عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 27-11-2022, 11:12 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,755
الدولة : Egypt
افتراضي رد: من سمات الشعر الأندلسي



يقول الدكتور جلال حجازي:
"ظلَّت لغة الأندلسيين الشعرية بعيدة عن الدخيل من الألفاظ الإسبانية، نائية عن العجمة الأجنبية، اللهم إلا في آخر أيامها، حين زال سلطان العرب، وآذنت شمس الإسلام، أن تغيب عن هذه الربوع، أما في المشرق فقد غشيت لغته الشعرية غاشية الألفاظ الدخيلة، التي لم يسلم منها كبار الشعراء"[22]. ولعل وقوع هذا من الشعراء كان تظرُّفًا، جاء على سبيل الخطرة والتفكُّه.

يقول ابن رشيق: "... إلا أن يريد الشاعر أن يتظرف، باستعمال لفظ أعجمي في الندرة، وعلى سبيل الخطرة، كما فعل الأعشى قديمًا، وأبو نواس حديثًا، فلا بأس بذلك، والفلسفة وجرُّ الأخبار باب آخر غير الشعر، فإن وقع فيه شيء منهما فبقُدره، ولا يجب أن يُجعلا نصب العين، فيكونا متكأً واستراحة، وإنما الشعر ما أطرب، وهزَّ النفوس، وحرَّك الطباع، فهذا هو باب الشعر، الذي وُضع له، وبني عليه، لا ما سِواه"[23].

وكأنه يريد أن يقول: إن استخدام الألفاظ الأعجمية، والأساليب الفلسفية كثيرًا، لا يُطرب، ولا يهز النفوس، ولا يحرك الطباع، عندئذ يخرج الحديث عن حد الشعر ولا يصبح شعرًا، وإنما هو أقرب إلى النظم.

خدمة الألفاظ للأفكار والمعاني، إيجازًا، ومساواةً، وإطنابًا، حاك الشعراء الأندلسيون في هذا الفن خاصة ألفاظًا لمعاني وأفكار أرادوا لها الصيت الذائع، والانتشار الواسع، وكل في موضعه حسَن ومقبول، ولكنهم - نظرًا لطبيعة الصورة - كثيرًا ما كانوا يُطنبون إطنابًا غير ممل شرحًا لحالهم، أو تنفيسًا عما اعتمل بنفوسهم.

ومن هؤلاء الغزال في تصوير حاله، مِن كبر ووهن، أو توبيخ لقرنه اللاهي، ومن هؤلاء – كذلك، وهم كثر - الأعمى التطيلي، بخاصة عندما قام في وجه الغانيات اللائي سخِرْن منه، وتندَّرن به، معدِّدًا مزايا شيبه، فيقول[24]: [من الطويل]:
عِتَابٌ عَلَى الدُّنيا وَقَلَّ عِتَابُ ♦♦♦ رَضِينا بِما ترضى ونَحْنُ غِضَابُ


إلى أن يقول:
ونَغْتَنِمُ الأيَّامَ وَهْيَ مصائبٌ
لَهُنَّ عليها جيئةٌ وذهابُ

بَكَتْ هِنْدُ من ضَحْكِ المشيب بمَفْرِقي
أَمَا علمتْ أن الشَّبابَ خِضَابُ

وقَالَتْ غُرَابٌ ما أرى وتجاهلتْ
وَلَيْس عَلَى وَجْهِ النَّهار نِقَابُ

هل الشَّيْبُ إلا الرُّشْدُ جَلَّ غَوَايتي
فأصبحتُ لاَ يَخْفَى عَلَيَّ صَوَابُ

وأَصْبحَ شَيْطَاني يَعُضُّ بَنَانَهُ
وَقَدْ لاَحَ دُوني لِلْقَتِيرِ شِهَابُ

... إلخ الأبيات.

يصوِّر الشاعر حقيقة الدنيا، لئلا نركن إليها، ونتجنَّبها، إذا إنها تحلَّت بالآمال، وتزيَّنت بالغرور، وداهمت بالرزايا، ومن أعظم زراياها المشيب، الذي نفر منه الغواني، وإن كان ذا فضل في الحِلم والوقار، فهو شهاب ثاقب، لشيطان المجون والتصابي، والبيت الأخير، من معنى قول الله - تعالى -: ﴿ أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴾ [الزمر: 22] [25].

يقول الأستاذ/ أحمد ضيف فيه - أي الأعمى التطيلي: "أما نظْمه ففي بعضِ قصائدِه كلام مِن الشعر الممتع، مع طول لا يمل، وآراء تدل على فكر جوَّال، وعقل ناضج، وكأنه حكيم يتكلم أو ينظم الحِكَم. وهو مع ذلك شاعر بليغ متقن، عالم بأساليب النظْم. والأسلوب الخطابي، الذي يجذب الأسماع والقلوب، ويملأها حكمة وعظة، وإعجابًا وجمالًا"[26].

ولعل من أسباب الطول تكرار ألفاظ بعينها، لدى الشاعر الواحد في قصيدة واحدة، أو في أكثر من قصيدة، تأكيدًا على وجهة نظر معينة، أو تأصيلًا لقضية، وتصويرًا لنتائجها. فمثلا يقول ابن خفاجة[27]: [من الكامل]:
وَمُطَهَّم شَرِقِ الأَديمِ كأنّما
أَلِفَتْ معاطفُهُ النجيعَ خِضابا

طَربٌ، إذا غَنَّى الحُسَامُ، مُمزِّقٌ
ثَوْبَ العجاجةِ جِيئةً وذِهَابا

قَدَحَتْ يَدُ الهيجاء مِنْهَ بارقًا
متلهِّبًا، يُزْجِي القَتَامَ سَحابا

ورمى الحِفَاظُ به شياطينَ العِدَى
فانفضَّ في ليل الغُبَارِ شِهَابا

بَسَّامُ ثغرِ الحَلِي، تَحْسِبُ أَنّهُ
كأس أثار بها المِزَاجُ حَبَابا



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 20.03 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 19.40 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (3.14%)]