الفقه على المذاهب الأربعة
المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
الجزء الخامس
[كتاب الحدود]
صـــــ 57 الى صــــــــ 61
الحلقة (253)
ستر المسلم على نفسه
إن الإسلام قد أوجب على المسلم إذا وقع في ذنب من هذه الكبائر أن يقلع عن الذنب ويتوب إلى الله تعالى ويستر على نفسه ولا يفضحها بالتحدث بالذنب أما الناس والتجاهر بالمعصية . وقد روي عن الرسول صلوات الله وسلامه عليه أنه قال : ( أيها الناس قد آن لكم أن تنتهوا عن حدود الله من أصاب شيئا من هذه القاذورات فليستتر بستر الله فإنه من يبد لنا صفحته نقم عليه كتاب الله تعالى ) ذلك لأن المجاهرة بهذه الفاحشة تبجح في عصيان الله تعالى واستهتار بمحارمه وجليل على انهيار المجتمع وانحلالهن وضياع الحياء من أفراده لأن المخطئ لابد أن يكون عنده بقية من حياء يمنعه من الإعلان عن خطئه بين الناس وحجبه عن المجاهرة بذنبه في المجتمع الذي يعيش فيه وخلع برقع الحياء مع الله عز و جل فالإنسان إذا فقد الحياء من الله وأما الرأي العام كان خطرا على نفسه وعلى الناس جميعا لأنه فقد أعز شيء لديه ولن في المجاهرة بالمعصية إشاعة للفساد وتحرضا عليه وحملا للغير على اقترافه كالمريض الذي يخالط الصحيح فلا شك أن يعديه وينقل أثر المرض إليه ولهذا ندبنا الشارع الحكيم وعلمنا رسوله الأمين صلوات الله وسلامه عله أن الواحد منا إذا وقع في معصية أن يكتم على الخبر ويعتصم بالستر ويطلب من الله المغفرة ولا يحدث أحدا عما وقع منه كما روي عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : ( من أتى من هذه القاذورات ( المنكرات ) فليستتر بستر الله عز و جل ) وقد شدد الإسلام النكير على المتجاهرين بالمعصية وجعلهم من المحرومين من مغفرة الله وعفوه ورحمته . قال رسول الله صلى الله عليه و سلم ( كل أمتي معافى إلا المجاهرين وإن من المجاهرة أن يعمل العبد عملا بالليل ثم يصبح وقد ستره الله تعالى فيقول : يا فلان عملت البارحة كذا وكذا
قد بات ستره الله عز و جلن ويصبح يكشف ستر الله عليه عنه ) . أما أرباب الحياء والدب من الله تعالى الذين يتركون الذنوب ويكتمون على أنفسهم ولا يحدثون الناس بهفواتهم ويندمون عما حدث منهم من المعاصي ( إن الله يدني المؤمن فيضع عليه كنفه وستره من الناس وقرره بذنوبه فيقول أتعرف ذنب كذا أتعرف ذنب كذا ؟ فيقول نعم أي رب حتى إذا قرره بذنوبه ورأى في نفسه أنه قد هلك قال : فإني سترتها عليك في الدنيا وأنا أغفرها لك اليوم ) رواه الإمام أحمد
الحدود كفارات لأصحابها
اتفقت كلمة العلماء على أن الحدود كفارات لأربابها لأن في إقامتها كسرا لشوكة الظالمين وإخافة لهل الشر والمفسدين وحفظا للمجتمع من الدمار والهلاك والفساد والضياع لما روي عن أنس رضي الله عنه أنه قال : ( قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : إذا استحلت أمتي خمسا فعليهم الدمار إذا ظهر التلاعن وشربوا الخمر ولبسوا الحرير واتخذوا القيان واكتفى الرجال بالرجال والنساء بالنساء ) رواه الترمذي والبيهقي
فإقامة الحدود على من وقع فيها تكفر ذنبهن وترفع عنه العقاب في الدار الآخرة لأن الله تعالى لا يجمع على عبده عقابين على ذنب واجد فقد روي عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال في شأن المرأة الغامدية التي وقعت في الزنا ثم ندمت واعترفت بين يديهن وأقيم الحد عليها ( لقد تابت توبة لو قسمت على سبعين من أهل المدينة لوسعتهم وهل وجدت أفضل من أنها جادت بنفسها لله تعالى )
وكما روي عن الرسول صلوات الله وسلامه عليه أنه أقسم على ماعز بن مالك السلمي الذي أقر بالزنا وندم على ذنبه وأقيم عليه الحد وجم بالحجارة بأن الله غفر له ذنبهن وأدخله الجنة وتاب عليه توبة صادقة وان إقامة الحد عليه كان فارة له فقال صلى الله عليه و سلم لمن اعترض عليه ( والذي نفس بيده إنه الآن لفي أنهار الجنة ينغمس فيها ) . وروى عن عبادة بن الصامت رضي الله تعالى عنه أنه قال : كنا مع النبي صلى الله عليه و سلم فقال : بايعوني على أن لا تشركوا بالله شيئا ولا تزنوا ولا تسرقوا ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق وفى منكم فأجره على الله ومن أصاب شيئا من ذلك فعوقب به في الدنيا فهو كفارة له ومن أصاب شيئا من ذلك فستره الله عليه فأمره إلى الله إن شاء عفا عنه
إن شاء عذبه ) زاد في رواية ( فبايعناه على ذلك ) رواه الخمسة إلا أبا داود
فقول النبي صلى الله عليه و سلم ( فعوقب به في الدنيا فهو كفارة له ) صريح في أن الحدود كفارة الذنوب . وجوابر للمحدود لا زاجرات فقط وقد ورد في رواية للترمدذي رحمه الله أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : ومن أصاب من ذلك شيئا فعوقب به في الدنيا فالله أكرم من أن يثني العقوبة على عبده في الآخرة ) قال الإمام الشافعي رحمه الله لم أسمع في الحدود حديثا أبين من هذا وقد روي عن الرسول صلوات الله وسلامه عليه أنه قال : ( وما يدريك لعل الحدود نزلت كفارة للذنوب ) فهذه الرواية تشبه الحديث السابق وتؤيده في معناه . فإقامة الحدود مطهرات للنفوس من الذنوب والخطايا وللمجتمع من الفساد والضياع وهذا هو رأي جمهور العلماء من السلف وعليه الأئمة الأربعة رحمهم الله تبارك وتعالى وذهب بعضهم إلى أن الحدود زواجر فقط وعليه العقاب يوم القيامة . ولكن الراجح هو الرأي الأول وهو اللائق بالكرم الإلهي والفيض الرباني وهو الذي أخبر به الحبيب المصطفى صلى الله عليه و سلم
التحريم بالمصاهرة
الحنفية - قالوا : إن حرمة المصاهرة تثبت بواحد من الأمور الآتية وهي :
- 1 - العقد الصحيح
- 2 - الوطء الحلال
- 3 - الوطء بالنكاح الفاسد وكذا الوطء بشبهة
- 4 - اللمس بينهما بشهوة
( تابع . . . 2 ) : - لأن الشريعة الإسلامية حريصة على محو الرذائل الخلقية والضرب على
- 5 - النظر إلى بشهوة ولا يثبت بالنظر إلى سائر الأعضاء أو الشعر ولو بشهوة
- 6 - وتثبت الحرمة بالزنا أو اللمس أو النظر بشهوة بدون نكاح والمراد بالشهوة هو يشتهي بقلبه ويعرف ذلك بإقراره وقيل : يصحب ذلك تحرك الآلة وانتشارها والدليل على ذلك ما روي عن الرسول صلوات الله وسلامه عليه أنه قال : ( من نظر إلى فرج امرأة لم تحل أمها ولا بنتها ) وفي رواية ( حرمت عليه أمها وبنتها ) . وبما روي عن الرسول صلى الله عليه و سلم أنه قال : ( ملعون ملعون من نظر إلى فرج امرأة وابنتها ) فمن زنا بامرأة أو وطئها بشبهة حرمت عليه أصولها وفروعها وتحرم الموطوءة على أصول الواطىء وفروعه وكذلك اللمس بشهوة من الجانبين والنظر إلى الفرج من الجانبين والمعتبر إنما هو لنظر إلى فرجها الباطن دون الظاهر والأصل في ذلك قول الله تعالى : { ولاتنكحوا لما نكح آباؤكم من النساء } والحمل على الوطء أولى وقول الرسول صلى الله عليه و سلم ( من نظر إلى فرج امرأة بشهوة أو لمسها بشهوة حرمت عليه أمها وابنتها وحرمت على ابنه وأبيه ) وحرمة ماء الزنا كحرمة الماء الحلال سواء بسواء في النكاح . المالكية - قالوا : إن الزنا بالبنت لا يحرم أمها على الزاني كما أن الزنا في الأم لا يحرم بنتها عليه والبنت المخلوقة من ماء الزنان لا تحرم على من خلقت من مائه ولا على أصوله وفرعه سواء كانت أمها المزني بها مطاوعة أم كرها وسواء تحقق الرجل أنها من مائه أم لا فهي أجنبية عنه ولا حرمة لماء الزنا ولكن يكره للزاني أن يتزوجها من باب الاحتياط فقط وتحري الحلال في النكاح وإنجاب الذرية الصالحة . الحنابلة - قالوا : إن الوطء الحرام كالوطء الحلال كلاهما تثبت به حرمة المصاهرة فمن زنى بامرأة حرمت على أبويه وحرمت عليه أمها وبناتها ولو وطئ أم امرأته حرمت عليه ابنتها ووجب مفارقتا وكذلك لو وطئ بنت زوجته حرمت عليه أمها ( وهي زوجته ) وقالوا : بحرمة نكاح الرجل ابنته من الزنا مثل الحنفية . روي أن رجلا سأل النبي عن امرأة كان زنا بها في الجاهلية : أينكح الآن ابنتها ؟ فقال : ( لا أرى ذلك ولا يصلح لك أن تنكح امرأة تتطلع على ابنتها على ما اطلعت عليه منها ) فقد حرم الرسول صلى الله عليه و سلم زواجها وهذا نص في الباب
فالذكر من العبيد إذا زنى يجلد مائة جلدة والأمة إذا ثبت عليها الزنا تجلد خمسين جلدة . واحتج الأئمة الأربعة على أن الأمة غير المتزوجة يقام عليها الحد بحديث أبي هريرة وزيد بن خالد الجهني رضي الله تعالى عنهم ( أن النبي صلى الله عليه و سلم سئل عن الأمة زنت ولم تحصن فقال : ( إن زنت فاجلدوها ثم إن زنت فاجلدوها ثم إن زنت فاجلدوها ثم بيعوها ولو يضفير - أي بحبل مضفور - قال أبن شهاب : لا أدري أبعد الثالثة أو الرابعة متفق عليه )
أحكام بنت الزنا
قال العلماء : البنت المتولدة من الزنا أجنبية عن الزانين فلا ترثه إن مات قبلها ولا تنسب إليه ولا يجب عليه الإنفاق عليها ولا يجوز له أن يختلي بها ولا يملك عليها ولاية التزوج أي لا يكون وليا عليها ولا يصح له أن يرثها إن ماتت قبله وتركت مالا فهي في المحرمات والميراث أجنبية عنه وفي حكم الزواج والمصاهرة قريبة منه لا يصح زواجها ولا مصاهرتها ولا نكاح أصولها وفروعها ولا يصح لها أن تتزوج منه ولا من أصوله وفرعه وذلك هو القول الراجح وساء تأكد إنا من مائه أو شك في ذلك ما دام قد زنى بأمها وجاء الحمل بها في أثناء الاتصال بالزنا فترجح كفة أنها خلقت من ماء الزنا
أضرار الزنا
لقد لخص العلماء أضرار الزنا بعد فهم الآيات والأحاديث الواردة في هذا الشأن بما يأتي :
أولا : أن الزنا يذهب نور الإيمان من قلب الزاني ( حين يزني ) ومات ولم يتب من ذنبه
ثانيا : أن فاحشة الزنا اشد من القتل والسرقة وغيرهما ولذلك أبيح قتل مرتكبها إن كان محصنا
ثالثا الزنا نذير الرعب والفزع - ولا يستجيب الله دعاء الزاني المدمن على الزنا
رابعا : تشتعل نار جهنم في وجهه يوم القيامة عقوبة له
خامسا : يرمي الله الزاني في داخل فرن مشتعلة في وسط نار جهنم يصهر جسمه ويحرق بدنه
سادسا : رائحتهم في وسط نار جهنم تكون نتنة قذرة مثل المراحيض - حتى يتأذى منها أهل النار
سابعا : يمحو الله اسم الزاني من سجل الطاهرين الأبرار ويطرد من حظيرة المؤمنين الخيار
ثامنا : لا ينظر الله عز و جل يوم القيامة إلى الزناة نظرة رحمة ورضا وإنما ينظر إليهم نظرة غضب
تاسعا : يحرم الله الجنة على الزاني الذي استحل الزنا ومرن عليهن واستمرأه ولم يتب منه فلا يشم رائحة الجنة
عاشرا : انتشار الزنا يسبب وجود ذرية فاسدة مخزية تؤذي المجتمع وتهدمه وتجلب له الدمار
الحادي عشر : إذا ظهر الزنا في قرية فإن الله تعالى أنذرهم بالخراب والهلاك والدمار كما فعل بقوم لوط
الثاني عشر : الزنا يكون سببا في الفضيحة والعار في الدنيا والآخرة
الثالث عشر : الممتنع عن الزنا خوفا من عذاب الله تعالى يظلله الله في ظله يوم القيامة ويعفو عنه ويسامحه وينجيه من الأهوال
الرابع عشر : البعد عن ارتكاب فاحشة الزنا خشية من الله تعالى يزيد في الرزق ويجلب الخير ويجعل في وجه المؤمن مهابة وبهاء ونورا والله تعالى أعلم
حكم المخنث
المخنث : هو الذي يشبه في كلامه النساء تكسرا وتعطفا أو الذي يتشبه بالنساء في ثيابهن وزينتهن كما يفعل بعض الشبان في هذا العصر من ترك الشعور وإرخاء السوالف ولبس حلي النساء وبعض ثيابهن وترقيق أصواتهم في التحدث وغير ذلك وقد اتفقت كلمة العلماء على أن المخنث يجب نفيه من بلاد المسلمين إلى مناطق نائية مسيرة قصر عقابا لهم حتى يشعر الواحد بالوحشة والحسرة لبعده عن أهله وقرناء السوء فقد قال العلماء : لا ينفى إلا ثلاثة بكر زان ومخنث ومحارب . أما إذا كان المخنث يؤتى من الخلف فإنه يحد رجما بالحجارة حتى يموت . ولا ينفع فيه النفي إذا ثبت عليه فقد روي عن أبن عباس رضي الله عنهما أنه قال : لعن النبي صلى الله عليه و سلم المخنثين من الرجال والمترجلات من النساء . وقال : أخرجوهم من بيوتكم واخرج فلانا واخرج عمر بن الخطاب فلانا رواه البخاري رحمه الله
وأتي النبي صلى الله عليه و سلم بمخنث قد خضب يديه ورجليه بالحناء فقال النبي صلى الله عليه و سلم : ( ما بال هذا ؟ فقالوا يا رسول الله يتشبه بالنساء فأمر به فنفي إلى البقيع قالوا : يا رسول الله ألا نقتله ؟ قال : إن نهيت عن قتل المصلين ) رواه أبو داود
فقال العلماء : يجوز للإمام أن يعزر المخنث بما يراه رادعا له وزاجرا عن الوقوع في الذنب ويجوز له نفيه إلى بلج لآخر مسيرة سفر وذلك إذا لم يثبت عليه اللواطة باعتراف أو شهادة شهود كما ثبت في الحديث النبوي الشريف . وروي أن خالد بن الوليد رضي الله عنه كتب إلى أبي بكر أني وجت رجلا في تبعض نواحي العرب ينكح كما تنكح المرأة فجمع أبو بكر رضي الله عنه الصحابة رضوان الله عليهم وسألهم في هذا الشأن فكان من أشدهم في ذلك قولا سيدنا على بن أبي طالب كرم الله وجهه وbه . فقال : هذا ذنب لم يعص به إلا أمة واحدة صنع الله بها ما علمتم نرى أن نحرقه بالنار . فاجتمع رأي الصحابة على ذلك فأمر سيدنا أبو بكر خالد بن الوليد أن يحرقه بالنار وذلك بعد رجمه وإقامة الحد عليه وموته لأن التحريق بالنار لا يجوز لمخلوق . والنبي صلى الله عليه و سلم حرم التعذيب بالنار حتى في الحيوان الأعجم . روى أبو هريرة رضي الله تعالى عنه أنه قال : بعثنا رسول الله صلى الله عليه و سلم في بعث فقال : ( إن وجدتم فلانا وفلانا لرجلين من قريش سماهما فأحرقوهما بالنار ثم قال رسول الله ين أردنا الخروج : إن كنت أمرتكم أن تحرقوا فلانا وفلانا وإن النار لا يعذب بها إلا الله فإن وجدتموهما فاقتلوهما ) . رواه البخاري رحمه الله
حكم نكاح الزانية
الحنفية والشافعية - قالوا : إذا زنى رجل بامرأة يجوز له أن يتزوجها بعد ذلك بعقد صحيح وذلك لآن ماء الزنا لا حرمة له ولما روي أن رجلا زنى بامرأة في زمن أبي بكر الصديق رضي الله عنه فجلدهما مائة جلدة لأنهما كانا غير مصنين ثم زوج أحدهما من الآخر ونفاهما سنة وروي مثل ذلك عن عمر وأبن مسعود وجابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهم وقال أبن عباس رضي الله عنهما في هذا الحكم : أوله سفاح وآخره نكاح والنكاح مباح فلا يحرم السفاح النكاح ذلك مثل رجل سرق من حائط ثمرة ثم أتى صاحب البستان فاشترى منه ثمرة فما سرق حرام وما اشترى حلال
المالكية - قالوا : إذا زنى الرجل بالمرأة فلا يصح له أن ينكحها حتى يستبرئها من مائه الفاسد لأن النكاح له حرمة ومن حرمته ألا يصب على ماء السفاح فيختلط الحلال بالحرام ويمتزج ماء المهانة بما بماء العزة ولأن الله تعالى يقول : { الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة } ثم قال { وحرم ذلك على المؤمنين } . وقد وري عن أبن مسعود رضي الله عنه أنه قال : ( إذا زنى الرجل بالمرأة ثم نكحها بعد ذلك فهما زانيان أبدا ) فإن الله تعالى يقول : { وأحل لكم ما وراء ذلك أن تبتغوا بأموالكم محصنين غير مسافحين } فأباح نكاح غير المسافحين وأبطل نكاح غيرهما . واتفقوا على أنه إذا عقد عليها ولم يدخل بها حتى أستبراها من مائه الحرام فإن ذلك جائز وروي عن عائشة رضي الله عنهما أنها سئلت عن رجل زنى بامرأة ثم تزوجا فكرهته
الحكم إذا زنت الزوجة أو الزوج
احتج جماعة من العلماء بقول الله تعالى : { الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك } . فقالوا : من زنى فسد النكاح بينه وبين زوجته وإذا زنت الزوجة فسد النكاح بينها وبين زوجها ووجب عليه أن يفارقها . وقال بعضهم : لا يفسد النكاح بذل ولا ينفسخ العقد بالزنى من أحدهما ولكن يؤمر الرجل بطلاقها إذا وقعت الزوجة في الزنا ولو أمسكها أثم ولا يجوز التزوج بالزانية التي اشتهرت بذلك ولا يجوز التزوج من الزاني الذي يتظاهر بالفاحشة واشتهر بها إلا إذا ظهرت التوبة الصادقة عليه . وقالوا : من كان معروفا بالزنى أو بغيره ن الفسوق معلنا به مستهترا بمحارم الإسلام فتزوج من أهل بيت محافظين وغرهم من نفسه ثم علموا بذلك فلهم الخيار في البقاء معه أو فراقه وأصبح ذلك كعيب من العيوب التي تفسخ العقد واحتجوا بقول صلى الله عليه و سلم ( لا ينكح الزاني المجلود إلا مثله ) أما من لم يشتهر بالفسق فلا يصح أن يفرق بينه وبين زوجه . وقال بعضهم : إذا زنت زوجة الرجل لم يفسد النكاح وإذا زنى الرجل لم فسد نكاحه مع زوجته . وقالوا إن الآية منسوخة - وروي أن رجلا سأل الله صلى الله عليه و سلم فقال : إن امرأتي لا ترد يد لامس فقال : طلقها فقال : إني أحبها فقال : أمسكها )
حكم نكاح المتعة
المتعة - كما في كتب الإمامية - هي النكاح المؤقت بأمد معلوم أو مجهول وغايتا إلى خمسة وأربعين يوما ويرتفع النكاح بانقضاء المؤقت في المنقطعة الحيض وبحيضتين في الحائض وبأربعة أشهر وعشر في المتوفى عنها زوجها وحكمه : أنه لا يثبت لها مهر غير المشروط ولا يثبت لها نفقة ولا توارث ولا عدة إلا الاستبراء بما ذكر ولا يثبت به نسب إلا أن يشترط وتحرم بسببه المصاهرة . وقد اتفقت كلمة الفقهاء على أن النبي صلى الله عليه و سلم رخص في نكاح المتعة في صدر الإسلام للضرورة ثم نهى عنها واستمر النهي ونسخت الرخصة وإلى نسخها ذهب الجماهير من السلف والخلف . قال النووي : الصواب أن تحريمها وإباحتها وقعا مرتين فكانت المتعة مباحة قبل خيبر ثم حرمت فيها ثم أبيحت عام الفتح وهو عام أوطاس ثم حرمت تحريما مؤبدا والى هذا التحريم ذهب أكثر الأمة . روي عن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه قال : ( رخص رسول الله صلى الله عليه و سلم عام أوطاس في المتعة ثلاثة أيام ثم نهى عنها ) . رواه مسلم . وعن علي رضي الله عنه قال : ( نهى رسول الله صلى الله عليه و سلم عن المتعة عام خيبر ) متفق عليه . قال الإمام البخاري : بين على رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه منسوخ وأخرج أبن ماجة عن عمر بإسناد صحيح أنه خطب فقال : إن رسول الله صلى الله عليه و سلم أذن لنا في المتعة ثلاثا ثم حرمها والله لا أعلم أحدا تمتع وهو محصن إلا رجمته بالحجارة وقال أبن عمر : ( نهانا عنها رسول الله صلى الله عليه و سلم وما كنا مسافحين ) إسناده قوي
وقال الصنعاني : والقول بأن إباحتها قطعي ونسخها ظني غير صحيح لأن الراوين لإباحتها رووا نسخها وذلك إما قطعي في الطرفين أو ظني في الطرفين جمعيا وفي نهاية المجتهد : إنها تواترت الأخبار بالتحريم اه )