تعدد الزوجات بين المطالبة العصرية والإباحة الشرعية
محمد عباس محمد عرابي
تطالعنا كثيرًا - وخاصة في الآونة الأخيرة عبر وسائط التواصل الاجتماعي والصحف والمجلات والدراسات والأبحاث - المطالبة بتعدد الزوجات؛ لعلاج الكثير من المشكلات الاجتماعية التي من أبرزها العنوسة التي تشير الإحصاءات الرسمية بارتفاع معدلاتها في كثير من دول العالم، فتعدد الزوجات إذًا مطلب عصري، وهو من قبل ومن بعد مباح شرعًا وَفق الضوابط والقيود الشرعية، وحسب الحاجة إليه.
ويُحاول هذا المقال إلقاء الضوء على الضوابط والقيود الشرعية لتعدد الزوجات، والحكمة من التعدد.
أولًا: الضوابط والقيود الشرعية لتعدد الزوجات:
أباح الإسلام تعدد الزوجات؛ لأنه ضرورة اجتماعية للمجتمعات الإنسانية؛ حيث إنه يعالج كثيرًا من المشكلات الاجتماعية التي لولاه بعد الله (تعالى)، لتكدَّر صفو الأسرة والمجتمع، لكنه لما أباحه لم يتركه فوضى كما كان قبل الإسلام، أو كما هو موجود الآن في الشعوب التي لا تدين بالإسلام، وإنما هذَّبه ونظمه، ووضع له ما يكفل ترجيح المصلحة منه على المفسدة، فقيَّده بقيدين:
الأول: تحديد العدد، وهو لا يجوز للمعدد أن يجمع في ذمته في وقت واحد أكثر من أربع زوجات بحال من الأحوال؛ قال تعالى: ﴿ فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ ﴾ [النساء: 3].
والآخر: العدل بين الزوجات، ويدل عليه قوله تعالى: ﴿ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا ﴾ [النساء: 3].
فقد أباحت الآية التعدد، لكنه مشروط بتحقيق العدل بين الزوجات، فمن آنس من نفسه القدرة عليه، فله أن يعدد في حدود العدد المشروع، والمقصود بالعدل المشار إليه في الآية العدل الظاهر الذي في مكنة الزوج واستطاعته أن يعدل فيه بين الزوجات، ومن ذلك البيتوتة والمسكن والنفقة وسائر الأشياء المادية، فيلزمه أن يساوي بينهنَّ فيها؛ لأن هذه الأمور مما يقدر على العدل فيها.
ثانيًا: الحكمة من تعدد الزوجات:
لَمَّا كان الإسلام دينًا عالَميًّا دائمًا إلى أن تقوم الساعة، لا يحويه مكان، ولا يحده زمان اقتضى أن تكون أدويته شاملة وافية شافية فيها لكل داء دواؤه الذي يستطب به، ومن هذه الأدوية التي اشتمل عليها: تعددُ الزوجات، فإن هذا التعدد قد يكون دواءً لأمراض كثيرة، وقد يكون فيه الحل لأزمات متعددة، وفيما يلي بيان لبعض جوانب الحكمة من تعدد الزوجات:
إن قضية التعدد كثيرًا ما تكون في صالح المرأة، وتكريمًا لها ولأولادها، فإذا ما كان الزوج يرى في زواجه بواحدة إشباعًا لحاجاته الجسمية والنفسية، وحاجته إلى الولد والمودة والرحمة والسكن، قُضي الأمر، لكن في بعض الحالات تعجِز الزوجة الأولى عن الوفاء بكل حاجات الزوج، هنا يكون التعدد يقينًا لصالح المرأة - الزوجة الأولى - حيث يُبقي عليها مع البحث عن إشباع حاجاته من خلال الزواج الثاني، يضاف إلى هذا الحاجة النفسية لدى الرجل للتعدد، فهو عصمة له من الانحراف والزلل.
كما أن التعدد وسيلة فعالة لاحتواء الزيادة الحاصلة في بعض المجتمعات عندما تزيد نسبتهنَّ على نسبة الذكور، لا سيما بعد الحروب التي يذهب ضحيتها نسبة كبيرة من الرجال.
والتعدد مصدر عظيم، ومنبع رصين، ومَعين لا ينضب في تكاثر نسل المجتمعات، وإمدادها بما تحتاج إليه من الرجال.
والتعدد نظام اجتماعي تكافلي إلزامي؛ حيث إن الشرع الحكيم يلزم المعدد أن يتكفل بسد حاجات نسائه من متطلبات الحياة من النفقة والمسكن، وكل ما يحتجن إليه من أشياء مادية وغيرها حسب استطاعته، فيكفل المعدد بين امرأتين إلى أربع، فيجد الفتيات اللاتي لم يتيسر لهنَّ الزواج من زوج خلو من الزوجات، وكذلك الأرامل واليتامى من يقوم بإعالتهنَّ ورعايتهنَّ وحمايتهن، فلايبقين نهبًا للضياع، فتعود هذه الكفالة على الأفراد والمجتمعات بالخير والفوائد المتعددة.
وهكذا يتضح لنا بالأدلة المقنعة أن الإسلام أباح تعدد الزوجات حسب الضرورة والحاجة الاجتماعية الداعية إليه، فهو أباحه ولم يوجبه، وقد أصبح من الضرورات والمطالب العصرية لعلاج الكثير من المشكلات الأسرية والاجتماعية، فما أعظم تشريع الإسلام الذي يواكب كل العصور والدهور، وما أجمل مواكبة وتوافق المطالبة العصرية مع الإباحة الشرعية في مسألة تعدد الزوجات!
المراجع:
♦ نبيل السمالوطي: بناء المجتمع الإسلامي ونظمه، القاهرة، جامعة الأزهر،1991م.
♦ محمد الشمراني: القسم بين الزوجات، الرياض، مجلة جامعة الإمام، العدد37، محرم 1423هـ.