
03-01-2023, 01:57 PM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,520
الدولة :
|
|
رد: فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام

فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام
المؤلف:شيخ الاسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية.
سُورَةُ المائدة
المجلد السادس
الحلقة( 240)
من صــ 286 الى صـ 310
وهذا كما ذكروه ; فإن كل بلد له غرب وشرق، والاعتبار في لفظ النبي - صلى الله عليه وسلم - بغرب مدينته، ومن الفرات هو غرب المدينة، فالبيرة ونحوها على سمت المدينة، كما أن حران والرقة وسميساط ونحوها على سمت مكة. ولهذا يقال: إن قبلة هؤلاء أعدل القبل، بمعنى أنك تجعل القطب الشمالي خلف ظهرك، فتكون مستقبل الكعبة، فما كان غربي الفرات فهو غربي المدينة إلى آخر الأرض، وأهل الشام أول هؤلاء.
والعسكر الذين قاتلوا مع معاوية ما خذلوا قط، بل ولا في قتال علي. فكيف يكون النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " «اللهم اخذل من خذله وانصر من نصره» " [والذين قاتلوا معه لم ينصروا على هؤلاء، بل الشيعة الذين تزعمون أنهم مختصون بعلي ما زالوا مخذولين مقهورين لا ينصرون إلا مع غيرهم: إما مسلمين وإما كفار، وهم يدعون أنهم أنصاره]، فأين نصر الله لمن نصره؟! وهذا وغيره مما يبين كذب هذا الحديث.
(فصل في أن الحسنات سبب للتحليل دينا وكونا والسيئات سبب للتحريم دينا وكونا)
قال شيخ الإسلام - بعد كلام سبق -:
الوجه الثاني والعشرون: أن الحسنات سبب للتحليل دينا وكونا والسيئات سبب للتحريم دينا وكونا؛ فإن التحريم قد يكون حمية؛ وقد يكون عقوبة والإحلال قد يكون سعة؛ وقد يكون عقوبة وفتنة قال تعالى: {أحلت لكم بهيمة الأنعام إلا ما يتلى عليكم غير محلي الصيد وأنتم حرم} فأباح بهيمة الأنعام في حال كونهم غير محلي الصيد وهو اعتقاد تحريم ذلك واجتنابه. وقال: {حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير} إلى قوله: {اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي} وقد ثبت أنها نزلت عشية عرفة في حجة الوداع فأكمل الله الدين بإيجابه لما أوجبه من الواجبات التي آخرها الحج وتحريمه للمحرمات المذكورة في هذه الآية هذا من جهة شرعه ومن جهة الفعل الذي هو تقويته وإعانته ونصره يئس الذين كفروا من ديننا وحج النبي صلى الله عليه وسلم حجة الإسلام فلما أكملوا الدين قال عقب ذلك:
{يسألونك ماذا أحل لهم قل أحل لكم الطيبات وما علمتم من الجوارح مكلبين} إلى قوله: {اليوم أحل لكم الطيبات} فكان إحلاله الطيبات يوم أكمل الدين فأكمله تحريما وتحليلا لما أكملوه امتثالا. وقال: {ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات} الآية وهي بينة في الإصلاح والتقوى والإحسان موجبة لرفع الحرج وإن المؤمن العامل الصالحات المحسن لا حرج عليه ولا جناح فيما طعم فإن فيه عونا له وقوة على الإيمان والعمل الصالح والإحسان: ومن سواهم على الحرج والجناح؛ لأن النعم إنما خلقها الله ليستعان بها على الطاعة والآية مدنية وهي من آخر ما نزل من القرآن وقال تعالى عن إبراهيم:
{وارزق أهله من الثمرات من آمن منهم بالله واليوم الآخر} وقال: {قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة} وقال: {ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض}. وقال. {ولو أن أهل الكتاب آمنوا واتقوا لكفرنا عنهم سيئاتهم ولأدخلناهم جنات النعيم} {ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليهم من ربهم لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم}.
وأما الطرف الآخر فقال تعالى: {فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم وبصدهم عن سبيل الله كثيرا} {وأخذهم الربا وقد نهوا عنه وأكلهم أموال الناس بالباطل} وقال: {وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر} إلى قوله: {ذلك جزيناهم ببغيهم} وقال تعالى: {واسألهم عن القرية التي كانت حاضرة البحر إذ يعدون في السبت} إلى آخر الآيات.
وأما كون الإحلال والإعطاء فتنة فقوله: {وأن لو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماء غدقا} {لنفتنهم فيه} {ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله لنصدقن ولنكونن من الصالحين} {فلما آتاهم من فضله بخلوا به وتولوا وهم معرضون} الآيات {إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها لنبلوهم أيهم أحسن عملا} {وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين} {يا بني إسرائيل قد أنجيناكم من عدوكم} إلى قوله: {كلوا من طيبات ما رزقناكم ولا تطغوا فيه فيحل عليكم غضبي ومن يحلل عليه غضبي فقد هوى}. ويختلف التحليل والتحريم باعتبار النية كما قال تعالى: {وبعولتهن أحق بردهن في ذلك إن أرادوا إصلاحا} وقال: {من بعد وصية يوصى بها أو دين غير مضار}.
(والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم إذا آتيتموهن أجورهن محصنين غير مسافحين ولا متخذي أخدان ومن يكفر بالإيمان فقد حبط عمله وهو في الآخرة من الخاسرين (5)
قال شيخ الإسلام - بعد كلام سبق -:
{والمحصنات من المؤمنات} الحرائر وعن ابن عباس: هن العفائف. فقد نقل عن ابن عباس تفسير {المحصنات} بالحرائر. وبالعفائف وهذا حق. فنقول مما يدل على ذلك قوله تعالى {يسألونك ماذا أحل لهم قل أحل لكم الطيبات وما علمتم من الجوارح مكلبين تعلمونهن مما علمكم الله فكلوا مما أمسكن عليكم واذكروا اسم الله عليه واتقوا الله إن الله سريع الحساب} {اليوم أحل لكم الطيبات وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم إذا آتيتموهن أجورهن محصنين غير مسافحين}. "
المحصنات " قد قال أهل التفسير: هن العفائف. هكذا قال الشعبي والحسن والنخعي والضحاك والسدي. وعن ابن عباس: هن الحرائر ولفظ المحصنات إن أريد به " الحرائر " فالعفة داخلة في الإحصان بطريق الأولى؛ فإن أصل المحصنة هي العفيفة التي أحصن فرجها قال الله تعالى: {ومريم ابنت عمران التي أحصنت فرجها} وقال تعالى: {إن الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات} وهن العفائف قال حسان بن ثابت:
حصان رزان ما تزن بريبة ... وتصبح غرثى من لحوم الغوافل
ثم عادة العرب أن الحرة عندهم لا تعرف بالزنا؛ وإنما تعرف بالزنا الإماء ولهذا {لما بايع النبي صلى الله عليه وسلم هند امرأة أبي سفيان على ألا تزني قالت: أوتزني الحرة} فهذا لم يكن معروفا عندهم. والحرة خلاف الأمة صارت في عرف العامة أن الحرة هي العفيفة؛ لأن الحرة التي ليست أمة كانت معروفة عندهم بالعفة وصار لفظ الإحصان يتناول الحرية مع العفة؛ لأن الإماء لم تكن عفائف وكذلك الإسلام هو ينهى عن الفحشاء والمنكر وكذلك المرأة المتزوجة زوجها يحصنها لأنها تستكفي به ولأنه يغار عليها.
فصار لفظ " الإحصان " يتناول: الإسلام والحرية والنكاح. وأصله إنما هو العفة؛ فإن العفيفة هي التي أحصن فرجها من غير صاحبها كالمحصن الذي يمتنع من غير أهله وإذا كان الله إنما أباح من المسلمين وأهل الكتاب نكاح المحصنات " والبغايا " لسن محصنات: فلم يبح الله نكاحهن. ومما يدل على ذلك قوله: {إذا آتيتموهن أجورهن محصنين غير مسافحين ولا متخذي أخدان} والمسافح الزاني الذي يسفح ماءه مع هذه وهذه وكذلك المسافحة والمتخذة الخدن الذي تكون له صديقة يزني بها دون غيره فشرط في الحل أن يكون الرجل غير مسافح ولا متخذ خدن. فإذا كانت المرأة بغيا وتسافح هذا وهذا لم يكن زوجها محصنا لها عن غيره؛ إذ لو كان محصنا لها كانت محصنة وإذا كانت مسافحة لم تكن محصنة. والله إنما أباح النكاح إذا كان الرجال محصنين غير مسافحين وإذا شرط فيه ألا يزني بغيرها - فلا يسفح ماءه مع غيرها - كان أبلغ وأبلغ.
وقال أهل اللغة: " السفاح " الزنا. قال ابن قتيبة {محصنين} أي متزوجين {غير مسافحين} قال: وأصله من سفحت القربة إذا صببتها. فسمى " الزنا " سفاحا؛ لأنه يصب النطفة وتصب المرأة النطفة. وقال ابن فارس: " السفاح " صب الماء بلا عقد ولا نكاح فهي التي تسفح ماءها. وقال الزجاج: {محصنين} أي عاقدين التزوج.
وقال غيرهما: متعففين غير زانين وكذلك قال في النساء {وأحل لكم ما وراء ذلكم أن تبتغوا بأموالكم محصنين غير مسافحين} ففي هاتين الآيتين اشترط أن يكون الرجال محصنين غير مسافحين بكسر الصاد. " والمحصن " هو الذي يحصن غيره؛ ليس هو المحصن بالفتح الذي يشترط في الحد. فلم يبح إلا تزوج من يكون محصنا للمرأة غير مسافح ومن تزوج ببغي مع بقائها على البغاء ولم يحصنها من غيره - بل هي كما كانت قبل النكاح تبغي مع غيره - فهو مسافح بها لا محصن لها. وهذا حرام بدلالة القرآن.
فإن قيل: إنما أراد بذلك أنك تبتغي بمالك النكاح لا تبتغي به السفاح فتعطيها المهر على أن تكون زوجتك ليس لغيرك فيها حق بخلاف ما إذا أعطيتها على أنها مسافحة لمن تريد وأنها صديقة لك تزني بك دون غيرك فهذا حرام؟ قيل: فإذا كان النكاح مقصوده أنها تكون له؛ لا لغيره وهي لم تتب من الزنا: لم تكن موفية بمقتضى العقد؟ فإن قيل: فإنه يحصنها بغير اختيارها فيسكنها حيث لا يمكنها الزنا؟ قيل:
أما إذا أحصنها بالقهر فليس هو بمثل الذي يمكنها من الخروج إلى الرجال ودخول الرجال إليها؛ لكن قد عرف بالعادات والتجارب أن المرأة إذا كانت لها إرادة في غير الزوج احتالت إلى ذلك بطرق كثيرة وتخفى على الزوج وربما أفسدت عقل الزوج بما تطعمه وربما سحرته أيضا وهذا كثير موجود: رجال أطعمهم نساؤهم وسحرتهم نساؤهم حتى يمكن المرأة أن تفعل ما شاءت؛ وقد يكون قصدها مع ذلك أن لا يذهب هو إلى غيرها؛ فهي تقصد منعه من الحلال أو من الحرام والحلال. وقد تقصد أن يمكنها أن تفعل ما شاءت فلا يبقى محصنا لها قواما عليها؛ بل تبقى هي الحاكمة عليه.
فإذا كان هذا موجودا فيمن تزوجت ولم تكن بغيا: فكيف بمن كانت بغيا؟ والحكايات في هذا الباب كثيرة. ويا ليتها مع التوبة يلزم منه دوام التوبة: فهذا إذا أبيح له نكاحها وقيل له: أحصنها واحتفظ أمكن ذلك. أما بدون التوبة فهذا متعذر أو متعسر.
وقال شيخ الإسلام - رحمه الله تعالى -:
وقوله تعالى {ولا متخذي أخدان} حرم به أن يتخذ صديقة في السر تزني معه لا مع غيره وقد قال سبحانه في آية الإماء {ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات فمن ما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات والله أعلم بإيمانكم بعضكم من بعض فانكحوهن بإذن أهلهن وآتوهن أجورهن بالمعروف محصنات غير مسافحات ولا متخذات أخدان فإذا أحصن فإن أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب} فذكر في " الإماء " {محصنات غير مسافحات ولا متخذات أخدان} وأما " الحرائر " فاشترط فيهن أن يكون الرجال محصنين غير مسافحين وذكر في المائدة {ولا متخذي أخدان}
لما ذكر نساء أهل الكتاب وفي النساء لم يذكر إلا غير مسافحين؛ وذلك أن الإماء كن معروفات بالزنا دون الحرائر فاشترط في نكاحهن أن يكن محصنات غير مسافحات ولا متخذات أخدان فدل ذلك أيضا على أن الأمة التي تبغي لا يجوز تزوجها إلا إذا تزوجها على أنها محصنة يحصنها زوجها فلا تسافح الرجال ولا تتخذ صديقا.
وهذا من أبين الأمور في تحريم نكاح الأمة الفاجرة مع ما تقدم. وقد روي عن ابن عباس {محصنات} عفائف غير زوان {ولا متخذات أخدان} يعني أخلاء: كان أهل الجاهلية يحرمون ما ظهر من الزنا ويستحلون ما خفي. وعنه رواية أخرى: " المسافحات " المعلنات بالزنا " والمتخذات أخدان " ذوات الخليل الواحد. قال بعض المفسرين: كانت المرأة تتخذ صديقا تزني معه ولا تزني مع غيره. فقد فسر ابن عباس هو وغيره من السلف المحصنات بالعفائف وهو كما قالوا وذكروا أن الزنا في الجاهلية كان نوعين: نوعا مشتركا ونوعا مختصا. والمشترك ما يظهر في العادة؛ بخلاف المختص فإنه مستتر في العادة. ولما حرم الله المختص وهو شبيه بالنكاح؛ فإن النكاح تختص فيه المرأة بالرجل: وجب الفرق بين النكاح الحلال والحرام من اتخاذ الأخدان؛ فإن هذه إذا كان يزني بها وحدها لم يعرف أنها لم يطأها غيره ولم يعرف أن الولد الذي تلده منه ولا يثبت لها خصائص النكاح.
فلهذا كان عمر بن الخطاب يضرب على " النكاح السر " فإن نكاح السر من جنس اتخاذ الأخدان شبيه به لا سيما إذا زوجت نفسها بلا ولي ولا شهود وكتما ذلك: فهذا مثل الذي يتخذ صديقة ليس بينهما فرق ظاهر معروف عند الناس يتميز به عن هذا فلا يشاء من يزني بأمرة صديقة له إلا قال: تزوجتها. ولا يشاء أحد أن يقول لمن تزوج في السر: إنه يزني بها إلا قال ذلك فلا بد أن يكون بين الحلال والحرام فرق مبين قال الله تعالى: {وما كان الله ليضل قوما بعد إذ هداهم حتى يبين لهم ما يتقون} وقال تعالى: {وقد فصل لكم ما حرم عليكم} فإذا ظهر للناس أن هذه المرأة قد أحصنها تميزت عن المسافحات والمتخذات أخدانا وإذا كان يمكنها أن تذهب إلى الأجانب لم تتميز المحصنات كما أنه إذا كتم نكاحها فلم يعلم به أحد لم تتميز من المتخذات أخدانا.
(ومن يكفر بالإيمان فقد حبط عمله وهو في الآخرة من الخاسرين (5)
(فصل: فيما يتناوله لفظ " الكفر " و " النفاق " إذا افترقا وإذا اجتمعا، ما يتناوله كل منهما - لفظ " المشركين " قد يقرن بأهل الكتاب فقط، وقد يقرن بالملل الخمس)
قال شيخ الإسلام - رحمه الله تعالى -:
ومن هذا الباب لفظ " الكفر " و " النفاق " فالكفر إذا ذكر مفردا في وعيد الآخرة دخل فيه المنافقون كقوله: {ومن يكفر بالإيمان فقد حبط عمله وهو في الآخرة من الخاسرين}. وقوله: {ومن يكفر بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر فقد ضل ضلالا بعيدا}. وقوله: {لا يصلاها إلا الأشقى} {الذي كذب وتولى} وقوله: {كلما ألقي فيها فوج سألهم خزنتها ألم يأتكم نذير} {قالوا بلى قد جاءنا نذير فكذبنا وقلنا ما نزل الله من شيء إن أنتم إلا في ضلال كبير} وقوله: {وسيق الذين كفروا إلى جهنم زمرا حتى إذا جاءوها فتحت أبوابها وقال لهم خزنتها ألم يأتكم رسل منكم يتلون عليكم آيات ربكم وينذرونكم لقاء يومكم هذا قالوا بلى ولكن حقت كلمة العذاب على الكافرين} {قيل ادخلوا أبواب جهنم خالدين فيها فبئس مثوى المتكبرين}.
وقوله: {ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو كذب بالحق لما جاءه أليس في جهنم مثوى للكافرين}. وقوله: {ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى} {قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا} {قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى} {وكذلك نجزي من أسرف ولم يؤمن بآيات ربه ولعذاب الآخرة أشد وأبقى} وقوله:
منفكين حتى تأتيهم البينة}. وقوله: {إن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين في نار جهنم خالدين فيها أولئك هم شر البرية}. وقوله تعالى {وقل للذين أوتوا الكتاب والأميين أأسلمتم فإن أسلموا فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما عليك البلاغ}. وليس أحد بعد مبعث محمد صلى الله عليه وسلم إلا من الذين أوتوا الكتاب أو الأميين، وكل أمة لم تكن من الذين أوتوا الكتاب فهم من الأميين؛ كالأميين من العرب ومن الخزر والصقالبة والهند والسودان وغيرهم من الأمم الذين لا كتاب لهم فهؤلاء كلهم أميون، والرسول مبعوث إليهم كما بعث إلى الأميين من العرب.
وقوله: {وقل للذين أوتوا الكتاب} - وهو إنما يخاطب الموجودين في زمانه بعد النسخ والتبديل - يدل على أن من دان بدين اليهود والنصارى فهو من الذين أوتوا الكتاب لا يختص هذا اللفظ بمن كانوا متمسكين به قبل النسخ والتبديل ولا فرق بين أولادهم وأولاد غيرهم؛ فإن أولادهم إذا كانوا بعد النسخ والتبديل ممن أوتوا الكتاب فكذلك غيرهم إذا كانوا كلهم كفارا وقد جعلهم الذين أوتوا الكتاب بقوله: {وقل للذين أوتوا الكتاب} وهو لا يخاطب بذلك إلا من بلغته رسالته؛ لا من مات؛ فدل ذلك على أن قوله: {وطعام الذين أوتوا الكتاب} يتناول هؤلاء كلهم كما هو مذهب الجمهور من السلف والخلف وهو مذهب مالك وأبي حنيفة وهو المنصوص عن أحمد في عامة أجوبته لم يختلف كلامه إلا في نصارى بني تغلب، وآخر الروايتين عنه: أنهم تباح نساؤهم وذبائحهم؛ كما هو قول جمهور الصحابة.
وقوله في " الرواية الأخرى ": لا تباح؛ متابعة لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه لم يكن لأجل النسب؛ بل لكونهم لم يدخلوا في دين أهل الكتاب إلا فيما يشتهونه من شرب الخمر ونحوه ولكن بعض التابعين ظن أن ذلك لأجل النسب كما نقل عن عطاء وقال به الشافعي ومن وافقه من أصحاب أحمد وفرعوا على ذلك فروعا كمن كان أحد أبويه كتابيا والآخر ليس بكتابي ونحو ذلك حتى لا يوجد في طائفة من كتب أصحاب أحمد إلا هذا القول؛ وهو خطأ على مذهبه مخالف لنصوصه لم يعلق الحكم بالنسب في مثل هذا ألبتة كما قد بسط في موضعه. ولفظ " المشركين " يذكر مفردا في مثل قوله: {ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن} وهل يتناول أهل الكتاب؟ فيه " قولان " مشهوران للسلف والخلف.
والذين قالوا: بأنها تعم؛ منهم من قال: هي محكمة كابن عمر والجمهور الذين يبيحون نكاح الكتابيات؛ كما ذكره الله في آية المائدة وهي متأخرة عن هذه. ومنهم من يقول: نسخ منها تحريم نكاح الكتابيات. ومنهم من يقول: بل هو مخصوص لم يرد باللفظ العام، وقد أنزل الله تعالى بعد صلح الحديبية قوله: {ولا تمسكوا بعصم الكوافر}. وهذا قد يقال: إنما نهى عن التمسك بالعصمة من كان متزوجا كافرة ولم يكونوا حينئذ متزوجين إلا بمشركة وثنية؛ فلم يدخل في ذلك الكتابيات.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|