عرض مشاركة واحدة
  #4  
قديم 24-12-2022, 03:36 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,262
الدولة : Egypt
افتراضي رد: محمد بن القاسم الأنباري في كتابه الأضداد

محمد بن القاسم الأنباري في كتابه الأضداد




معمر العاني





ب- منهجيته في الشروح:


إن المتتبع لمنهجية الكتاب يجد أن ابن الأنباري كان أكثر موضوعية في كتابه ممن سبقه، فقد ناقش كثيراً من الأضداد التي ذكرها راداً بعضها، وشاكاً في البعض الآخر، وناصاً على عدم ضدية القسم الثالث، ومضى في كتابه شارحاً للألفاظ بصورة واضحة وجلية، ووصف دقيق وبحث شامل لهذا الموضوع.

قال آل ياسين: "لم يكتف ابن الأنباري بجمع المادة اللغوية فحسب، بل راح يمتحنها، محللاً إياها، مناقشاً لها، ولذا وصل إلى نتائج دقيقة أعطت كتابه أهمية كبيرة"[88].


وسأوجز منهجيته في النقاط الآتية:

- يتبنى في شرحه التأويل والتقدير من أجل الوصول إلى نتائج دقيقة في ضدية عدد من الألفاظ، قال: "وكذلك أحلف أن تذهب؛ قال الفراء: من أجاز مع هذه الأفاعيل الوجهين جميعًا، لم يُجِز مع الظن والعلم وما أشبههما إلا وجهاً واحداً؛ فمن قال: ظننت أن تذهب معنا لم يحمله على معنى الجهد، لأنه لا دليل عليه هاهنا وصلح تقدير الجهد مع الأفاعيل الأول؛ لأنها جواب. وفيها معنى تحريج، والتحريج يدل على معنى الجحد المنوي، فمتى قال القائل: نشدتك الله أن تقوم، وأقسمت عليك أن تقوم، فتأويلها: أحرِّج عليك أن لا تفعل، فلهذه العلة من تأويل الجواب والتحريج ما فهم معنى الجحد وهو غير ظاهر ولا منطوق به"[89].

- استعماله مبدأ التعليل لعدد من الألفاظ التي أوردها، فأعان الدارسين والباحثين في الأضداد التي التبست عليهم، ونجد ذلك -على سبيل المثال لا الحصر- في أنه علل مجيء أسماء المدن على ما تعارفه الناس، فمكة سُميت مكة لجذب الناس إليها، والبصرة سُميت بصرة للحجارة البيض الرخوة بها، والكوفة لازدحام الناس بها من قولهم قد تكوّف الرمل تكوفاً، إذا ركب بعضه بعضاً...الخ[90].


- ناقش آراء العلماء، فأيد بعضها وأنكر بعضها الآخر، مما ينم على علمه الواسع وثقافته وسعة اطلاعه ويتجلى ذلك فيما يلي:

- إنكاره آراء عدد من اللغويين كقطرب وابن قتيبة، قال: "وقال قطرب: من الأضداد قولهم: خَذِمَت النعلُ، إذا انقطعت عُروتُها وشسعها، وأخذمتُها: إذا أصلحت عُروتها وشسعها، وهذا ليس عندي من الأضداد لأن خذمت لا يقع إلا على معنى واحد..."[91].
وقال: "قال قطرب: من الأضداد حمأت الركبة حمئاً، إذا أخرجت منها الحمأة، وأحمأتها إحماءً، إذا جعلت فيها الحمأة، قال أبو بكر: وليس هذا عندي من الأضداد لأن لفظ: حمأت يخالف لفظ أحمأت، فكل واحدة من اللفظتين لا تقع إلى على معنى واحد، وما كان على هذا السبيل لا يدخل في الأضداد"[92].

- إنكاره لضدية ما نقله السابقون من ألفاظ: ومن ذلك قوله: "وأما معنى العلم فقوله عز وجل (فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً)، معناه: فمن كان يعلم لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً، وقولهم عندي غير صحيح؛ لأن الرجاء لا يخرج أبداً من معنى الشك"[93].


- جوّز ضدية عدد من الألفاظ بتصريحه بذلك، قال ابن الأنباري: "يقال عاقل، إذا كان حسن التمييز، صحيح العقل والتدبير، ويقال: وَعِل عاقل وهو مما لا يعقل، يراد به قد عقل نفسه في الجبل، فما يبرح منه، ولا يطلب به بدلاً، قال الشاعر:

لقد خفتُ حتى ما تزيد مخافتي على وَعِل في ذي المطارة عاقل[94]


أي حابس نفسه في هذا الموضوع، ويجوز أن يكونا متضادين، وأن يقال أصل العقل في اللغة الحبس"[95].

ومن منهجيته: توثيق الآراء التي أتى بها، ومن ذلك:

- تعرضه للأوصاف التي ذكرتها العرب، أو ما اشتهر عند العرب من صفات وأسماء، من ذلك قوله: "قال أبو عبيد: يقال في ليالي الشهر: ثلاث غُرَر، وثلاث نُفَل، وثلاث تُسَع، وثلاث عُشَر، وثلاث بيض، وثلاث دُرَع، وثلاث ظُلَم، وثلاث حنادس، وثلاث دآديّ، وثلاث محاق"[96].

- تعرضه للغات القبائل واللهجات، ومن ذلك قوله: "والسامد من الأضداد، فالسامد في كلام أهل اليمن: اللاهي، والسامد في كلام طيء الحزين.." [97].


- وثقّ آراءه بالأخبار والقصة، ومن ذلك قوله: "والوراء، ولد الوالد، قال: حيّان بن أبجر: كنت عند ابن عباس فجاءه رجل من هُذيل فقال له: ما فعل فلان؟ لرجل منهم، فقال: مات وترك كذا وكذا من الولد وثلاثة من الوراء، يريد من ولد الولد.." [98].


- تعرضه لأقوال العامة من الناس غير كلام العرب: قال ابن الأنباري: "وقال قطرب: الحِرفة من الأضداد، يقال: قد أحرف الرجل إحرافاً إذا نما ماله وكثر، والاسم الحرفة من هذا المعنى، قال: والحرفة عند الناس: الفقر، وقلة الكسب، وليست من كلام العرب إنما تقولها العامة"[99].


- أخذه بأدلة السماع والقياس لتوثيق الآراء، وإثبات ما يصبو إليه من ضدية عدد من الألفاظ، ومن السماع قوله: "وسمعت أبا العباس يقول: يقال للساكن: رهو، وللواسع رهو، وللطائر الذي يقال له الكُركيُّ: رهو؛ قال الله عز وجل: {وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْوًا} [الدخان: 24] فمعناه: ساكناً"[100].

أما القياس فقوله: "ويقال: رجل مُنهِل، إذا كانت إبله عطاشًا كما يقال: رجل مُعطِش ورجل مُنهِل على القياس إذا كانت رواءً"[101].

- أسند ما أورده من أضداد إلى أصحابها، وبذا انتهج في كتابه نهجاً علمياً دقيقاً، ومن ذلك قوله: "وقال ابن قتيبة: توسد القرآن حرف من الأضداد يقال: توسد فلان القرآن: إذا نام عليه، وجعله كالوسادة له، فلم يكثر تلاوته، ولم يقم بحقه، ويقال: توسد القرآن: إذا أكثر تلاوته وقام به في الليل فصار كالوسادة، وبدلاً منها، وكالشعار، والدثار"[102].


ونشير إلى أن آل ياسين في كتابه (الأضداد في اللغة) قد أورد عدداً من النقاط التي تشتمل على منهجية ابن الأنباري من شروحه ونقده وإنكاره وتأييده للأضداد[103]، وأرى أن (حسين نصار) لم يجانب الصواب في قوله: "وعلى الرغم من نقده –ابن الأنباري– لآراء العلماء فإنه لم يغلط أحداً ... وكانت انتقاداته معتدا بها على أقوال غيره من اللغويين"[104].


4- المآخذ على الكتاب:

لا شك أن كل كتاب يؤخذ منه ويُرد، إلا كتاب الله عز وجل القرآن الكريم وسنة النبي صلى الله عليه وسلم، وكتاب ابن الأنباري لا يخلو من سقطات وقع فيها صاحبه كغيره من مؤلفي المصنفات اللغوية، على أن هذه المآخذ لا تنقص من قيمة الكتاب عند الباحثين والدارسين وفي المكتبة العربية، وسأوجز أهم ما وقعت عليه من هذه المآخذ:

1- الاستطراد بغير سبب في شروحه لعدد من الألفاظ، مما يجعله يبتعد عن موضوع الأضداد، ولا سيما في الشواهد الشعرية، إذ يشرح ما غمض من الألفاظ ويأتي بشواهد لا تمس الموضوع الذي هو بصدده، ومثال ذلك قوله: "وتأثم حرف من الأضداد، يقال: قد تأثم الرجل إذا أتى ما فيه المأثم، وتأثم: إذا تجنب المأثم، كما يقال: قد تحوّب الرجل: إذا تجنب الحُوب، ولا يستعمل تحوب في المعنى الآخر، والحوب الإثم العظيم، قال الله عز وجل: {إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا} [النساء: 2]"[105]، فنراه يترك اللفظة الأصلية ويستطرد في لفظه أخرى مبتعداً عن معنى الضدية.


ومن ذلك قوله: "وذعور من الأضداد، يقال: فلان ذعور، أي ذاعر، وذعور، أي: مذعور؛ أنشدنا أبو العباس:



تنول بمعروف الحديث وإن تُرد سوى ذاك تَذعر منك وهي ذعور




أي: مذعورة ويروى: تنول بمغروض الحديث أي: بطريه، واللحم الغريض عند العرب، الطري، قال الشاعر:


إذا لم يجتزر لبنيه لحماً غريضاً من هوادي الوحش جاعوا




ويروى تنول بمشهود الحديث، والمشهود: الذي كأن فيه شُهداً من حلاوته وطيبه..."[106]، فابتعد عن ضدية اللفظة المقصودة.

2- اختلاف منهجية الشواهد التي أتى بها، فالمعروف أن لكل لفظة من الأضداد شواهد عليها، ولا نجد ذلك في عدد منها، مما يورث الشك عند القارئ في مصداقيتها. قال ابن الأنباري: "وقال قطرب أيضاً من حروف الأضداد النحاحة، يقال في السخاء ويقال في البخل.."[107].


وقد يأتي بشاهد من غير أن يبين على أي من المعاني قصده، قال: "ومن الأضداد أيضاً قولهم: مُشِب للمسن ومشب للشاب، قال أبو خراش الهذلي:

بموركتين من صدوى مشب من الثيران عقدهما جميل"[108]


ورأى (أيوب سالم) في رسالته في الأضداد أن الألفاظ التي لا شواهد عليها يمكن أن نخرجها من الأضداد[109]. والحقيقة أننا لا يمكن أن نخرجها من الأضداد إلا بعد التمحيص والبحث حتى نخرج بأحكام دقيقة في ذلك.

3- لا يخلو الكتاب من التكلف في إقرار ضدية عدد من الألفاظ، والمتتبع لذلك لا يجد الأضداد فيها، قال آل ياسين: "والكتاب حفل بطائفة كبيرة من الألفاظ التي ألصقت بالأضداد، ولا تتوفر فيها فكرة الأضداد بوجه من الوجوه.."[110].


ومن ذلك قوله: "ومن الحروف أيضاً الحَفَض، يقال لمتاع البيت، حَفَض وجمع الحفض أحفاض. قال الشاعر:



فَكَبَّه بالرمح في دمائه كالحفض المصروع في كفائه




وقال الآخر:


ولا تكُ في الصبا حَفَظاً ذلولاً فإن الشيب والغزل الثُّبُورُ




وقال الآخر:
يا ابن قُروم لسن بالأحفاضِ

ويروي بيت عمرو بن كلثوم على وجهين:



ونحن إذا عماد الحي خرّت على الأحفاض نمنع ما يلينا




ويروى: على الأحفاض، فمن رواه عن الأحفاض قال: الأحفاض: الإبل، ومن رواه على الأحفاض قال: الأحفاض: الأمتعة"[111].

وأتساءل: ما وجه الأضداد في كل ما تقدم، فالأولى عدم التكلف والتصنع في ذكر ألفاظ لا تمس الضدية بشيء.


ولا يفوتنا أن نشير إلى التكلف في إقرار ضدية عدد من الأعلام التي ذكرها، وقد عقب آل ياسين على هذه المسألة وأزال الغموض التي اكتنفها[112].



يتبع



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.


التعديل الأخير تم بواسطة ابوالوليد المسلم ; 26-12-2022 الساعة 05:04 AM.
رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 24.41 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 23.75 كيلو بايت... تم توفير 0.66 كيلو بايت...بمعدل (2.70%)]