عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 13-12-2022, 10:39 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,695
الدولة : Egypt
افتراضي رد: القادسية معركة غيرت مسار التاريخ

يقول الطبري: "قالت سلمى: إني استخرتُ الله ورضيتُ بعهدِك، فأطلقته، وقالت: أما الفرس فلا أُعيرها، ورجعت إلى بيتها، فاقتادها (الفرس) فأخرجها من باب القصر الذي يلي الخندق فركبها، ثم دبَّ عليها حتى إذا كان بحيال الميمنة كبر، ثم حمَل على ميسرة القوم يلعب برمحه وسلاحه بين الصفين، فقالوا: بسرجِها، وقال سعيد والقاسم: عريًا، ثم رجع من خلف المسلمين إلى الميسرة فكبَّر، وحمل على ميمنة القوم يلعب بين الصفين برمحه وسلاحه، ثم رجع من خلف المسلمين إلى القلب فندر أمام الناس، فحمل على القوم يلعب بين الصفين برمحه وسلاحه، وكان يقصف الناس يومئذٍ قصفًا مُنكَرًا، وتعجب الناس منه وهم لا يَعرفونه ولم يرَوه من النهار، فقال بعضهم: أوائل أصحاب هاشم أو هاشم نفسه، وجعل سعد يقول وهو مُشرف على الناس مكبٌّ من فوق القصر: والله لولا محبس أبي مِحجن لقلتُ: هذا أبو محجن وهذه البلقاء"[21].
وكان لظهور أبي مِحجن الثقفي بهذه الصورة، بالغ الأثر في رفع معنويات الجيش الإسلامي، واشتداد عزائمهم، وبالفعل كان يومًا عظيمًا للمسلمين قتلوا فيه آلاف الجنود من فارس.
اليوم الثالث:
عماس:
ويوم عماس: الشديد في الشر، وسُمي بهذا الاسم لشدته على المسلمين والروم على حدٍّ سواء، وسُميَت ليلته بـ: (الهرير).
بدأ اليوم الثالث بخدعة حربية جديدة قام بها القعقاع بن عمرو التميمي، وتهدف الخدعة إلى رفع معنويات الجيش الإسلامي؛ حيث قسم من بمعيته من المقاتلين المسلمين إلى مجاميع، كل مجموعة تتكون من 100 مقاتل، وطلب منهم العودة إلى حيث دخَلوا أرض المعركة بالأمس، ويَدخلون تباعًا، ويستمرون على ذلك حتى يصل القائد هشام بن عُتبة بن أبي وقاص - رضي الله عنه - وفعلوا ذلك، فارتفعَت معنويات مقاتلي الجيش الإسلامي لما رأوا الغبار ثم الفرسان يتوافدون إلى أرض المعركة، فظنُّوا أنهم مدد جديد يصل إليهم، ومثلما كانت هذه الخدعة إيجابية مع مقاتلي المسلمين، فإنها كانت قد أثَّرت سلبيًّا على معنويات جيش فارس، فهم يرون أن المدد يأتي للمسلمين منذ يومين من غير انقطاع، ولما وصل هشام بن عتبة - رضي الله عنه - أرض المعرَكة وعرَف بخطة القعقاع فعل مثلما فعل القعقاع وقسم من معه إلى مجاميع جعلها تدخل أرض المعركة على التوالي، ومع كل دفعة يُكبِّر المسلمون فتَرتفِع المعنويات.
وكانت الفُرس قد أصلحَت التوابيت التي على ظهور الفيَلة وأعادت الفيلة لساحة المعركة بعد أن غابت في اليوم الثاني، ولكن خيل المسلمين لم ترتَبْ وتَرتبِك كما في اليوم الأول، فقد أصبح المشهد لدَيها اعتياديًّا، ولكن ذلك لم يكن ليُقلِّل من شأن تلك الفيلة وتأثيرها في أرض المعركة.
يقول ابن الأثير: "وكان يوم عماس من أوله إلى آخره شديدًا، العرب والعجم فيه سواء، ولا تكون بينهم نقطة إلا أبلغَوها يزدجرد بالأصوات، فيبعث إليهم أهل النجدات ممن عنده، فلولا أن الله ألهَم القعقاع ما فعل في اليومين وإلا كسَر ذلك المسلمين"[22].
وبرز مقاتلون أشداء في الجيش الإسلامي، ممن قدم مع هشام بن عتبة بن أبي وقاص - رضي الله عنه - في هذا اليوم بشكل لافت للنظر، ومنهم قيس بن المكشوح، وقاتل قتالاً شديدًا، وحرَّض أصحابه على القتال، فقدَّموا صورًا رائعة في الشجاعة والبَسالة والإقدام، وكذلك فعل عمرو بن معد يكرب فقدَّم مواقِف مُشرِّفة للمُقاتل الأَبيِّ.
وكان هشام بن عتبة بن أبي وقاص - رضي الله عنه - قائدًا ومقاتلاً شرسًا فكان في هذا اليوم يصول على جيش الفُرس، فيشقُّ صفوفهم، ثم يعود إلى موقعه دون أن يَنالوا منه.
وفي لفتة لسعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - وهو يرصد المعركة من الأعلى، رأى مخاضة تُمثِّل ثغرة قد يَنفذ من خلالها الفُرس لجيش المسلمين، فأرسل سعد لطُليحة الأسدي، وعمرو بن معديكرب إلى استكشاف العدو عند تلك المَخاضة، فلما ذهبا لم يَجدا عندها عدوًّا، حينها قرر طليحة الأسدي أن يعبر ليصل إلى جيش الفرس، وبالفعل وبرباطة جأش مُنقطِعة النظير، وعزيمة لا تلين ولا تستكين عبر طُليحة إلى الفُرس، فدخل بينهم وكبَّر ثلاث تكبيرات زعزعت جيش فارس وطمأنت جيش المسلمين، ثم قفَل راجعًا، فلما أرادوا أن يلحقوا به جندلَ اثنين من فرسانهم وجاء بالثالث إلى سعد أسيرًا.
ورأى سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - أن الفيَلة تؤذي المسلمين وخاصة الفيل الأبيض الذي تنقاد له الفيلة، وكذلك الفيل الأجرب، فأرسل إلى القعقاع وأخيه عاصم ليتكفَّلا بالفيل الأبيض، ثم أرسل إلى حمال والربيل[23] ليتكفَّلا بالفيل الأجرب، وقد قام هؤلاء الأبطال بمُهمتهم على أكمل وجه.
يقول الطبري: "فأرسل سعد - رضي الله عنه- إلى القعقاع وعاصم ابني عمرو: اكفياني الأبيض، وكانت كلها آلفةً له وكان بإزائهما، وأرسل إلى حمال والربيل: اكفياني الفيل الأجرب، وكانت آلفة له كلها وكان بإزائهما، فأخذ القعقاع وعاصم رمحين أصمين ليِّنين ودبَّا في خيل ورجل، فقالا: اكتَنفوه لتُحيِّروه، وهما مع القوم، ففعل حمال والربيل مثل ذلك، فلما خالطوهما اكتنفوهما، فنظر كل منهما يمنة ويسرة وهما يُريدان أن يتخبَّطا، فحمل القعقاع وعاصم والفيلُ مُتشاغِل بمَن حوله فوضعا رمحيهما معًا في عيني الفيل الأبيض، وقبع ونفَض رأسه فطرح سائسه، ودلى مِشفرَه فنفَحه القعقاع فرمى به ووقع لجنبِه، فقتلوا من كان عليه.
وحمَل حمال وقال للربيل: اختر إما أن تَضرب المشفر وأطعن في عينه أو تطعن في عينه وأضرب مِشفَره، فاختار الضرب فحمل عليه حمال وهو مُتشاغلِ بملاحظة مَن اكتنفه لا يخاف سائسه إلا على بطانه، فانفرد به أولئك، فطعنه في عينه فأقعى، ثم استوى ونفحه الربيل فأبان مشفره، وبصر به سائسه فبقر أنفه وجبينه بفأسه"[24].
فلما جرحت وضربت الفيَلة هربت من أرض المعركة وعبرت النهر نحو المدائن، وبذلك تخلص المسلمون من أهمِّ العوائق أمام تقدُّمهم في المعركة، والتحم الجيشان واستمر القتال والقنا يَضرِب القنا، وأظهر المسلمون نماذج فريدة في الشجاعة والصبر، ودخل الليل ولم يتوقَّف القتال، وحُجبت الرؤيا عن سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - ولم يعد بالإمكان معرفة ما يجري داخل أرض المعركة؛ فالرجال بين غبار المعركة ودياجير الظلام وقعقعة السيوف وصَهيل الخيل، وفي الجانب الآخر انقطعت الأخبار عن رستم، ولم يكن بإمكان الرجال الذين جعلهم بين أرض المعركة وخيمته أن يَنقلوا له ما يَجري.
"ودارت رحى معركة عنيفة في الليل، وقاتل المسلمون حتى الصباح وهم لا يتكلمون، ولكن يَهرون هريرًا، حتى سُمِّيت الليلة ليلة الهرير"[25].
وقد أبدى مُقاتلو القبائل العربية المسلمة من قبيلة تميم وأسد والنخع وبجيلة وكندة وطيئ وقُضاعة وبكر بن وائل وكنانة مواقِف مَشهودة في الصبر والتضحية والفداء، فتقدَّمت كل قبيلة تزحف على العدوِّ وسعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - يدعو لهم.
ولم ينَم سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - وكيف يَنام ورجاله وعينة قادة الإسلام في قلب المعمَعة، ويَقضي سعد - رضي الله عنه - الليل بالدعاء، وكما هو معروف كان مُجاب الدعوة، وسُميَت هذه الليلة بليلة الهرير؛ فلم يَعد يُسمَع غير قعقعة السيوف وهرير البشر، يقول الطبري: "ولم يكن في أيام القادسية مثله، خرَج الناس منه على سواء، كلهم على ما أصابه كان صابرًا".
وأصبح الصباح، وطلع النهار، وانجلى الموقف وتَبرق عينا سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - وهو يرى تقدُّم المسلمين، ويُكبِّر المسلمون فرحًا وشُكرًا لله - سبحانه وتعالى -.
اليوم الرابع:
القادسية أو الهرير:
إنما سُميَت بذلك لتركهم الكلام، إنما كانوا يَهرون هريرًا.
لما انكشف صباح ليلة الهرير وتيقَّن المسلمون أنهم المُنتصِرون، وأنهم قد فعلوا أفاعيلهم بالعدو الغاشِم في الليل، وقد قتلوا من الفرس المشركين في هذه الليلة وحدها بحدود عشرة آلاف مقاتل فارسي، أراد القعقاع بن عمرو استثمار حالة النصر الأكيدة، وحتى لا يتوانى المسلمون في طلب العدو، صرخ بجحافل الجيش الإسلامي: "إنَّ الديرة بعد ساعة لمن بدأ القوم، فاصبروا ساعة واحمِلوا، فإن النصر مع الصبر، وسمع الناس كلام القعقاع فاجتمع عليه جماعة من الرؤساء، وصمَدوا لرستم حتى خالطوا جيشه مع الصبح، واشتدَّت المعركة قاسية عنيفة، وزال الهرمزان والبيرزان من مكانهما، وشدَّ المسلمون على القلب فتصدَّع، وهبت ريح عاصف فقلعت خيمة رستم وألقت بها في النهر، وتقدَّم القعقاع ومَن معه حتى وصلوا سرير رستم، وقد غادره حين هبَّت عليه الريح"[26].
وكان رستم قد اختبأ قرب بغال عليها أحمال، فجاء هلال بن علقمة، فرأى البغال فهجَم عليها وقطع حبل أحد الأحمال الذي سَقط على رستم فكسر ظهرَه، فرما رستم نفسه في نهر العتيق، ولحق به هلال بن علقمة في النهر وسحبَه وضربه على رأسه فقتله، وصرخ صرخته المشهورة: "قتلتُ رُستُم وربِّ الكعبة".
فلما رأى الجالينوس خطورة الموقف أمر مَن بقي من مُقاتلي الفرس بالانسحاب نحو النهر وعبوره نحو المدائن، وبالفعل انسحَبوا، ولكنهم وقعوا في فخ النهر؛ حيث لحق بهم المسلمون بالرماح والنَّبل فقتلوا منهم الألوف وهم في النهر.
وأمر سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - زهرة بن الحويَّة، باللحاق بالجالينوس ومن معه، وبالفعل نجح القائد زهرة بن الحوية في قتل الجالينوس بنفسه، وقتَل المسلمون وأسروا المزيد من الفُرس.
فرَّ من بقي من جنود فارس، فالتقوا بأحد قادة الفُرس الذي جاء بالمدد وهو النخارجان فجمَعهم مرة أخرى وجاء لقتال جيش المسلمين، وطلب النخارجان المبارَزة فخرج له زهير بن سليم واستطاع زهير قتل النخارجان، ثم هجم المسلمون على الفُرس مرة أخرى، فقتَلوا مَن قتَلوا وهرَب الفُرس مرة أخرى نحو المدائن عاصمتهم المنيعَة.
أراد سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - أن يقطع دابر القوم بعزيمة البطل المؤمن الشجاع، ويطأ أرض القصر الأبيض، وهو قصر الحكم الخاص بكِسرى، ولكن بينه وبين العدو نهر يفيض بالماء هو نهر دجلة، وكانت السفن هي الوسيلة الوحيدة للعبور نحو الضفة الأخرى، وقد استخدمها الفرس للعبور.
ويأمر القائد المتوكِّل على الله - جل جلاله - بالاقتحام وعبور النهر، ويكون أول مَن يتقدَّم للعبور، ويلحق به جنوده الموقنون بالنصر والمتوكلون على الله، يقول ابن الجوزي: "أذن سعد للناس في الاقتحام، فاقتحموا دجلة، وإنها لترمي بالزبد، وإن الناس ليتحدَّثون في عومهم كما يتحدَّثون على وجه الأرض، وكان سعد يقول في عومه: حسبنا الله ونعم الوكيل" [27].
ويفتح الله - جل جلاله - على المسلمين القصر الأبيض في المدائن، ويُصلي سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - على أرضه، ويسجد لله - تعالى - في أرض كان يُسجَد فيها لغيره.
يقول ابن الجوزي: "ونزل سعد القصر الأبيض، واتخذ الإيوان مُصلى، وجعل يقرأ: ( كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ * وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ * كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَ ا قَوْمًا آخَرِينَ) [الدخان: 25 - 28][28].
و"بعد دخول سعد - رضي الله عنه - إيوان كسرى رفع الأذان معلنًا كلمة التوحيد في ذلك القصر، وأخمَد نيران المجوسية، وأقام صلاة الجُمعة فيها، وقد حصَل المسلمون على غنائم كثيرة، بعثوا بخُمسِها إلى المدينة، فلما رآها عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال: إنَّ قومًا أدوا هذا لأمناء، فقال له علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -: "إنك قد عفَفتَ فعفَّت رعيتُك، ولو رتعْتَ لرتَعوا"[29].
لقد مكَّن الله - جل جلاله - للمسلمين وانتصروا نصرًا باهرًا ومؤزَّرًا؛ لأنهم أصحاب قضية ومُخلِصون، ودليلُ إخلاصِهم الآلاف من الجنود والقادة الذين استُشهدوا من أجل قضيتهم، على الرغم من الفارق في العدد والتسليح مع عدوهم، ولكن الله - تعالى - ينصر المؤمنين به - وإن كانوا قلَّة - على المشركين به وإن كانوا كثرة.
لقد خسر الفُرس عشرات الآلاف من جنودهم ممَّن قُتلوا في المعركة على أيدي المسلمين، وذهبَت دماؤهم هباءً لمجرد تعنُّتهم وإصرارهم، وكان باستطاعتهم أن يَحقنوا دماءهم بأن يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، ولكنَّه الصلف والتكبُّر على الله - جل جلاله - ورسوله - صلى الله عليه وسلم - فأذلَّهم الله - جل جلاله.
وقد انتصَر المسلمون؛ لأنهم مع الله - جل جلاله - ولأنهم أصحاب قضية ومبدأ، ولأن فيهم مثل ذلك الرجل المؤمن بقضيته فقد: "مرُّوا على رجل يوم القادسية وقد قُطعت يداه ورجلاه وهو يفحص وهو يقول: مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقًا، فقال الرجل: مَن أنت يا عبد الله؟ قال: أنا امرؤ من الأنصار"[30].
بمثل هؤلاء الرجال انتصر المسلمون وغنموا من الفرس ما لا يُعدُّ ولا يُحصى من الغنائم، وآلَت خزائن كِسرى وجميع مُمتلكاته إليهم.
بشارة النصر:
كان أمير المؤمنين عمر بن الحطاب - رضي الله عنه - يَخرج كل يوم خارج المدينة المنوَّرة يَنتظِر البريد؛ ليكون أول مَن يسمع بأنباء المعركة، وفي يوم وهو على هذا الحال وقد "كتب سعد إلى عمر بالفتح وبعدَّة مَن قُتلوا وبعِدَّة مَن أُصيب من المسلمين، وسمَّى مَن يعرف مع سعد بن عميلة الفزاري، وكان عمر يسأل الركبان من حين يُصبِح إلى انتصاف النهار عن أهل القادسية، ثم يَرجِع إلى أهله ومنزله، قال: فلما لقي البشير سأله من أين؟ فأخبره، قال: يا عبد الله، حدثني، قال: هزَم الله المشركين، وعمر يخبُّ معه يسأله، والآخر يَسير على ناقته لا يعرفه حتى دخل المدينة، وإذا الناس يُسلِّمون عليه بإمرة المؤمنين، قال البشير: هلا أخبرتني، رحمك الله، أنك أمير المؤمنين! فقال عمر: لا بأسَ عليك يا أخي"[31]، فبمثل هؤلاء القادة وأولئك الجند يكون النصر.
الشُّعراء يتغنَّون بالقادسية:
كانت القادسية رمزًا لمعارك الشرف والكرامة، وفصلاً رائعًا متألقًا نُقش في أمهات كتب التاريخ، وعنوانًا بارزًا من عناوين الصدق والوفاء والعزة، فوقف الشعراء يَفتخِرون بها، فقد قال أحد قادتها وهو عمرو بن معد يكرب الزبيدي:
لقد علمتْ خيلُ الأعاجم أَنَّني *** أَنا الفارسُ الحامي إذا الناسُ أحجَموا
وأنِّي غداةَ القادسيَّةِ إذ أتَوا *** بجمعِهِم ليثٌ هَصُورٌ غشَمشَمُ
شَدَدتُ على مهرانَ لَمَّا لقيتُهُ *** بكَفِّيَ صمصامُ العقيقةِ مِخذَمُ
فغادرتُهُ يكبو لحرٍّ جبينهُ *** عليه نُسورٌ واقعاتٌ وحُوَّمُ
وفيها افتخر محمد عبد المطلب فقال:
وللدِّين بالفاروق مِن بعدُ صولةٌ *** تَشلُّ عُروش الدولتين وتَقلِبُ
فإن كان لليرموك يرهب قيصر *** فكِسرى ليوم القادسيَّة أرهبُ
هنالك وافَى رُستم الفرسِ حتفه *** فأمسى تُبكِّيه العذارى وتندُب
فلله سعدٌ يوم يزحَف جيشُه *** على الفُرسِ لا يلوي ولا يتهيَّبُ
يشقُّ عُبابَ الماء فوق سوابِح *** لها فوقه نحوَ المدائن مَقرب
هنالك يَهوي عرش كِسرى وبعدَه *** عن الروم سُلطانُ القياصِر يَذهب
كتائب تُصليها المنايا سُيوفُنا *** فتصلى وتَسقيها الفَناء فتشرَبُ
وأضحَت حصون الشرك بعد اعتِلالها *** يَصيح بها طير الخراب وينعب
فأعلامنا في كل أرض خوافِق *** يَدين لها شرق ويَخضع مَغرِب
ـــــــــــــــ ـــــــــــ
[1] البداية والنهاية؛ ابن كثير، (9: 613).
[2] "تاريخ الأمم والرسل والملوك"؛ ابن جرير الطبري، (2: 384).
[3] "تاريخ الأمم والرسل والملوك"؛ ابن جرير الطبري، (3: 490).
[4] أطلس الخليفة عمر بن الخطاب، (ص: 72).
[5]جاء في الاستيعاب في معرفة الأصحاب: خالد بن عرفطة بن أبرهة بن سنان بن صيفي العذري، حليف بني زُهرة، سكن الكوفة ومات بها سنة ستين من الهجرة"، وروى عنه الإمام أحمد بن حنبل في مسنده: عن خالد بن عرفطة قال: قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((يا خالد، إنها ستكون بعدي أحداث وفتن واختلاف، فإن استطعت أن تكون عبدَ الله المقتول لا القاتل فافعل)).
[6] مصنف عبدالرزاق الصنعاني، كتاب المغازي، غزوة القادسية وغيرها.
[7] "أطلس الخليفة عمر بن الخطاب"؛ سامي عبدالله المغلوث، (ص: 72).
[8] "المطالب العالية"؛ للحافظ ابن حجر العسقلاني، كتاب المناقب، فضل ابن أم مكتوم.
[9] "تاريخ الأمم والرسل والملوك"؛ ابن جرير الطبري، (2: 394).
[10] "الكامل في التاريخ"؛ ابن الأثير، (2: 299).
[11] المستدرك على الصحيحين للحاكم - كتاب معرفة الصحابة - رضي الله عنهم - ذِكر مناقب أبي إسحاق سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه -.
[12] صحيح البخاري - كتاب المغازي - باب إذ همَّت طائفتان منكم أن تَفشلا والله وليُّهما.
[13] المستدرك على الصحيحين للحاكم - كتاب المغازي والسرايا.
[14] "الكامل في التاريخ"؛ ابن الأثير، (2: 318).
[15] "التاريخ الإسلامي"؛ محمود شاكر، (3: 170).
[16] "تاريخ الأمم والرسل والملوك"؛ ابن جرير الطبري، (2: 406).
[17] "الكامل في التاريخ"؛ ابن الأثير، (2: 318).
[18] "تاريخ الأمم والرسل والملوك"؛ ابن جرير الطبري، (2: 409).
[19] "المنتظم في تاريخ الملوك والأمم"؛ أبو الفرج ابن الجوزي، (4: 172).
[20] "تاريخ الأمم والرسل والملوك"؛ ابن جرير الطبري (2: 412).
[21] "تاريخ الأمم والرسل والملوك"؛ ابن جرير الطبري، (2: 416).
[22] "الكامل في التاريخ"؛ ابن الأثير، (2: 327).
[23] هما: حمَّال بن مالك والربيل بن عمرو الأسدي.
[24] "تاريخ الأمم والرسل والملوك"؛ ابن جرير الطبري، (2: 420).
[25] "جولة تاريخية في عهد الخلفاء الراشدين"؛ د: محمد السيد الوكيل، (ص: 126).
[26] "جولة تاريخية في عصر الخلفاء الراشدين"؛ د: محمد السيد الوكيل، (ص: 128).
[27] "المنتظم في تاريخ الملوك والأمم"؛ ابن الجوزي، (4: 205).
[28] "المنتظم في تاريخ الملوك والأمم"؛ ابن الجوزي، (4: 206).
[29] "أطلس الخليفة أبي بكر الصديق"؛ سامي عبدالله المغلوث، (ص: 89).
[30] مصنف ابن أبي شيبة - كتاب فضل الجهاد - ما ذكر في فضل الجهاد والحث عليه.
[31] "الكامل في التاريخ"؛ ابن الأثير، (2:332).
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 35.40 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 34.77 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.77%)]