عرض مشاركة واحدة
  #4  
قديم 05-12-2022, 03:56 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,740
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الأسطورة والسرد وجمالية الشعر: دراسة في قصيدة لأمية بن أبي الصلت

الأسطورة والسرد وجمالية الشعر: دراسة في قصيدة لأمية بن أبي الصلت
عبدالواحد الدحمني




ويبدو الشاعر مسرورا لما أصاب المسلمين يوم أحد، وهذا الفرح والسرور جاء في سياق الشماتة والانتقاص من قيمة المسلمين؛ فالشاعر يتمنى لو كان قتلى المشركين أحياء ليروا انتكاسة المسلمين يوم أحد، ولكن ابن الزبعرى يزيد من إذكاء روح العداوة، فيطلب من الغراب أن يستمر في النعيب لأنه نذير شؤم ليس للشاعر بل لأعدائه، فيتحول رمز الغراب إلى أداة تسر الشاعر ويستمتع بها، في مقابل جلب الشؤم لأعدائه.


ويوجد من الشعراء من شك في هذه الرمزية المتصلة بالغراب الأسود الدال على الشؤم، بل جعل هذا الإحساس نابعا من اعتقادات ونفسية الإنسان ونظرته إلى الحياة؛ فقال علقمة الفحل مثلا[27]:
وَمَنْ تَعَرَضَ للغِرْبَانِ يَزْجُرُها
عَلى سَلاَمَتِهِ لاَبُدَّ مَشْؤُومُ

وَكُلُّ حِصْنٍ وَإِنْ طَالَتْ إِقَامَتُهُ
عَلى دَعَائِمِهِ لاَبُدَّ مَهْدُومُ


إن الشاعر يجعل الإنسان هو المسؤول عن نظرته إلى الحياة من ناحية حلاوتها أو تعاستها، ويختلف هذا الموقف وفق ما يتعرض له في حياته من أفراح وأحزان؛ فالإنسان الذي يتشاءم بالغربان ويتعرض لها كي يطردها خوفا من إصابته بالشؤم فلابد -حسب الشاعر- أن يقع له ما يحذر ويخاف، حيث لا دخل للطير في ذلك.

ومن الشعراء من برأ الغراب مما نسب إليه، واعتبره مجرد خرافات خلقها الإنسان واعتقد بها؛ يقول بشار بن برد:[28]
وَرَبِّ مِنًى لَقَدْ كَذَبُوا عليْها ♦♦♦ كَمَا كَذَبَ الوُشَاةُ عَلَى الغُرَابِ

وبالإضافة إلى هذا التماثل في المعاني بين الشعراء وسمات التميز في توظيفهم لدلالة الغراب، نجد البعض يرمز للغراب بالخيانة، ويسند إليه صفات الأنانية وحب الذات؛ يقول أحد الشعراء:[29]
يُواسي الغرابُ الذئبَ في كلِّ صيده ♦♦♦ وما صَادَت الغرْبانُ في سَعَفِ النَّخْلِ

فالغراب لا يشارك الذئب في طعامه، كما يشارك الذئب الغراب في صيده، بل إن الغراب يتبع الذئب ليأكل ما يفضل من صيده، إلا أن الغراب يبتعد بصيده بعيدا عن الذئب؛ فالشاعر يجعل الغراب مخلوقا أنانيا يستأثر بالخير فلا يشرك الذئب في طعامه.

ووفقا لهذه الدلالات المتراوحة بين الإتباع والابتداع، يتبين أن كل شاعر يعمل على تجاوز الواقع والدلالات الحقيقية للغراب، ليخلق عالما تخييليا ورمزيا، يروم من خلاله إيهام القارئ بصدق تجاربه، ويتعدى ذلك إلى بناء رؤية فنية وجمالية يقوم عليها الشعر أساسا.

ختاما:
يبقى نص "الديك والغراب" إذن قصيدة شعرية جميلة، فهو نص غني بمادته السردية وبأفانين الصنعة، وعلى قدر كبير من التحبيك الفني المتناغم مع المكونات الشعرية من قبيل اللغة الشعرية والإيقاع الموسيقى والإيجاز...

لقد تحقق في هذا النص امتزاج الشعري بالسردي، والواقعي بالخيالي، والأسطوري بالشعري، واستطاع الشاعر بشكل فعال ومؤثر أن يفلح في نقل المتلقي إلى عالم شعري غير مألوف لما عهده.

وفي هذا السياق يمكن أن نخلص إلى ما يلي:
يغلب على النص النمط الحكائي، إلى جانب حضور بارز للتقريرية، بسبب الاستناد إلى الحكاية الأسطورية، ولكن هذا الحضور التقريري أضحى حضورا شعريا يتناغم ولغـة الشعر.

استخدام الشعر القديم -في كثير من الأحيان- لطرائق التصوير السردي.
ضرورة تغيير النظرة إلى الشعر العربي القديم ورفع الغنائية "الصِّرفة" عنه.
استناد الشعراء القدامى إلى مكونات وسمات تنتمي إلى أنواع أدبية أخرى.

دراسة الشعر العربي القديم وفق مقاربة السردي والشعري، والواقعي والخيالي، وجدلية الإتباع والابتداع كفيل بالوصول إلى نتائج جديدة مغايرة للتكرار الذي تعرفه الكثير من الدراسات حول الشعر العربي القديم.

المصادر والمراجع:
القرآن الكريم (رواية ورش).

المصادر:
ابن سلام الجمحي، طبقات فحول الشعراء، تحقيق: محمود محمد شاكر، القاهرة: مطبعة المدني، (د.ت).
ابن قتيبة، الشعر والشعراء، بيروت، دار الثقافة، الجزء1، (د.ت).
أحمد صقر، شرح ديوان علقمة الفحل، تقديم: زكي مبارك، القاهرة: مطبعة المحمودية، الطبعة1، 1935.
الثعالبي، التمثيل والمحاضرة، تحقيق: عبد الفتاح محمد الحلو، الدار العربية للكتاب، الطبعة:2، 1983.
الثعالبي، قصص الأنبياء المسمى بعرائس المجالس، بيروت، دار الفكر، الطبعة1، 1412/1991.
الجاحظ، الحيوان، تحقيق وشرح: عبد السلام محمد هارون، منشورات المجمع العلمي العربي، الجزء الثاني، الطبعة:3، 1969.
ديوان أمية بن أبي الصلت، جمعه وحققه وشرحه: سجيع جميل الجبيلي، بيروت: دار صادر، الطبعة1، 1998.
ديوان بشار بن برد، جمع وتحقيق وشرح: محمد الطاهر بن عاشور، الجزائر: وزارة الثقافة، 2007.
ديوان النابغة الذبياني، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم، مصر: دار المعارف، الطبعة 2، (د.ت).

المراجع:
أحمد إسماعيل النعيمي، الأسطورة في الشعر العربي قبل الإسلام، القاهرة: سينا للنشر، الطبعة1، 1995.
ربحي كمال، دروس في اللغة العبرية، بيروت: دار النهضة العربية، 1978.
مجموعة من الباحثين، طرائق تحليل السرد الأدبي، الرباط: منشورات اتحاد كتاب المغرب، الطبعة 1، 1992.
محمد الأمين المؤدب، في بلاغة النص الشعري القديم، معالم وعوالم، تطوان، المغرب: منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية، مطبعة الخليج العربي، الطبعة 2010.
محمود سليم الحوت، في طريق الميثولوجيا عند العرب، بحث مسهب في المعتقدات والأساطير العربية قبل الإسلام، بيروت: دار النهار للنشر، الطبعة2، 1979.
عبد الله الطيب، المرشد إلى فهم أشعار العرب وصناعتها، بيروت: دار الفكر، المجلد الثاني، الطبعة 1، (د.ت).


المقالات:
علاقة الشعر بالأسطورة، قراءة في المكونات والأصول، مجلة الموقف الأدبي، العدد 394 شباط 2004، من الموقع الالكتروني لاتحاد كتاب العرب
يونس لوليدي، علم الأساطير العربية من وجهة نظر بعض الدارسين العرب، مجلة الفيصل العدد 236، صفر 1417 يونيو يوليوز 1996.
Jean Yves Tadié: Le récit Poétique. PUF, 1978.


[1] عبدالواحد الدحمني: أستاذ وباحث من المغرب. (صدرت هذه الدراسة في مجلة فصول، الهيئة المصرية العامة للكتاب، العدد 96، شتاء 2016).

[2] ديوان أمية بن أبي الصلت، جمعه وحققه وشرحه: سجيع جميل الجبيلي، بيروت: دار صادر، الطبعة1، 1998، ص: 153 - 154. وأنظر كذلك الحيوان، الجاحظ، تحقيق وشرح: عبد السلام محمد هارون، منشورات المجمع العلمي العربي، الطبعة3، 1969، ج 2 ص: 325 - 326.

[3] المسابي: من سبأ الخمر إذا اشتراها.

[4] فاكهته: مازحته.

[5] أسهب الخمر: ذهب بلبه.

[6] ابن قتيبة، الشعر والشعراء، بيروت: دار الثقافة، (د.ت)، ج 1، ص: 370.

[7] الحيوان، ج 2، ص: 391.

[8] نفسه، ج 2، ص: 313 - 314.

[9] محمود سليم الحوت، في طريق الميثولوجيا عند العرب، بحث مسهب في المعتقدات والأساطير العربية قبل الإسلام، بيروت: دار النهار للنشر، الطبعة2، 1979، ص: 224.

[10] الحيوان، ج 2 ص: 315.

[11] الثعالبي، قصص الأنبياء المسمى بعرائس المجالس، بيروت: دار الفكر، الطبعة 1، 1412/1991، ص: 60. وفي الحيوان للجاحظ "أن نوحا صلى الله عليه وسلم حين بقي في اللجة أياما بعث الغراب، فوقع على جيفة ولم يرجع" ج 2 ص: 321.

[12] الحيوان ج 2، ص: 318.

[13] ربحي كمال، دروس في اللغة العبرية، بيروت: دار النهضة العربية، 1978، ص: 455.

[14] عبد الله الطيب، المرشد إلى فهم أشعار العرب وصناعتها بيروت: دار الفكر، الطبعة1، المجلد 2، ص: 911.

[15] نفسه، ص: 911.

[16] علاقة الشعر بالأسطورة، قراءة في المكونات والأصول، مجلة الموقف الأدبي، العدد 394 شباط 2004، ص: 5. من الموقع الالكتروني لاتحاد كتاب العرب.

[17] Jean Yves Tadié: Le récit Poétique. PUF, 1978 , p: 6.

[18] يونس لوليدي، علم الأساطير العربية من وجهة نظر بعض الدارسين العرب، مجلة الفيصل العدد 236، صفر 1417 يونيو يوليوز 1996، ص: 29.

[19] أحمد إسماعيل النعيمي، الأسطورة في الشعر العربي قبل الإسلام، القاهرة: سينا للنشر، الطبعة 1، 1995، ص: 308.

[20] مجموعة من الباحثين، طرائق تحليل السرد الأدبي، الرباط: منشورات اتحاد كتاب المغرب، الطبعة1، 1992، ص: 58.

[21] محمد الأمين المؤدب، في بلاغة النص الشعري القديم، معالم وعوالم، تطوان، المغرب: منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية، مطبعة الخليج العربي، الطبعة 2010، ص: 114.

[22] سورة المائدة، الآية: 31.

[23] ديوان النابغة الذبياني، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم، مصر: دار المعارف، الطبعة 2 (د.ت)، ص: 89.

[24] الغداف: السابغ الريش.

[25] ديوان النابغة الذبياني، ص: 89.

[26] ابن سلام الجمحي، طبقات فحول الشعراء، تحقيق: محمود محمد شاكر، القاهرة: مطبعة المدني، ص: 198.

[27] أحمد صقر، شرح ديوان علقمة الفحل، تقديم: زكي مبارك، القاهرة: مطبعة المحمودية، الطبعة 1، 1935،ص: 67.

[28] ديوان بشار بن برد، جمع وتحقيق وشرح: محمد الطاهر بن عاشور، الجزائر: وزارة الثقافة، 2007، ص: 228.

[29] الثعالبي، التمثيل والمحاضرة، تحقيق: عبد الفتاح محمد الحلو، الدار العربية للكتاب، الطبعة 2، 1983، ص:369.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 27.01 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 26.38 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.32%)]