شعر النابغة الجعدي وموضوعاته د. إبراهيم عوض ولعل أشجى شعر النَّابغة وأعلقه بالنفس هو الشعر الذي يسترجع فيه أيام شبابه حين كان يخلب الحسان بفتوته ونضارة عوده وسواد شعره الفينان، مقابلًا بينها وبين شيخوخته التي تساقطت أوراق غصونها وبقيت جرداء، وكذلك حين يرثي أخاه فيذهب يعدد مآثره في ولَهٍ وحسرة، أو حين تسأله سائلة عن السبب في قلة عديد قومه، فيجيبها بأن الدهر، الذي لا يبقي على شيء ولا يذر، قد أكلهم ضمن ما أكل. انظر إلى انكساره وتضعضعه أمام ملاحظة سُليمى عن ابيضاض شعره واضطراره، لكي يوضح لها السبب في ذلك، إلى أن يذكر فعل المنون في إخوته وأقاربه الذين خلفوه وراءهم وحيدًا كقرن الثور الأعضب، بما يهيجه كل ذلك من أحزان قديمة: وقالت سليمى: أرى رأسه كناصية الفرَس الأشهب وذلك من وقعات المنون ففيئي إليك ولا تعجبي أتينَ على إخوتي سبعة وعدن على ربعيَ الأقرب وسادة رهطيَ حتى بقي ت فردًا كصيصيَّةِ الأعضب وتعجبني انتقالته المفاجئة من سؤال سليمى إلى جوابه عليها؛ إذ لم يحاول أن يمهد لذلك الجواب بما يفيد أن كلامها قد انتهى وبدأ كلامه هو، ولعله أراد أن يوحي عن طريق النقلة القافزة بضيقه من هذه الملاحظة، فهو لم يصبر حتى تتم كلامها أو على الأقل لم يُعْنَ بالفصل بين كلامه وكلامها، شأن الذي لا يطيق أن يسمع ما يقال، فهوي بادر إلى الرد عليه من فوره. وهذا الضيق يتأكد من قوله بُعيد ذلك: "ففيئي إليك ولا تعجبي"؛ إذ يأمرها أن تثوب إلى عقلها فلا تنطق بمثل هذه الملاحظات المؤلمة المثيرة لقديم الأشجان من ركودها. ثم يعجبني كذلك تصويره لوقعات المنون بصورة الإنسان الذي يأخذ شيئًا ويذهب، ثم يعود ليأخذ ما تبقى، وذلك في قوله: أتين على إخوتي سبعة ♦♦♦ وعدن على ربعيَ الأقرب ولا شك أن تفصيله بتحديد عدد إخوته الذين أتت عليهم وقعات المنون بسبعة وإضافته إلى ذلك ربعه الأقرب هو مما يجسِّم مدى فداحة البلية، إن هذه التفصيلات لها دورها في جودة الشعر وقوته. وتنتهي الأبيات بهذه الصورة المؤثرة: صورته وقد غودر وحيدًا في الحياة وأصبح حاله كحال قرن الثور الأعضب، وتأثير هذه الصورة كامن أقوى ما يكون في كلمة "الأعضب"، التي توحي بأن وضع القرن الباقي هو وضع شاذ؛ إذ ينقصه عديله، بخلاف ما لو قلنا مثلًا: "كقرن وحيد القرن"، إن وجه الشبه هنا، كما هو هناك، التفردُّ، لكن شتان بين تفرد وتفرد: هذا تفرد طبيعي لا يثير وحشة ولا يوحي بفقدان، أما تفرد صيصية الأعضب فهو تفرد النقصان والتشويه والضعف والتضعضع. واقرأ كذلك هذه الأبيات، والضمير في الفعل "تذكّر" يعود إلى قلبه المذكور قبل ذلك: تذكَّر شيئًا قد مضى لسبيله ومِن حاجة المحزون أن يتذكرا نداماي عند المنذر بن محرِّق أرى اليوم منهم ظاهر الأرض مقفرا كهولًا وشبانًا كأن وجهوهم دنانير مما شيف في أرض قيصرا إذا ملِك من آل جفنة خاله وأعمامه آل امرئ القيس أزهرا يردُّ علينا كأسه وشواءه مناصفة والشرعبي المحبرا وراحًا عراقيًّا وريطًا يمانيًا ومعتبطًا من مسك دارين أذفرا
سُئل الإمام الداراني رحمه اللهما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟فبكى رحمه الله ثم قال :أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هوسبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.