عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 27-11-2022, 11:17 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,716
الدولة : Egypt
افتراضي الشاعر النابغة الجعدي

الشاعر النابغة الجعدي



د. إبراهيم عوض




وصف يونس النَّابغة الجَعْدي بأنه "أفصح العرب"، وأنه "أوصف الناس لفرس"[1].


وعن أبي عمرو بن العلاء: "سئل الفرزدق عن الجَعْدي، فقال: صاحب خُلقان: يكون عنده مُطرف بألف، وخمار بواف[2]، قال الأصمعي: وصدق الفرزدق، بينا النَّابغة في كلام أسهل من الزلازل وأشد من الصخر إذ لان فذهب، ثم أنشدنا له:
سمَا لك همٌّ ولم تطرَبِ
وبِتَّ ببثٍّ ولم تنصَبِ

وقالَتْ سُلَيْمى: أرى رأسَه
كناصيةِ الفرَسِ الأشهَبِ

وذلك مِن وقَعاتِ المَنونِ
ففيئي إليك ولا تعجَبي

أتَيْنَ على إخوتي سبعة
وعُدْن على ربعِيَ الأقرَبِ


وبعده أبيات، ثم يقول بعدها:
فأدخَلك اللهُ بَرْدَ الجِنا ♦♦♦ نِ جَذْلانَ في مدخلٍ طيِّبِ


قال الأصمعي: وطريق الشعر إذا أدخلته في باب الخير لان، ألا ترى أن حسان بن ثابت كان علا في الجاهلية والإسلام، فلما دخل شعره في باب الخير من مراثي رسول الله صلى الله عليه وسلم وحمزة وجعفر رضوان الله عليهم وغيرهم لان شعرُه، وطريق الشعر هي طريق الفحول، مثل امرئ القيس وزهير والنَّابغة، من صفات الديار والرَّحل والهجاء والمديح والتشبيب بالنساء وصفة الخمر والخيل والافتخار، فإذا أدخلته في باب الخير لان"[3].


وقال الأصمعي أيضًا في نفس هذا المعنى الأخير: "الشِّعر نكد بابه الشر، فإذا دخل في الخير ضعف، هذا حسان بن ثابت فحل من فحول الجاهلية، فلما جاء الإسلام سقط شعره، وقال مرة أخرى: شعر حسان في الجاهلية من أجود الشعر، فقطع متنه في الإسلام لحال النبي صلى الله عليه وسلم"[4].


وكان الأصمعي يحكم على النَّابغة بقلة التكلف، ويمدحه لهذا السبب[5].


وعن الأصمعي أيضًا: أنه قد أُفحِم ثلاثين سنة بعد قوله الشعر، ثم نبغ فقال الشعر مرة أخرى، وأن شعره الأول قبل الإفحام جيد، أما الآخر فكأنه مسروق وليس بجيد[6].
ووضعه أبو زيد القرشي على رأس أصحاب المشويات[7].


كما أورد ابن قتيبة له شيئين سبق إليهما وأخذهما عنه غيره؛ إذ قال في وصف الفرس:
كأن مقطَّ شراسيفِه
إلى طرف النَّقبِ فالمنقَبِ

لُطِمْنَ بتُرْسٍ شديدِ الصِّقا
ل مِن خشَبِ الجَوْز لم يُثْقَبِ


فأخذه ابن مقبل فقال:
كأن ما بين جنبيه ومنقبه
مِن جوزه ومناط القُنب ملطومُ

بتُرْس أعجمَ لم تنخر مناقبه
مما تخير في آطامها الرومُ


وقال النَّابغة:
أرأيت إن بكرت بليل هامتي
وخرجت منها باليًا أوصالي

هل تخمِشَنْ إبلي عليَّ وجوهها
أو تضربن نحورَها بمآلي


فأخذه شاعر وقال:
أرأيت إن بكرت بليل هامتي ♦♦♦ وخرجت منها باليًا أثوابي[8]
وأضاف أبو الفرج عن الأخفش أن النَّابغة هو أول من سبق إلى الكناية عن اسم من يعني بغيره، فإنه قال:
أكنى بغير اسمها وقد علم الـ ♦♦♦ ـله خفيات كل مكتتم


وأن الشعراء اتبعوه فيه، ومنهم أبو نواس حيث يقول:
أسأل القادمين من حكمان
كيف خلَّفتمُ أبا عثمان؟

ما لهم لا يبارك الله فيهم؟
كيف لم يغنِ عنهمُ كتماني؟[9]




وجعله ابن سلام على رأس الطبقة الثالثة من فحول الجاهلية، ووصفه بأنه كان "شاعرًا مفلقًا"، ثم عاد فقال: إنه كان "مختلف الشر مغلَّبًا"، ثم ساق رأي الفرزدق السابق ذكره، ولكن بصيغة مختلفة بعض الشيء قائلًا: "كان الأصمعي يمدحه بهذا، وينسبه إلى قلة التكلف"، كما ذكر أن ليلى الأخيلية وأوس بن مغراء القُريعي وعقال بن خالد العُقيلي قد غُلبوا عليه: الأولان بالشعر، رغم أن أوسًا أقل شاعرية منه، والثالث بكلام عادي؛ إذ كان مفحمًا لا يقول الشعر[10].


وجاء في "الأغاني" أيضًا عن عمر بن شبة أنه كان "شاعرًا متقدمًا، وكان مغلبًا، ما هاجى قط إلا غُلب: هاجى أوس بن مغراء وليلى الأخيلية وكعب بن جثعيل فغلبوه جميعًا"[11].


وقد أورد المرزباني بعض المآخذ التي عِيبت على شعر النَّابغة، فإلى جانب الملاحظة السابقة التي أبداها الرشيد حول قوله عن أخيه: إنه "إذا لم يرح للمجد أصبح غاديا" وأنه كان المفروض أن يقول بدلًا من ذلك: "إذا راح للمعروف أصبح غاديا"، مما وافقه عليه الأصمعي قائلًا: "أنت والله يا أمير المؤمنين في هذا أعلمُ منه بالشعر" - هناك ما أنكره آخرون على الشاعر من قوله:
وشمول قهوة باكرتُها ♦♦♦ في التباشير من الصُّبح الأُوَل


إذ إنه أراد "مع التباشير الأُوَل من الصبح، فقدَّم وأخَّر"، وكذلك قوله يصف انصراف امرأة عنه:
وما رابها مِن ريبةٍ غير أنها ♦♦♦ رأت لِمَّتي شابت وشاب لِدَاتيا


فقد قالوا مستنكرين: "فأي ريبة أعظم من أن قد رأته شابَ؟!"[12].


وفي "المصون في الأدب"، في أثناء الكلام عن أمدح بيت قالته العرب، سيق رأي يقول: إنه بيت النَّابغة في رثاء أخيه:
فتًى تم فيه ما يسُرُّ صديقَه ♦♦♦ على أن فيه ما يسوءُ الأعاديَا[13]
ولكن دون أن تساق حيثيات هذا الحكم.


وقد صنفه جرجي زيدان ضمن طائفة الشعراء الذين اشتهروا بوصف الخيل دون سواها، كما يقول، وهم النَّابغة نفسه وأبو داود الإيادي وطفيل الغنوي[14].


وقال أحمد السكندري ومصطفى عناني: إن النَّابغة لم يكن يُشق له غبار في وصف الخيل، وإنه كان مطبوعًا في الجاهلية والإسلام، وقارنا بينه وبين زهير ومدرسته من المحككين فقالا: إنه لم يكن ينتحي طريقتهم في المبالغة "في تهذيب الألفاظ وتنقيح المعاني، بل كان يُلقي القول على عواهنه، وكما تَهديه إليه بديهته، فتارة يأتي جيدًا متينًا، وتارة يجيء ضعيفًا رديئًا، وأحيانًا يسلك بين ذلك سبيلًا"، ثم قالا: "ومع ذلك كله كان مغلَّبًا، ما هاجى أحدًا إلا غلبه"[15].


وقد أشار أيضًا إلى تقدمه في وصف الخيل السيد أحمد الهاشمي، الذي ذكر قول الأصمعي: إن هناك "ثلاثة يصفون الخيل لا يلحقهم أحد: طفيل الغنوي وأبو داود الإيادي والنَّابغة الجَعْدي"، كما وصفه بأنه كان "شاعرًا مطبوعًا في الجاهلية والإسلام"[16].


ويصف د. شوقي ضيف أكثر من قصيدة له بأنها "رائعة"[17]، كما مر بنا وصفه لميميته المختلف حول نسبتها بأنها "موعظة بليغة"[18]، كذلك ذكر الأستاذ الدكتور ما قيل عن غلبة عدد من الشعراء للنابغة رغم أنهم لم يكونوا على مستواه في موهبة الشعر، وإن كان قد جوز أن يكون سبب ذلك "تعمق الإسلام في نفسه...؛ إذ كان يتحرج من المضي في الهجاء المقذع"[19]، وعلى طول الفصل الذي خصصه له نراه يعمل على إبراز أثر الإسلام في شعره.


والنَّابغة، عند د. عمر فروخ، هو "شاعر مخضرم مطبوع، يجري شعره على السليقة، ولا يتكلَّف صنعة، إلا أن شعره شديد التفاوت: منه الجيد البارع، ومنه الرديء الساقط... وكان مِن أوصف الناس للفرس... وفي شعره شيء من الإقذاع... وتكثر في شعره الألفاظ الإسلامية"[20].


وفي "أدب صدر الإسلام" للدكتور محمد خضر نقرأ أنه كان "يقول الشعر عفو الخاطر، ولا يُعنى بتهذيبه وتزيينه، فكان منه الجيد والرديء؛ ولذا كان من الشعراء المغلَّبين... وكان سمحًا يعترف بالهزيمة، ولا يضمر في نفسه شرًّا ولا حقدًا"[21].


ويشير حنا الفاخوري إلى شهرة النَّابغة بوصف الخيل، ويقول: إنه كان "شاعرًا مطبوعًا، يرسل كلامه إرسالًا من غير تأنٍّ ولا تنقيح؛ ولهذا حوى شعره الجيد والردي، ويمتاز كلامه عمومًا بالموسيقا العذبةِ والسلاسة والانسجام"[22].


ويوجز د. خليل إبراهيم أبو ذياب، في نهاية دراسته المفصلة لحياة النَّابغة وشعره، رأيه في هذا الشعر قائلًا: إننا "إذا رجعنا إلى ما بين أيدينا من شعر الجَعْدي فإننا نستطيع أن نتلمس آثار الجمال، ونتحسس مظاهر الإبداع والجزالة والرصانة والفحولة تشيع في قصائده بكل وضوح، حتى إنها تشكل السمةَ الغالبة عليها"[23].

يتبع






__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 28.48 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 27.86 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.20%)]