عرض مشاركة واحدة
  #4  
قديم 18-12-2022, 01:49 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,735
الدولة : Egypt
افتراضي رد: نظرات في "قواعد الإملاء"

نظرات في "قواعد الإملاء"
د. يحيى مير علم






ملاحظات على الباب الثالث:


استغرق هذا البابُ (الزيادة والحذف في الحروف) ستَّ صفحات (ص28-33). ومعلوم أنه من الأبوابِ المهمةِ في قواعد الإملاء، وذلك لأن الكتابة العربية تحوي حروفاً تُزاد رسماً (كتابةً) ولا يُنطق بها، وحروفاً تحذفُ رسماً ويُنطق بها، وهي بنوعيها قليلةٌ جداً، تحكمُها قواعدُ مطردةٌ أو معياريةٌ خلافاً لكثيرٍ من اللغاتِ المعاصرة التي تتسعُ فيها وجوهُ التباين بين المكتوب والمنطوق به،كما سلفت الإشارةُ إلى هذا في صدر المقال. وطبيعي أن يجيء هذا البابُ في نوعين:

- النوع الأول: (الزيادة في الحروف)(ص28-29) واقتُصر فيه على مواضعِ زيادةِ حرفي: الألف والواو، وجاءت بينهما ألفُ الإطلاق(ص29) بعنوان مفرد. ويتّجه على ما ورد ثمّة جُملةُ ملاحظ:

1 – نُصّ في مستهلّ الحديث عن الزيادة في الحروف على أنه " لا يزاد في الكتابة العربية إلاّ حرفان هما الألف والواو ". وهذا غير دقيق، لأن هاء السكت تزاد على أواخر الكلمات المنتهية بحركة بناء لازمة وجوباً أو جوازاً، وهي تٌنطق وقفاًً، وتسقط لفظاً في درج الكلام، وهذا هو الاختيار عند النحويين، وأجاز بعضهم لفظها وَقْفاً ودَرْجاً[12] نحو (فِهْ - رَهْ - مالِيَهْ - سلطانِيَهْ - لم يَرْمِهْ أو لم يرمِ). فإن اعتُذر عن إسقاطها باختلافها عن الألف والواو في الزيادة، فالجواب عنه أن ألف الإطلاق التي لا وجه لإيرادها أصلاً، لأنها تُزاد رسماً ولفظاً، قد وردت في (قواعد الإملاء) كما مضى قريباً، وهي بهذا أولى بالإسقاط من هاء السكت.

2 – اقتُصر في زيادة الألف في الفقرة (أ) على وقوعها طرفاً نهايةَ الكلمةِ في موضعين، أولهما: ألفُ التفريق بعد واو ضمير الجمع في الماضي والأمر والمضارع منصوباً ومجزوماً، وثانيهما: ألفُ الإطلاقِ نهايةَ البيتِ المنصوب الرويّ، مع الأمثلة لكلٍّ منهما. وهذا أيضاً غيرُ دقيق، ويشوبه نقصٌ غيرُ قليل، آيةُ ذلك أن هناك ثلاثةَ أنواعٍ من الألفات المزيدة لم ترد هنا في موضعها، وهي:


- الأولى: الألفُ التي تُزاد أولاً في جميع مواضع ألف الوصل (همزة الوصل) في الأفعال والأسماء و(أل) التعريف، لأنها في حقيقتها ألفٌ زائدةٌ يُتوصّلُ بها إلى النطق بالساكن بعدها، تنطقُ همزةً في البدء، وتسقطُ في الدَّرْج، وعلى هذا كثيرٌ من كتب قواعد الكتابة.


- والثانية: الألفُ التي تُزاد وسطاً في كلمة (مائة) لعلّةٍ معروفة، والعجيبُ أنها سقطت من موضعها هنا، وأُدرجت في الكلام على الهمزة المتوسطة تحت عنوان (ملاحظة)(ص13) نصّها " كتب القدماء لفظ (مئة) بزيادة ألف قبل الهمزة (مائة) ولم يبق ثمّة ضرورة لزيادة الألف لالتزام النقط في كتابتنا اليوم خلافاً للقدماء فتكتب وفق القاعدة العامة ". وظاهر أن موضعَها في زيادة الألف وسطاً، ولا يُسوِّغُ نقلَ الحديثِ عنها إلى قواعد رسم الهمزةِ المتوسطةِ الاجتهادُ المسبوقُ بحذف الألف، وأنها تكتبُ لذلك وفق القاعدة العامّة.


- والثالثة: الألفُ التي تُزاد طرفاً لتنوين النصب، وهي على شهرتها، وكثرةِ دورانها في الكلام، وورودِها في كتب قواعد الكتابة المعتمدة في هذا الموضع، كان حظُّها الإغفالَ هنا، مع أنها أُقحمت في نهاية الكلام على الهمزة المتطرفة (ص18). يدلُّ على ذلك أنه نُصّ فيها ثمّة على زيادتها، بلفظ " ويقتضي التنوين زيادة ألف على أواخر الأسماء المنصوبة غير الممنوعة من الصرف نكرةً كانت أو عَلَماً يقبل التنوين ". وهذا الكلام - على وروده في غير موضعه – تعوزُه الدّقّةُ والإحكام، إذ لا داعي لتفسير المراد من " الأسماء المنصوبة " بـ " غير الممنوعة من الصرف نكرة كانت أو علماً يقبل التنوين " فهو حشو، إذ تغني عنه كلمٌة واحدةٌ هي (المنوّنة) وصفاً للأسماء المنصوبة، فالنصُّ على التنوين كما هو معلوم يغني عن تقييدها بـ(غير الممنوعة من الصرف) وعن النصّ على النكرة والعلم، لأن الأصل فيهما التنوين الذي لا يكون حيث الإضافةُ والتعريفُ بـ(أل). ولا يخفى أن الإشارةَ إلى مثله تُعَدُّ من نافلة القول وفضوله، كما أن شهرتُها تغني عن التوثيق.

3 – وكذلك اقتُصر في زيادة الواو (ب) على كلمة (أُولى) وممدودها (أُولاء - أُولئك) وعلى كلمة (عَمْرو). والكلامُ في الموضعين غيرُ قائم، يشوبُه نقصٌ، وتعوزُه الدّقّة، كما أن ما صُدِّرَ بأنه " الرأي " في حذف واو (عَمْرو) يحتاج إلى إعادة نظر. دليلُ ذلك أن الواو تُزاد وسطاً في ثلاثِ كلمات، اقتصرت (قواعد الإملاء) على واحدةٍ منها (أُولى - أُولاء) وأسقطت (أُولو/ أُولي) بمعنى أصحاب، و(أُولات) بمعنى صاحبات، دونما مسوّغ، على شهرتهما في كتب هذا العلم، وكثرةِ ورودهما في القرآن الكريم. وأمّا زيادةُ الواو في آخر (عَمْرو) فقد كان التعبيرُ عن قاعدتها غيرَ دقيق، فضلاً عمّا صاحَبَه من اجتهاد غير صائب، واللفظُ ثمّة(ص29):" زاد القدماء الواو بعد راء اسم (عَمْرو) تفريقاً بين (عُمَر) و(عَمْرو). والرأي حذف هذه الواو والاكتفاء بوضع إشارة فتح فوق العين فنكتب (عَمْر) ". وذلك لأن زيادةَ الواو في كلمة (عَمْرو) مقيّدةٌ بحالتي الرفعِ والجرِّ دونَ النصبِ مع التنوين بضوابطَ معروفةٍ مشهورة، وجميعُ ذلك لم يُشَرْ إليه، مما جعل حكايةَ قاعدتها مسرفةً في التعميم، وبعيدةً عن الدقّة العلمية ولغةِ التخصص.

نحوه الاجتهادُ الذي تصدّر بـ " والرأي " الذي يدلّ مُعَرَّفاً بأل على أنه الصواب، مستبعداً غيرَه من آراء، على ما فيه من مخالفةٍ للمشهورِ والشائعِ من قواعد الكتابة وأصولِ الأقدمين التي نصّت (قواعد الإملاء) في التقديم على شديدِ حرصها عليها، فضلاً عمّا فيه من تضحيةٍ بميزةٍ جليلةٍ تختصُّ بها العربيةُ دونَ كثيرٍ من اللغات الأخرى، وهي ميزةُ الاقتصاد في الكتابة العربية، إذْ تقتصرُ لغتُنا في الأصل والأعمِّ الأغلب على كتابة حروف المدّ (المصوّتات الطويلة) دون الحركات (المصوّتات القصيرة) إلا لداعٍ يقتضي الضبطَ بالشكل كُلّيّاً أو جُزْئيّاً.

أحسب أن الاجتهادَ بحذف الواو والضبطِ بإثبات حركتين: فتح العين وسكون الميم (عَمْر) لا يحلّ مشكلةً، ولا ييسّر صعباً، كما أنه لن يُغري أحداً بالأخذ به، والعدولِ عما جرت به الأقلامُ، وألِفَه العامُّ والخاصُّ، وذلك لأمور، أظهرها ما في لغة هذا " الرأي " من مجافاةٍ للدّقّة العلمية وعدولٍ عن المصطلحات المشهورة إلى كلام عامّ، ينأى عن لغة التخصص، تجلى في التعبير عن الضبط بالشكل بفتح العين وسكون الميم في (عَمْر) باللفظ " والاكتفاء بوضع إشارة فتح فوق العين". أعتقد أن استعمالَ مصطلح (إشارة فتح) في موضع (حركة الفتح) مبتدعٌ وغير مسبوق.

4 – جرى إفرادُ " ألف الإطلاق " بعنوان بالحرف الأسود الفاحم وسط السطر(ص29) ما بين الحديث عن زيادة الألف وزيادة الواو، وكأنها موضوعٌ مستقلّ، دون أيّ مسوّغ لهذا الإفراد، لأنها فرعٌ عن زيادة الألف التي اقتُصر فيها على موضعين: الألف التي تلي واو ضمير الجمع، وألف الإطلاق.


- النوع الثاني: اختصّ هذا النوعُ بالحروف التي تُحذف في الكتابة، غير أن العنوان ثمّة اقتصر على كلمة " الحذف " واستغرق نحوَ أربعِ صفحات(ص30-33). ويتّجه عليها جُملةُ ملاحظَ، تؤولُ إلى عدمِ الدّقّة، والنقصِ، والحشوِ، والأخطاءِ العلمية والمنهجية، يمكن إيجازُها فيما يلي:

1 - استُهلّ الحديث عن (الحذف) بأنه " يقع الحذف في مذاهب القدماء في حرفين فقط، هما الألف والواو ". وهذا القطعُ بقصر الحذف على حرفين منسوباً إلى مذاهب القدماء لا يُسلّم به، فهناك حروفٌ أخرى يقع فيها الحذفُ لدى القدماء والمحدثين، أشهرُها حرفان، هما:
- (أل) التعريف: وذلك في نوعين من الكلمات، أولاهما: الأسماءُ المبدوءة باللام إذا دخلت عليها (أل) ثم دخل عليها لامٌ مكسورة أو مفتوحة، نحو: لَلَّبَنُ - لِلَّبَنِ، لَلَّحْمُ - لِلَّحْمِ، لَلَّيْلُ - لِلَّيْلِ. وثانيهما: الأسماءُ الموصولة التي تكتب بلامين إذا دخلت عليها لامٌ مكسورة أو مفتوحة، نحو: لَلّذانِ - لِلَّذَيْنِ - لَلَّتانِ - لِلَّتَيْنِ - لَِلَّائي...
- النون: تُحذف كتابةً أو رسماً في مواضع، أشهرها وأصحّها[13]:
* من حرفي الجرّ (مِنْ) و(عَنْ) إذا دخلتا على (ما) و(مَنْ) مثل: مِمّا وعَمّا ومِمّنْ وعَمّنْ.
* من (إنْ) الشرطية إذا اتصلت بـ(لا) النافية، أو (ما) الزائدة، مثل: {إلاّ تَنْصُروه فَقَدْ نَصَرَهُ اللهُ}[الأنفال73] و{إمّا يبلغَنَّ عِنْدَكَ الكِبَرَ أحدُهما أو كلاهما}[الإسراء23].
* من (أنْ) المصدرية إذا جاءت بعدها (لا) زائدةً أو نافيةً، مثل: {قالَ ما مَنَعَكَ ألاَّ تَسْجُدَ إذْ أمَرْتُكَ}[الأعراف12]. ويجب ألاّ تتأخَّرَ.
2 – اشتمل الحذف الأول " حذف الألف "(ص30-33) على جمع للمواضع التي تُحذف فيها الألفُ موزعّةً على أرقامٍ تسعةٍ، تخللتها بعضُ الاجتهادات، الثلاثةُ الأولى منها لمواضع مشهورة تُحذف فيها همزةُ الوصل، ولذلك توردها بعضُ كتب قواعد الكتابة في الحديث عن أحكام حذف همزة الوصل، واثنتان (الرابعة والتاسعة) لحذف الألف وسطاً، والأربعة الباقية (الخامسة والسادسة والسابعة والثامنة) لحذف الألف طرفاً. ويتّجه على ما ورد ثمّة ملاحظُ مختلفةٌ من عدم الدّقّة، والنقصِ، وعدمِ التفريق بين مواضع حذف الألف أولاً ووسطاً وطرفاً، وكذلك بين مواضع الحذف الواجب والجائز، ومن الخلطِ بين الرسم القرآني والرسم الكتابي المعاصر، والتجوّزِ في التعبير عن بعض تلك المواضع. بيانها فيما يأتي:

أ – جاء التعبيرُ عن قاعدة حذف الألف من كلمة (ابن) غيرَ دقيق، فقد عُزي الحذفُ فيها إلى القدماء والمحدثين، وتضمّن بعضَ شروطها، ثم تلتها الأمثلةُ متبوعةً بشرطٍ آخر(ص30) واللفظ ثمّة " تحذف في الكتابة لدى القدماء والمحدثين ألفُ (ابن) إذا وقعت هذه الكلمة مفردة بين علمين على ألاّ يفصل بينهما فاصل ". أرى إعادةَ النظر في تحرير القاعدة، وذلك بحذف النصّ على نسبة هذا الحذف إلى القدماء والمحدثين، لأنه لا يضيفُ جديداً، إذ كان معظمُ قواعد الكتابة يوافق منهجَ الأقدمين أو أصولهم، ومثلُه يصحُّ إثباتُه عندما تتفرد القاعدةُ بوقوع الاتفاق فيها بين القدماء والمحدثين، وهذا ما دعا كتبَ العلم إلى عدم الإشارة إليه إلاّ لداعٍ يقتضيه؛ وكذلك بحذف شرط عدم الفصل بينهما، كيلا يُتوهّم أن التعريفَ استغرق الشروطَ، كأن يقال مثلاً: تُحذف الألفُ من كلمة (ابن) إذا وقعت بين علمين صفةً مفردةً. ويمكن أن يُشار بعد الأمثلة إلى شروطٍ أو إلى ضوابطَ أخرى لحذفها، كما يُشارُ إلى أن ما يقال فيها ينطبق على مؤنثها (ابنة).


ب – ومن أمثلة عدم الدّقّة والحشو بلا داعٍ ما ورد في نهاية قاعدة حذف الألف من (أل) التعريف إذا سبقت باللام مفتوحةً أو مجرورةً(ص31)، فقد خُتم بالنصّ على ما يندرج في القاعدة، مع خلطٍ بحذفٍ آخرَ ذي قاعدةٍ أخرى، ولفظه ثمّة " وتحذف كذلك من أسماء الموصول المبدوءة باللام إذا سُبقت بلام، فنكتب: هذا الكتاب لِلّذي أتاك. لِلّذَيْنِ أتياك. الثواب لِلّذِيْنَ آمنوا ". وظاهر أن هذا الكلامَ لا حاجةَ إلى إيراده، وذلك لأن القاعدةَ السابقة له تستغرقُ حذفَ الألف من (أل) التعريف في كلّ اسم دخلت عليه، أو يبدأ بها، أو جاء مُحلّى بها، أيّاً كان نوعُ هذا الاسم، موصولاً أو غيرَ موصول. ومعلوم أن جميعَ الموصولات الخاصّة (الذي والتي وفروعهما) تلزمها (أل) التعريف فلا تحتاج إلى تقييد الأسماء الموصولة بـ(المبدوءة باللام). وأما الخلطُ فيظهر في إيرادِ دخول اللام على الاسم الموصول المثنّى الذي يكتب بلامين هنا " لِلّذَيْنِ أتياك " لأنه من بابةٍ أخرى، ولا يصحُّ إثباتُه هنا، فقد حُذف منه حرفان هما: الألف واللام، يعني (أل) كاملة، وبقيت اللام الثانية واللام الداخلة عليها، وقد مضى التنبيهُ على سقوطه من قسم الحذف قريباً.


ج – وكذلك جاء التعبيرُ عن الموضع الثالث لحذف الألف غيرَ دقيق، ولفظه (ص31): " تحذف الألف من كلمة (اسم) في البسملة فقط: بسم الله الرحمان الرحيم، وتثبت في الأحوال الأخرى، فنكتب: باسمك اللهم. الرئيس يتحدث باسم مرؤوسيه ". وذلك لأن النصّ على أن موضعها في البسملة، يعني نفي ما سواها، بما يغني عن الحصر بـ(فقط)، ولو وُصِفت البسملة بـ(التامّة) لكان أولى. وبنحوه التعبيرُ عن ثبوتها في غير البسملة بـ " الأحوال الأخرى " فهي ليست أحوالاً، بل هي صيغٌ للبسملة غير التامّة وغيرها.ومما يلتحق بما سبق ما جاء من مخالفة المتقدمين والمحدثين في كتابة كلمة " الرحمن " في البسملة التامّة بإثبات الألف، فهذا غير جائز، وإن وافق اجتهادُ (قواعد الإملاء) إثباتَ الألف في (الرحمن) وأشباهها، فهو مقصورٌ على الأعلام، أمّا رسمها في البسملة التامّة فله حكمٌ خاصٌّ.


د – وكذلك شاب التعبيرَ عن الموضع الرابع لحذف الألف غيرُ قليلٍ من مجافاةِ الدّقّة، وتنكُّبِ الصواب، والخلطِ بين قضايا من موضوعات مختلفة، ولفظه ثمّة (ص31): " في الكتابة الموروثة عن القدماء وفي رسم القرآن حُذفت الألف المتوسطة في طائفة من أسماء الأعلام وفي الأحرف التي تقع في أوائل السور القرآنية، واستعملت فيما بعد أسماء للأشخاص، ومنها: الله، الرحمن، طه، يس، الحرث (الحارث)، ملك (مالك)، إسمعيل، إبرهيم، إسحق، هرون، وغيرها. والرأي إثبات هذه الألف في جميع هذه الأسماء، باستثناء لفظ الجلالة، وفي لفظ (طه) لشيوع كتابتهما بهذه الصورة: الرحمان، ياسين، الحارث، مالك، إسماعيل، إبراهيم، إسحاق، هارون، وغيرها ". ويتّجه على ذلك ملاحظُ، منها:


- معلوم أن الرسمَ القرآنيّ أو خطّ المصحف لا يُقاس عليه، وهو أحد أنواعٍ ثلاثةٍ للكتابة العربية، ثانيها الكتابةُ العروضية التي تُصَوّرُ المنطوق به، وهذان الخطّان - كما هو مشهور - لا يُقاس عليهما، وثالثها الكتابةُ العادية أو المعاصرة التي هي موضوع البحث وقواعد الكتابة أو الإملاء، لذا لم يكن صائباً النصُّ على حذف الألف المتوسطة في الرسم القرآني في طائفةٍ من أسماء الأعلام، وفي الأحرفِ التي تقع في أوائل السور القرآنية، وأنها استُعملت فيما بعد أسماءً للأشخاص. ولو اقتُصر على ما صُدِّر به الحذفُ الرابع " في الكتابة الموروثة عن القدماء " لكان أولى، على ما في هذا التعبير من خروجٍ عن المألوف، ونأيٍ عن الدّقّة، لأن التعبيرَ عن مذاهب الأقدمين أو مقالاتهم أو مناهجهم أو طرائق الكتابة لديهم بـ " الموروث عن القدماء " غيرُ مناسبٍ من وجوه، يقدُمها أن الموروثَ يشمل الغثَّ والسمينَ، والرديءَ والجيدَ خلافاً للمذاهب أو المقالات أو المناهج التي تحوي صواباً يحتملُ الخطأ.


- يتصل بما سبق من عدم الدّقّة ما سلف من تصدير أمثلة أسماء الأعلام بـ " الله، الرحمن " بعد النصّ على أنها " استُعملت فيما بعد أسماءً للأشخاص، ومنها:.. " وظاهر أن في العبارة سهواً، لأن لفظ الجلالة - كما هو معلوم – خاصّ به سبحانه وتعالى، والأصل في حذف الألف من (الرحمن) أن تكون معرفة بـ(أل).


- تشترك الأمثلةُ المتقدّمةُ في حذف الألف منها وسطاً، بيد أنها ليست جميعاً على درجةٍ واحدة، كما أن حذفَها ليس موضعَ اتفاقٍ لدى المصنّفين، إذ كان أغلبُها لا يُثبت حذفَ الألف وسطاً في أكثر الأمثلة، لأن مَنْ أوردها منهم تابع فيها الرسمَ القرآني الذي لا يُقاس عليه فيما خالف فيه قواعدَ الكتابة، وإن كان موافقاً لها في معظمه. وأكثر كتب قواعد الكتابة تقتصرُ على إيراد بضع كلماتٍ مشهورة، وقع فيها حذفُ الألف وسطاً وجوباً، هي (الله - إله - الرحمن - السموات - لكنّْ - أولئك - طه). أما الأعلامُ الأخرى التي ذُكر بعضُها وغيرُها من الأسماء التي جرى بعضُ الأقدمين على حذف الألف منها وسطاً فهي كثيرة، وثمة اختلافٌ بينهم في حذفها، وقوعاً أو عدماً، ووجوباً أو جوازاً، وفي دواعيه أيضاً[14]. والأمرُ في الكتابة المعاصرة على خلافه.


هـ - اختصّ الموضعُ الخامسُ بحذف الألف طرفاً من (ها) التنبيه في مجموعة من الكلمات، ثم بالتنبيه على ثبوتها في غيرها دونَ إشارةٍ إلى قاعدةٍ تنتظمُ أمثلةَ هذا الحذف، واللفظ ثمّة (ص32) " حذفت الألف في الكتابة السائدة حتى اليوم من (ها) التنبيه في الألفاظ الآتية: هؤلاء، هذا، هذه، هذان، هأنذا، هأنتم. ولا تحذف في: هاته، ها هنا ". وظاهر ما في التعبير عن الحذف من قصور سببُه العدولُ عن القاعدة الناظمة إلى الاقتصار على الأمثلة التي يقع فيها الحذفُ، والتي لم يقع فيها، ولا شكّ أن حاجةَ القارئ إلى القاعدة أكبرُ من حاجته إلى الأمثلة وحدها، وقد كان الأولى أن تُسبق الأمثلةُ بالقاعدة المشهورة، نحو: تحذف الألف طرفاً من (ها) التنبيه إذا دخلت على اسم إشارة، ليس مبدوءاً بتاء، ولا بهاء، وليس بعده كاف. أما الأمثلة التي أوردتها (قواعد الإملاء) فقد شابها نقصٌ، إذ سقط منها المثالُ الثالث على عدم حذف الألف مع اسم الإشارة المبدوء بالتاء (هاتان - هاتين) أحسب أنه لو ذكرت القاعدة لكان فيها منبهةٌ على هذا السقط، فضلاً عن أن الأمثلةَ المذكورة جمعت بين أسماء الإشارة والضمائر التي تباشرها (ها) التنبيه، وقد كان الأولى الفصلُ بينهما، وذلك لأن حذف الألف من (ها) التنبيه مع أسماء الإشارة أقوى وأشيع وألزم خلافاً لحذفها مع الضمائرِ المبدوءةِ بهمزة، فهو إلى الجواز أدنى منه إلى الوجوب في الكتابة المعاصرة.


و - وأما الموضعُ السادسُ فقد خُصّص لحذف الألف طرفاً من (ذا) الإشارية إذا اتصلت بلام البعد متبوعةً بالأمثلة، تلاها التنبيهُ على عدم حذفها إذا تلتها لامُ الجرّ مكسورةً أو مفتوحةً، ثم الأمثلة الموضّحة (ص32). والحق أن ما سبق كان إلى الدّقّة أقرب لولا أن أمثلة القاعدة لم تجاوز ثلاثَ كلمات، اقتصرت على الإشارة للمذكر مفرداً ومثنى ومجموعاً. وقد وددتُ أن تستغرق الأمثلةُ أسماءَ الإشارة للمؤنث أيضاً (ذلِكِ، ذلِكما، ذلِكُنَّ) انسجاماً مع منهج (قواعد الإملاء) في استقصاء الأمثلة، ومنعاً لما قد ينشأ من لبس لدى القارئ بأن القاعدةَ تقتصرُ على ما ورد من أمثلة، وأن يشتمل التنبيهُ، إضافةً إلى ثبوت الألف إذا وليتها لامُ الجرّ، على صورة أخرى تثبت فيها الألفُ، وذلك إن اتصلت (ذا) الإشارية بكاف الخطاب دون لام البعد، مثل: ذاكَِ، ذاكما، ذاكم، ذاكنَّ. وكلاهما مما نجده في كثير من كتب قواعد الكتابة.


ز - استقلّ الموضعُ السابعُ بحذف الألف من (ما) الاستفهامية إذا سبقت بحرف جرٍّ متبوعةً بأمثلة، والتعقيب بأن الكلمتين حرف الجر و(ما) يصيران كالكلمة الواحدة (ص32). وهذا حسن، لكنْ يعوزه التنبيهُ على شرطٍ في (ما) لا بُدّ منه، ولا يتحقق حذفُ الألف منها إلاّ بانتفائه، وهو ألاّ تُركَّب (ما) مع (ذا)، فإن رُكِّبت فلا تُحذف ألفُها، مثل: لماذا؟ بماذا؟


ح - وآخِرُ مواضعِ حذف الألف طرفاً كان الموضعُ الثامن(ص32-33) الذي نصّ على أنه " جرى بعض القدماء على حذف ألف النداء (يا) إذا اتصلت باسم علم مبدوء بالهمزة، نحو: يأسعد. أو إذا سبقت لفظ (أي) نحو: يأيّها الناس، يأيّتها المرأة. والرأي إثبات الألف في جميع هذه المواضع مشاكلةً للنطق، فنكتب... ". ويتّجه على ما سبق ملاحظُ، منها:


- تصدير القاعدة بالعزو إلى ما جرى عليه بعضُ القدماء من حذف ألف (يا) الندائية، وحصرها في موضعين: اسم علم مبدوء بهمزة، وإذا سبقت لفظ (أيّ) وكذلك صياغتها = كان غيرَ دقيق، ويشوبه نقصٌ، ويحتاج إلى إعادة نظرٍ وتحريرٍ؛ وذلك لأن نسبتَه إلى بعض القدماء تعني أنه موضعُ خُلْف بينهم لا موضع اتفاق، وفيه إلى ذلك جمعٌ بين موضعي حذفٍ للألف من (يا) الندائية مختلفين في حكم الحذف، والدّقّةُ تقتضي أن يُفرّق بينهما، أو أن يُشار إلى أن حذفَها مع الأعلام المبدوءة بالهمزة جائز لا واجب[15]. أعتقد أن الشروطَ المتقدّمة في تصدير (قواعد الإملاء) والغايةَ المتوخّاة من وضعها بأن تكون قواعدَ موحّدةً معياريّةً، تأخذُ طريقَها إلى الشيوع، ويلتزمها الناسُ على اختلاف بلدانهم وطرائقهم، لا يناسبها منهجاً وتطبيقاً إيرادُ ما كان موضعَ اختلافٍ بين الأقدمين أو المعاصرين، بل يناسبُها اعتمادُ ما كان موضعَ اتفاقٍ أو إجماع.


- ويظهر عدمُ الدّقّة في إغفالِ التنبيه على أن حذفَها مع اسم العلم جائزٌ، وأنه ليس على إطلاقه، بل مشروطٌ بأن يكون العلمُ غيرَ ممدود، وزائداً على ثلاثة أحرف، ولم يُحذف منه شيءٌ، فلا تُحذف في مثل: يا آدم، ياإسحق. كما يبدو أيضاً في إسقاط الكلمة الثالثة من الموضع الثاني لحذفها، وهي لفظة (أهل) لأن كتبَ قواعد الكتابة تنصُّ على حذف الألف من (يا) الندائية مع هذه الكلمات الثلاث، فالحكم فيها واحدٌ، ولا وجهَ لإيراد اثنتين منها وإهمالِ الثالثة كما رأينا.

3 – وقد خُتم قسمُ (الحذف) بالحديث عن الحرف الثاني الذي يقع فيه الحذفُ، وهو حرف الواو (ص33) الذي جاء في ستة أسطر، حوت القاعدةَ والأمثلةَ والرأيَ في هذا الحذف، ولفظه ثمّة "حذف القدماء في كتابتهم واو المدّ في طائفة من الألفاظ إذا وقع قبلها واو كراهية توالي الأمثال. أمثلة: داوُد، طاوُس، راوُق، ناوُس. والرأي إثبات الواو في جميع هذه الألفاظ مشاكلةً للنطق، فنكتب: داوود، طاووس، راووق، ناووس". وعلى ذلك ملاحظُ تؤول إلى عدم الدّقّة والخلطِ بين أمثلة بينها فرقٌ من بعض الوجوه:


- أمّا عدمُ الدّقّة فيظهر في نسبة حذف واو المدّ وسطاً في تلك الألفاظ إلى القدماء في كتابتهم معللاً بكراهية توالي الأمثال. وليس الأمرُ كذلك، لأن حذفَ الواو في تلك الأمثلة، ليس موضعَ اتفاقٍ حتى يُنسبَ إلى القدماء، فقد نصّ الحريريّ على أنه مذهب الاختيار عند أهل العلم[16] ونقل السيوطيّ عن أبي حيان تجويزَ بعضهم كتابةَ الواوين على الأصل، وأن ابن الصائغ اختاره، والقياسُ خلافه كراهةَ اجتماع المثلين[17]. وهذا يدل على أن " الرأي " الذي أدّى إليه الاجتهادُ بإثبات الواو فيها، وإن اختلف وجهُ العلّة، فغدا مشاكلةَ النطقِ بدلَ كراهةِ توالي المثلين، ليس جديداً كما توحي بذلك دلالتُه وصياغتُه، بل هو وجهُ أجازه بعضُ الأقدمين، واختاره ابنُ الصائغ من أعلامهم، ولم يقتصر هذا على القدماء بل نصّ على مثله بعضُ المصنّفين من المحدثين[18].


- ويتجلّى الخلطُ بين الأشياء المختلفة من بعض الوجوه في الجمع بين أربعةِ أمثلةٍ متباينةٍ في درجة الحذف وعِلّته، وذلك لأن أكثرَ كتب قواعد الكتابة تقتصرُ على المثالين الأولين (داوُد - طاوُس) لاشتراكهما في العلّة، وهي الشهرة[19] وبعضُ مَنْ زاد عليهما كلمتين أو ثلاثة من هذه (ناوُس - راوُق - هاوُن) نبّه على أنه حذف جائز تخفيفاً أو كراهةَ اجتماع المثلين[20].



يتبع




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 32.96 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 32.33 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.91%)]