عرض مشاركة واحدة
  #223  
قديم 07-12-2022, 01:37 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,030
الدولة : Egypt
افتراضي رد: فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام


فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام
المؤلف:شيخ الاسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية.
سُورَةُ النساء
المجلد السادس
الحلقة( 223)

من صــ 81 الى صـ 90



سمعت الناس يقولون شيئا فقلته} فلهذا قال {إلا من شهد بالحق وهم يعلمون}. وقد تقدم قول ابن عباس: يعني من قال " لا إله إلا الله " يعني: خالصا من قلبه.
والأحاديث الصحيحة الواردة في الشفاعة كلها تبين: أن الشفاعة إنما تكون في أهل " لا إله إلا الله ". وقد ثبت في صحيح البخاري. {أن أبا هريرة قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم من أسعد الناس بشفاعتك يوم القيامة؟ قال: يا أبا هريرة لقد ظننت أن لا يسألني عن هذا الحديث أحد أول منك لما رأيت من حرصك على الحديث. أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة: من قال لا إله إلا الله خالصا من قبل نفسه}. فبين أن المخلص لها من قبل نفسه: هو أسعد بشفاعته صلى الله عليه وسلم من غيره ممن يقولها بلسانه وتكذبها أقواله وأعماله.
فهؤلاء هم الذين شهدوا بالحق شهدوا " أن لا إله إلا الله " كما شهد الله لنفسه بذلك وملائكته وأولو العلم {شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم قائما بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم}. فإذا شهدوا - وهم يعلمون - كانوا من أهل الشفاعة شافعين ومشفوعا لهم. فإن المؤمنين أهل التوحيد يشفع بعضهم في بعض كما ثبت ذلك في الأحاديث الصحيحة.

كما ثبت في الصحيحين من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: - في الحديث الطويل حديث التجلي والشفاعة - {حتى إذا خلص المؤمنون من النار. فوالذي نفسي بيده ما منكم من أحد بأشد مناشدة لله في استيفاء الحق من المؤمنين لله يوم القيامة لإخوانهم الذين في النار. يقولون: ربنا كانوا يصومون معنا ويصلون ويحجون. فيقال لهم: أخرجوا من عرفتم. فتحرم صورهم على النار} - وذكر تمام الحديث ". وسبب نزول الآية - على ما ذكروه - مؤيد لما ذكره. قال أبو الفرج ابن الجوزي: سبب نزولها: أن النضر بن الحارث ونفرا معه قالوا " إن كان ما يقول محمد حقا. فنحن نتولى الملائكة. فهم أحق بالشفاعة من محمد. فنزلت هذه الآية " قاله مقاتل.

وعلى هذا: فيقصد أن الملائكة وغيرهم لا يملكون الشفاعة. فليس توليكم إياهم واستشفاعكم بهم: بالذي يوجب أن يشفعوا لكم. فإن أحدا ممن يدعى من دون الله لا يملك الشفاعة. ولكن {من شهد بالحق وهم يعلمون} فإن الله يشفع فيه. فالذي تنال به الشفاعة: هي الشهادة بالحق. وهي شهادة أن لا إله إلا الله. لا تنال بتولي غير الله. لا الملائكة ولا الأنبياء ولا الصالحين.

فمن والى أحدا من هؤلاء ودعاه وحج إلى قبره أو موضعه ونذر له وحلف به وقرب له القرابين ليشفع له: لم يغن ذلك عنه من الله شيئا. وكان من أبعد الناس عن شفاعته وشفاعة غيره. فإن الشفاعة إنما تكون: لأهل توحيد الله وإخلاص القلب والدين له. ومن تولى أحدا من دون الله فهو مشرك. فهذا القول والعبادة الذي يقصد به المشركون الشفاعة: يحرم عليهم الشفاعة. فالذين عبدوا الملائكة والأنبياء والأولياء والصالحين - ليشفعوا لهم - كانت عبادتهم إياهم وإشراكهم بربهم الذي به طلبوا شفاعتهم: به حرموا شفاعتهم وعوقبوا بنقيض قصدهم. لأنهم أشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا. وكثير من أهل الضلال: يظن أن الشفاعة تنال بهذه الأمور التي فيها شرك أو هي شرك خالص كما ظن ذلك المشركون الأولون. وكما يظنه النصارى ومن ضل من المنتسبين إلى الإسلام. الذين يدعون غير الله ويحجون إلى قبره أو مكانه وينذرون له ويحلفون به. ويظنون: أنه بهذا يصير شفيعا لهم. قال تعالى {قل ادعوا الذين زعمتم من دونه فلا يملكون كشف الضر عنكم ولا تحويلا} {أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب ويرجون رحمته ويخافون عذابه إن عذاب ربك كان محذورا}.

قال طائفة من السلف: كان أقوام يعبدون المسيح والعزير والملائكة فبين الله أنهم لا يملكون كشف الضر عنهم ولا تحويله. كما بين أنهم لا يملكون الشفاعة. وهذا لا استثناء فيه وإن كان الله يجيب دعاءهم ثم قال {أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب ويرجون رحمته ويخافون عذابه إن عذاب ربك كان محذورا} فبين أن هؤلاء المزعومين الذين يدعونهم من دون الله كانوا يرجون رحمة الله ويخافون عذابه ويتقربون إليه بالأعمال الصالحة كسائر عباده المؤمنين وقد قال تعالى {ولا يأمركم أن تتخذوا الملائكة والنبيين أربابا أيأمركم بالكفر بعد إذ أنتم مسلمون}.
وللناس في الشفاعة أنواع من الضلال قد بسطت في غير هذا الموضع.
فكثير منهم: يظن أن الشفاعة هي بسبب اتصال روح الشافع بروح المشفوع له كما ذكر ذلك أبو حامد الغزالي وغيره. ويقولون: من كان أكثر صلاة على النبي صلى الله عليه وسلم كان أحق بالشفاعة من غيره. وكذلك من كان أحسن ظنا بشخص وأكثر تعظيما له: كان أحق بشفاعته. وهذا غلط. بل هذا هو قول المشركين الذين قالوا: نتولى الملائكة ليشفعوا لنا. يظنون أن من أحب أحدا - من الملائكة والأنبياء والصالحين وتولاه - كان ذلك سببا لشفاعته له. وليس الأمر كذلك. بل الشفاعة: سببها توحيد الله وإخلاص الدين والعبادة بجميع أنواعها له فكل من كان أعظم إخلاصا كان أحق بالشفاعة كما أنه أحق بسائر أنواع الرحمة. فإن الشفاعة: من الله مبدؤها وعلى الله تمامها فلا يشفع أحد إلا بإذنه. وهو الذي يأذن للشافع. وهو الذي يقبل شفاعته في المشفوع له. وإنما الشفاعة سبب من الأسباب التي بها يرحم الله من يرحم من عباده. وأحق الناس برحمته: هم أهل التوحيد والإخلاص له فكل من كان أكمل في تحقيق إخلاص " لا إله إلا الله " علما وعقيدة وعملا وبراءة وموالاة ومعاداة: كان أحق بالرحمة.
والمذنبون - الذين رجحت سيئاتهم على حسناتهم فخفت موازينهم فاستحقوا النار -: من كان منهم من أهل " لا إله إلا الله " فإن النار تصيبه بذنوبه. ويميته الله في النار إماتة. فتحرقه النار إلا موضع السجود. ثم يخرجه الله من النار بالشفاعة. ويدخله الجنة كما جاءت بذلك الأحاديث الصحيحة. فبين أن مدار الأمر كله: على تحقيق كلمة الإخلاص وهي " لا إله إلا الله " لا على الشرك بالتعلق بالموتى وعبادتهم كما ظنه الجاهليون. وهذا مبسوط في غير هذا الموضع.
والمقصود هنا: {أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجمع بين الحمد الذي هو رأس الشكر وبين التوحيد والاستغفار إذا رفع رأسه من الركوع فيقول ربنا ولك الحمد ملء السموات وملء الأرض وملء ما بينهما وملء ما شئت من شيء بعد. أهل الثناء والمجد أحق ما قال العبد - وكلنا لك عبد -: لا مانع لما أعطيت. ولا معطي لما منعت. ولا ينفع ذا الجد منك الجد ثم يقول اللهم طهرني بالثلج والبرد والماء البارد.
اللهم طهرني من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس} كما رواه مسلم في الصحيح عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال {كان رسول الله صلى الله عليه وسلم - إذا رفع رأسه من الركوع - قال: اللهم ربنا لك الحمد ملء السموات وملء الأرض وملء ما شئت من شيء بعد أهل الثناء والمجد. أحق ما قال العبد - وكلنا لك عبد - لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت. ولا ينفع ذا الجد منك الجد}.

وروى مسلم أيضا عن عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنه قال {كان رسول الله صلى الله عليه وسلم - إذا رفع رأسه من الركوع - قال: سمع الله لمن حمده. اللهم ربنا لك الحمد ملء السموات وملء الأرض وملء ما شئت من شيء بعد. اللهم طهرني بالثلج والبرد والماء البارد. اللهم طهرني من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الوسخ}. وقد روى مسلم في صحيحه أيضا {عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول اللهم لك الحمد وقال وملء الأرض وملء ما بينهما}. ولم يذكر في بعض الروايات. لأن " السموات والأرض " قد يراد بهما: العلو والسفل مطلقا. فيدخل في ذلك الهواء وغيره. فإنه عال بالنسبة إلى ما تحته وسافل بالنسبة إلى ما فوقه. فقد يجعل من السماء. كما يجعل السحاب سماء والسقف سماء. وكذا قال في القرآن {هو الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش}
ولم يقل " وما بينهما " كما يقول {الله الذي خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام ثم استوى على العرش ما لكم من دونه من ولي ولا شفيع}. فتارة يذكر قوله وما بينهما فيما خلقه في ستة أيام.

وتارة لا يذكره. وهو مراد. فإن ذكره كان إيضاحا وبيانا وإن لم يذكره دخل في لفظ " السموات والأرض " ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم تارة يقول {ملء السموات وملء الأرض} ولا يقول " وما بينهما " وتارة يقول " وما بينهما " وفيها كلها {وملء ما شئت من شيء بعد} وفي رواية أبي سعيد {أحق ما قال العبد} إلى آخره. وفي رواية ابن أبي أوفى " الدعاء بالطهارة من الذنوب ". ففي هذا الحمد رأس الشكر والاستغفار. فإن ربنا غفور شكور. فالحمد بإزاء النعمة. والاستغفار: بإزاء الذنوب. وذلك تصديق قوله تعالى {ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك}. ففي {سيد الاستغفار أبوء لك بنعمتك علي وأبوء بذنبي} وفي حديث أبي سعيد {الحمد رأس الشكر والتوحيد} كما جمع بينهما في أم القرآن. فأولها تحميد وأوسطها: توحيد وآخرها: دعاء. وكما في قوله {هو الحي لا إله إلا هو فادعوه مخلصين له الدين الحمد لله رب العالمين}. وفي حديث الموطأ {أفضل ما قلت. أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد. وهو على كل شيء قدير. من قالها: كتب الله له ألف حسنة.
وحط عنه ألف سيئة وكانت له حرزا من الشيطان يومه ذلك. ولم يأت أحد بأفضل مما جاء به إلا رجل قال مثلها أو زاد عليه. ومن قال في يوم مائة مرة: سبحان الله وبحمده حطت خطاياه ولو كانت مثل زبد البحر}. وفضائل هذه الكلمات في أحاديث كثيرة: وفيها: التوحيد والتحميد. فقوله {لا إله إلا الله وحده لا شريك له} توحيد. وقوله {له الملك وله الحمد} تحميد. وفيها معان أخرى شريفة. وقد جاء الجمع بين التوحيد والتحميد والاستغفار في مواضع مثل حديث كفارة المجلس {سبحانك اللهم وبحمدك. أشهد أن لا إله إلا أنت. أستغفرك وأتوب إليك} فيه: التسبيح والتحميد والتوحيد والاستغفار. من قالها في مجلس إن كان مجلس لغط كانت كفارة له وإن كان مجلس ذكر: كانت كالطابع له. وفي حديث أيضا " إن هذا يقال عقب الوضوء ". ففي الحديث الصحيح في مسلم وغيره من حديث عقبة عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم {ما منكم من أحد يتوضأ فيسبغ الوضوء ثم يقول: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية.

يدخل من أيها شاء} وفي حديث آخر أنه يقول {سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك}. وقد روي عن طائفة من السلف في الكلمات التي تلقاها آدم من ربه نحو هذه الكلمات. روى ابن جرير عن مجاهد أنه قال " اللهم لا إله إلا أنت سبحانك وبحمدك. رب إني ظلمت نفسي فاغفر لي. إنك خير الغافرين. اللهم لا إله إلا أنت. سبحانك وبحمدك. رب إني ظلمت نفسي فارحمني. فأنت خير الراحمين. لا إله إلا أنت. سبحانك وبحمدك. رب إني ظلمت نفسي فتب علي. إنك أنت التواب الرحيم ".

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 30.67 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 30.04 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.05%)]