الحلقة (428)
الجزء الثامن
- تفسير البغوى
سُورَةُ الانشقاق
مكية
الاية 1 إلى الاية 19
( وإذا مروا بهم يتغامزون ( 30 ) وإذا انقلبوا إلى أهلهم انقلبوا فكهين ( 31 ) وإذا رأوهم قالوا إن هؤلاء لضالون ( 32 ) وما أرسلوا عليهم حافظين ( 33 ) فاليوم الذين آمنوا من الكفار يضحكون ( 34 ) على الأرائك ينظرون ( 35 ) )
( وإذا مروا بهم ) يعني من فقراء المؤمنين بالكفار ( يتغامزون ) والغمز الإشارة بالجفن والحاجب ، أي يشيرون إليهم بالأعين استهزاء .
( وإذا انقلبوا ) يعني الكفار ( إلى أهلهم انقلبوا فكهين ) معجبين بما هم فيه يتفكهون بذكرهم .
( وإذا رأوهم ) رأوا أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - ( قالوا إن هؤلاء لضالون ) يأتون محمدا - صلى الله عليه وسلم - يرون أنهم على شيء .
( وما أرسلوا ) يعني المشركين ( عليهم ) يعني على المؤمنين ( حافظين ) أعمالهم ، أي لم يوكلوا بحفظ أعمالهم .
( فاليوم ) يعني في الآخرة ( الذين آمنوا من الكفار يضحكون ) قال أبو صالح : وذلك أنه يفتح للكفار في النار أبوابها ، ويقال لهم : اخرجوا ، فإذا رأوها مفتوحة أقبلوا إليها ليخرجوا ، والمؤمنون ينظرون إليهم فإذا انتهوا إلى أبوابها غلقت دونهم ، يفعل ذلك بهم مرارا والمؤمنون يضحكون .
وقال كعب : بين الجنة والنار كوى ، فإذا أراد المؤمن أن ينظر إلى عدو له ، كان في الدنيا ، اطلع عليه من تلك الكوى ، كما قال : " فاطلع فرآه في سواء الجحيم " ( الصافات - 55 ) فإذا اطلعوا من الجنة إلى أعدائهم وهم يعذبون في النار ضحكوا ، فذلك قوله - عز وجل - : " فاليوم الذين آمنوا من الكفار يضحكون " ( على الأرائك ) [ من الدر والياقوت ] ( ينظرون ) إليهم في النار .
[ ص: 370 ] ( هل ثوب الكفار ما كانوا يفعلون ( 36 ) )
قال الله تعالى : ( هل ثوب ) هل جوزي ( الكفار ما كانوا يفعلون ) أي جزاء استهزائهم بالمؤمنين . ومعنى الاستفهام هاهنا : التقرير . وثوب [ وأثيب ] وأثاب بمعنى واحد .
سُورَةُ الِانْشِقَاقِ
مَكِّيَّةٌ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
( إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ ( 1 ) وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ ( 2 ) وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ ( 3 ) وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ ( 4 ) وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ ( 5 ) )
( إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ ) انْشِقَاقُهَا مِنْ عَلَامَاتِ الْقِيَامَةِ .
( وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا ) أَيْ سَمِعَتْ أَمْرَ رَبِّهَا بِالِانْشِقَاقِ وَأَطَاعَتْهُ ، مِنَ الْأُذُنِ وَهُوَ الِاسْتِمَاعُ ، ( وَحُقَّتْ ) أَيْ وَحُقَّ لَهَا أَنْ تُطِيعَ رَبَّهَا .
( وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ ) مَدَّ الْأَدِيمِ الْعُكَاظِيِّ ، وَزِيدَ فِي سِعَتِهَا . وَقَالَ مُقَاتِلٌ : سُوِّيَتْ كَمَدِّ الْأَدِيمِ ، فَلَا يَبْقَى فِيهَا بِنَاءٌ وَلَا جَبَلٌ .
( وَأَلْقَتْ ) أَخْرَجَتْ ( مَا فِيهَا ) مِنَ الْمَوْتَى وَالْكُنُوزِ ( وَتَخَلَّتْ ) [ خَلَتْ ] مِنْهَا .
( وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ ) وَاخْتَلَفُوا فِي جَوَابِ " إِذَا " قِيلَ : جَوَابُهُ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ : إِذَا كَانَتْ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ يَرَى الْإِنْسَانُ الثَّوَابَ وَالْعِقَابَ .
وَقِيلَ جَوَابُهُ : " يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ " وَمَجَازُهُ : إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ لَقِيَ كُلُّ كَادِحٍ [ مَا ] عَمِلَهُ .
وَقِيلَ : جَوَابُهُ : " وَأَذِنَتْ " وَحِينَئِذٍ تَكُونُ " الْوَاوُ " زَائِدَةٌ .
[ ص: 374 ] ( يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ ( 6 ) فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ ( 7 ) فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا ( 8 ) وَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا ( 9 ) وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ ( 10 ) فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا ( 11 ) وَيَصْلَى سَعِيرًا ( 12 ) )
وَمَعْنَى قَوْلِهِ : ( كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا ) أَيْ سَاعٍ إِلَيْهِ فِي عَمَلِكَ ، وَالْكَدْحُ : عَمَلُ الْإِنْسَانِ وَجُهْدُهُ فِي الْأَمْرِ مِنَ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ حَتَّى يَكْدَحَ ذَلِكَ فِيهِ ، أَيْ يُؤَثِّرَ . وَقَالَ قَتَادَةُ وَالْكَلْبِيُّ وَالضَّحَّاكُ : عَامِلٌ لِرَبِّكَ عَمَلًا ( فَمُلَاقِيهِ ) أَيْ مُلَاقِي جَزَاءَ عَمَلِكَ خَيْرًا كَانَ أَوْ شَرًّا .
( فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ ) دِيوَانَ [ أَعْمَالِهِ ] ( بِيَمِينِهِ فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا ) أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ ، أَخْبَرَنَا نَافِعٌ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ ، حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَتْ لَا تَسْمَعُ شَيْئًا لَا تَعْرِفُهُ إِلَّا رَاجَعَتْ فِيهِ حَتَّى تَعْرِفَهُ ، قَالَتْ : قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : " مَنْ حُوسِبَ عُذِّبَ " قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَوَلَيْسَ يَقُولُ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - : " فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا " ؟ قَالَتْ : فَقَالَ : " إِنَّمَا ذَلِكَ الْعَرْضُ ، وَلَكِنْ مَنْ نُوقِشَ [ فِي الْحِسَابِ هَلَكَ ] .
( وَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ ) يَعْنِي فِي الْجَنَّةِ مِنَ الْحُورِ الْعِينِ وَالْآدَمِيَّاتِ ( مَسْرُورًا ) بِمَا أُوتِيَ مِنَ الْخَيْرِ وَالْكَرَامَةِ .
( وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ ) فَتُغَلُّ يَدُهُ الْيُمْنَى إِلَى عُنُقِهِ وَتُجْعَلُ يَدُهُ الشِّمَالُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ ، فَيُؤْتَى كِتَابَهُ بِشَمَالِهِ مِنْ وَرَاءِ ظَهْرِهِ . وَقَالَ مُجَاهِدٌ : تُخْلَعُ يَدُهُ الْيُسْرَى مِنْ وَرَاءِ ظَهْرِهِ .
( فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا ) يُنَادِي بِالْوَيْلِ وَالْهَلَاكِ إِذَا قَرَأَ كِتَابَهُ يَقُولُ : يَا وَيْلَاهُ يَا ثُبُورَاهُ ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى : " دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُورًا " ( الْفُرْقَانِ - 13 ) .
( وَيَصْلَى سَعِيرًا ) قَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ ، وَأَهْلُ الْبَصْرَةِ ، وَعَاصِمٌ ، وَحَمْزَةُ : وَ " يَصْلَى " بِفَتْحِ الْيَاءِ [ ص: 375 ] خَفِيفًا كَقَوْلِهِ : " يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى " ( الْأَعْلَى - 12 ) وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِضَمِّ الْيَاءِ [ وَفَتْحِ الصَّادِ ] وَتَشْدِيدِ اللَّامِ كَقَوْلِهِ : " وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ " ( الْوَاقِعَةِ - 94 ) " ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ " ( الْحَاقَّةِ - 31 ) .
( إِنَّهُ كَانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُورًا ( 13 ) إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ ( 14 ) بَلَى إِنَّ رَبَّهُ كَانَ بِهِ بَصِيرًا ( 15 ) فَلَا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ ( 16 ) وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ ( 17 ) وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ ( 18 ) لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ ( 19 ) )
( إِنَّهُ كَانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُورًا ) يَعْنِي فِي الدُّنْيَا ، بِاتِّبَاعِ هَوَاهُ وَرُكُوبِ شَهْوَتِهِ .
( إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ ) أَنْ لَنْ يَرْجِعَ إِلَيْنَا وَلَنْ يُبْعَثَ ثُمَّ قَالَ : ( بَلَى ) ( بَلَى ) أَيْ : لَيْسَ كَمَا ظَنَّ ، بَلْ يَحُورُ إِلَيْنَا وَيُبْعَثُ ( إِنَّ رَبَّهُ كَانَ بِهِ بَصِيرًا ) مِنْ يَوْمِ خَلَقَهُ إِلَى أَنْ بَعْثَهُ .
قَوْلُهُ - عَزَّ وَجَلَّ - : ( فَلَا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ ) قَالَ مُجَاهِدٌ : هُوَ النَّهَارُ كُلُّهُ . وَقَالَ عِكْرِمَةُ : مَا بَقِيَ مِنَ النَّهَارِ . وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَأَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ : هُوَ الْحُمْرَةُ الَّتِي تَبْقَى فِي الْأُفُقِ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ . وَقَالَ قَوْمٌ : هُوَ الْبَيَاضُ الَّذِي يَعْقُبُ تِلْكَ الْحُمْرَةَ .
( وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ ) أَيْ جَمَعَ وَضَمَّ ، يُقَالُ : وَسَقْتُهُ أَسِقُهُ وَسْقَا ، أَيْ : جَمَعْتُهُ ، وَاسْتَوْسَقَتِ الْإِبِلُ : إِذَا اجْتَمَعَتْ وَانْضَمَّتْ . وَالْمَعْنَى : وَاللَّيْلِ وَمَا جَمَعَ وَضَمَّ مَا كَانَ بِالنَّهَارِ مُنْتَشِرًا مِنَ الدَّوَابِّ ، وَذَلِكَ أَنَّ اللَّيْلَ إِذَا أَقْبَلَ أَوَى كُلُّ شَيْءٍ إِلَى مَأْوَاهُ . رَوَى مَنْصُورٌ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ : مَا لَفَّ وَأَظْلَمَ عَلَيْهِ . وَقَالَ مُقَاتِلُ بْنُ حَيَّانَ : أَقْبَلَ مِنْ ظُلْمَةٍ أَوْ كَوْكَبٍ . وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ . وَمَا عُمِلَ فِيهِ . ( وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ ) اجْتَمَعَ وَاسْتَوَى وَتَمَّ نُورُهُ وَهُوَ فِي الْأَيْامِ الْبِيضِ . وَقَالَ قَتَادَةُ : اسْتَدَارَ ، وَهُوَ افْتَعَلَ مِنَ الْوَسْقِ الَّذِي هُوَ الْجَمْعُ .
( لَتَرْكَبُنَّ ) قَرَأَ أَهْلُ مَكَّةَ وَحَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ : " لَتَرْكَبَنَّ " بِفَتْحِ الْبَاءِ يَعْنِي لَتَرْكَبَنَّ يَا مُحَمَّدُ ( طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ ) قَالَ الشَّعْبِيُّ وَمُجَاهِدٌ : سَمَاءً بَعْدَ سَمَاءٍ . قَالَ الْكَلْبِيُّ : يَعْنِي تُصْعَدُ فِيهَا . وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ دَرَجَةً بَعْدَ دَرَجَةٍ وَرُتْبَةً بَعْدَ رُتْبَةٍ فِي الْقُرْبِ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى وَالرِّفْعَةِ .
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ النَّضْرِ ، أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ ، أَخْبَرَنَا أَبُو بِشْرٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : [ ص: 376 ] " لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ " حَالًا بَعْدَ حَالٍ ، قَالَ هَذَا نَبِيُّكُمْ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - .
وَقِيلَ : أَرَادَ بِهِ السَّمَاءَ تَتَغَيَّرُ لَوْنًا بَعْدَ لَوْنٍ ، فَتَصِيرُ تَارَةً كَالدِّهَانِ وَتَارَةً كَالْمُهْلِ ، وَتَنْشَقُّ بِالْغَمَامِ مَرَّةً وَتُطْوَى أُخْرَى . وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِضَمِّ الْبَاءِ ، لِأَنَّ الْمَعْنَى بِالنَّاسِ أَشْبَهُ ، لِأَنَّهُ ذَكَرَ مِنْ قَبْلُ : " فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ " " وَشَمَالِهِ " وَذَكَرَ مِنْ بَعْدُ : " فَمَا لَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ " وَأَرَادَ : لَتَرْكَبُنَّ حَالًا بَعْدَ حَالٍ ، وَأَمْرًا بَعْدَ أَمْرٍ فِي مَوْقِفِ الْقِيَامَةِ ، يَعْنِي : الْأَحْوَالَ تَنْقَلِبُ بِهِمْ ، فَيَصِيرُونَ فِي الْآخِرَةِ عَلَى غَيْرِ الْحَالِ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا فِي الدُّنْيَا . وَ " عَنْ " بِمَعْنَى بَعْدَ .
وَقَالَ مُقَاتِلٌ : يَعْنِي الْمَوْتَ ثُمَّ الْحَيَاةَ [ ثُمَّ الْمَوْتَ ثُمَّ الْحَيَاةَ ] .
وَقَالَ عَطَاءٌ : مَرَّةً فَقِيرًا وَمُرَّةً غَنِيًا . وَقَالَ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ : يَعْنِي الشَّدَائِدَ وَأَهْوَالَ الْمَوْتِ ، ثُمَّ الْبَعْثَ ثُمَّ الْعَرْضَ . وَقَالَ عِكْرِمَةُ : حَالًا بَعْدَ حَالٍ ، رَضِيعٌ ثُمَّ فَطِيمٌ ثُمَّ غُلَامٌ ثُمَّ شَابٌ ثُمَّ شَيْخٌ . وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ : لَتَرْكَبْنَ سَنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ وَأَحْوَالَهُمْ .
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو الصَّنْعَانِيُّ مِنَ الْيَمَنِ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : " لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ مِنْ [ كَانَ ] قَبْلَكُمْ شِبْرًا شِبْرًا وَذِرَاعًا ذِرَاعًا ، حَتَّى لَوْ دَخَلُوا جُحْرَ ضَبٍ لَتَبِعْتُمُوهُمْ " قُلْنَا : يَا رَسُولَ اللَّهِ آلْيَهُودَ وَالنَّصَارَى ؟ قَالَ : فَمَنْ ؟ .
( فما لهم لا يؤمنون ( 20 ) وإذا قرئ عليهم القرآن لا يسجدون ( 21 ) )
قوله - عز وجل - ( فما لهم لا يؤمنون ) استفهام إنكار .
( وإذا قرئ عليهم القرآن لا يسجدون ) قال الكلبي ومقاتل : لا يصلون .
أخبرنا أبو عثمان سعيد بن إسماعيل الضبي ، أخبرنا أبو محمد عبد الجبار بن محمد الجراحي ، حدثنا أبو العباس محمد بن أحمد المحبوبي ، حدثنا أبو عيسى الترمذي ، حدثنا قتيبة حدثنا سفيان بن عيينة عن أيوب بن موسى عن عطاء بن مينا عن أبي هريرة قال : سجدنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - [ ص: 377 ] في " اقرأ باسم ربك " " وإذا السماء انشقت " .
أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أخبرنا محمد بن يوسف ، حدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثنا مسدد ، أخبرنا معمر قال : سمعت أبي قال حدثني بكر ، عن أبي رافع قال : صليت مع أبي هريرة العتمة فقرأ إذا السماء انشقت ، فسجد فقلت : ما هذا ؟ قال : سجدت بها خلف أبي القاسم - صلى الله عليه وسلم - فلا أزال أسجد فيها حتى ألقاه .
( بل الذين كفروا يكذبون ( 22 ) والله أعلم بما يوعون ( 23 ) فبشرهم بعذاب أليم ( 24 ) إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم أجر غير ممنون ( 25 ) )
( بل الذين كفروا يكذبون ) بالقرآن والبعث .
( والله أعلم بما يوعون ) في صدورهم من التكذيب . قال مجاهد : يكتمون . ( فبشرهم بعذاب أليم إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم أجر غير ممنون ) غير مقطوع ولا منقوص .