عرض مشاركة واحدة
  #8  
قديم 05-12-2022, 03:30 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 136,204
الدولة : Egypt
افتراضي رد: السمات الفنية في شعر النابغة الجعدي

وإذا طالبهم أعداؤهم أن يردوا الروح فيمن قتلوهم منهم أخذ الأمر بجد، وكان جوابه ببساطة: إننا لا نستطيع أن نحيي من مات، ولكننا نستطيع أن نميت من كان حيًّا:
وقالوا لنا: أحيوا لنا من قتلتمُ
لقد جئتمُ إدًّا من الأمر منكرا

ولسنا نَرُدُّ الروحَ في جسم ميتٍ
وكنَّا نَسُلُّ الروحَ ممَّن تبشرا[83]


••••
وهو يأخذ الحياة كما هي، ويعرف أنه متى مات فسوف يشمت به قوم، ويترحم ويثني عليه قوم آخرون، ولا يجد أية غضاضة في أن يصرح بذلك في شعره:
كم شَامتٍ لي إن هلكـ ♦♦♦ ـت وقائل: لله درُّهْ[84]
••••
وهو لا يبالي أن يقول بمنتهى البساطة لزوجته التي كرهت أن يخرجَ للجهاد ويتركها والأولاد وحدهم، أن تتخذ لها زوجًا من بعده إن لم يقدَّر له أن يعود من الميدان:
فإن رجعتُ فربُّ الناس يُرجعني ♦♦♦ وإن لحقت بربي فابتغي بدلا[85]
••••


ومثله هذا التشبيه الذي يصور به من يترك من اعتدى عليه، ويحاول الانتقام من غيره:
أتترك معشرًا قتلوا هذيلًا ♦♦♦ وتوعدني بقتلي من جذام
••••
كذي داءٍ بإحدى خِصْيَتِيْهِ
وأخرى ما تشكَّى من سقام

ألحَّ على الصحيحة فانتحَاها
بسكينٍ له ذكر هُذام

فَضَمَّ ثيابَه من غير بُرءٍ
على شعراء تنفض بالبهام[86]


••••


وحين يُكثر خيال زوجته التي كان قد طلقها من زيارته في المنام، وكان لا يزال يحبها فيما يبدو، لا يتورع عن أن يقذف بما في صدره من حمم الغضب شاتمًا لاعنًا متهكمًا بألفاظ اللغة اليومية وعباراتها وعفويتها:
ما لي وما لابنةِ المجنون تطرقني
بالليل؟ إنَّ نهاري منك يكفيني

وشرُّ خشوِ خباءٍ أنت مولِجُه
مجنونةٌ هُنَبَاءٌ بنت مجنون

تستخبثُ الوَطْبَ لم تَنْقُضْ مريرتَه
وتقضمُ الحبَّ صرفًا غير مطحون[87]


••••
والطريف أن النابغة قد فعل عند ابن الزبير ما تهكَّم به على زوجته، إذ يحكون (كما مر بنا) أنه أخذ يأكل الحَبَّ صحيحًا بعد أن وسقَ له ابن الزبير منه أحمالًا، وذلك من جوعه.
هذا، وقد وجدت في شعر النابغة أشياء تشبه أو تقارب ما في شعر ابن أبي سلمى:
عَفَتْ بعد حيٍّ من سُلَيْمٍ وعامرِ ♦♦♦ تفانوا ودقوا بينهم عطرَ مَنْشِم[88]
••••
تبصَّرْ خليلي، هل ترى من ظعائنٍ
رحلْنَ بنصفِ الليل من بطن مُنعم

وأصبحن كالدَّوْمِ النواعمِ غُدوةً
على وجهةٍ من طاعنٍ يتوسَّم[89]


••••
أكنِّي بغير اسمها وقد علم اللـ ♦♦♦ ـه خفيَّات كل مكتتم[90]
••••


وأخيرًا نختمُ هذا الفصل ببعض الملاحظات اللغوية:
إن كلمة "أكثر" في البيت التالي، وهي خبر لمبتدأ، قد نصبت تجنبًا للإقواء، وحقُّها الرفع:
كذاك لَعَمري الدهر يومان، فاعرفوا ♦♦♦ شرورٌ وخيرٌ، لا بل الشرُّ أكثرا[91]
••••
والفعل "يجعل" في البيت التالي جاء بعد "لن" الناصبة، ومع ذلك جُزِم:
إذا افتخر الأزديُّ يومًا فقل له: ♦♦♦ تأخَّرْ فلن يجعلْ لك الله مفخرا[92]
••••
واستُعملت "التقوى" في البيت التالي مذكرة:
أقيم على التقوى وأرضى بفعله ♦♦♦ وكنتُ من النار المخوفة أَوْجَرا[93]
••••
والمشهور استعمالُها مؤنثة، ومن النصوص التي وجدتها فيها أيضًا مذكرة أول خطبة خطبها الرسول عليه السلام بالمدينة وقال فيها: ((إن تقوى الله لمن عمل به على وَجَلٍ ومخافةٍ من ربِّه عونُ صدقٍ على ما تبغون من أمر الآخرة... وإن تقوى الله يوقي مقتَه ويوقي عقوبتَه ويوقي سخطَه، وإن تقوى الله يبيض الوجوهَ ويرضي الربَّ ويرفع الدرجة))[94].
يتبع




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.


التعديل الأخير تم بواسطة ابوالوليد المسلم ; 11-12-2022 الساعة 10:27 AM.
رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 27.90 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 27.24 كيلو بايت... تم توفير 0.66 كيلو بايت...بمعدل (2.36%)]