عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 07-12-2022, 02:54 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,581
الدولة : Egypt
افتراضي رد: فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام


فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام
المؤلف:شيخ الاسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية.
سُورَةُ النساء
المجلد السادس
الحلقة( 224)

من صــ 91 الى صـ 100



فهذه الكلمات من جنس خاتمة الوضوء. وخاتمة الوضوء: فيها التسبيح والتحميد والتوحيد والاستغفار. فالتسبيح والتحميد والتوحيد لله. فإنه لا يأتي بالحسنات إلا هو. والاستغفار من ذنوب النفس التي منها تأتي السيئات. وقد قرن الله في كتابه بين التوحيد والاستغفار في غير موضع كقوله {فاعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات} وفي قوله {ألا تعبدوا إلا الله إنني لكم منه نذير وبشير} {وأن استغفروا ربكم ثم توبوا إليه} وفي قوله {قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد فاستقيموا إليه واستغفروه}. وفي حديث رواه ابن أبي عاصم وغيره {يقول الشيطان: أهلكت الناس بالذنوب وأهلكوني بالاستغفار وبلا إله إلا الله فلما رأيت ذلك بثثت فيهم الأهواء.
فهم يذنبون ولا يستغفرون. لأنهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا}. و " لا إله إلا الله " تقتضي الإخلاص والتوكل. والإخلاص يقتضي الشكر. فهي أفضل الكلام. وهي أعلى شعب الإيمان. كما ثبت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال {الإيمان بضع وستون - أو بضع وسبعون - شعبة. أعلاها: قول لا إله إلا الله. وأدناها: إماطة الأذى عن الطريق والحياء شعبة من الإيمان}. ف " لا إله إلا الله " هي قطب رحى الإيمان وإليها يرجع الأمر كله. والكتب المنزلة: مجموعة في قوله تعالى {إياك نعبد وإياك نستعين} وهي معنى " لا إله إلا الله " و " لا حول ولا قوة إلا بالله " هي من معنى " لا إله إلا الله " و " الحمد لله " في معناها و " سبحان الله والله أكبر " من معناها. لكن فيها تفصيل بعد إجمال.

فصل:
وقد ظن بعض المتأخرين: أن معنى قوله {فمن نفسك} أي أفمن نفسك؟ وأنه استفهام على سبيل الإنكار ومعنى كلامه: أن الحسنات والسيئات كلها من الله لا من نفسك. وهذا القول يباين معنى الآية. فإن الآية بينت أن السيئات من نفس الإنسان. أي بذنوبه. وهؤلاء يقولون: ليست السيئات من نفسه.
وممن ذكر ذلك: أبو بكر بن فورك. فإنه قال: معناه: أفمن نفسك؟ يدل عليه قول الشاعر:
ثم قالوا: تحبها؟ قلت: بهرا ... عدد الرمل والحصى والتراب
قلت: وإضمار الاستفهام - إذا دل عليه الكلام - لا يقتضي جواز إضماره في الخبر المخصوص من غير دلالة. فإن هذا يناقض المقصود. ويستلزم أن كل من أراد أن ينفي ما أخبر الله به يقدر أن ينفيه بأن يقدر في خبره استفهاما. ويجعله استفهام إنكار. وهذا من جهة العربية نظير ما زعمه بعضهم في قول إبراهيم عليه السلام " هذا ربي " أهذا ربي؟ قال ابن الأنباري: هذا القول شاذ. لأن حرف الاستفهام لا يضمر إذا كان فارقا بين الإخبار والاستخبار. وهؤلاء استشهدوا بقوله {أفإن مت فهم الخالدون}. وهذا لا حجة فيه. لأنه قد تقدم الاستفهام في أول الجملة في الجملة الشرطية {وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد} فلم يحتج إلى ذكره ثانية. بل ذكره يفسد الكلام. ومثله قوله {أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم} وقوله {أفكلما جاءكم رسول بما لا تهوى أنفسكم استكبرتم} وقوله {أوكلما عاهدوا عهدا نبذه فريق منهم} وهذا من فصيح الكلام وبليغه. واستشهدوا بقوله:
لعمرك لا أدري وإن كنت داريا ... بسبع رمين الجمر أم بثمان؟
وقوله: كذبتك عينك أم رأيت بواسط ... غلس الظلام من الرباب خيالا؟
تقديره: أكذبتك عينك؟ . وهذا لا حجة فيه. لأن قوله فيما بعد " أم بثمان " و " أم رأيت " يدل على الألف المحذوفة في البيت الأول. وأما الثاني: فإن كانت " أم " هي المتصلة فكذلك. وإن كانت هي المنفصلة. فالخبر على بابه. وهؤلاء مقصودهم: أن النفس لا تأثير لها في وجود السيئات.

وليست سببا فيها. بل قد يقولون: إن المعاصي علامة محضة على العقوبة لاقترانها بها. لا أنها سبب لها. وهذا مخالف للكتاب والسنة وإجماع السلف وللعقل. والقرآن يبين في غير موضع: أن الله لم يهلك أحدا ولم يعذبه إلا بذنب. فقال هنا {وما أصابك من سيئة فمن نفسك} وقال لهم في شأن أحد {أولما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا قل هو من عند أنفسكم} وقال تعالى {وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير} وقال تعالى في سورة الشورى أيضا {وإن تصبهم سيئة بما قدمت أيديهم فإن الإنسان كفور}.
وقال تعالى {قل أرأيتم إن أتاكم عذابه بياتا أو نهارا ماذا يستعجل منه المجرمون} وقال تعالى {وما أهلكنا من قرية إلا لها منذرون} {ذكرى وما كنا ظالمين} وقال تعالى {وما كان ربك مهلك القرى حتى يبعث في أمها رسولا يتلو عليهم آياتنا وما كنا مهلكي القرى إلا وأهلها ظالمون} وقال تعالى {ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون} وقال تعالى {ولنذيقنهم من العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر لعلهم يرجعون} وقال تعالى {أو يوبقهن بما كسبوا ويعف عن كثير} وقال تعالى في سورة القلم عن أهل الجنة الذين ضرب بهم المثل لما أهلكها بذلك العذاب {ولعذاب الآخرة أكبر لو كانوا يعلمون} وقال تعالى {مثل ما ينفقون في هذه الحياة الدنيا كمثل ريح فيها صر أصابت حرث قوم ظلموا أنفسهم فأهلكته وما ظلمهم الله ولكن أنفسهم يظلمون}.

وقال تعالى عن أهل سبأ {فأعرضوا فأرسلنا عليهم سيل العرم} - إلى قوله - {ذلك جزيناهم بما كفروا وهل نجازي إلا الكفور} وقال تعالى {وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد} وقال تعالى {وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا} وفي الحديث الصحيح الإلهي {يا عبادي إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها. فمن وجد خيرا: فليحمد الله. ومن وجد غير ذلك: فلا يلومن إلا نفسه}. وفي سيد الاستغفار {أبوء لك بنعمتك علي وأبوء بذنبي} وقال تعالى {وإن للذين ظلموا عذابا دون ذلك ولكن أكثرهم لا يعلمون}. والحمد لله وحده وصلى الله على عبد الله ورسوله محمد وآله وصحبه وسلم. ورضي الله عن الصحابة أجمعين وعن التابعين وتابعي التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
سئل الشيخ الإمام العلامة أبو العباس أحمد ابن تيمية - رضي الله عنه -:
عن قول علي رضي الله عنه لا يرجون عبد إلا ربه، ولا يخافن إلا ذنبه ما معنى ذلك؟

فأجاب:
الحمد لله، هذا الكلام يؤثر عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب - رضي الله عنه وهو من أحسن الكلام وأبلغه وأتمه؛ فإن الرجاء يكون للخير والخوف يكون من الشر والعبد إنما يصيبه الشر بذنوبه كما قال تعالى: {وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير} وقال تعالى: {أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة وإن تصبهم حسنة يقولوا هذه من عند الله وإن تصبهم سيئة يقولوا هذه من عندك قل كل من عند الله فمال هؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثا} {ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك}. فإن كثيرا من الناس يظن أن المراد بالحسنات والسيئات في هذه الآية الطاعات والمعاصي.
ثم " المثبتة للقدر " يحتجون بقوله: {كل من عند الله} فيعارضهم قوله: {ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك}. و " نفاة القدر " يحتجون بهذه الثانية مع غلطهم في ذلك؛ فإن مذهبهم: أن العبد يخلق جميع أعماله ويعارضهم قوله: {كل من عند الله}. وإنما غلط كلا الفريقين؛ لما تقدم من ظنهم أن الحسنات والسيئات هي الطاعات والمعاصي وإنما الحسنات والسيئات في هذه الآية النعم والمصائب كما في قوله تعالى {وبلوناهم بالحسنات والسيئات لعلهم يرجعون} وقوله تعالى {فإذا جاءتهم الحسنة قالوا لنا هذه وإن تصبهم سيئة يطيروا بموسى ومن معه} وقوله تعالى {إن تمسسكم حسنة تسؤهم وإن تصبكم سيئة يفرحوا بها} وقوله تعالى {وقهم السيئات} ونحو ذلك. وهذا كثير. وهذه الآية ذم الله بها المنافقين الذين ينكلون عما أمر الله به من الجهاد وغيره فإذا نالهم رزق ونصر وعافية قالوا: {هذا من عند الله} وإن نالهم فقر وذل ومرض قالوا: {هذه من عندك} - يا محمد - بسبب الدين الذي أمرتنا به كما قال قوم فرعون لموسى: وذكر الله ذلك عنهم بقوله تعالى:
{فإذا جاءتهم الحسنة قالوا لنا هذه وإن تصبهم سيئة يطيروا بموسى ومن معه} وكما قال الكفار لرسل عيسى: {إنا تطيرنا بكم}. فالكفار والمنافقون إذا أصابتهم المصائب بذنوبهم تطيروا بالمؤمنين فبين الله سبحانه أن الحسنة من الله ينعم بها عليهم وأن السيئة إنما تصيبهم بذنوبهم ولهذا قال تعالى: {وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون} فأخبر أنه لا يعذب مستغفرا؛ لأن الاستغفار يمحو الذنب الذي هو سبب العذاب فيندفع العذاب كما في سنن أبي داود وابن ماجه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: {من أكثر الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجا ومن كل ضيق مخرجا ورزقه من حيث لا يحتسب} وقد قال تعالى: {ألا تعبدوا إلا الله إنني لكم منه نذير وبشير} {وأن استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يمتعكم متاعا حسنا إلى أجل مسمى ويؤت كل ذي فضل فضله}. فبين أن من وحده واستغفره متعه متاعا حسنا إلى أجل مسمى ومن عمل بعد ذلك خيرا زاده من فضله وفي الحديث: {يقول الشيطان: أهلكت الناس بالذنوب وأهلكوني بلا إله إلا الله والاستغفار. فلما رأيت ذلك بثثت فيهم الأهواء فهم يذنبون ولا يتوبون؛ لأنهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا}.

ولهذا قال تعالى: {فأخذناهم بالبأساء والضراء لعلهم يتضرعون} {فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا} أي فهلا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا فحقهم عند مجيء البأس التضرع وقال تعالى: {ولقد أخذناهم بالعذاب فما استكانوا لربهم وما يتضرعون} قال عمر بن عبد العزيز: ما نزل بلاء إلا بذنب ولا رفع إلا بتوبة ولهذا قال تعالى: {الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل} {فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء واتبعوا رضوان الله والله ذو فضل عظيم} {إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين}. فنهى المؤمنين عن خوف أولياء الشيطان وأمرهم بخوفه وخوفه يوجب فعل ما أمر به وترك ما نهى عنه والاستغفار من الذنوب وحينئذ يندفع البلاء وينتصر على الأعداء فلهذا قال علي رضي الله عنه لا يخافن عبد إلا ذنبه. وإن سلط عليه مخلوق فما سلط عليه إلا بذنوبه فليخف الله وليتب من ذنوبه التي ناله بها ما ناله كما في الأثر {يقول الله: أنا الله مالك الملوك قلوب الملوك ونواصيهم بيدي من أطاعني جعلتهم عليه رحمة ومن عصاني جعلتهم عليه نقمة فلا تشتغلوا بسب الملوك وأطيعوني أعطف قلوبهم عليكم}.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 30.17 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 29.54 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.08%)]