه حتى ملأه . قال : فرمى بنشابة فوضعها في الدرع . قال : فكسرها داود ولم تضره شيئا ثلاث مرات . ثم قال له : خذ الآن ! فقال داود : اللهم اجعله حجرا واحدا . قال : وسمى واحدا إبراهيم ، وآخر إسحاق ، وآخر يعقوب . قال : فجمعهن جميعا فكن حجرا واحدا . قال : فأخذهن وأخذ مقلاعا ، فأدارها ليرمي بها فقال : أترميني كما يرمى السبع والذئب ؟ ارمني بالقوس ! قال : لا أرميك اليوم إلا بها ! فقال له مثل ذلك أيضا ، فقال : نعم ! وأنت أهون علي من الذئب ! فأدارها وفيها أمر الله وسلطان الله . قال : فخلى سبيلها مأمورة . قال : فجاءت مظلة فضربت بين عينيه حتى خرجت من قفاه ، ثم قتلت من أصحابه وراءه كذا وكذا ، وهزمهم الله .

5747 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج قال : لما قطعوا ذلك يعني النهر الذي قال الله فيه مخبرا عن قيل طالوت لجنوده : " إن الله مبتليكم بنهر " وجاء جالوت ، وشق على طالوت قتاله ، فقال طالوت للناس : لو أن جالوت قتل ، أعطيت الذي يقتله نصف ملكي ، وناصفته كل شيء أملكه ! فبعث الله داود وداود يومئذ في الجبل راعي غنم ، وقد غزا مع طالوت تسعة إخوة لداود ، وهم أبد منه ، وأغنى منه ، وأعرف في الناس منه ، وأوجه عند طالوت منه ، فغزوا وتركوه في غنمهم فقال داود حين ألقى الله في نفسه ما ألقى ، وأكرمه : لأستودعن ربي غنمي اليوم ، ولآتين الناس ، فلأنظرن ما الذي بلغني من قول الملك لمن قتل جالوت ! فأتى داود إخوته ، فلاموه [ ص: 370 ] حين أتاهم ، فقالوا : لم جئت ؟ قال : لأقتل جالوت ، فإن الله قادر أن أقتله ، فسخروا منه . قال ابن جريج : قال مجاهد : كان بعث أبو داود مع داود بشيء إلى إخوته ، فأخذ مخلاة فجعل فيها ثلاث مروات ، ثم سماهن " إبراهيم " " وإسحاق " " ويعقوب " . قال ابن جريج : قالوا : وهو ضعيف رث الحال ، فمر بثلاثة أحجار فقلن له : خذنا يا داود فقاتل بنا جالوت ! فأخذهن داود وألقاهن في مخلاته . فلما ألقاهن سمع حجرا منهن يقول لصاحبه : أنا حجر هارون الذي قتل بي ملك كذا وكذا . قال الثاني : أنا حجر موسى الذي قتل بي ملك كذا وكذا . قال الثالث : أنا حجر داود الذي أقتل جالوت ! فقال الحجران : يا حجر داود نحن أعوان لك ! فصرن حجرا واحدا . وقال الحجر : يا داود ، اقذف بي ، فإني سأستعين بالريح - وكانت بيضته فيما يقولون والله أعلم فيها ستمائة رطل - فأقع في رأس جالوت فأقتله ! قال ابن جريج ، وقال مجاهد : سمى واحدا إبراهيم ، والآخر إسحاق ، والآخر يعقوب ، وقال : باسم إلهي وإله آبائي إبراهيم وإسحاق ويعقوب ؛ وجعلهن في مرجمته - قال ابن جريج : فانطلق حتى نفذ إلى طالوت فقال : إنك قد جعلت لمن قتل جالوت نصف ملكك ونصف كل شيء تملكه ! أفلي ذلك إن قتلته ؟ قال : نعم ! والناس يستهزئون بداود ، وإخوة داود أشد من هنالك عليه . وكان طالوت لا ينتدب إليه أحد زعم أنه يقتل جالوت إلا ألبسه درعا عنده ، فإذا لم تكن قدرا عليه نزعها عنه . وكانت درعا سابغة من دروع طالوت ، فألبسها داود ، فلما رأى قدرها عليه أمره أن يتقدم . فتقدم داود ، فقام مقاما لا يقوم فيه أحد ، وعليه الدرع . فقال له جالوت : ويحك ! من أنت ؟ إني [ ص: 371 ] أرحمك ! ليتقدم إلي غيرك من هذه الملوك ! أنت إنسان ضعيف مسكين ! فارجع . فقال داود : أنا الذي أقتلك بإذن الله ، ولن أرجع حتى أقتلك ! فلما أبى داود إلا قتاله ، تقدم جالوت إليه ليأخذه بيده مقتدرا عليه ، فأخرج الحجر من المخلاة ، فدعا ربه ورماه بالحجر ، فألقت الريح بيضته عن رأسه ، فوقع الحجر في رأس جالوت حتى دخل في جوفه فقتله . قال ابن جريج : وقال مجاهد : لما رمى جالوت بالحجر خرق ثلاثا وثلاثين بيضة عن رأسه ، وقتلت من ورائه ثلاثين ألفا . قال الله تعالى : " وقتل داود جالوت " . فقال داود لطالوت : ف لي بما جعلت . فأبى طالوت أن يعطيه ذلك . فانطلق داود فسكن مدينة من مدائن بني إسرائيل حتى مات طالوت . فلما مات عمد بنو إسرائيل إلى داود فجاءوا به فملكوه ، وأعطوه خزائن طالوت ، وقالوا : لم يقتل جالوت إلا نبي ! قال الله : " وقتل داود جالوت وآتاه الله الملك والحكمة وعلمه مما يشاء " .

القول في تأويل قوله تعالى ( وآتاه الله الملك والحكمة وعلمه مما يشاء )

قال أبو جعفر : يعني - تعالى ذكره - بذلك : وأعطى الله داود الملك والحكمة وعلمه مما يشاء " والهاء " في قوله : " وآتاه الله " عائدة على داود . والملك : السلطان ، والحكمة : النبوة . وقوله : " وعلمه مما يشاء " يعني : علمه صنعة الدروع والتقدير في السرد ، كما قال الله - تعالى ذكره - : ( وعلمناه صنعة لبوس لكم لتحصنكم من بأسكم [ ص: 372 ] ) [ سورة الأنبياء : 80 ] .

وقد قيل إن معنى قوله : " وآتاه الله الملك والحكمة " أن الله آتى داود ملك طالوت ونبوة أشمويل .

ذكر من قال ذلك :

5748 - حدثني موسى قال : حدثنا عمرو قال : حدثنا أسباط ، عن السدي قال : ملك داود بعدما قتل طالوت ، وجعله الله نبيا ، وذلك قوله : " وآتاه الله الملك والحكمة " قال : الحكمة هي النبوة ، آتاه نبوة شمعون وملك طالوت .

القول في تأويل قوله تعالى ( ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض ولكن الله ذو فضل على العالمين ( 251 ) )

قال أبو جعفر : يعني - تعالى ذكره - بذلك : ولولا أن الله يدفع ببعض الناس وهم أهل الطاعة له والإيمان به بعضا وهم أهل المعصية لله والشرك به ، كما دفع عن المتخلفين عن طالوت يوم جالوت من أهل الكفر بالله والمعصية له - وقد أعطاهم ما سألوا ربهم ابتداء من بعثة ملك عليهم ليجاهدوا معه في سبيله بمن جاهد معه من أهل الإيمان بالله واليقين والصبر - جالوت وجنوده " لفسدت الأرض " يعني : لهلك أهلها بعقوبة الله إياهم ، ففسدت بذلك الأرض ولكن الله ذو من على خلقه وتطول عليهم بدفعه بالبر من خلقه عن الفاجر ، وبالمطيع عن العاصي منهم ، وبالمؤمن عن الكافر . [ ص: 373 ]

وهذه الآية إعلام من الله - تعالى ذكره - أهل النفاق الذين كانوا على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المتخلفين عن مشاهده والجهاد معه للشك الذي في نفوسهم ومرض قلوبهم ، والمشركين وأهل الكفر منهم ، وأنه إنما يدفع عنهم معاجلتهم العقوبة على كفرهم ونفاقهم بإيمان المؤمنين به وبرسوله الذين هم أهل البصائر والجد في أمر الله ، وذوو اليقين بإنجاز الله إياهم وعده على جهاد أعدائه وأعداء رسوله من النصر في العاجل ، والفوز بجنانه في الآجل .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

5749 - حدثني محمد بن عمر قال : حدثنا أبو عاصم عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله : " ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض " يقول : ولولا دفع الله بالبر عن الفاجر ، وببقية أخلاف الناس بعضهم عن بعض " لفسدت الأرض " بهلاك أهلها .

5750 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : " ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض " يقول : ولولا دفاع الله بالبر عن الفاجر ، وببقية أخلاف الناس بعضهم عن بعض لهلك أهلها .

5751 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا أبي ، عن حنظلة ، عن أبي مسلم قال : سمعت عليا يقول : لولا بقية من المسلمين فيكم لهلكتم . [ ص: 374 ]

5752 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع في قوله : " ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض " يقول : لهلك من في الأرض .

5753 - حدثني أبو حميد الحمصي أحمد بن المغيرة قال : حدثنا يحيى بن سعيد قال : حدثنا حفص بن سليمان ، عن محمد بن سوقة ، عن وبرة بن عبد الرحمن ، عن ابن عمر قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إن الله ليدفع بالمؤمن الصالح عن مائة أهل بيت من جيرانه البلاء " ثم قرأ ابن عمر : " ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض " .

5754 - حدثني أحمد أبو حميد الحمصي قال : حدثنا يحيى بن سعيد قال : حدثنا عثمان بن عبد الرحمن ، عن محمد بن المنكدر ، عن جابر بن عبد الله قال : [ ص: 375 ] قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إن الله ليصلح بصلاح الرجل المسلم ولده وولد ولده وأهل دويرته ودويرات حوله ، ولا يزالون في حفظ الله ما دام فيهم .

قال أبو جعفر : وقد دللنا على قوله : " العالمين " وذكرنا الرواية فيه .

وأما القرأة ، فإنها اختلفت في قراءة قوله : " ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض " .

فقرأته جماعة من القرأة : ( ولولا دفع الله ) على وجه المصدر من قول القائل : [ ص: 376 ] " دفع الله عن خلقه فهو يدفع دفعا " . واحتجت لاختيارها ذلك بأن الله - تعالى ذكره - هو المتفرد بالدفع عن خلقه ، ولا أحد يدافعه فيغالبه .

وقرأت ذلك جماعة أخر من القرأة : ( ولولا دفاع الله الناس ) على وجه المصدر من قول القائل : " دافع الله عن خلقه فهو يدافع مدافعة ودفاعا " واحتجت لاختيارها ذلك بأن كثيرا من خلقه يعادون أهل دين الله وولايته والمؤمنين به ، فهم بمحاربتهم إياهم ومعاداتهم لهم لله مدافعون بظنونهم ، ومغالبون بجهلهم ، والله مدافعهم عن أوليائه وأهل طاعته والإيمان به .

قال أبو جعفر : والقول في ذلك عندي أنهما قراءتان قد قرأت بهما القرأة ، وجاءت بهما جماعة الأمة ، وليس في القراءة بأحد الحرفين إحالة معنى الآخر . وذلك أن من دافع غيره عن شيء فمدافعه عنه بشيء دافع . ومتى امتنع المدفوع عن الاندفاع فهو لمدافعه مدافع . ولا شك أن جالوت وجنوده كانوا بقتالهم طالوت وجنوده محاولين مغالبة حزب الله وجنده ، وكان في محاولتهم ذلك محاولة مغالبة الله ودفاعه عما قد تضمن لهم من النصرة . وذلك هو معنى " مدافعة الله " عن الذين دافع الله عنهم بمن قاتل جالوت وجنوده من أوليائه . فبين إذا أن سواء قراءة من قرأ : ( ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض ) وقراءة من قرأ : ( ولولا دفاع الله الناس بعضهم ببعض ) في التأويل والمعنى .

[ ص: 377 ] القول في تأويل قوله تعالى ( تلك آيات الله نتلوها عليك بالحق وإنك لمن المرسلين ( 252 ) )

قال أبو جعفر : يعني - تعالى ذكره - بقوله : " تلك آيات الله " هذه الآيات التي اقتص الله فيها أمر الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت ، وأمر الملأ من بني إسرائيل من بعد موسى الذين سألوا نبيهم أن يبعث لهم طالوت ملكا وما بعدها من الآيات إلى قوله : " والله ذو فضل على العالمين " .

ويعني بقوله : " آيات الله " : حججه وأعلامه وأدلته .

يقول الله - تعالى ذكره - : فهذه الحجج التي أخبرتك بها يا محمد ، وأعلمتك - من قدرتي على إماتة من هرب من الموت في ساعة واحدة وهم ألوف ، وإحيائي إياهم بعد ذلك ، وتمليكي طالوت أمر بني إسرائيل بعد إذ كان سقاء أو دباغا من غير أهل بيت المملكة ، وسلبي ذلك إياه بمعصيته أمري ، وصرفي ملكه إلى داود لطاعته إياي ، ونصرتي أصحاب طالوت مع قلة عددهم ، وضعف شوكتهم على جالوت وجنوده مع كثرة عددهم ، وشدة بطشهم - حججي على من جحد نعمتي ، وخالف أمري ، وكفر برسولي من أهل الكتابين التوراة والإنجيل ، العالمين بما اقتصصت عليك من الأنباء الخفية ، التي يعلمون أنها من عندي لم تتخرصها ولم تتقولها أنت يا محمد ؛ لأنك أمي ، ولست ممن قرأ الكتب ، فيلتبس عليهم أمرك ، ويدعوا أنك قرأت ذلك فعلمته من بعض أسفارهم ، ولكنها حججي عليهم أتلوها [ ص: 378 ] عليك يا محمد بالحق اليقين كما كان ، لا زيادة فيه ولا تحريف ولا تغيير شيء منه عما كان . " وإنك " يا محمد " لمن المرسلين " يقول : إنك لمرسل متبع في طاعتي ، وإيثار مرضاتي على هواك ، فسالك في ذلك من أمرك سبيل من قبلك من رسلي الذين أقاموا على أمري ، وآثروا رضاي على هواهم ، ولم تغيرهم الأهواء ، ومطامع الدنيا ، كما غير طالوت هواه ، وإيثاره ملكه على ما عندي لأهل ولايتي ، ولكنك مؤثر أمري كما آثره المرسلون الذين قبلك .

القول في تأويل قوله تعالى ( تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض منهم من كلم الله ورفع بعضهم درجات )

قال أبو جعفر : يعني - تعالى ذكره - بقوله : " تلك " الرسل الذين قص الله قصصهم في هذه السورة ، كموسى بن عمران وإبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب وشمويل وداود ، وسائر من ذكر نبأهم في هذه السورة يقول - تعالى ذكره - : هؤلاء رسلي فضلت بعضهم على بعض ، فكلمت بعضهم والذي كلمته منهم موسى - صلى الله عليه وسلم - ورفعت بعضهم درجات على بعض بالكرامة ورفعة المنزلة كما : -

5755 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قول الله - تعالى ذكره - : " تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض " قال : يقول : منهم من كلم الله ، ورفع بعضهم على بعض درجات . يقول : كلم الله موسى ، وأرسل محمدا إلى الناس كافة .

5756 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد بنحوه . [ ص: 379 ]

ومما يدل على صحة ما قلنا في ذلك :

5757 - قول النبي - صلى الله عليه وسلم - : " أعطيت خمسا لم يعطهن أحد قبلي : بعثت إلى الأحمر والأسود ، ونصرت بالرعب فإن العدو ليرعب مني على مسيرة شهر ، وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا ، وأحلت لي الغنائم ولم تحل لأحد كان قبلي ، وقيل لي : سل تعطه ، فاختبأتها شفاعة لأمتي ، فهي نائلة منكم - إن شاء الله - من لا يشرك بالله شيئا " .

القول في تأويل قوله تعالى ( وآتينا عيسى ابن مريم البينات وأيدناه بروح القدس )

قال أبو جعفر : يعني - تعالى ذكره - بقوله : " وآتينا عيسى ابن مريم البينات " وآتينا عيسى ابن مريم الحجج والأدلة على نبوته : من إبراء الأكمه والأبرص ، وإحياء الموتى ، وما أشبه ذلك مع الإنجيل الذي أنزلته إليه ، فبينت فيه ما فرضت عليه .

ويعني - تعالى ذكره - بقوله : " وأيدناه " وقويناه وأعناه " بروح القدس " يعني بروح الله ، وهو جبريل . وقد ذكرنا اختلاف أهل العلم في معنى روح [ ص: 380 ] القدس ، والذي هو أولى بالصواب من القول في ذلك فيما مضى قبل ، فأغنى ذلك عن إعادته في هذا الموضع .
القول في تأويل قوله تعالى ( ولو شاء الله ما اقتتل الذين من بعدهم من بعد ما جاءتهم البينات )

قال أبو جعفر : يعني - تعالى ذكره - بذلك : ولو أراد الله " ما اقتتل الذين من بعدهم " يعني من بعد الرسل الذين وصفهم بأنه فضل بعضهم على بعض ، ورفع بعضهم درجات ، وبعد عيسى ابن مريم ، وقد جاءهم من الآيات بما فيه مزدجر لمن هداه الله ووفقه .

ويعني بقوله : " من بعد ما جاءتهم البينات " يعني : من بعد ما جاءهم من آيات الله ما أبان لهم الحق ، وأوضح لهم السبيل .

وقد قيل : إن " الهاء " " والميم " في قوله : " من بعدهم " من ذكر موسى وعيسى . ذكر من قال ذلك :





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 49.13 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 48.50 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.28%)]