عرض مشاركة واحدة
  #208  
قديم 17-12-2022, 01:08 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 136,142
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الموافقات - أبو إسحاق الشاطبي -----متجدد إن شاء الله


الموافقات
أبو إسحاق إبراهيم بن موسى بن محمد اللخمي الشاطبي
الجزء الخامس
الحلقة (208)
صـ396 إلى صـ 405



وقصة أم إسماعيل حين نبع لها ماء زمزم فحوضته ، ومنعت الماء من [ ص: 396 ] السيلان ، فقال - عليه الصلاة والسلام - : لو تركته لكانت زمزم عينا معينا وفي الحديث أنه طبخ لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - قدر فيها لحم ، فقال : ناولني ذراعا ، قال الراوي : فناولته ذراعا ، فقال : ناولني ذراعا ، فناولته ذراعا ، فقال : ناولني ذراعا ، فقلت : يا رسول الله كم للشاة من ذراع ؟ فقال : والذي نفسي بيده لو سكت لأعطيت أذرعا ما دعوت .

[ ص: 397 ] [ ص: 398 ] وحديث علي قال : دخل علي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعلى فاطمة من الليل ، فأيقظنا للصلاة ، قال : فجلست وأنا أعرك عيني وأقول : إنا والله ما نصلي إلا ما كتب لنا ، إنما أنفسنا بيد الله ، فإذا شاء أن يبعثها بعثها ، فولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يقول : وكان الإنسان أكثر شيء جدلا .

[ ص: 399 ] وحديث : يا أيها الناس اتهموا الرأي ، فإنا كنا يوم أبي جندل ولو نستطيع أن نرد أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لرددناه .

ولما وفد على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حزن جد سعيد بن المسيب ، فقال له : ما اسمك ؟ قال : حزن ، قال : بل أنت سهل ، قال : لا أغير اسما سماني به أبي ، قال سعيد : فما زالت الحزونة فينا حتى اليوم .

والأحاديث في هذا المعنى كثيرة .

والثالث : ما عهد بالتجربة من أن الاعتراض على الكبراء قاض بامتناع الفائدة مبعد بين الشيخ والتلميذ ، ولا سيما عند الصوفية ، فإنه عندهم الداء الأكبر حتى زعم القشيري عنهم أن التوبة منه لا تقبل ، والزلة لا تقال ، ومن ذلك [ ص: 400 ] حكاية الشاب الخديم لأبي يزيد البسطامي إذ كان صائما ، فقال له أبو تراب النخشبي وشقيق البلخي : كل معنا يا فتى ، فقال : أنا صائم ، فقال أبو تراب : كل ولك أجر شهر ، فأبى ، فقال شقيق : كل ولك أجر صوم سنة ، فأبى ، فقال أبو يزيد : دعوا من سقط من عين الله ، فأخذ ذلك الشاب في السرقة وقطعت يده .

وقد قال مالك بن أنس لأسد حين تابع سؤاله : هذه سليسلة بنت سليسلة ، إن أردت هذا فعليك بالعراق ، فهدده بحرمان الفائدة منه بسبب اعتراضه في جوابه ، ومثله أيضا كثير لمن بحث عنه .

فالذي تلخص من هذا أن العالم المعلوم بالأمانة والصدق والجري على سنن أهل الفضل والدين والورع إذا سئل عن نازلة فأجاب ، أو عرضت له حالة يبعد العهد بمثلها أو لا تقع من فهم السامع موقعها - ألا يواجه بالاعتراض والنقد ، فإن عرض إشكال فالتوقف أولى بالنجاح ، وأحرى بإدراك البغية إن شاء الله تعالى .
[ ص: 401 ] المسألة الرابعة

الاعتراض على الظواهر غير مسموع .

والدليل عليه أن لسان العرب هو المترجم عن مقاصد الشارع ، ولسان العرب يعدم فيه النص أو يندر ؛ إذ قد تقدم أن النص إنما يكون نصا إذا سلم عن احتمالات عشرة ، وهذا نادر أو معدوم ، فإذا ورد دليل منصوص وهو بلسان العرب ، فالاحتمالات دائرة به ، وما فيه احتمالات لا يكون نصا على اصطلاح المتأخرين ، فلم يبق إلا الظاهر والمجمل ، فالمجمل الشأن فيه طلب المبين أو التوقف ، فالظاهر هو المعتمد إذا ، فلا يصح الاعتراض عليه ؛ لأنه من التعمق ، والتكلف .

وأيضا ، فلو جاز الاعتراض على المحتملات لم يبق للشريعة دليل يعتمد ؛ لورود الاحتمالات وإن ضعفت ، والاعتراض المسموع مثله يضعف الدليل ، فيؤدي إلى القول بضعف جميع أدلة الشرع أو أكثرها ، وليس كذلك باتفاق .

ووجه ثالث : لو اعتبر مجرد الاحتمال في القول لم يكن لإنزال الكتب [ ص: 402 ] ولا لإرسال النبي - عليه الصلاة والسلام - بذلك فائدة ؛ إذ يلزم ألا تقوم الحجة على الخلق بالأوامر والنواهي والإخبارات ؛ إذ ليست في الأكثر نصوصا لا تحتمل غير ما قصد بها ، لكن ذلك باطل بالإجماع والمعقول ، فما يلزم عنه كذلك .

ووجه رابع : وهو أن مجرد الاحتمال إذا اعتبر أدى إلى انخرام العادات والثقة بها ، وفتح باب السفسطة وجحد العلوم ، ويبين هذا المعنى في الجملة ما ذكره الغزالي عن نفسه في كتابه " المنقذ من الضلال " ، بل ما ذكره السوفسطائية في جحد العلوم ، فبه يتبين لك أن منشأها تطريق الاحتمال في الحقائق العادية ، أو العقلية فما بالك بالأمور الوضعية .

ولأجل اعتبار الاحتمال المجرد شدد على أصحاب البقرة إذ تعمقوا في السؤال عما لم يكن لهم إليه حاجة مع ظهور المعنى ، وكذلك ما جاء في الحديث في قوله : " أحجنا هذا لعامنا أو للأبد ؟ " وأشباه ذلك ، بل هو أصل في الميل عن الصراط المستقيم ، ألا ترى أن المتبعين لما تشابه من الكتاب إنما اتبعوا فيها مجرد الاحتمال فاعتبروه وقالوا فيه ، وقطعوا فيه على الغيب بغير دليل ، فذموا بذلك وأمر النبي - عليه الصلاة والسلام - بالحذر منهم .

[ ص: 403 ] ووجه خامس : وهو أن القرآن قد احتج على الكفار بالعمومات العقلية ، والعمومات المتفق عليها ، كقوله تعالى : قل لمن الأرض ومن فيها إن كنتم تعلمون سيقولون لله قل أفلا تذكرون إلى أن قال : سيقولون لله قل فأنى تسحرون [ المؤمنون : 84 - 89 ] فاحتج عليهم بإقرارهم بأن ذلك لله على العموم ، وجعلهم إذ أقروا بالربوبية لله في الكل ثم دعواهم الخصوص مسحورين لا عقلاء .

وقوله تعالى : ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض وسخر الشمس والقمر ليقولن الله فأنى يؤفكون [ العنكبوت : 61 ] يعني كيف يصرفون عن الإقرار بأن الرب هو الله بعدما أقروا فيدعون لله شريكا .

وقال تعالى : خلق السماوات والأرض بالحق يكور الليل على النهار إلى قوله : ذلكم الله ربكم له الملك لا إله إلا هو فأنى تصرفون [ الزمر : 5 - 6 ] وأشباه ذلك مما ألزموا أنفسهم فيه الإقرار بعمومه ، وجعل خلاف ظاهره على خلاف المعقول ، ولو لم يكن عند العرب الظاهر حجة غير معترض عليها لم يكن في إقرارهم بمقتضى العموم حجة عليهم ، لكن الأمر [ ص: 404 ] على خلاف ذلك ، فدل على أنه ليس مما يعترض عليه .

وإلى هذا فأنت ترى ما ينشأ بين الخصوم وأرباب المذاهب من تشعب الاستدلالات ، وإيراد الإشكالات عليها بتطريق الاحتمالات ، حتى لا تجد عندهم بسبب ذلك دليلا يعتمد لا قرآنيا ولا سنيا ، بل انجر هذا الأمر إلى المسائل الاعتقادية ، فاطرحوا فيها الأدلة القرآنية والسنية لبناء كثير منها على أمور عادية ، كقوله تعالى : ضرب لكم مثلا من أنفسكم هل لكم من ما ملكت أيمانكم من شركاء الآية [ الروم : 28 ] .

وقوله : ألهم أرجل يمشون [ الأعراف : 195 ] وأشباه ذلك .

واعتمدوا على مقدمات عقلية غير بديهية ، ولا قريبة من البديهية ، هربا من احتمال يتطرق في العقل للأمور العادية ، فدخلوا في أشد مما منه فروا ، ونشأت مباحث لا عهد للعرب بها ، وهم المخاطبون أولا بالشريعة ، فخالطوا الفلاسفة في أنظارهم ، وباحثوهم في مطالبهم التي لا يعود الجهل بها على الدين بفساد ، ولا يزيد البحث فيها إلا خبالا ، وأصل ذلك كله الإعراض عن مجاري العادات في العبارات ومعانيها الجارية في الوجود .

وقد مر فيما تقدم أن مجاري العادات قطعية في الجملة وأن طرق العقل إليها احتمالا ، فكذلك العبارات ؛ لأنها في الوضع الخطابي تماثلها أو تقاربها .

[ ص: 405 ] ومر أيضا بيان كيفية اقتناص القطع من الظنيات ، وهي خاصة هذا الكتاب لمن تأمله والحمد لله ، فإذا لا يصح في الظواهر الاعتراض عليها بوجوه الاحتمالات المرجوحة ، إلا أن يدل دليل على الخروج عنها ، فيكون ذلك داخلا في باب التعارض والترجيح ، أو في باب البيان ، والله المستعان .

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 23.61 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 22.98 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.66%)]