عرض مشاركة واحدة
  #228  
قديم 14-12-2022, 01:10 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,201
الدولة : Egypt
افتراضي رد: فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام


فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام
المؤلف:شيخ الاسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية.
سُورَةُ النساء
المجلد السادس
الحلقة( 228)

من صــ 131 الى صـ 140





(لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدون في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة وكلا وعد الله الحسنى وفضل الله المجاهدين على القاعدين أجرا عظيما (95) درجات منه ومغفرة ورحمة وكان الله غفورا رحيما (96)
فالله تعالى نفى المساواة بين المجاهد والقاعد الذي ليس بعاجز؛ ولم ينف المساواة بين المجاهد وبين القاعد العاجز؛ بل يقال: دليل الخطاب يقتضي مساواته إياه. ولفظ الآية صريح. استثنى أولو الضرر من نفي المساواة فالاستثناء هنا هو من النفي وذلك يقتضي أن أولي الضرر قد يساوون القاعدين وإن لم يساووهم في الجميع ويوافقه ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في غزوة تبوك: {إن بالمدينة رجالا ما سرتم مسيرا ولا قطعتم واديا إلا كانوا معكم. قالوا: وهم بالمدينة. قال: وهم بالمدينة حبسهم العذر} فأخبر أن القاعد بالمدينة الذي لم يحبسه إلا العذر هو مثل من معهم في هذه الغزوة. ومعلوم أن الذي معه في الغزوة يثاب كل واحد منهم ثواب غاز على قدر نيته فكذلك القاعدون الذين لم يحبسهم إلا العذر. ومن هذا الباب ما ثبت في الصحيحين عن أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
{إذا مرض العبد أو سافر كتب له ما كان يعمل وهو صحيح مقيم} فإنه إذا كان يعمل في الصحة والإقامة عملا ثم لم يتركه إلا لمرض أو سفر ثبت أنه إنما ترك لوجود العجز والمشقة لا لضعف النية وفتورها فكان له من الإرادة الجازمة التي لم يتخلف عنها الفعل إلا لضعف القدرة ما للعامل والمسافر وإن كان قادرا مع مشقة كذلك بعض المرض إلا أن القدرة الشرعية هي التي يحصل بها الفعل من غير مضرة راجحة كما في قوله تعالى
{ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا} وقوله: {فمن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا}ونحو ذلك ليس المعتبر في الشرع القدرة التي يمكن وجود الفعل بها على أي وجه كان بل لا بد أن تكون المكنة خالية عن مضرة راجحة بل أو مكافئة. ومن هذا الباب ما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {من جهز غازيا فقد غزا ومن خلفه في أهله بخير فقد غزا} وقوله: {من فطر صائما فله مثل أجره من غير أن ينقص من أجره شيء} فإن الغزو يحتاج إلى جهاد بالنفس وجهاد بالمال فإذا بذل هذا بدنه وهذا ماله مع وجود الإرادة الجازمة في كل منهما كان كل منهما مجاهدا بإرادته الجازمة ومبلغ قدرته وكذلك لا بد للغازي من خليفة في الأهل فإذا خلفه في أهله بخير فهو أيضا غاز وكذلك الصيام لا بد فيه من إمساك ولا بد فيه من العشاء الذي به يتم الصوم وإلا فالصائم الذي لا يستطيع العشاء لا يتمكن من الصوم. وكذلك قوله في الحديث الصحيح:

{إذا أنفقت المرأة من مال زوجها غير مفسدة كان لها أجرها بما أنفقت ولزوجها مثل ذلك لا ينقص بعضهم من أجور بعض شيئا} وكذلك قوله في حديث أبي موسى: {الخازن الأمين الذي يعطي ما أمر به كاملا موفرا طيبة به نفسه أحد المتصدقين} أخرجاه. وذلك أن إعطاء الخازن الأمين الذي يعطي ما أمر به موفرا طيبة به نفسه لا يكون إلا مع الإرادة الجازمة الموافقة لإرادة الآمر وقد فعل مقدوره وهو الامتثال فكان أحد المتصدقين. ومن هذا الباب حديث أبي كبشة الأنماري الذي رواه أحمد وابن ماجه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {إنما الدنيا لأربعة: رجل آتاه الله علما ومالا فهو يعمل فيه بطاعة الله فقال رجل: لو أن لي مثل فلان لعملت بعمله فقال النبي صلى الله عليه وسلم فهما في الأجر سواء} وقد رواه الترمذي مطولا وقال حديث حسن صحيح فهذا التساوي مع " الأجر والوزر " هو في حكاية حال من قال ذلك وكان صادقا فيه وعلم الله منه إرادة جازمة لا يتخلف عنها الفعل إلا لفوات القدرة؛ فلهذا استويا في الثواب والعقاب.

وليس هذه الحال تحصل لكل من قال: " لو أن لي ما لفلان لفعلت مثل ما يفعل " إلا إذا كانت إرادته جازمة يجب وجود الفعل معها إذا كانت القدرة حاصلة وإلا فكثير من الناس يقول ذلك عن عزم لو اقترنت به القدرة لانفسخت عزيمته كعامة الخلق يعاهدون وينقضون وليس كل من عزم على شيء عزما جازما قبل القدرة عليه وعدم الصوارف عن الفعل تبقى تلك الإرادة عند القدرة المقارنة للصوارف كما قال تعالى: {ولقد كنتم تمنون الموت من قبل أن تلقوه فقد رأيتموه وأنتم تنظرون} وكما قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون} وكما قال: {ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله لنصدقن ولنكونن من الصالحين} {فلما آتاهم من فضله بخلوا به وتولوا وهم معرضون}.
(وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا إن الكافرين كانوا لكم عدوا مبينا (101)
قال شيخ الإسلام - رحمه الله تعالى -:
وأما قوله تعالى {وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا} فهنا علق القصر بسببين: الضرب في الأرض والخوف من فتنة الذين كفروا؛ لأن القصر المطلق يتناول قصر عددها وقصر عملها وأركانها.
مثل الإيماء بالركوع والسجود فهذا القصر إنما يشرع بالسببين كلاهما كل سبب له قصر. فالسفر يقتضي قصر العدد والخوف يقتضي قصر الأركان. ولو قيل: إن القصر المعلق هو قصر الأركان فإن صلاة السفر ركعتان تمام غير قصر لكان وجيها. ولهذا قال: {فإذا اطمأننتم فأقيموا الصلاة}. فقد ظهر بهذا أن القصر لا يسوى بالجمع فإنه سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وشرعته لأمته بل الإتمام في السفر أضعف من الجمع في السفر. فإن الجمع قد ثبت عنه أنه كان يفعله في السفر أحيانا وأما الإتمام فيه فلم ينقل عنه قط وكلاهما مختلف فيه بين الأئمة فإنهم مختلفون في جواز الإتمام: وفي " جواز الجمع متفقون على جواز القصر وجواز الإفراد. فلا يشبه بالسنة المتواترة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يداوم عليه في أسفاره وقد اتفقت الأمة عليه، فلا يصار إلى أن ما فعله في سفره مرات متعددة متفق عليه وقد تنازعت فيه الأمة.

وقال - رحمه الله تعالى -:
وأما قوله تعالى {وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا} فإن نفي الجناح لبيان الحكم وإزالة الشبهة لا يمنع أن يكون القصر هو السنة. كما قال: {إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما} نفى الجناح لأجل الشبهة التي عرضت لهم من الطواف بينهما؛ لأجل ما كانوا عليه في الجاهلية من كراهة بعضهم للطواف بينهما والطواف بينهما مأمور به باتفاق المسلمين وهو إما ركن وإما واجب وإما سنة مؤكدة. وهو سبحانه ذكر الخوف والسفر لأن القصر يتناول قصر العدد وقصر الأركان فالخوف يبيح قصر الأركان والسفر يبيح قصر العدد فإذا اجتمعا أبيح القصر بالوجهين وإن انفرد السفر أبيح أحد نوعي القصر والعلماء متنازعون في المسافر: هل فرضه الركعتان؟ ولا يحتاج قصره إلى نية؟ أم لا يقصر إلا بنية؟ على قولين:
(ولا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم إن الله لا يحب من كان خوانا أثيما (107)

وقال شيخ الإسلام - رحمه الله تعالى -:
فصل:
في قوله تعالى {ولا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم إن الله لا يحب من كان خوانا أثيما} فقوله: {يختانون أنفسهم} مثل قوله في سورة البقرة {علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم} قال ابن قتيبة وطائفة من المفسرين: معناه تخونون أنفسكم. زاد بعضهم: تظلمونها. فجعلوا الأنفس مفعول {تختانون} وجعلوا الإنسان قد خان نفسه أي ظلمها بالسرقة كما فعل ابن أبيرق - أو بجماع امرأته ليلة الصيام كما فعل بعض الصحابة - وهذا القول فيه نظر؛ فإن كل ذنب يذنبه الإنسان فقد ظلم فيه نفسه سواء فعله سرا أو علانية.
وإذا كان اختيان النفس هو ظلمها أو ارتكاب ما حرم عليها كان كل مذنب مختانا لنفسه وإن جهر بالذنوب وكان كفر الكافرين وقتالهم للأنبياء وللمؤمنين اختيانا لأنفسهم وكذلك قطع الطريق والمحاربة وكذلك الظلم الظاهر وكان ما فعله قوم نوح وهود وصالح وشعيب اختيانا لأنفسهم. ومعلوم أن هذا اللفظ لم يستعمل في هذه المعاني كلها وإنما استعمل في خاص من الذنوب مما يفعل سرا وحتى قال ابن عباس في قوله: {تختانون أنفسكم} عنى بذلك فعل عمر فإنه روي أنه {لما جاء الأنصاري فشكى أنه بات تلك الليلة ولم يتعش لما نام قبل العشاء وكان من نام قبل الأكل حرم عليه الأكل فيستمر صائما فأصبح يتقلب ظهرا لبطن فلما شكا حاله إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال عمر: يا رسول الله إني أردت أهلي الليلة فقالت إنها قد نامت فظننتها لم تنم فواقعتها فأخبرتني أنها كانت قد نامت قالوا: فأنزل الله في عمر: {أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم}.

وقد قيل: إن الجماع ليلة الصيام كانوا منهيين عنه مطلقا بخلاف الأكل فإنه كان مباحا قبل النوم. وقد روي {أن عمر جامع امرأته بعد العشاء قبل النوم وأنه لما فعل أخذ يلوم نفسه فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله أعتذر إلى الله من نفسي هذه الخائنة إني رجعت إلى أهلي بعدما صليت العشاء فوجدت رائحة طيبة فسولت لي نفسي فجامعت أهلي فقال النبي صلى الله عليه وسلم ما كنت جديرا بذلك يا عمر} وجاء طائفة من الصحابة فذكروا مثل ذلك فأنزل الله هذه الآية. فهذا فيه أن نفسه الخاطئة سولت له ذلك ودعته إليه وأنه أخذ يلومها بعد الفعل فالنفس هنا هي الخائنة الظالمة والإنسان تدعوه نفسه في السر إذا لم يره أحد إلى أفعال لا تدعو إليها علانية وعقله ينهاه عن تلك الأفعال ونفسه تغلبه عليها.
ولفظ الخيانة حيث استعمل لا يستعمل إلا فيما خفي عن المخون كالذي يخون أمانته فيخون من ائتمنه إذا كان لا يشاهده ولو شاهده لما خانه. قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون} وقال تعالى: {ولا تزال تطلع على خائنة منهم إلا قليلا منهم} وقالت امرأة العزيز: {ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب وأن الله لا يهدي كيد الخائنين} وقال تعالى: {يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور}.

وقال النبي صلى الله عليه وسلم لما قام: {أما فيكم رجل يقوم إلى هذا فيضرب عنقه؟ فقال له رجل: هلا أومضت إلي؟ فقال: ما ينبغي لنبي أن تكون له خائنة الأعين} قال تعالى: {ولا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم إن الله لا يحب من كان خوانا أثيما}{يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله وهو معهم إذ يبيتون ما لا يرضى من القول} وفي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: {آية المنافق ثلاث إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا اؤتمن خان} وفي حديث آخر {على كل خلق يطبع المؤمن إلا الخيانة والكذب} ومثل هذا كثير. وإذا كان كذلك فالإنسان كيف يخون نفسه. وهو لا يكتمها ما يقوله ويفعله سرا عنها؟ كما يخون من لا يشهده من الناس؟ كما يخون الله والرسول إذا لم يشاهده فلا يكون ممن يخاف الله بالغيب ولم خصت هذه الأفعال بأنها خيانة للنفس دون غيرها؟ فالأشبه - والله أعلم - أن يكون قوله: {تختانون أنفسكم} مثل قوله: {إلا من سفه نفسه}.
والبصريون يقولون في مثل هذا: إنه منصوب على أنه مفعول له ويخرجون قوله: {سفه} عن معناه في اللغة فإنه فعل لازم؛ فيحتاجون أن ينقلوه من اللزوم إلى التعدية بلا حجة. وأما الكوفيون - كالفراء وغيره ومن تبعهم - فعندهم أن هذا منصوب على التمييز وعندهم أن المميز قد يكون معرفة كما يكون نكرة وذكروا لذلك شواهد كثيرة من كلام العرب مثل قولهم: ألم فلان رأسه ووجع بطنه ورشد أمره. وكان الأصل سفهت نفسه ورشد أمره.

ومنه قولهم: غبن رأيه وبطرت نفسه فقوله تعالى: {بطرت معيشتها} من هذا الباب فالمعيشة نفسها بطرت فلما كان الفعل. . . (1) نصبه على التمييز قال تعالى: {ولا تكونوا كالذين خرجوا من ديارهم بطرا ورئاء الناس} فقوله: {سفه نفسه} معناه إلا من سفهت نفسه أي كانت سفيهة فلما أضاف الفعل إليه نصبها على التمييز كما في قوله: {واشتعل الرأس شيبا} ونحو ذلك. وهذا اختيار ابن قتيبة وغيره؛ لكن ذاك نكرة وهذا معرفة. وهذا الذي قاله الكوفيون أصح في اللغة والمعنى؛ فإن الإنسان هو السفيه نفسه: كما قال تعالى: {سيقول السفهاء من الناس} {ولا تؤتوا السفهاء} فكذلك قوله: {تختانون أنفسكم} أي تختان أنفسكم فالأنفس هي التي اختانت كما أنها هي السفيهة. وقال: اختانت ولم يقل خانت؛ لأن الافتعال فيه زيادة فعل على ما في مجرد الخيانة قال عكرمة: والمراد بالذين يختانون أنفسهم ابن أبيرق الذي سرق الطعام والقماش وجعل هو وقومه يقولون: إنما سرق فلان لرجل آخر.
__________
Q (1) بياض بالأصل

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 35.74 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 35.11 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.76%)]