عرض مشاركة واحدة
  #6  
قديم 27-11-2022, 09:50 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,565
الدولة : Egypt
افتراضي رد: حياة النابغة الجعدي وشخصيته

فجئنا إلى الموتِ الصُّهابيِّ بعدما
تجرَّد عريانٌ مِن الشرِّ أخدب

فلما قضيتم كلَّ وترٍ ودمنة
وأدرككم نصرٌ مِن الله معجب

وأدركتمُ ملكًا خلعتم عذارَنا
كما خلع الطرف الجواد المجرَّب

ومال الولاء بالبلاء فمِلْتمُ
علينا، وكان الحق أن تتقرَّبوا

ولا تأمنوا الدَّهرَ الخَؤُون فإنَّه
على كل حال بالورى يتقلب

وأعلمُ أن الخير ليس بدائمٍ
علينا وأن الشرَّ لا هو يرتبُ

وإن القصيدة التي ساقها صاحب "الأغاني" مع هذه القصيدة لدليل أيضًا على ما نقول؛ فهي تذكر أن معاوية قد ثاب إليه الرشاد ورجع عما كان أمر به في آل النَّابغة وماله، وسفَّه رأي مروان، الذي كان يصر على العقوبة انتقامًا من النَّابغة؛ لمؤازرته عليًّا كرم الله وجهه، قائلًا له: "ما أهون، والله، عليك أن ينجحر هذا في غار ثم يقطع عرضي عليَّ ثم تأخذه العرب فترويه! أما والله إن كنت لممن يرويه، اردد عليه كل شيء أخذته منه"[26].

ومِثل هذه الأبيات، عنفًا واستنكارًا، بيتاه التاليان، وقد قالهما أيضًا لمعاوية في نفس الموضوع، وألحقهما بالقصيدة السابقة لما رآها لم تأتِ بالنتيجة المطلوبة:
ألم تأتِ أهلَ المشرقينِ رسالتي؟
وأي نصيح لا يَبيتُ على عتب؟

ملكتم فكان الشرُّ آخرَ عهدِكم
لئن لم تدارككم حلومُ بني حرب


وليس في ديوان النَّابغة أي مديح لمعاوية أو لأحد من آل بيته، ولكن فيه مديحًا لابن الزبير، قاله فيه عندما أتاه يستغيثه لقومه مِن مجاعةٍ حلت بهم، قال:
حكَيْتَ لنا الصِّدِّيقَ لما ولِيتَنا
وعثمان والفاروق فارتاح مُعدِمُ

وسوَّيتَ بين الناس في الحقِّ فاستوَوْا
فعاد صباحًا حالكُ الليل مظلِمُ

أتاك أبو ليلى يجوب به الدُّجى
دجى الليل جوابُ الفلاة عثمثمُ

لتجبُرَ منه جانبًا ذعذَعَتْ به
صروفُ الليالي والزمان المصمِّمُ


ولكن الغريب أنه لم يذكر اسم علي مع الخلفاء الثلاثة الآخرين الذين جعلهم مثلًا أعلى يحتذيه ابن الزبير في سيرته مع رعيَّتِه، ولست أدري السبب في هذا؛ فقد كان الشاعرُ - كما عرفنا - مِن أنصاره الأوفياء، بل مِن الذين احتملوا الضُّرَّ في سبيل هذه النصرة بعد وفاته كرم الله وجهه، كما مر بنا، ولعل الفترة التي تولى فيها عليٌّ أمور الأمة بما امتلأت به من الفتن والقلاقل والحروب في كل الجبهات لم تترك له الفرصة ليُظهر عدله ورحمته بالرعية، ومن ثم فلم يخطر على بال النَّابغة أن يذكره في هذه النقطة مع رفاقه الثلاثة الآخرين، رضي الله عن الجميع، أقول: "لعل"، ولا أزيد.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 18.51 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 17.88 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (3.39%)]