عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 05-12-2022, 03:41 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,002
الدولة : Egypt
افتراضي رد: التناص عربيا وغربيا

التناص عربيا وغربيا


بوطاهر بوسدر




ثانيا: التناص عند الغربيين


إن كلمة التناص Intertextualité في اللغات الأروبية كالفرنسية مثلا، تتكون من جزأين، الجزء الأول هو السابقة inter والتي تدل على التبادل، والجزء الثاني هو textaulité الدال على النصية أو النص، مما يعني أن المصطلح يدل على التبادل النصي أو تبادل النصوص.

أما في الاصطلاح، فتعود الإرهاصات الأولى لمفهوم التناص في الغرب للدراسات المقارنة في الأدب، والتي تناولت علاقة التأثير والتأثر بين النصوص في الثقافات المختلفة. وقد كانت بعض إشارات النقاد تدل على بداية الوعي بالمفهوم كقول شكلوفسكي Chklovski مشيرا إلى الظاهرة:"كلما سلطت الضوء على حقبة ما، ازددت اقتناعاً بأن الصور التي نعتبرها من ابتكار شاعر إنما استعارها من شعراء آخرين"[27]. وكان بعض الشكلانيين غير شكلوفسكي كجاكوبسون Jakobson، وإيخانباوم Eikhenbaum، قد" أشاروا إلى ما يمكن أن يكون من تفاعل بين النصوص. إلا أن ذلك لا يعدو أن يكون استدراكا لم يولوه الأهمية التي يستحقها."[28].

لقد دخل المفهوم إلى النقد مع ميخائيل باختين الذي أطلق عليه مصطلح" الحوارية" أو تعددية الأصوات، وقد طورت كريستيفا المصطلح إلى التناص سنة 1969. وبدأ الاهتمام بالتناص كآلية وأداة للمقاربة والتحليل يتزايد، ففي سنة 1976 أصدرت مجلة البويطيقيا عددا خاصا عن التناص، وأقيمت ندوة عالمية عنه بإشراف ريفاتير في جامعة كولمبيا بالولايات المتحدة، وتبنت مصطلح التناص بعد ذلك أغلب الاتجاهات النقدية.

أما فيما يخص تعريف التناص فهو تلك العلاقات التي تربط نصا بنصوص أخرى، سواء ربطا مباشرا أو ضمنيا، بوعي أو بغير وعي. ويرى ليتش Leitch أن "النصّ ليس ذاتاً مستقلة، أو مادة موحدة، ولكنه سلسلة من العلاقات مع نصوص أخرى… إن شجرة نسب النصّ شبكة غير تامة من المقتطفات المستعارة شعورياً أو لا شعورياً"[29].

ونجد اللساني ميشال أريفي يتبنى مفهوم التناص، ويعرفه بأنه تداخل النصوص في نص معطى "وفي نقده (التناصّي) يرى آريفي أنه يمكن لنصّ ما أن يحمل في مضمونه نصّاً آخر، ويثبت أن أعمال (جاري) الثلاثة: (القيصر والدجال)، و(آبو ملكا)، و( آبو مقيّداً) تشكل تناصّاً واحداً"[30].

أما الناقد الشهير رولان بارت فيؤكد أن" كل نص تناص، والنصوص الأخرى تتراءى فيه بمستويات متفاوتة، وبأشكال ليست عصية على الفهم بطريقة أو أخرى، إذ نتعرف نصوص الثقافة السالفة والحالية، فكل نص ليس إلا نسيجا جديدا من استشهادات سابقة"[31]، ونسيج من "الاقتباسات تنحدر من منابع ثقافية متعددة"[32]. ويرى بارت أن "التناصّية هي قدر كل نصّ، مهما كان جنسه. ولا تقتصر على التأثر فحسب."[33] وقد عبر عن تناصية كل نص بقوله إن"النص هو جيولوجيا كتابات"[34]، فهو إنتاج متراكم من النصوص يشارك فيه الكاتب و القارئ ويشكل شبكة متفرعة من التناصات.

وتناول امبرتو ايكو التناص من وجهة نظر تركز على القارئ ففي كتابه "دور القارئ" وضح أن "القارئ يتحمل العبء الأكبر في فك رموز النص، واستحضار تناصاته الغائبة، أو استنباط شيفرات تناصاته الحاضرة، ليصبح النص خليطا من نصوص، وتناصات كثيرة"[35]. وهذا ما سماه إمبيرتو إيكو بالمشي الاستنباطي، أو المشي خارج النص. وفي نفس الاتجاه نجد مقاربة ريفاتير للتناص حيث جعله آلية خاصة للقراءة الأدبية، وعرفه بأنه " إدراك القارئ للعلاقة بين نص ونصوص أخرى قد تسبقه أو تعاصره"[36].

وعموما لقد ساهم عدد كبير من الباحثين والنقاد في نشر مفهوم التناص لكن الفضل يعود لثلاثة باحثين في نشأة وتطوير المفهوم وهم باختين وكريستيفا وجيرار جينيت:
1- درس باختين أعمال دوستويفسكي Dostoïvski [37] وفرانسوا رابلي François Rabelais، وتوصل إلى وجود أصداء، وأصوات لنصوص أخرى من التاريخ، والفلكور، والأدب الشعبي وهذا ما سماه الحوارية Dialogisme بين النصوص. وقد حاول باختين أن يضع يده على تلك الأصوات الأولى التي ساهمت في تكوين الرواية من خلاله مؤلفاته ككتاب "شعرية دوستويفسكي" 1963 و كتاب " فرانسوا رابلي والثقافة الشعبية" 1965. والحوارية عند باختين لها في الرواية ثلاثة مظاهر، أهمها التهجين (L' hybridation) وهو" مزج لغتين اجتماعيتين داخل ملفوظ واحد، وهو أيضًا التقاء وعيين لسانيين مفصولين بحقبة زمنية، وبفارق اجتماعي، أو بهما معا، داخل ساحة ذلك الملفوظ"[38]، ويمكن التمثيل للتهجين كما يراه باختين بتداخل اللغة العربية والعامية في الإبداع الأدبي أو اللغة الفصحى الفصيحة والأقل فصاحة .

وإلى جانب مصطلح الحوارية وضع باختين مصطلح تعددية الأصوات Polyphonie حيث وجد أن روايات دستويفسكي تتميز بهذه التعددية فهو يقول:" إن كثرة الأصوات وأنواع الوعي المستقلة وغير الممتزجة ببعضها وتعددية الأصوات polyphone... كل ذلك يعتبر بحق الخاصية الأساسية في روايات دوستويفسكي Dostoïevski"[39].

ورغم أن مصطلحات باختين لم تشرح ولم تفسر كما يجب، ولم تدعم بالأمثلة الكافية، إلا أن تزفيتان تودوروف Tzvetan Todorov وضح آراءه حول الحوارية في كتاب "ميخائل باختين، المبدأ الحواري". وقد ساهمت آراء باختين في فتح الطريق لظهور مصطلح التناص مع جوليا كريستيفا.

2- جوليا كريستيفيا: تعد جوليا من أهم النقاد خدمة للنص والتناص وعلم النص بصفة عامة، وقد ظهر مصطلح التّناصّ Intertextualité للمرة الأولى على يدها عام 1966 في مجلة (تل كل) TEL QUEL الفرنسية، مستفيدة من مفهومي الحوارية، وتعددية الأصوات اللذين جاء بهما باختين، وطورتهما منفتحة على منطلقات فكرية متعددة. وهي ترى أن "كل نصّ هو عبارة عن فسيفساء من الاقتباسات، وكل نصّ هو تشرّب وتحويل لنصوص أخرى"[40].

لقد تحدثت جوليا كريستيفا عن التناص في كتاب "نظرية الجماعة"[41]، ثم تطرقت للمفهوم في كتاب "سيميوطيقا: أبحاث من أجل تحليل دلائلي" الذي نشر 1969، وهو سلسلة من المقالات كتبتها بين سنتي 1966-1969. وقد طبقت نظريتها حول التناص من خلال كتابها نص الرواية Le texte du roman حيث درست وفق تصوراتها ومفاهيمها النصية و التناصية رواية (جيهان دوسانتري Jéhan de Saintré) للكاتب الفرنسي أنطوان دولا سال Antoine De la Sale. وقد وجدت في دراستها لهذه الرواية عدة أشكال للتناص[42] يمكن جمعها في شكلين:
تناص شكلي: يتجلى في حضور شكل الرواية وتصميم الرواية بحسب الأبواب والفصول.

تناص مضموني: يتجلى في حضور نصوص من بيئات مختلفة، وأنواع متعددة كالشعر الغزلي، و النص الشفوي للمدينة، و خطاب الكرنفال.

وأصبح التناص بعد كريستيفا مفهوما حاضرا في كثير من الاتجاهات والتيارات النقدية المعاصرة وفي كثير من المجالات و الفروع المعرفية.

3- جيرار جينيت: بدأ الناقد الفرنسي جيرار جينيت يبحث في الشعرية، وموضوعها، فأكد في كتابه مدخل إلى النص الجامع سنة 1979 إلى أن موضوع الشعرية هو النص الجامع أو جامع النص. يقول جيرار جنيت في هذا الصدد:" ليس النص هو موضوع الشعرية، بل جامع النص أي مجموع الخصائص العامة أو المتعالية التي ينتمي إليها كل نص على حدة. ونذكر من هذا الأنواع: أصناف الخطابات وصيغ التعبير والأجناس الأدبية"[43]. لكن جينيت ما لبث أن عدّل من رأيه هذا في كتابه أطراس 1983، حيث أصبح موضوع الشعرية هو النصية المتعالية أو المتعاليات النصية يقول بهذا الصدد:" لا يهمني النص حاليا إلا من حيث تعاليه النصي، أي أن أعرف كل ما يجعله في علاقة خفية أو جلية مع غيره من النصوص، وهذا ما أطلق عليه التعالي النصي وأضمنه التداخل النصي (التناص)"[44]، ثم يقول متحدثا عن التناص "وأقصد بالتداخل النصي (التناص) التواجد اللغوي سواء أكان نسبيا، أم كاملا، أم ناقصا لنص في نص آخر، ويعتبر الاستشهاد أي الإيراد الواضح لنص مقدم ومحدد في آن واحد بين هلالين مزدوجين أوضح مثال على هذا النوع من الوظائف"[45]. وهكذا يظهر أن جينت ضيّق مفهوم التناص وحصره في ثلاث صور هي الاستشهاد (Citation) و السرقة (Plagiat)، والتلميح.(Allusion) إلا أنه في الوقت نفسه توسع من خلاله وأدخل أشكالا أخرى من التعالق أو التداخل النصي اصطلح عليها المتعاليات النصية، وتمكن من خلالها من "تطوير نظرية التناص و توسيع أنماطها بتمييز بعضها عن بعض، وإبراز نقط تقاطعها وتداخلها"[46].


[1] الزبيدي، تاج العروس، ج 18، ص 182.

[2] أحمد مختار عمر، معجم اللغة العربية المعاصرة، مج3، ص 2224.

[3] نشوان بن سعيد الحميرى، شمس العلوم ودواء كلام العرب من الكلوم، تح جماعي: حسين العمري - مطهر الإرياني - يوسف عبد الله، دار الفكر المعاصر (بيروت - لبنان)، دار الفكر (دمشق - سورية) ط1، - 1999 م، ج10، ص 6627.

[4] ينسب هذا البيت كذلك إلى كعب بن زهير .

[5] شوقي ضيف، تاريخ الأدب العربي: العصر الجاهلي، دار المعارف، دط، دت، 226.

[6] أبو هلال العسكري، الصناعتين، تح:علي البجاوي ومحمد أبو الفضل إبراهيم، المكتبة العصرية - بيروت، 1419 هـ، ص217.

[7] أبو علي الحاتمي، حلية المحاضرة، 28/2، عن عبد القادر بقشي، التناص في الخطاب النقدي والبلاغي، ص16.

[8] عبد الملك مرتاض، الموقف الأدبي،ع 330، ص17.عن محمد حسين، التناص في رأي ابن خلدون، فكر ونقد، ع32، أكتوبر 2000.

[9] محمد عزام، النص الغائب، ص 41.

[10] عبد الرحمن حَبَنَّكَة الميداني، البلاغة العربية، دار القلم، دمشق، الدار الشامية، بيروت، ط1، 1996، ج2، ص 537.

[11] ابن حجة الحموي، تقي الدين أبو بكر بن علي بن عبد الله الحموي الأزراري (المتوفى: 837هـ)، خزانة الأدب وغاية الأرب، تح: عصام شقيو، دار ومكتبة الهلال-بيروت، دار البحار-بيروت، الطبعة الأخيرة 2004م، ج2، ص455.

[12] أحمد بن علي القلقشندي (ت: 821هـ)، صبح الأعشى في صناعة الإنشاء، دار الكتب العلمية، بيروت، دط، دت، ج1، ص 237.

[13] المرجع نفسه، ج1، ص234.

[14] شهاب الدين النويري (المتوفى: 733هـ)، نهاية الأرب في فنون الأدب، دار الكتب والوثائق القومية، القاهرة، الطبعة: الأولى، 1423 هـ، ج 7، ص 126.

[15] مجدي وهبة و كامل المهندس، معجم المصطلحات العربية في اللغة والأدب، مكتبة لبنان، ط2، 1984، ص 108.

[16] أسامة بن منقذ (المتوفى: 584هـ)، البديع في نقد الشعر، تحقيق: الدكتور أحمد أحمد بدوي، الدكتور حامد عبد المجيد، مراجعة: الأستاذ إبراهيم مصطفى، الجمهورية العربية المتحدة - وزارة الثقافة والإرشاد القومي - ص249.

[17] بهاء الدين السبكي (المتوفى: 773 هـ)، عروس الأفراح في شرح تلخيص المفتاح، تح: الدكتور عبد الحميد هنداوي، المكتبة العصرية للطباعة والنشر، بيروت - لبنان، الطبعة: الأولى، 1423 هـ - 2003 م، ج2، ص 338.

[18] عبد المتعال الصعيدي، بغية الإيضاح لتلخيص المفتاح في علوم البلاغة، مكتبة الآداب، الطبعة: السابعة عشر: 1426هـ-2005م، ج4، ص 702.

[19] أسامة بن منقذ، البديع في نقد الشعر، ص217.

[20] ينظر: محمد بنيس، ظاهرة الشعر المعاصر في المغرب، مقاربة بنيوية تكوينية، دار العودة، لبنان، ط1، 1979، ص253.

[21]محمد مفتاح، التشابه والاختلاف نحو منهجية شمولية، ص44.

[22] محمد مفتاح، تحليل الخطاب الشعري: استراتيجية التناص، ص 125.

[23]سعيد يقطين: انفتاح النص الروائي: النص والسياق، ص92.

[24] المرجع نفسه، ص 100.

[25] أحمد الزعبي، التناص نظريا وتطبيقيا، مؤسسة عمون للنشر والتوزيع، ط2، 2000، ص17.

[26] نقلا عن عبد الستار جبر الاسدي، ماهية التناص: قراءة في إشكاليته النقدية، مجلة فكر ونقد، ع28، أبريل، 2000.

[27] نقلا عن: محمد عزام، النص الغائب، ص 38.

[28] المختار حسني، ترجمة الفصل1 من كتاب جيرار جينيت: أطراس: الأدب من الدرجة الثانية، فكر ونقد، ع 16، فبراير 1999.

[29] نقلا عن: محمد عزام، النص الغائب، ص 29.

[30] نقلا عن المرجع نفسه، ص35.

[31]نقلا عن: محمد خير البقاعي، آفاق التناصية المفهوم و المنظور، ص 42.

[32] رولان بارت، لذة النص، تر، فؤاد صفا، الحسين سحبان، دار توبقال للنشر، ط2، 2001، ص33.

[33] نقلا عن: محمد عزام، النص الغائب، ص 32.

[34] نقلا عن: أحمد الزعبي، التناص نظريا وتطبيقيا، ص 13.

[35] نقلا عن المرجع نفسه، ص 16.

[36] نقلا عن: عبد القادر بقشي، التناص في الخطاب النقدي والبلاغي، ص 20.

[37] أديب روسي شهير كان له دور مهم في الحركة الثقافية والفكرية الروسية من أعماله الجريمة والعقاب وبيت الموتى.

[38]باختين ميخائيل: المتكلم في الرواية، تر: محمد برادة، مجلة فصول، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، مصر، 1985، مج 5، ع 30، ص 114، نقلا عن نعيمة فرطاس، نظرية التناصية والنقد الجديد (جوليا كريستيفا أنموذجاً)، مجلة الموقف الأدبي، اتحاد الكتاب العرب بدمشق - العدد 434، يونيو، 2007.

[39]باختين ميخائيل، شعرية دستويفسكي، تر: جميل نصيف التكريتي، دار توبقال للنشر، ط1، 1986، ص 10.

[40] نقلا عن: محمد عزام، النص الغائب، ص30.

[41] المقصودة بالجماعة جماعة تل كل. والكتاب مشترك شارك فيه فوكو وبارت ودريدا سولرز وجوليا ونشر 1968.

[42] ب.م.دوبيازي Pierre Marc de Biazi: "نظرية التناص"، تر: المختار حسني، فكر ونقد .العدد 28، أبريل 2000.

[43] جيرار جينيت، مدخل لجامع النص، ترجمة عبد الرحمان أيوب، دار الشؤون الثقافية العامة، بغداد، دت، ص1.

[44] المرجع نفسه، ص 90.

[45] المرجع نفسه، ص ن.

[46] سعيد يقطين، الرواية والتراث السردي، من أجل وعي جديد بالتراث، المركز الثقافي العربي، ط1، 1992، ص23.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 34.12 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 33.50 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.84%)]