عرض مشاركة واحدة
  #5  
قديم 23-12-2022, 04:40 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,332
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير البغوى****متجدد إن شاء الله

الحلقة (430)
الجزء الثامن
- تفسير البغوى

سُورَةُ الاعلى
مكية

الاية 1 إلى الاية 15


( فرعون وثمود ( 18 ) بل الذين كفروا في تكذيب ( 19 ) والله من ورائهم محيط ( 20 ) بل هو قرآن مجيد ( 21 ) في لوح محفوظ ( 22 ) )

ثم بين من هم فقال : ( فرعون وثمود بل الذين كفروا ) من قومك يا محمد ( في تكذيب والله من ورائهم محيط بل هو قرآن مجيد في لوح محفوظ ) لك وللقرآن كدأب [ آل فرعون ] من قبلهم ، ولم يعتبروا بمن كان قبلهم من الكفار . ( والله من ورائهم محيط ) ، عالم بهم لا يخفى عليه شيء من أعمالهم ، يقدر أن ينزل بهم ما أنزل بمن كان قبلهم . ( بل هو قرآن مجيد ) ، كريم شريف كثير الخير ، ليس كما زعم المشركون أنه شعر وكهانة . ( في لوح محفوظ ) ، قرأ نافع : " محفوظ " بالرفع على نعت القرآن ، فإن القرآن محفوظ من التبديل والتغيير والتحريف ، قال الله تعالى : إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون وهو أم الكتاب ، ومنه نسخ الكتب ، محفوظ من الشياطين ، ومن الزيادة فيه والنقصان . أخبرنا أحمد بن إبراهيم الشريحي ، أخبرنا أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي ، أخبرنا الحسين بن محمد بن فنجويه ، أخبرنا مخلد بن جعفر ، حدثنا الحسن بن علويه ، أخبرنا إسماعيل بن عيسى ، حدثنا إسحاق بن بشر ، أخبرني مقاتل وابن جريج ، عن مجاهد ، عن ابن عباس قال : إن في صدر اللوح : لا إله إلا الله وحده ، دينه الإسلام ، ومحمد عبده ورسوله ، فمن آمن بالله - عز وجل - وصدق بوعده واتبع رسله أدخله الجنة ، قال : واللوح لوح من درة بيضاء ، طوله ما بين السماء والأرض ، وعرضه ما بين المشرق إلى المغرب ، وحافتاه الدر والياقوت ، ودفتاه ياقوتة حمراء ، وقلمه نور ، وكلامه معقود بالعرش ، وأصله في حجر ملك .

قال مقاتل : اللوح المحفوظ عن يمين العرش .
سُورَةُ الطَّارِقِ

مَكِّيَّةٌ

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

( وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ ( 1 ) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ ( 2 ) النَّجْمُ الثَّاقِبُ ( 3 ) إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ ( 4 ) )

( وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ ) قَالَ الْكَلْبِيُّ : نَزَلَتْ فِي أَبِي طَالِبٍ ، وَذَلِكَ أَنَّهُ أَتَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَتْحَفَهُ بِخُبْزٍ وَلَبَنٍ ، فَبَيْنَمَا هُوَ جَالَسٌ يَأْكُلُ إِذِ انْحَطَّ نَجْمٌ فَامْتَلَأَ مَاءً ثُمَّ نَارًا ، فَفَزِعَ أَبُو طَالِبٍ وَقَالَ : أَيُّ شَيْءٍ هَذَا ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : هَذَا نَجْمٌ رُمِيَ بِهِ ، وَهُوَ آيَةٌ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - فَعَجِبَ أَبُو طَالِبٍ فَأَنْزَلَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - : " وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ " وَهَذَا قَسَمٌ ، وَ " الطَّارِقُ " النَّجْمُ يَظْهَرُ بِاللَّيْلِ ، وَمَا أَتَاكَ لَيْلًا فَهُوَ طَارِقٌ .

( وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ ) ثُمَّ فَسَّرَهُ فَقَالَ ( النَّجْمُ الثَّاقِبُ ) أَيِ الْمُضِيءُ الْمُنِيرُ ، قَالَ مُجَاهِدٌ : الْمُتَوَهِّجُ ، قَالَ ابْنُ زَيْدٍ : أَرَادَ بِهِ الثُّرَيَّا ، وَالْعَرَبُ تُسَمِّيهِ النَّجْمُ . وَقِيلَ : هُوَ زُحَلُ ، سُمِّيَ بِذَلِكَ لِارْتِفَاعِهِ ، تَقُولُ الْعَرَبُ لِلطَّائِرِ إِذَا لَحِقَ بِبَطْنِ السَّمَاءِ ارْتِفَاعًا : قَدْ ثَقَبَ .

( إِنْ كُلُّ نَفْسٍ ) جَوَابُ الْقَسَمِ ( لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ ) قَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ ، وَابْنُ عَامِرٍ ، وَعَاصِمٌ ، وَحَمْزَةُ : " لَمَّا " بِالتَّشْدِيدِ ، يَعْنُونَ : مَا كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ ، وَهِيَ لُغَةُ هُذَيْلٍ يَجْعَلُونَ " لَمَّا " بِمَعْنَى " إِلَّا " يَقُولُونَ : نَشَدْتُكَ اللَّهَ لَمَّا قُمْتَ ، أَيْ إِلَّا قُمْتَ .

وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِالتَّخْفِيفِ ، جَعَلُوا " مَا " صِلَةً ، مَجَازُهُ : إِنَّ كُلَّ نَفْسٍ لَعَلَيْهَا حَافِظٌ [ مِنْ رَبِّهَا ] [ ص: 394 ] [ وَتَأْوِيلُ الْآيَةِ : كُلُّ نَفْسٍ عَلَيْهَا حَافِظٌ مِنْ رَبِّهَا ] يَحْفَظُ عَمَلَهَا وَيُحْصِي عَلَيْهَا مَا تَكْتَسِبُ مِنْ خَيْرٍ وَشَرٍّ .

قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : هُمُ الْحَفَظَةُ مِنَ الْمَلَائِكَةِ . قَالَ الْكَلْبِيُّ : حَافِظٌ مِنَ اللَّهِ يَحْفَظُهَا وَيَحْفَظُ قَوْلَهَا وَفِعْلَهَا حَتَّى يَدْفَعَهَا وَيُسَلِّمَهَا إِلَى الْمَقَادِيرِ ، ثُمَّ يُخَلِّي عَنْهَا .
( فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ ( 5 ) خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ ( 6 ) يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ ( 7 ) إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ ( 8 ) يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ ( 9 ) )

( فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ ) أَيْ مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ رَبُّهُ ، أَيْ فَلْيَنْظُرْ نَظَرَ الْمُتَفَكِّرِ .

ثُمَّ بَيَّنَ فَقَالَ : ( خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ ) مَدْفُوقٍ أَيْ مَصْبُوبٍ فِي الرَّحِمِ ، وَهُوَ الْمَنِيُّ ، فَاعِلٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ كَقَوْلِهِ : " عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ " ( الْحَاقَّةِ - 21 ) أَيْ مَرَضِيَّةٍ ، وَالدَّفْقُ : الصَّبُّ ، وَأَرَادَ مَاءَ الرَّجُلِ وَمَاءَ الْمَرْأَةِ ، لِأَنَّ الْوَلَدَ مَخْلُوقٌ مِنْهُمَا ، وَجَعَلَهُ وَاحِدًا لِامْتِزَاجِهِمَا .

( يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ ) يَعْنِي صُلْبَ الرَّجُلِ وَتَرَائِبَ الْمَرْأَةِ ، وَ " التَّرَائِبُ " جُمَعُ التَّرِيبَةِ ، وَهِيَ عِظَامُ الصَّدْرِ وَالنَّحْرِ . قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : هِيَ مَوْضِعُ الْقِلَادَةِ مِنَ الصَّدْرِ . وَرَوَى الْوَالِبِيُّ عَنْهُ : بَيْنَ ثَدْيَيِ الْمَرْأَةِ . وَقَالَ قَتَادَةُ : النَّحْرُ . وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ : الصَّدْرُ .

( إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ ) قَالَ مُجَاهِدٌ : عَلَى رَدِّ النُّطْفَةِ فِي الْإِحْلِيلِ . وَقَالَ عِكْرِمَةُ : عَلَى رَدِّ الْمَاءِ فِي الصُّلْبِ الَّذِي خَرَجَ مِنْهُ . وَقَالَ الضَّحَّاكُ : إِنَّهُ عَلَى رَدِّ الْإِنْسَانِ مَاءً كَمَا كَانَ مِنْ قَبْلُ لِقَادِرٌ . وَقَالَ مُقَاتِلُ بْنُ حَيَّانَ : [ إِنْ شَاءَ رَدَّهُ ] مِنَ الْكِبَرِ إِلَى الشَّبَابِ ، وَمِنَ الشَّبَابِ إِلَى الصِّبَا ، وَمِنَ الصِّبَا إِلَى النُّطْفَةِ ، وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ : إِنَّهُ عَلَى حَبْسِ ذَلِكَ الْمَاءِ لِقَادِرٌ حَتَّى لَا يَخْرُجَ وَقَالَ قَتَادَةُ : إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى عَلَى بَعْثِ الْإِنْسَانِ وَإِعَادَتِهِ قَادِرٌ وَهَذَا أَوْلَى الْأَقَاوِيلِ لِقَوْلِهِ : ( يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ )

( يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ ) وَذَلِكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْلَى السَّرَائِرُ ، تُظْهَرُ الْخَفَايَا قَالَ قَتَادَةُ وَمُقَاتِلٌ : تُخْتَبَرُ [ الْأَعْمَالُ ] قَالَ عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ : السَّرَائِرُ فَرَائِضُ الْأَعْمَالِ ، كَالصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ [ وَالْوُضُوءِ ] وَالِاغْتِسَالِ مِنَ الْجَنَابَةِ ، فَإِنَّهَا سَرَائِرُ بَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى وَبَيْنَ الْعَبْدِ ، فَلَوْ شَاءَ الْعَبْدُ لَقَالَ : صُمْتُ وَلَمْ يَصُمْ ، وَصَلَّيْتُ ، وَلَمْ يُصَلِّ ، وَاغْتَسَلْتُ وَلَمْ يَغْتَسِلْ ، فَيُخْتَبَرُ حَتَّى يَظْهَرَ مَنْ أَدَّاهَا مِمَّنْ ضَيَّعَهَا .

قَالَ ابْنُ عُمَرَ : بِيَدَيِ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - يَوْمَ الْقِيَامَةِ كُلُّ سِرٍّ ، فَيَكُونُ زَيْنًا فِي وُجُوهٍ وَشَيْنًا فِي وُجُوهٍ ، [ ص: 395 ] يَعْنِي : مَنْ أَدَّاهَا كَانَ وَجْهُهُ مُشْرِقًا ، وَمَنْ ضَيَّعَهَا كَانَ وَجْهُهُ أَغْبَرَ .
( فما له من قوة ولا ناصر ( 10 ) والسماء ذات الرجع ( 11 ) والأرض ذات الصدع ( 12 ) إنه لقول فصل ( 13 ) وما هو بالهزل ( 14 ) إنهم يكيدون كيدا ( 15 ) وأكيد كيدا ( 16 ) فمهل الكافرين أمهلهم رويدا ( 17 ) )

( فما له من قوة ولا ناصر ) أي ما لهذا الإنسان المنكر للبعث من قوة يمتنع بها من عذاب الله ولا ناصر ينصره من الله .

ثم ذكر قسما آخر فقال : ( والسماء ذات الرجع ) أي ذات المطر لأنه يرجع كل عام ويتكرر . وقال ابن عباس : هو السحاب يرجع بالمطر .

( والأرض ذات الصدع ) أي تتصدع وتنشق عن النبات والأشجار والأنهار .

وجواب القسم قوله : ( إنه ) يعني القرآن ( لقول فصل ) حق وجد يفصل بين الحق والباطل .

( وما هو بالهزل ) باللعب والباطل .

ثم أخبر عن مشركي مكة فقال : ( إنهم يكيدون كيدا ) يخافون النبي - صلى الله عليه وسلم - ويظهرون ما هم على خلافه .

( وأكيد كيدا ) وكيد الله استدراجه إياهم من حيث لا يعلمون .

( فمهل الكافرين ) قال ابن عباس : هذا وعيد من الله - عز وجل - لهم ( أمهلهم رويدا ) قليلا ومعنى مهل وأمهل : أنظر ولا تعجل ، فأخذهم الله يوم بدر ، ونسخ الإمهال بآية السيف .
سُورَةُ الْأَعْلَى

مَكِّيَّةٌ

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

( سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى ( 1 ) )

( ( سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى ) [ يَعْنِي ] قُلْ سُبْحَانَ رَبِّيَ الْأَعْلَى . وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ .

أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الشُّرَيْحِيُّ ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الثَّعْلَبِيُّ ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حَامِدٍ ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ أَبَانَ ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ، عَنْ إِسْرَائِيلَ ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ ، عَنْ مُسْلِمِ بْنِ الْبَطِينِ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَرَأَ " سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى " فَقَالَ : " سُبْحَانَ رَبِّيَ الْأَعْلَى " .

وَقَالَ قَوْمٌ : مَعْنَاهُ نَزِّهْ رَبَّكَ الْأَعْلَى عَمَّا يَصِفُهُ بِهِ الْمُلْحِدُونَ ، وَجَعَلُوا الِاسْمَ صِلَةً . وَيَحْتَجُّ بِهَذَا مَنْ يَجْعَلُ الِاسْمَ وَالْمُسَمَّى وَاحِدًا ، لِأَنَّ أَحَدًا لَا يَقُولُ : سُبْحَانَ اسْمِ اللَّهِ ، وَسُبْحَانَ اسْمِ رَبِّنَا ، إِنَّمَا يَقُولُ : سُبْحَانَ اللَّهِ وَسُبْحَانَ رَبِّنَا ، فَكَانَ مَعْنَى سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى : سَبِّحْ رَبَّكَ . [ ص: 400 ]

وَقَالَ آخَرُونَ : نَزِّهْ تَسْمِيَةَ رَبِّكَ ، بِأَنْ تَذْكُرَهُ وَأَنْتَ لَهُ مُعَظِّمٌ ، وَلِذِكْرِهِ مُحْتَرِمٌ [ وَلِأَوَامِرِهِ مُطَاوِعٌ ] وَجَعَلُوا الِاسْمَ بِمَعْنَى التَّسْمِيَةِ .

وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : سَبِّحِ [ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى ] أَيْ : صَلِّ بِأَمْرِ رَبِّكَ الْأَعْلَى .
( الذي خلق فسوى ( 2 ) والذي قدر فهدى ( 3 ) والذي أخرج المرعى ( 4 ) فجعله غثاء أحوى ( 5 ) )

( الذي خلق فسوى ) قال الكلبي : خلق كل ذي روح ، فسوى اليدين والرجلين والعينين . وقال الزجاج : خلق الإنسان مستويا ، ومعنى " سوى " عدل قامته .

( والذي قدر فهدى ) قرأ الكسائي : " قدر " بتخفيف الدال ، وشددها الآخرون ، وهما بمعنى واحد .

وقال مجاهد : هدى الإنسان لسبيل الخير والشر ، والسعادة والشقاوة ، وهدى الأنعام لمراتعها .

وقال مقاتل والكلبي : قدر لكل شيء مسلكه ، " فهدى " عرفها كيف يأتي الذكر الأنثى .

وقيل : قدر الأرزاق وهدى لاكتساب الأرزاق والمعاش .

وقيل : خلق المنافع في الأشياء ، وهدى الإنسان لوجه استخراجها منها .

وقال السدي : قدر مدة الجنين في الرحم ثم هداه للخروج من الرحم .

قال الواسطي : قدر السعادة والشقاوة عليهم ، ثم يسر لكل واحد من الطائفتين سلوك [ سبيل ] ما قدر عليه .

( والذي أخرج المرعى ) أنبت العشب وما ترعاه [ النعم ] من بين أخضر وأصفر وأحمر وأبيض .

( فجعله ) بعد الخضرة ( غثاء ) هشيما باليا ، كالغثاء الذي تراه فوق السيل . ( أحوى ) أسود بعد الخضرة ، وذلك أن الكلأ إذا جف ويبس اسود . [ ص: 401 ]
( ( سنقرئك فلا تنسى ( 6 ) إلا ما شاء الله إنه يعلم الجهر وما يخفى ( 7 ) ونيسرك لليسرى ( 8 ) فذكر إن نفعت الذكرى ( 9 ) سيذكر من يخشى ( 10 ) ويتجنبها الأشقى ( 11 ) الذي يصلى النار الكبرى ( 12 ) )

( سنقرئك ) سنعلمك بقراءة جبريل [ عليك ] ( فلا تنسى إلا ما شاء الله ) أن تنساه ، وما نسخ الله تلاوته من القرآن ، كما قال : " ما ننسخ من آية أو ننسها " ( البقرة - 106 ) والإنساء نوع من النسخ .

وقال مجاهد ، والكلبي : كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا نزل عليه جبريل - عليه السلام - ، لم يفرغ من آخر الآية حتى يتكلم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأولها ، مخافة أن ينساها ، فأنزل الله تعالى : " سنقرئك فلا تنسى " [ فلم ينس بعد ] ذلك شيئا . ( إنه يعلم الجهر ) من القول والفعل ( وما يخفى ) منهما ، والمعنى : أنه يعلم السر والعلانية .

( ونيسرك لليسرى ) قال مقاتل : نهون عليك عمل أهل الجنة - وهو معنى قول ابن عباس - ونيسرك لأن تعمل خيرا . و " اليسرى " عمل الخير .

وقيل : نوفقك للشريعة اليسرى وهي الحنيفية السمحة .

وقيل : هو متصل بالكلام الأول معناه : إنه يعلم الجهر مما تقرؤه على جبريل إذا فرغ من التلاوة ، " وما يخفى " ما تقرأ في نفسك مخافة النسيان ، ثم وعده فقال : ( ونيسرك لليسرى ) أي نهون عليك الوحي حتى تحفظه وتعلمه .

( فذكر ) عظ بالقرآن ( إن نفعت الذكرى ) الموعظة والتذكير . والمعنى : نفعت أو لم تنفع ، وإنما لم يذكر الحالة الثانية ، كقوله : " سرابيل تقيكم الحر " وأراد : الحر والبرد جميعا .

( سيذكر ) يتعظ ( من يخشى ) الله - عز وجل - .

( ويتجنبها ) أي يتجنب الذكرى ويتباعد عنها ( الأشقى ) الشقي في علم الله .

( الذي يصلى النار الكبرى ) العظيمة والفظيعة ، لأنها أعظم وأشد حرا من نار الدنيا .
[ ص: 402 ] ( ثم لا يموت فيها ولا يحيا ( 13 ) قد أفلح من تزكى ( 14 ) وذكر اسم ربه فصلى ( 15 ) )

( ثم لا يموت فيها ) فيستريح ( ولا يحيا ) حياة تنفعه .

( ( قد أفلح من تزكى ) تطهر من الشرك وقال : لا إله إلا الله . هذا قول عطاء وعكرمة ، ورواية الوالبي وسعيد بن جبير عن ابن عباس وقال الحسن : من كان عمله زاكيا .

وقال آخرون : هو صدقة الفطر ، روي عن أبي سعيد الخدري في قوله : " قد أفلح من تزكى " قال : أعطى صدقة الفطر .

( وذكر اسم ربه فصلى ) قال خرج إلى العيد فصلى ، فكان ابن مسعود يقول : رحم الله امرءا تصدق ثم صلى ، ثم يقرأ هذه الآية . وروى نافع : كان ابن عمر إذا صلى الغداة - يعني من يوم العيد - قال : يا نافع أخرجت الصدقة ؟ فإن قلت : نعم ، مضى إلى المصلى ، وإن قلت : لا قال : فالآن فأخرج ، فإنما نزلت هذه الآية في هذا قد أفلح من تزكى وذكر اسم ربه فصلى وهو قول أبي العالية وابن سيرين .

وقال بعضهم : لا أدري ما وجه هذا التأويل ؟ لأن هذه السورة مكية ، ولم يكن بمكة عيد ولا زكاة فطر .

[ قال الشيخ الإمام محيي السنة رحمه الله ] يجوز أن يكون النزول سابقا على الحكم كما قال : " وأنت حل بهذا البلد " فالسورة مكية ، وظهر أثر الحل يوم الفتح حتى قال عليه الصلاة والسلام : " أحلت لي ساعة من نهار " وكذلك نزل بمكة : " سيهزم الجمع ويولون الدبر " ( القمر - 45 ) قال عمر بن الخطاب : كنت لا أدري أي جمع يهزم ، فلما كان يوم بدر رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - [ ص: 403 ] يثب ، في الدرع ويقول : سيهزم الجمع ويولون الدبر "

وذكر اسم ربه فصلى " أي : وذكر ربه فصلى ، قيل : الذكر : تكبيرات العيد ، والصلاة : صلاة العيد ، وقيل : الصلاة هاهنا الدعاء .


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 38.98 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 38.35 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.61%)]