نحو إتقان الكتابة باللغة العربية
(7)
د. مكي الحسني
86- فَعَلَ ذلك تَحَسُّباً لِكِّل طارئ (لا:... تَحَسُّباً من كل طارئ!)
للتحسُّب مَعْنيان؛
الأول: التَعَرُّف. جاء في معجم (أساس البلاغة): ((خَرَجا يَتَحسَّبان الأخبار: يَتَعَرَّفانِها)).
الثاني: توقُّعُ الأمر وتَحَيُّنه، أي تَطَلُّب وقتِه وحينِه.
فإذا قيل: فعل ذلك تحسُّباً لكل طارئ، فالمعنى:... توقُّعاً واستعداداً له.
ويصح أن يقال: فعل ذلك تَحَفُّظاً من كل طارئ، أي احترازاً منه وتَوَقِّياً له.
87- الاستثناء والحَصْر بالأداة (إلاّ)
أولاً: المستثنى بـ (إلاّ):
إذا قلنا: (نجح الطلابُ إلا زيداً)، فإن (زيداً) هو المستثنى، ولفظ (الطلاب) هو المستثنى منه، و(إلا) هي أداة الاستثناء. وعلى هذا لا يكون مستثنى بغير مستثنى منه.
ونلاحظ في المثال السابق أن المستثنى منه جاء قبل (إلا)، وأن الكلام قبل (إلا) تام المعنى، وهذا ما نصادفه في معظم حالات المستثنى بـ (إلا). ولكن يمكن أن يتقدم المستثنى على المستثنى منه فيكون الكلام قبل (إلاّ) غير تام، نحو: نجح إلاَّ زيداً الطلابُ. قال الشاعر:
وماليَ إلا آلَ أحمدَ شيعةٌ ماليَ إلا مذهبَ الحقِّ مذهبُ
سننظر الآن في الحالات التي يكون فيها الكلام قبل (إلا) تاماً؛ فيصحّ حينئذٍ في المستثنى بـ (إلاّ) النصبُ دائماً. غير أنه إذا سبقه نَفْيٌ أو نَهْيٌ أو استفهام، جاز مع النصب إتباعُه على البدلية مما قبله:
أ- الكلام قبل (إلا) تام ومُثْبَت، نحو: جاء الأصدقاء إلا سعيداً.
ب- الكلام قبل (إلا) تام ومسبوق بنفي، نحو: ما جاء الأصدقاء إلا سعيداً.
ويصحّ هنا: ما جاء الأصدقاءُ إلا سعيدٌ. (سعيدٌ: بدل من "الأصدقاءُ").
ج- الكلام قبل (إلا) تام ومسبوق بنهي، نحو: {ولا يَلتفِتْ منكم أَحَدٌ إلا امرأتَك}.
ويصحّ في غير القرآن: امرأتُك: بدل من (أَحَدٌ).
د- الكلام قبل (إلا) تام ومسبوق باستفهام، نحو: {ومَنْ يَقْنَطُ مِن رحمة رَبِّهِ إلاّ الضالّون}؟
ويصحّ في غير القرآن: الضالّين: مستثنى منصوب. أما الضالون، فبدلٌ من ضمير (يقنطُ) وهو فاعل.
هـ - الكلام قبل (إلا) مَنْفيٌّ بـ (لا) النافية للجنس، وهو - مع خبر (لا) المذكور أو المحذوف - تام المعنى، نحو:
• لا رَجُلَ في الدار إلاّ زيداً/ زيدٌ.
• جاء في التنْزيل العزيز: {فاعْلمْ أنه لا إلَهَ إلاَّ اللهُ}.
ويجوز في غير القرآن أن نقول: لا إله إلا اللهَ [النصب على الاستثناء، والرفع على البدلية: بدلٌ من الضمير المستتر في الخبر المحذوف وتقديره (موجودٌ)، وتقدير الضمير (هو)].
ثانياً: الحَصْر أو القَصْر:
إذا كان الكلام قبل (إلا) غير تامّ المعنى، ويعتمد على نَفْي أو نَهْي أو استفهام، وليس في العبارة مستثنى منه، فلا يكون التركيب استثناءً، بل حَصْراً، ويكون حُكْم الكلمة بعد (إلا) من حيث الإعراب تابعاً للسياق.
أ - النفي بـ (ما) أو (لم) أو (إنْ النافية) أو (لا)، والنهي والاستفهام.
في هذه الحالات، تَجَاهَلْ (إلاّ) وأداةَ النفي أو النهي أو الاستفهام وأعْرِبْ! نحو:
- ما رأيتُ (لم أَرَ) منه إلاَّ خيراً.
التركيب بلا حصْر هو: رأيت منه خيراً. [ النفي بـ (لم) أقوى منه بـ (ما): {لم يَلِدْ ولم يُولَدْ}].
- {ما على الرسول إلاّ البلاغُ}.
التركيب بلا حصر هو: على الرسول البلاغُ. البلاغُ: مبتدأ مؤخَّر.
- {إنْ أنتَ إلاّ نذيرٌ}. (إنْ = ما).
التركيب بلا حصر هو: أنتَ نذيرٌ. نذيرٌ: خبر للمبدأ أنت.
- لا يَعْلمُ الغيبَ إلا اللهُ.
- لا يجوز أن يقود هذه السيارات إلا السائقون المكلفون بذلك. ولكنْ:
لا يجوز أن يقود هذه السيارات أَحَدٌ إلا السائقون/ السائقين...
[ لأن الكلام الآن قبل (إلاّ) تام! والتركيب تركيب استثناء].
- {لا تقولوا على الله إلا الحقَّ}. (لا) الناهية، تجزم الفعل المضارع (بحذف النون هنا).
التركيب بلا حصر هو: تقولون على الله الحقَّ.
- {فَهَلْ يُهْلَكُ إلا القومُ الفاسقون}؟
التركيب بلا حصر هو: يُهلكُ القومُ الفاسقون.
ب - النفي بـ (ليس). تَجَاهَلْ (إلا) وأَعْرِبْ، وإنِ انعكس المعنى!
- ليس في الدار إلاَّ رَجُلٌ. (رجلٌ: اسم ليس).
- ليس بينهما إلا ليالٍ. (ليال: اسم ليس).
- ليست الشهادةُ إلا خلوداً. (خلوداً: خبر ليس).
88- الخطأ في استعمال: (عَدا)
- (عَدا) كلمةٌ تستعمل للاستثناء، وتكون:
1 - غير مسبوقة بـ (ما):
فيُنصب الاسم بعدها على المفعولية [لأن (عدا) هنا فعل]، نحو: جاء أصدقائي عدا سعيداً.
أو يُجرُّ الاسم بعدها [لأن (عدا) هنا حرف جرّ]، نحو: جاء أصدقائي عدا سعيدٍ.
ولا يجوز أن يليها الحرف (عن) بوجهٍ من الوجوه! فمن الخطأ أن يقال: تتسع الطائرة لمئة راكب عدا عن الملاّحين. والصوابُ: حَذْفُ (عن)!
وعلى هذا فقط أخطأ الكاتب الأديب - رحمه الله - حين قال: ((... وذلك تطويلٌ قد يُضيّع الغاية من إقامة الدعوى، عدا عمّا في ذلك من نفقات قد يعجز عنها المدَّعي، المفروض فيه أن لا يجد ما يتبلّغ به)). والصواب: ((... عدا ما في ذلك من نفقات قد يعجز عنها المدَّعي، المفترض فيه أنه لا يجد ما يتبلّغ به)).
2- مسبوقة بـ (ما)، وفي هذه الحالة لا يجوز إلا النصب على المفعولية، نحو:
جاء أصدقائي ما عدا سعيداً.
إذا كان المستثنى بـ (عدا) ضميراً للمتكلم (الياء)، نحو: (أطال الخطباء الكلامَ عدايَ)، كان (عدا) حرف جر، و(الياء) مبني عل الفتح في محل جر.
وإذا كان ضمير المتكلم مسبوقاً بنون الوقاية، كان هذا الضمير (الياء) في محل نصب (مفعولاً به)، نحو:
تُمَلُّ النَّدامى ما عَدِاني فإنني بكل الذي يهوى نديمي مُوْلَعُ
- يجب عدم خلط (عدا) التي للاستثناء، بالفعل (عدا)، الذي من معانيه:
عَدا يَعْدُو عَدْواً وعُدُوًّا وعَدَوَاناً: جرى جَرْياً.
عدا فلاناً عن الأمر عَدْواً وعُدْواناً: صَرَفَهُ وشَغَله. ومنه المَثَل المشهور: ((ما عدا مما بدا؟)) أي: ما صَرَفَكَ عما بدأت به؟ أو: ما منعك مما ظهر لك؟
عدا الأمرَ، وعن الأمر عَدْواً وعُدْواناً: جاوزه وتركه
عدا عليه عَدْواً وعَداءً وعُِدْواناً: ظَلَمه وتجاوز الحدّ.
89- (سِوى) و(غير) وإضافتهما إلى الأسماء
(سوى) و(غير) تضافان أبداً إلى الاسم، الظاهر أو الضمير (لا إلى الحرف!) ويشترط في الاسم بعدهما أن يعرَب مضافاً إليه دائماً، فهو مجرور أو في محل جر.
لذا من الخطأ أن يقال: لم أحصل سوى على كتاب واحد. لا تَسْتعِن سوى (غير) بالله.
والصواب أن يقال: لم أحصل على سوى كتاب واحد. لا تَسْتعِن بسِوى (بغير) الله.
والضمائر أسماء. ومنها ما هو للرفع، ومنها ما هو للنصب والجر. ومنها ما هو متصل ومنها ما هو منفصل.
أما ضمائر النصب والجر المتصلة فهي: الياء والكاف والهاء و(نا). [الضمير الأخير يكون للرفع أيضاً].
يقال: للمتكلم: سِواي، سِوانا. غيري، غَيرِنا.
وللمخاطب: سِواكَِ (الكاف للخطاب)، سِواكما، (الميم مع الألف تدلاّن على التثنية)، سِواكم (الميم حرف يدل على جمع الذكور)، سِواكُنَّ (النون المشدّدة المفتوحة حرف يدلّ على جمع النِّسْوة)، غيرَكِ، غيرَكما، إلخ...
وللغائب: سِواه...، غيرَه... [مِثْلُ الهاء في الحكم، الضمائر المتصلة: ها، هما، هم، هنَّ؛ علماً بأن الثلاثة الأخيرة تكون ضمائر رفع منفصلة أيضاً].
ولا يجوز أن تضاف (سوى) أو (غير) إلى ضمائر الرفع المنفصلة، لأنها مبنية على الضم (نحنُ)، أو في محل رفع (أنا، أنتِ، أنتما، أنتم، أنتُنَّ، هو، هي)، فلا تكون مضافاً إليه!
أي لا يصحُّ أن يقال: سِوى أنا/ سوى نحن (كما قال أحد المتحدثين في الإذاعة!)
أو: غير أنا / غير نحن...
بدلاً من: سواي، سوانا، غيري، غيرنا...
90- (إلاّ) و(لولا): دخولهما على الضمير
سواء كانت (إلاّ) أداة استثناء أو حَصْر، يمكن أن يَليَها اسمٌ ظاهِرٌ منصوبٌ أو مرفوعٌ أو مجرور؛ وأن يليها ضمير منفصل (أو متصل أحياناً) للرفع أو النصب تَبَعاً للمقام.
فمثال الاسم الظاهر قوله تعالى: {فاعْلَمْ أنه لا إلهَ إلا اللهُ}.
ومثال ضمير الرفع المنفصل قوله تعالى: {اللهُ لا إلهَ إلا هوَ الحيُّ القَيُّوم}.
وقوله تعالى: {لا إلهَ إلاّ أنتَ سبحانك}.
وقول عمرو بن معدي كرب:
قد علِمتْ سلمى وجاراتُها ما قَنْطَرَ الفارسَ إلاَّ أنا
ومثال ضمير النصب المنفصل: جاءني أمسِ الضيوفُ إلاّ إياكَ.
{وإذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ في البحر ضلَّ مَنْ تَدْعونَ إلا إيّاه}.
ومثال ضمير النصب المتصل: جاءني أمسِ الضيوفُ إلاّكَ،
وقولُ المتنبي لسيف الدولة:
ليس إلاّكَ يا عليُّ هُمامٌ سيفُه دونَ عِرْضِهِ مَسلُولُ
وقول الآخر:
أعوذُ بربِّ العرشِ من فِتْيةٍ بَغَتْ عليَّ فمالي عَوْضُ إلاّهُ ناصرُ
أي: فمالي أبداً ناصرٌ إلاَّ إياه.
ملاحظة: جاء في كتاب الدكتور إبراهيم السامرائي: (الفعل زمانُه وأبنيتُه /12)، نقلاً عن الأستاذ إبراهيم مصطفى في كتابه (إحياء النحو) ما يلي:
((ونَعْلم من أسلوب العرب أن الأداة إذا دخلت على الضمير، مالَ حِسُّهم اللغوي إلى أن يصلوا بينهما، فيستبدلون بضمير الرفع ضمير النصب، لأن ضمير الرفع لا يوصَل إلا بالفعل، ولأن الضمير المتصل أكثر في لسانهم، وهم أحب استعمالاً له من المنفصل. قال ابن مالك (صاحب الألفية):
وفي اختيارٍ لا يجيء المنفصل إذا تَأتَّى أن يجيء المتصل)).
ومن ذلك الأداة (لولا): إذ لا يكون الاسم الظاهر بعدها إلا مرفوعاً؛ ففي التنْزيل العزيز: {ولولا فَضْلُ اللهِ عليكم ورحمتُه ما زَكَا منكم من أحدٍ أبداً}.وعلى هذا إذا لم يأتِ بعدها اسم ظاهر مرفوع، وَلِيَها ضمير رفع منفصل. ولكن العرب يقولون: لولاهُ ولولا هُوَ، ولولاكم ولولا أنتم: يستعملون ضمير النصب المتصل، وضمير الرفع المنفصل.
وقد صرّح ابن الأنباري بجواز وقوع الضمير المتصل محل المنفصل. [انظر مقالة الأستاذ صلاح الدين الزعبلاوي في مجلة التراث العربي (العدد 53، الصفحة 45)].