عرض مشاركة واحدة
  #366  
قديم 10-01-2023, 08:33 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,288
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد


تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الخامس
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(352)
الحلقة (366)
صــ 326 إلى صــ 340





[ ص: 326 ] القول في تأويل قوله ( فيه سكينة من ربكم )

قال أبو جعفر : يعني - تعالى ذكره - بقوله : " فيه " في التابوت " سكينة من ربكم " .

واختلف أهل التأويل في معنى " السكينة " .

فقال بعضهم : هي ريح هفافة لها وجه كوجه الإنسان .

ذكر من قال ذلك :

5665 - حدثنا عمران بن موسى قال : حدثنا عبد الوارث بن سعيد قال : حدثنا محمد بن جحادة ، عن سلمة بن كهيل ، عن أبي وائل ، عن علي بن أبي طالب قال : السكينة ريح هفافة لها وجه كوجه الإنسان .

5666 - حدثنا محمد بن بشار قال : حدثنا عبد الرحمن بن مهدي قال : حدثنا سفيان وحدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا سفيان عن سلمة بن كهيل ، عن أبي الأحوص ، عن علي قال : السكينة لها وجه كوجه الإنسان ، ثم هي ريح هفافة .

5667 - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال : حدثنا هشيم ، عن العوام بن حوشب ، عن سلمة بن كهيل ، عن علي بن أبي طالب في قوله : " فيه سكينة من ربكم " قال : ريح هفافة لها صورة . وقال يعقوب في حديثه : لها وجه . وقال ابن المثنى : كوجه الإنسان .

5668 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا جرير ، عن منصور ، عن سلمة بن كهيل قال : قال علي : السكينة لها وجه كوجه الإنسان ، وهي ريح هفافة . [ ص: 327 ]

5669 - حدثنا هناد بن السري قال : حدثنا أبو الأحوص ، عن سماك بن حرب ، عن خالد بن عرعرة قال : قال علي : السكينة ريح خجوج ، ولها رأسان .

5670 - حدثنا محمد بن المثنى قال : حدثنا محمد بن جعفر قال : حدثنا شعبة ، عن سماك قال : سمعت خالد بن عرعرة ، يحدث عن علي نحوه .

5671 - حدثنا ابن المثنى قال : حدثنا أبو داود قال : حدثنا شعبة ، وحماد بن سلمة ، وأبو الأحوص ، كلهم عن سماك ، عن خالد بن عرعرة ، عن علي نحوه .

وقال آخرون : لها رأس كرأس الهرة وجناحان .

ذكر من قال ذلك :

5672 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله تعالى : " فيه سكينة من ربكم " قال : أقبلت السكينة [ والصرد ] وجبريل مع إبراهيم من الشأم قال ابن أبي نجيح ، سمعت مجاهدا يقول : السكينة لها رأس كرأس الهرة وجناحان .

5673 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد نحوه .

5674 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا أبي قال : حدثنا سفيان ، عن ليث ، عن مجاهد قال : السكينة لها جناحان وذنب . [ ص: 328 ]

5675 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا الثوري ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد قال : لها جناحان وذنب مثل ذنب الهرة .

وقال آخرون : بل هي رأس هرة ميتة .

ذكر من قال ذلك :

5677 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، عن وهب بن منبه ، عن بعض أهل العلم من بني إسرائيل قال : السكينة رأس هرة ميتة ، كانت إذا صرخت في التابوت بصراخ هر ، أيقنوا بالنصر وجاءهم الفتح .

وقال آخرون : إنما هي طست من ذهب من الجنة ، كان يغسل فيه قلوب الأنبياء .

ذكر من قال ذلك :

5678 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا عثمان بن سعيد قال : حدثنا الحكم بن ظهير ، عن السدي ، عن أبي مالك ، عن ابن عباس : " فيه سكينة من ربكم " قال : طست من ذهب من الجنة ، كان يغسل فيه قلوب الأنبياء .

5679 - حدثني موسى بن هارون قال : حدثنا عمرو قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : " فيه سكينة من ربكم " السكينة : طست من ذهب يغسل فيها قلوب الأنبياء ، أعطاها الله موسى ، وفيها وضع الألواح . وكانت الألواح - فيما بلغنا - من در وياقوت وزبرجد .

وقال آخرون : " السكينة " روح من الله تتكلم .

ذكر من قال ذلك :

5680 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا بكار [ ص: 329 ] بن عبد الله قال : سألنا وهب بن منبه فقلنا له : السكينة ؟ قال : روح من الله يتكلم ، إذا اختلفوا في شيء تكلم فأخبرهم ببيان ما يريدون .

5681 - حدثنا محمد بن عسكر قال : حدثنا عبد الرزاق قال : حدثنا بكار بن عبد الله : أنه سمع وهب بن منبه ، فذكر نحوه .

وقال آخرون : " السكينة " ما يعرفون من الآيات فيسكنون إليه .

ذكر من قال ذلك :

5682 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج قال : سألت عطاء بن أبي رباح عن قوله : " فيه سكينة من ربكم " الآية ، قال : أما السكينة فما يعرفون من الآيات ، يسكنون إليها .

وقال آخرون : " السكينة " الرحمة .

ذكر من قال ذلك :

5683 - حدثت عن عمار بن الحسن قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع : " فيه سكينة من ربكم " أي رحمة من ربكم .

وقال آخرون : " السكينة " هي الوقار .

ذكر من قال ذلك :

5684 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة في قوله : " فيه سكينة من ربكم " أي وقار .

قال أبو جعفر : وأولى هذه الأقوال بالحق في معنى " السكينة " ما قاله عطاء بن أبي رباح : من الشيء تسكن إليه النفوس من الآيات التي يعرفونها . وذلك أن [ ص: 330 ] " السكينة " في كلام العرب " الفعيلة " من قول القائل : " سكن فلان إلى كذا وكذا " إذا اطمأن إليه وهدأت عنده نفسه " فهو يسكن سكونا وسكينة " مثل قولك : " عزم فلان هذا الأمر عزما وعزيمة " " وقضى الحاكم بين القوم قضاء وقضية " ومنه قول الشاعر :


لله قبر غالها ! ماذا يجن ؟ لقد أجن سكينة ووقارا


وإذا كان معنى " السكينة " ما وصفت ، فجائز أن يكون ذلك على ما قاله علي بن أبي طالب على ما روينا عنه ، وجائز أن يكون ذلك على ما قاله مجاهد على ما حكينا عنه ، وجائز أن يكون ما قاله وهب بن منبه وما قاله السدي ؛ لأن كل ذلك آيات كافيات تسكن إليهن النفوس ، وتثلج بهن الصدور . وإذا كان معنى " السكينة " ما وصفنا ، فقد اتضح أن الآية التي كانت في التابوت ، التي كانت النفوس تسكن إليها لمعرفتها بصحة أمرها ، إنما هي مسماة بالفعل وهي غيره ، لدلالة الكلام عليه .

القول في تأويل قوله ( وبقية مما ترك آل موسى وآل هارون )

قال أبو جعفر : يعني - تعالى ذكره - بقوله : " وبقية " الشيء الباقي ، من قول القائل : " قد بقي من هذا الأمر بقية " وهي " فعيلة " منه ، نظير " السكينة " من " سكن " . [ ص: 331 ]

وقوله : " مما ترك آل موسى وآل هارون " يعني به : من تركة آل موسى ، وآل هارون .

واختلف أهل التأويل في " البقية " التي كانت بقيت من تركتهم .

فقال بعضهم : كانت تلك " البقية " عصا موسى ورضاض الألواح .

ذكر من قال ذلك :

5685 - حدثنا حميد بن مسعدة قال : حدثنا بشر بن المفضل قال : حدثنا داود ، عن عكرمة قال : أحسبه عن ابن عباس أنه قال في هذه الآية : " وبقية مما ترك آل موسى وآل هارون " قال : رضاض الألواح .

5686 - حدثنا محمد بن عبد الله بن بزيع قال : حدثنا بشر قال : حدثنا داود ، عن عكرمة قال داود : وأحسبه عن ابن عباس مثله .

5687 - حدثنا ابن المثنى قال : حدثنا أبو الوليد قال : حدثنا حماد ، عن داود بن أبي هند ، عن عكرمة ، عن ابن عباس في هذه الآية : " وبقية مما ترك آل موسى وآل هارون " قال : عصا موسى ورضاض الألواح .

5688 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : " وبقية مما ترك آل موسى وآل هارون " قال : فكان في التابوت عصا موسى ورضاض الألواح ، فيما ذكر لنا .

5689 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة في قوله : " وبقية مما ترك آل موسى وآل هارون " قال : البقية عصا موسى ورضاض الألواح .

5690 - حدثني موسى قال : حدثنا عمرو قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : " وبقية مما ترك آل موسى وآل هارون ، أما البقية ، فإنها عصا موسى [ ص: 332 ] ورضاضة الألواح .

5691 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع : " وبقية مما ترك آل موسى وآل هارون " عصا موسى وأثور من التوراة .

5692 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا عبد الوهاب الثقفي ، عن خالد الحذاء ، عن عكرمة في هذه الآية : " وبقية مما ترك آل موسى وآل هارون " قال : التوراة ورضاض الألواح والعصا قال إسحاق ، قال وكيع : ورضاضه كسره .

5693 - حدثني يعقوب قال : حدثنا ابن علية ، عن خالد ، عن عكرمة في قوله : " وبقية مما ترك آل موسى وآل هارون " قال : رضاض الألواح .

وقال آخرون : بل تلك " البقية " عصا موسى وعصا هارون ، وشيء من الألواح .

ذكر من قال ذلك :

5694 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا جابر بن نوح ، عن إسماعيل ، عن ابن أبي خالد ، عن أبي صالح : " أن يأتيكم التابوت فيه سكينة من ربكم وبقية مما ترك آل موسى وآل هارون " قال : كان فيه عصا موسى وعصا هارون ، ولوحان من التوراة ، والمن . [ ص: 333 ]

5695 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا ابن إدريس قال : سمعت أبي ، عن عطية بن سعد في قوله : " وبقية مما ترك آل موسى وآل هارون " قال : عصا موسى ، وعصا هارون ، وثياب موسى ، وثياب هارون ، ورضاض الألواح .

وقال آخرون : بل هي العصا والنعلان .

ذكر من قال ذلك :

5696 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : سألت الثوري عن قوله : " وبقية مما ترك آل موسى وآل هارون " قال : منهم من يقول : البقية قفيز من من ورضاض الألواح ، ومنهم من يقول : العصا والنعلان .

وقال آخرون : بل كان ذلك العصا وحدها .

ذكر من قال ذلك :

5697 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا بكار بن عبد الله قال : قلنا لوهب بن منبه : ما كان فيه ؟ يعني في التابوت قال : كان فيه عصا موسى والسكينة .

وقال آخرون : بل كان ذلك ، رضاض الألواح وما تكسر منها .

ذكر من قال ذلك :

5698 - حدثنا القاسم قال : حدثني حجاج قال : قال ابن جريج ، قال ابن عباس في قوله : " وبقية مما ترك آل موسى وآل هارون " قال : كان موسى حين ألقى الألواح تكسرت ورفع منها ، فجعل الباقي في ذلك التابوت . [ ص: 334 ]

5699 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج قال : سألت عطاء بن أبي رباح عن قوله : " وبقية مما ترك آل موسى وآل هارون " [ قال ] العلم والتوراة .

وقال آخرون : بل ذلك الجهاد في سبيل الله .

ذكر من قال ذلك :

5700 - حدثت عن الحسين بن الفرج قال : سمعت أبا معاذ قال : أخبرنا عبيد الله بن سليمان قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : " وبقية مما ترك آل موسى وآل هارون " يعني ب " البقية " القتال في سبيل الله ، وبذلك قاتلوا مع طالوت ، وبذلك أمروا .

قال أبو جعفر : وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال : إن الله - تعالى ذكره - أخبر عن التابوت الذي جعله آية لصدق قول نبيه - صلى الله عليه - الذي قال لأمته : " إن الله قد بعث لكم طالوت ملكا " أن فيه سكينة منه وبقية مما تركه آل موسى وآل هارون . وجائز أن يكون تلك البقية : العصا ، وكسر الألواح والتوراة ، أو بعضها ، والنعلين ، والثياب ، والجهاد في سبيل الله . وجائز أن يكون بعض ذلك ، وذلك أمر لا يدرك علمه من جهة الاستخراج ولا اللغة ، ولا يدرك علم ذلك إلا بخبر يوجب عنه العلم . ولا خبر عند أهل الإسلام في ذلك للصفة التي وصفنا . وإذ كان كذلك ، فغير جائز فيه تصويب قول وتضعيف آخر غيره ، إذ كان جائزا فيه ما قلنا من القول .

[ ص: 335 ] القول في تأويل قوله ( تحمله الملائكة )

قال أبو جعفر : اختلف أهل التأويل في صفة حمل الملائكة ذلك التابوت .

فقال بعضهم : معنى ذلك : تحمله بين السماء والأرض ، حتى تضعه بين أظهرهم .

ذكر من قال ذلك :

5701 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج قال : قال ابن عباس : جاءت الملائكة بالتابوت تحمله بين السماء والأرض وهم ينظرون إليه ، حتى وضعته عند طالوت .

5702 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد : لما قال لهم - يعني - النبي لبني إسرائيل : " والله يؤتي ملكه من يشاء " . قالوا : فمن لنا بأن الله هو آتاه هذا ! ما هو إلا لهواك فيه ! قال : إن كنتم قد كذبتموني واتهمتموني ، فإن آية ملكه : " أن يأتيكم التابوت فيه سكينة من ربكم " الآية . قال : فنزلت الملائكة بالتابوت نهارا ينظرون إليه عيانا ، حتى وضعوه بين أظهرهم ، فأقروا غير راضين ، وخرجوا ساخطين ، وقرأ حتى بلغ : " والله مع الصابرين " .

5703 - حدثني موسى قال : حدثنا عمرو قال : حدثنا أسباط ، عن السدي قال : لما قال لهم نبيهم : " إن الله اصطفاه عليكم وزاده بسطة في العلم والجسم " قالوا : فإن كنت صادقا فأتنا بآية أن هذا ملك ! قال : " إن آية ملكه أن يأتيكم التابوت فيه سكينة من ربكم وبقية مما ترك آل موسى وآل هارون تحمله الملائكة " . وأصبح التابوت وما فيه في دار طالوت ، فآمنوا بنبوة شمعون ، وسلموا ملك طالوت .

5704 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا [ ص: 336 ] معمر ، عن قتادة في قوله : " تحمله الملائكة " قال : تحمله حتى تضعه في بيت طالوت .

وقال آخرون : معنى ذلك : تسوق الملائكة الدواب التي تحمله .

ذكر من قال ذلك :

5705 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا الثوري ، عن بعض أشياخه قال : تحمله الملائكة على عجلة على بقرة .

5706 - حدثنا الحسن قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا عبد الصمد بن معقل : أنه سمع وهب بن منبه يقول : وكل بالبقرتين اللتين سارتا بالتابوت أربعة من الملائكة يسوقونهما ، فسارت البقرتان بهما سيرا سريعا ، حتى إذا بلغتا طرف القدس ذهبتا .

قال أبو جعفر : وأولى القولين في ذلك بالصواب قول من قال : " حملت التابوت الملائكة حتى وضعته لها في دار طالوت قائما بين أظهر بني إسرائيل " . وذلك أن الله - تعالى ذكره - قال : " تحمله الملائكة " ولم يقل : تأتي به الملائكة . وما جرته البقر على عجل - وإن كانت الملائكة هي سائقتها - فهي غير حاملته ؛ لأن " الحمل " المعروف هو مباشرة الحامل بنفسه حمل ما حمل ، فأما ما حمله على غيره - وإن كان جائزا في اللغة أن يقال " حمله " بمعنى معونته الحامل ، وبأن حمله كان عن سببه - فليس سبيله سبيل ما باشر حمله بنفسه ، في تعارف الناس إياه [ ص: 337 ] بينهم . وتوجيه تأويل القرآن إلى الأشهر من اللغات ، أولى من توجيهه إلى الأنكر ، ما وجد إلى ذلك سبيل .

القول في تأويل قوله ( إن في ذلك لآية لكم إن كنتم مؤمنين ( 248 ) )

قال أبو جعفر : يعني - تعالى ذكره - بذلك : أن نبيه أشمويل قال لبني إسرائيل : إن في مجيئكم التابوت فيه سكينة من ربكم وبقية مما ترك آل موسى وآل هارون حاملته الملائكة " لآية لكم " يعني : لعلامة لكم ودلالة - أيها الناس - على صدقي فيما أخبرتكم أن الله بعث لكم طالوت ملكا ، إن كنتم قد كذبتموني فيما أخبرتكم به من تمليك الله إياه عليكم ، واتهمتموني في خبري إياكم بذلك " إن كنتم مؤمنين " يعني بذلك : إن كنتم مصدقي عند مجيء الآية التي سألتمونيها على صدقي فيما أخبرتكم به من أمر طالوت وملكه .

وإنما قلنا ذلك معناه ؛ لأن القوم قد كانوا كفروا بالله في تكذيبهم نبيهم وردهم عليه قوله : " إن الله قد بعث لكم طالوت ملكا " بقولهم : " أنى يكون له الملك علينا ونحن أحق بالملك منه " وفي مسألتهم إياه الآية على صدقه . فإذ كان ذلك منهم كفرا ،

فغير جائز أن يقال لهم وهم كفار : لكم في مجيء التابوت آية إن كنتم من أهل الإيمان بالله ورسوله وليسوا من أهل الإيمان بالله ولا برسوله . ولكن الأمر في ذلك على ما وصفنا من معناه ؛ لأنهم سألوا الآية [ ص: 338 ] على صدق خبره إياهم ليقروا بصدقه . فقال لهم : في مجيء التابوت - على ما وصفه لهم - آية لكم إن كنتم عند مجيئه كذلك مصدقي بما قلت لكم وأخبرتكم به .

القول في تأويل قوله تعالى ( فلما فصل طالوت بالجنود قال إن الله مبتليكم بنهر فمن شرب منه فليس مني ومن لم يطعمه فإنه مني إلا من اغترف غرفة بيده فشربوا منه إلا قليلا منهم )

قال أبو جعفر : وفي هذا الخبر من الله - تعالى ذكره - متروك قد استغني بدلالة ما ذكر عليه عن ذكره . ومعنى الكلام : " إن في ذلك لآية لكم إن كنتم مؤمنين " فأتاهم التابوت فيه سكينة من ربهم وبقية مما ترك آل موسى وآل هارون تحمله الملائكة ، فصدقوا عند ذلك نبيهم وأقروا بأن الله قد بعث طالوت ملكا عليهم ، وأذعنوا له بذلك . يدل على ذلك قوله : " فلما فصل طالوت بالجنود " . وما كان ليفصل بهم إلا بعد رضاهم به وتسليمهم الملك له ؛ لأنه لم يكن ممن يقدر على إكراههم على ذلك ، فيظن به أنه حملهم على ذلك كرها .

وأما قوله : " فصل " فإنه يعني به : شخص بالجند ورحل بهم .

وأصل " الفصل " القطع ، يقال منه : " فصل الرجل من موضع كذا وكذا " يعني به قطع ذلك ، فجاوزه شاخصا إلى غيره " يفصل فصولا " " وفصل العظم والقول من غيره ، فهو يفصله فصلا " إذا قطعه فأبانه ، " وفصل الصبي فصالا " إذا قطعه عن اللبن . " وقول فصل " يقطع فيفرق بين الحق والباطل لا يرد . [ ص: 339 ]

وقيل : إن طالوت فصل بالجنود يومئذ من بيت المقدس وهم ثمانون ألف مقاتل ، لم يتخلف من بني إسرائيل عن الفصول معه إلا ذو علة لعلته ، أو كبير لهرمه ، أو معذور لا طاقة له بالنهوض معه .

ذكر من قال ذلك :

5707 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق قال : حدثني بعض أهل العلم ، عن وهب بن منبه قال : خرج بهم طالوت حين استوثقوا له ، ولم يتخلف عنه إلا كبير ذو علة ، أو ضرير معذور ، أو رجل في ضيعة لا بد له من تخلف فيها .

5708 - حدثني موسى قال : حدثنا عمرو قال : حدثنا أسباط ، عن السدي قال : لما جاءهم التابوت آمنوا بنبوة شمعون ، وسلموا ملك طالوت ، فخرجوا معه وهم ثمانون ألفا .

قال أبو جعفر : فلما فصل بهم طالوت على ما وصفنا ، قال : " إن الله مبتليكم بنهر " يقول : إن الله مختبركم بنهر ، ليعلم كيف طاعتكم له .

وقد دللنا على أن معنى " الابتلاء " الاختبار فيما مضى بما أغنى عن إعادته .

وبما قلنا في ذلك كان قتادة يقول .

5709 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة في قول الله تعالى : " إن الله مبتليكم بنهر " قال : إن الله يبتلي خلقه بما يشاء ؛ ليعلم من يطيعه ممن يعصيه . [ ص: 340 ]

وقيل : إن طالوت قال : " إن الله مبتليكم بنهر " لأنهم شكوا إلى طالوت قلة المياه بينهم وبين عدوهم ، وسألوه أن يدعو الله لهم أن يجري بينهم وبين عدوهم نهرا ، فقال لهم طالوت حينئذ ما أخبر عنه أنه قاله من قوله : " إن الله مبتليكم بنهر " .

ذكر من قال ذلك :

5710 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق قال : حدثني بعض أهل العلم ، عن وهب بن منبه قال : لما فصل طالوت بالجنود قالوا : إن المياه لا تحملنا ، فادع الله لنا يجر لنا نهرا ! فقال لهم طالوت : " إن الله مبتليكم بنهر " الآية .

" والنهر " الذي أخبرهم طالوت أن الله مبتليهم به ، قيل : هو نهر بين الأردن وفلسطين .

ذكر من قال ذلك :

5712 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع قال : " إن الله مبتليكم بنهر ، قال الربيع : ذكر لنا - والله أعلم - أنه نهر بين الأردن وفلسطين .

5712 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : " إن الله مبتليكم بنهر " قال : ذكر لنا أنه نهر بين الأردن وفلسطين .

5713 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة قوله : " إن الله مبتليكم بنهر " قال : هو نهر بين الأردن وفلسطين .




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 49.87 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 49.24 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.26%)]