عرض مشاركة واحدة
  #225  
قديم 07-12-2022, 03:02 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,565
الدولة : Egypt
افتراضي رد: فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام


فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام
المؤلف:شيخ الاسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية.
سُورَةُ النساء
المجلد السادس
الحلقة( 225)

من صــ 101 الى صـ 110


وأما قوله: لا يرجون عبد إلا ربه. فإن الراجي يطلب حصول الخير ودفع الشر ولا يأتي بالحسنات إلا الله ولا يذهب السيئات إلا الله {وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو وإن يردك بخير فلا راد لفضله} {ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها وما يمسك فلا مرسل له من بعده} والرجاء مقرون بالتوكل فإن المتوكل يطلب ما رجاه من حصول المنفعة ودفع المضرة والتوكل لا يجوز إلا على الله كما قال تعالى: {وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين} وقال: {وعلى الله فليتوكل المتوكلون} وقال تعالى: {إن ينصركم الله فلا غالب لكم وإن يخذلكم فمن ذا الذي ينصركم من بعده وعلى الله فليتوكل المؤمنون} وقال تعالى: {ولو أنهم رضوا ما آتاهم الله ورسوله وقالوا حسبنا الله سيؤتينا الله من فضله ورسوله إنا إلى الله راغبون} وقال تعالى: {الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل}.
فهؤلاء قالوا: حسبنا الله أي كافينا الله في دفع البلاء وأولئك أمروا أن يقولوا: حسبنا في جلب النعماء فهو سبحانه كاف عبده في إزالة الشر وفي إنالة الخير أليس الله بكاف عبده ومن توكل على غير الله ورجاه خذل من جهته وحرم {مثل الذين اتخذوا من دون الله أولياء كمثل العنكبوت اتخذت بيتا وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت}.

{واتخذوا من دون الله آلهة ليكونوا لهم عزا} {كلا سيكفرون بعبادتهم ويكونون عليهم ضدا} {ومن يشرك بالله فكأنما خر من السماء فتخطفه الطير أو تهوي به الريح في مكان سحيق} {لا تجعل مع الله إلها آخر فتقعد مذموما مخذولا}. وقال الخليل: {فابتغوا عند الله الرزق واعبدوه واشكروا له إليه ترجعون}. فمن عمل لغير الله رجاء أن ينتفع بما عمل له كانت صفقته خاسرة قال الله تعالى: {والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا ووجد الله عنده فوفاه حسابه والله سريع الحساب} وقال تعالى: {مثل الذين كفروا بربهم أعمالهم كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف لا يقدرون مما كسبوا على شيء} وقال تعالى: {وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا} وقال تعالى: {كل شيء هالك إلا وجهه} كما قيل في تفسيرها كل عمل باطل إلا ما أريد به وجهه فمن عمل لغير الله ورجاه بطل سعيه والراجي يكون راجيا تارة بعمل يعمله لمن يرجوه وتارة باعتماد قلبه عليه والتجائه إليه وسؤاله فذاك نوع من العبادة له وهذا نوع من الاستعانة به وقد قال تعالى: {إياك نعبد وإياك نستعين} وقال: {فاعبده وتوكل عليه} وقال: {قل هو ربي لا إله إلا هو عليه توكلت وإليه متاب}.

ومما يوضح ذلك أن كل خير ونعمة تنال العبد فإنما هي من الله وكل شر ومصيبة تندفع عنه أو تكشف عنه فإنما يمنعها الله؛ وإنما يكشفها الله وإذا جرى ما جرى من أسبابها على يد خلقه فالله سبحانه هو خالق الأسباب كلها سواء كانت الأسباب حركة حي باختياره وقصده كما يحدثه تعالى بحركة الملائكة والجن والإنس والبهائم أو حركة جماد بما جعل الله فيه من الطبع أو بقاسر يقسره كحركة الرياح والمياه ونحو ذلك فالله خالق ذلك كله فإنه لا حول ولا قوة إلا به وما شاء كان وما لم يشأ لم يكن فالرجاء يجب أن يكون كله للرب والتوكل عليه والدعاء له فإنه إن شاء ذلك ويسره كان وتيسر ولو لم يشأ الناس وإن لم يشأه ولم ييسره لم يكن؛ وإن شاءه الناس. وهذا واجب لو كان شيء من الأسباب مستقلا بالمطلوب فإنه لو قدر مستقلا بالمطلوب - وإنما يكون بمشيئة الله وتيسيره - لكان الواجب أن لا يرجى إلا الله ولا يتوكل إلا عليه ولا يسأل إلا هو ولا يستعان إلا به ولا يستغاث إلا هو فله الحمد وإليه المشتكى وهو المستعان وهو المستغاث ولا حول ولا قوة إلا به فكيف وليس شيء من الأسباب مستقلا بمطلوب بل لا بد من انضمام أسباب أخر إليه ولا بد أيضا من صرف الموانع والمعارضات عنه حتى يحصل المقصود.
فكل سبب فله شريك وله ضد فإن لم يعاونه شريكه ولم يصرف عنه ضده لم يحصل سببه فالمطر وحده لا ينبت النبات إلا بما ينضم إليه من الهواء والتراب وغير ذلك ثم الزرع لا يتم حتى تصرف عنه الآفات المفسدة له والطعام والشراب لا يغذي إلا بما جعل في البدن من الأعضاء والقوى ومجموع ذلك لا يفيد إن لم تصرف المفسدات والمخلوق الذي يعطيك أو ينصرك فهو - مع أن الله يخلق فيه الإرادة والقوة والفعل - فلا يتم ما يفعله إلا بأسباب كثيرة خارجة عن قدرته تعاونه على مطلوبه ولو كان ملكا مطاعا ولا بد أن يصرف عن الأسباب المعاونة ما يعارضها ويمانعها فلا يتم المطلوب إلا بوجود المقتضي وعدم المانع وكل سبب معين فإنما هو جزء من المقتضي فليس في الوجود شيء واحد هو مقتضيا وإن سمي مقتضيا وسمي سائر ما يعينه شروطا فهذا نزاع لفظي. وحينئذ فيقال: لا بد من وجود المقتضي والشروط وانتفاء الموانع وإما أن يكون في المخلوقات علة تامة تستلزم معلولها فهذا باطل.
ومن عرف هذا حق المعرفة انفتح له باب توحيد الله وعلم أنه لا يستحق لأن يدعى غيره فضلا عن أن يعبد غيره ولا يتوكل على غيره ولا يرجى غيره وهذا مبرهن بالشرع والعقل ولا فرق في ذلك بين الأسباب العلوية والسفلية وأفعال الملائكة والأنبياء والمؤمنين وشفاعتهم وغير ذلك من الأسباب فإن من توكل في الشفاعة أو الدعاء على ملك أو نبي أو رجل صالح أو نحو ذلك قيل له: هذا أيضا سبب من الأسباب فهذا الشافع والداعي لا يفعل ذلك إلا بمشيئة الله وقدرته بل شفاعة أهل طاعته لا تكون إلا لمن يرضاه. كما قال تعالى: {ولا يشفعون إلا لمن ارتضى}.
فليس أحد يشفع عنده إلا بإذنه الإذن القدري الكوني فإن شفاعته من جهة أفعال العباد لا تكون إلا بمشيئته وقدرته فليس كالمخلوق الذي يشفع إليه شافع تكون شفاعته بغير حول المشفوع إليه وقوته بل هو سبحانه خالق شفاعة الشافع كسائر التحولات ولا حول ولا قوة إلا به.
(أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا (82)
[الرد على النصارى في دعواهم أن كلام الرسول متناقض]
وإن قالوا: كلامه متناقض ونحن نحتج بما يوافق قولنا، إذ مقصودنا بيان تناقضه.
قيل لهم عن هذا أجوبة:

أحدها: أنه في الكتب المتقدمة مما يظن أنه متعارض أضعاف ما في القرآن وأقرب إلى التناقض، فإذا كانت تلك الكتب متفقة لا تناقض فيها، وإنما يظن تناقضها من يجهل معانيها ومراد الرسل فيكون كما قيل:
وكم من عائب قولا صحيحا ... وآفته من الفهم السقيم
فكيف القرآن الذي هو أفضل الكتب؟
الثاني: أنهم متمسكون بالمتشابه في تلك الكتب، ومخالفون المحكم منها كما فعلوه بالقرآن وأبلغ.
الثالث: أنه إذا كان ما جاء به متناقضا لم يكن رسول الله، فإن ما جاء به من عند الله لا يكون مختلفا متناقضا، وإنما يتناقض ما جاء من عند غير الله، قال تعالى: {أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا} [النساء: 82].

فكل كتاب ليس من عند الله لا بد أن يكون فيه تناقض، وما كان من عند الله لا يتناقض، وحينئذ فإن كان متناقضا لم يجز لهم الاحتجاج بشيء منه ; فإنه ليس من عند الله، وإن لم يكن متناقضا ثبت أن ما فيه من عموم رسالته، وأنه رسول إليهم، فليس فيه شيء يناقضه، فإن ما جاء من عند الله لا يتناقض.
الرابع: أنا نبين أن ما فيه من عموم رسالته لا ينافي ما فيه من أنه أرسل إلى العرب، كما أن ما فيه من إنذار عشيرته الأقربين، وأمر قريش لا ينافي ما فيه من دعوة سائر العرب ; فإن تخصيص بعض العام بالذكر
إذا كان له سبب يقتضي التخصيص لم يدل على أن ما سوى المذكور مخالفة، وهذا الذي يسمى مفهوم المخالفة ودليل الخطاب.
والناس كلهم متفقون على أن التخصيص بالذكر متى كان له سبب يوجب الذكر غير الاختصاص بالحكم لم يكن للاسم اللقب مفهوم، بل ولا للصفة كقوله تعالى: {ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق} [الإسراء: 31].
فإنه نهاهم عن ذلك ; لأنه هو الذي كانوا يفعلونه، وقد حرم في موضع آخر قتل النفس بغير الحق، سواء كان ولدا، أو غيره، ولم يكن ذلك مناقضا لتخصيص الولد بالذكر.

الخامس: أنه في ذلك أسوة بالمسيح عليه السلام فإن المسيح خص أولا بالدعوة، ثم عم، كما قيل في الإنجيل: ما بعثت وأرسلت إلا لبني إسرائيل. وقال أيضا في الإنجيل: ما بعثت إلا لهذا الشعب الخبيث. ثم عم، فقال لتلامذته حين أرسلهم كما في الإنجيل: كما بعثني أبي أبعث بكم، فمن قبلكم فقد قبلني. وقال: أرسلني أبي، وأنا أرسلكم. وقال: كما أفعل أنا بكم، كذلك افعلوا أنتم بعباد الله فسيروا في البلاد، وعمدوا الناس باسم الأب والابن والروح القدس، ولا يكون لأحدكم ثوبان، ولا يحمل معه فضة ولا ذهبا ولا عصا ولا حرابة ونحو ذلك مما هو في الأناجيل التي بين أيديهم من تخصيص الدعوة ثم تعميمها، وهو صادق في ذلك كله، فكيف يسوغ لهم إنكار ما في الإنجيل عن المسيح نظيره؟ ثم يقال في بيان الحال: إن الله تعالى بعث محمدا صلى الله عليه وسلم، كما بعث المسيح وغيره، وإن كانت رسالته أكمل وأشمل كما نذكر في موضعه، فأمره بتبليغ رسالته بحسب الإمكان إلى طائفة بعد طائفة، وأمر بتبليغ الأقرب منه مكانا ونسبا، ثم بتبليغ طائفة بعد طائفة ; حتى تبلغ النذارة إلى جميع أهل الأرض، كما قال تعالى: {وأوحي إلي هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ} [الأنعام: 19].

أي من بلغه القرآن فكل من بلغه القرآن فقد أنذره محمد صلى الله عليه وسلم.
ونبين هنا أن النذارة ليست مختصة بمن شافههم بالخطاب، بل ينذرهم به وينذر من بلغهم القرآن، فأمره الله تبارك وتعالى أولا بإنذار عشيرته الأقربين وهو قريش، فقال تعالى: {وأنذر عشيرتك الأقربين} [الشعراء: 214].
ولما أنزل الله عليه هذه الآية انطلق صلى الله عليه وسلم إلى مكان عال فعلا عليه، ثم جعل ينادي: «يا بني عبد مناف إني نذير لكم بين يدي عذاب شديد، إنما مثلي ومثلكم كمثل رجل رأى العدو فانطلق يريد أهله فخشي أن يسبقوه، فجعل يهتف يا صباحاه يا صباحاه».
وهذه القصة رواها ابن عباس وأبو هريرة وعائشة وغيرهم في الصحيحين وغيرهما من كتب السنن والمسانيد والتفسير.
قال ابن عباس: لما «نزلت هذه الآية: {وأنذر عشيرتك الأقربين} [الشعراء: 214]. ورهطك منهم المخلصين، خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى صعد الصفا، فجعل ينادي: يا بني فهر، يا بني عدي لبطون قريش حتى اجتمعوا فجعل الرجل إذا لم يستطع أن يخرج أرسل رسولا لينظر ما هو؟ فاجتمعوا إليه فقال: أرأيتكم لو أخبرتكم أن خيلا تريد أن تغير عليكم أكنتم مصدقي؟ قالوا: نعم، ما جربنا عليك إلا صدقا، ما جربنا عليك كذبا. قال: فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد.
وقال أبو هريرة: لما نزلت هذه الآية: {وأنذر عشيرتك الأقربين} [الشعراء: 214]. دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم قريشا، فاجتمعوا، فعم وخص، فقال: يا بني كعب بن لؤي أنقذوا أنفسكم من النار، يا بني مرة بن كعب أنقذوا أنفسكم من النار، يا بني عبد شمس أنقذوا أنفسكم من النار، يا بني عبد مناف أنقذوا أنفسكم من النار، يا بني هاشم أنقذوا أنفسكم من النار، يا بني عبد المطلب أنقذوا أنفسكم من النار، يا فاطمة بنت محمد أنقذي نفسك من النار،فإني لا أملك لكم من الله شيئا غير أن لكم رحما سأبلها ببلالها».

وقالت عائشة رضي الله عنها لما نزلت هذه الآية: {وأنذر عشيرتك الأقربين} [الشعراء: 214]. «قام رسول الله صلى الله عليه وسلم على الصفا، فقال: يا فاطمة بنت محمد، يا صفية عمة رسول الله، يا عباس عم رسول الله لا أملك لكم من الله شيئا».
وقال ابن إسحاق: «لما نزلت هذه الآية جعل النبي صلى الله عليه وسلم ينادي: يا بني عبد المطلب، يا بني عبد مناف، يا بني زهرة حتى عدد الأفخاذ من قريش، ثم قال: إن الله أمرني أن أنذر عشيرتي الأقربين، وإني لا أملك لكم من الله شيئا إلا أن تقولوا لا إله إلا الله»، فقال أبو لهب: ألهذا جمعتنا؟



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 27.50 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 26.87 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.28%)]