عرض مشاركة واحدة
  #4  
قديم 26-11-2022, 08:11 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,044
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد

تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء الخامس

سُورَةُ الْأَنْبِيَاءِ
الحلقة (387)
صــ 348 إلى صــ 355



أولم ير الذين كفروا أن السماوات والأرض كانتا رتقا ففتقناهما وجعلنا من الماء كل شيء حي أفلا يؤمنون وجعلنا في الأرض رواسي أن تميد بهم وجعلنا فيها فجاجا سبلا لعلهم يهتدون وجعلنا السماء سقفا محفوظا وهم عن آياتها معرضون وهو الذي خلق الليل والنهار والشمس والقمر كل في فلك يسبحون . [ ص: 348 ]

قوله تعالى : " أولم ير الذين كفروا " ; أي : أولم يعلموا . وقرأ ابن كثير : ( ألم ير الذين كفروا ) بغير واو بين الألف واللام ، وكذلك هي في مصاحف أهل مكة . " أن السماوات والأرض كانتا رتقا ففتقناهما " قال أبو عبيدة : السماوات جمع ، والأرض واحدة ، فخرجت صفة لفظ الجمع على لفظ صفة الواحد ، والعرب تفعل هذا إذا أشركوا بين جمع وبين واحد ، والرتق مصدر يوصف به الواحد والاثنان والجمع ، والمذكر والمؤنث سواء ، ومعنى الرتق : الذي ليس فيه ثقب . قال الزجاج : المعنى : كانتا ذواتي رتق ، فجعلهما ذوات فتق ، وإنما لم يقل : رتقين ; لأن الرتق مصدر .

وللمفسرين في المراد به ثلاثة أقوال :

أحدها : أن السماوات كانت رتقا لا تمطر ، وكانت الأرض رتقا لا تنبت ، ففتق هذه بالمطر وهذه بالنبات ، رواه عبد الله بن دينار عن ابن عباس ، وبه قال عطاء ، وعكرمة ، ومجاهد في رواية ، والضحاك في آخرين .

والثاني : أن السماوات والأرض كانتا ملتصقتين ، ففتقهما الله تعالى ، رواه العوفي عن ابن عباس ، وبه قال الحسن ، وسعيد بن جبير ، وقتادة .

والثالث : أنه فتق من الأرض ست أرضين فصارت سبعا ، ومن السماء ست سماوات فصارت سبعا ، رواه السدي عن أشياخه ، وابن أبي نجيح عن مجاهد .

قوله تعالى : " وجعلنا من الماء كل شيء حي " وقرأ معاذ القارئ ، وابن أبي عبلة ، وحميد بن قيس : ( كل شيء حيا ) بالنصب .

وفي هذا الماء قولان :

أحدهما : أنه الماء المعروف ، والمعنى : جعلنا الماء سببا لحياة كل حي ، قاله الأكثرون . والثاني : أنه النطفة ، قاله أبو العالية . [ ص: 349 ]

قوله تعالى : " وجعلنا في الأرض رواسي " قد فسرناه في ( النحل : 15 ) .

قوله تعالى : " وجعلنا فيها " ; أي : في الرواسي ، " فجاجا " قال أبو عبيدة : هي المسالك . قال الزجاج : الفجاج جمع فج ، وهو كل منخرق بين جبلين ، ومعنى " سبلا " : طرقا . قال ابن عباس : جعلنا من الجبال طرقا ; كي تهتدوا إلى مقاصدكم في الأسفار . قال المفسرون : وقوله : " سبلا " تفسير للفجاج وبيان أن تلك الفجاج نافذة مسلوكة ، فقد يكون الفج غير نافذ . " وجعلنا السماء سقفا " ; أي : هي للأرض كالسقف .

وفي معنى " محفوظا " قولان :

أحدهما : بالنجوم من الشياطين ، قاله أبو صالح عن ابن عباس .

والثاني : محفوظا من الوقوع إلا بإذن الله ، قاله الزجاج .

قوله تعالى : " وهم " يعني : كفار مكة ، " عن آياتها " ; أي : شمسها وقمرها ونجومها . قال الفراء : وقرأ مجاهد : ( عن آيتها ) فوحده ، فجعل السماء بما فيها آية ، وكل صواب .

قوله تعالى : " كل " يعني : الطوالع ، " في فلك " قال ابن قتيبة : الفلك : مدار النجوم الذي يضمها ، وسماه فلكا لاستدارته . ومنه قيل : فلكة المغزل ، وقد فلك ثدي المرأة . قال أبو سليمان : وقيل : إن الفلك - كهيئة الساقية من ماء - مستديرة دون السماء وتحت الأرض ، فالأرض وسطها ، والشمس والقمر ، والنجوم ، والليل والنهار ، يجرون في الفلك ، وليس الفلك يديرها . ومعنى " يسبحون " : يجرون . قال الفراء : لما كانت السباحة من أفعال الآدميين ، ذكرت بالنون ، كقوله : رأيتهم لي ساجدين [ يوسف : 40 ] ; لأن السجود من أفعال الآدميين . [ ص: 350 ]
وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد أفإن مت فهم الخالدون كل نفس ذائقة الموت ونبلوكم بالشر والخير فتنة وإلينا ترجعون وإذا رآك الذين كفروا إن يتخذونك إلا هزوا أهذا الذي يذكر آلهتكم وهم بذكر الرحمن هم كافرون .

قوله تعالى : " وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد " سبب نزولها أن ناسا قالوا : إن محمدا لا يموت ، فنزلت هذه الآية ، قاله مقاتل . ومعنى الآية : ما خلدنا قبلك أحدا من بني آدم ، والخلد : البقاء الدائم . " أفإن مت فهم الخالدون " يعني : مشركي مكة ; لأنهم قالوا : نتربص به ريب المنون [ الطور : 30 ] .

قوله تعالى : " ونبلوكم بالشر والخير " قال ابن زيد : نختبركم بما تحبون لننظر كيف شكركم ، وبما تكرهون لننظر كيف صبركم .

قوله تعالى : " وإلينا ترجعون " [ قرأ ابن عامر : ( ترجعون ) بتاء مفتوحة . وروى ابن عباس عن أبي عمرو : ( يرجعون ) ] بياء مضمومة . وقرأ الباقون بتاء مضمومة .

قوله تعالى : " وإذا رآك الذين كفروا " قال ابن عباس : يعني : المستهزئين . وقال السدي : نزلت في أبي جهل ، مر به رسول الله ، فضحك وقال : هذا نبي بني عبد مناف . و " إن " بمعنى ( ما ) ، ومعنى " هزوا " : مهزوءا به . " أهذا الذي يذكر آلهتكم " ; أي : يعيب أصنامكم ، وفيه إضمار يقولون . " وهم بذكر الرحمن هم كافرون " وذلك أنهم قالوا : ما نعرف الرحمن ، فكفروا بالرحمن .

خلق الإنسان من عجل سأريكم آياتي فلا تستعجلون ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين لو يعلم الذين [ ص: 351 ] كفروا حين لا يكفون عن وجوههم النار ولا عن ظهورهم ولا هم ينصرون بل تأتيهم بغتة فتبهتهم فلا يستطيعون ردها ولا هم ينظرون ولقد استهزئ برسل من قبلك فحاق بالذين سخروا منهم ما كانوا به يستهزئون .

قوله تعالى : " خلق الإنسان من عجل " وقرأ أبو رزين العقيلي ، ومجاهد ، والضحاك : ( خلق الإنسان ) بفتح الخاء واللام ونصب النون . وهذه الآية نزلت حين استعجلت قريش بالعذاب .

وفي المراد بالإنسان هاهنا ثلاثة أقوال :

أحدها : النضر بن الحارث ، وهو الذي قال : اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك . . . الآية [ الأنفال : 32 ] ، رواه عطاء عن ابن عباس .

والثاني : آدم عليه السلام ، قاله سعيد بن جبير ، والسدي في آخرين .

والثالث : أنه اسم جنس ، قاله علي بن أحمد النيسابوري ، فعلى هذا يدخل النضر بن الحارث وغيره في هذا ، وإن كانت الآية نزلت فيه .

فأما من قال : أريد به : آدم ، ففي معنى الكلام قولان :

أحدهما : أنه خلق عجولا ، قاله الأكثرون . فعلى هذا يقول : لما طبع آدم على هذا المعنى ، وجد في أولاده ، وأورثهم العجل .

والثاني : خلق بعجل ، استعجل بخلقه قبل غروب الشمس من يوم الجمعة ، وهو آخر الأيام الستة ، قاله مجاهد .

فأما من قال : هو اسم جنس ، ففي معنى الكلام قولان :

أحدهما : خلق عجولا ، قال الزجاج : خوطبت العرب بما تعقل ، [ ص: 352 ] والعرب تقول للذي يكثر منه اللعب : إنما خلقت من لعب ، يريدون المبالغة في وصفه بذلك .

والثاني : أن في الكلام تقديما وتأخيرا ، والمعنى : خلقت العجلة في الإنسان ، قاله ابن قتيبة .

قوله تعالى : " سأريكم آياتي " فيه قولان :

أحدهما : ما أصاب الأمم المتقدمة ، والمعنى : إنكم تسافرون فترون آثار الهلاك في الماضين ، قاله ابن السائب .

والثاني : أنها القتل ببدر ، قاله مقاتل .

قوله تعالى : " فلا تستعجلون " أثبت الياء في الحالين يعقوب .

قوله تعالى : " ويقولون متى هذا الوعد " يعنون : القيامة . " لو يعلم الذين كفروا " جوابه محذوف ، والمعنى : لو علموا صدق الوعد ما استعجلوا ، " حين لا يكفون " ; أي : لا يدفعون ، " عن وجوههم النار " إذا دخلوا ، " ولا عن ظهورهم " لإحاطتها بهم ، " ولا هم ينصرون " ; أي : يمنعون مما نزل بهم ، " بل تأتيهم " يعني : الساعة ، " بغتة " فجأة ، " فتبهتهم " تحيرهم ، وقد شرحنا هذا عند قوله : فبهت الذي كفر [ البقرة : 258 ] . " فلا يستطيعون ردها " ; أي : صرفها عنهم ، ولا هم يمهلون لتوبة أو معذرة . ثم عزى نبيه فقال : " ولقد استهزئ برسل من قبلك " ; أي : كما فعل بك قومك ، " فحاق " ; أي : نزل ، " بالذين سخروا منهم " ; أي : من الرسل ، " ما كانوا به يستهزئون " يعني : العذاب الذي كانوا استهزؤوا به .
قل من يكلؤكم بالليل والنهار من الرحمن بل هم عن ذكر ربهم معرضون أم لهم آلهة تمنعهم من دوننا لا يستطيعون نصر أنفسهم ولا هم منا يصحبون بل متعنا [ ص: 353 ] هؤلاء وآباءهم حتى طال عليهم العمر أفلا يرون أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها أفهم الغالبون قل إنما أنذركم بالوحي ولا يسمع الصم الدعاء إذا ما ينذرون .

قوله تعالى : " قل من يكلؤكم " المعنى : قل لهؤلاء المستعجلين بالعذاب : من يحفظكم من بأس الرحمن إن أراد إنزاله بكم ؟ وهذا استفهام إنكار ; أي : لا أحد يفعل ذلك . " بل هم عن ذكر ربهم " ; أي : عن كلامه ومواعظه ، " معرضون " لا يتفكرون ولا يعتبرون . " أم لهم آلهة تمنعهم من دوننا " فيه تقديم وتأخير ، وتقديره : أم لهم آلهة من دوننا تمنعهم ؟ وهاهنا تم الكلام . ثم وصف آلهتهم بالضعف ، فقال : " لا يستطيعون نصر أنفسهم " والمعنى : من لا يقدر على نصر نفسه عما يراد به ، فكيف ينصر غيره ؟

قوله تعالى : " ولا هم " في المشار إليهم قولان :

أحدهما : أنهم الكفار ، وهو قول ابن عباس . والثاني : أنهم الأصنام ، قاله قتادة .

وفي معنى " يصحبون " أربعة أقوال :

أحدها : يجارون ، رواه العوفي عن ابن عباس . قال ابن قتيبة : والمعنى : لا يجيرهم منا أحد ; لأن المجير صاحب لجاره . والثاني : يمنعون ، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس . والثالث : ينصرون ، قاله مجاهد . والرابع : لا يصحبون بخير ، قاله قتادة .

ثم بين اغترارهم بالإمهال ، فقال : " بل متعنا هؤلاء وآباءهم " يعني : أهل مكة ، " حتى طال عليهم العمر " فاغتروا بذلك ، " أفلا يرون أنا نأتي الأرض ننقصها [ ص: 354 ] من أطرافها " قد شرحناه في ( الرعد : 41 ) ، " أفهم الغالبون " ; أي : مع هذه الحال ، وهو نقص الأرض ، والمعنى : ليسوا بغالبين ولكنهم المغلوبون . " قل إنما أنذركم " ; أي : أخوفكم ، " بالوحي " ; أي : بالقرآن ، والمعنى : إنني ما جئت به من تلقاء نفسي ، إنما أمرت فبلغت . " ولا يسمع الصم الدعاء " وقرأ ابن عامر : ( ولا تسمع ) بالتاء مضمومة ( الصم ) نصبا . وقرأ ابن يعمر والحسن : ( ولا يسمع ) بضم الياء وفتح الميم ( الصم ) بضم الميم . شبه الكفار بالصم الذين لا يسمعون نداء مناديهم ، ووجه التشبيه أن هؤلاء لم ينتفعوا بما سمعوا ، كالصم لا يفيدهم صوت مناديهم . " ولئن مستهم " ; أي : أصابتهم ، " نفحة " قال ابن عباس : طرف . وقال الزجاج : المراد : أدنى شيء من العذاب ، " ليقولن يا ويلنا " والويل ينادي به كل من وقع في هلكة .
ولئن مستهم نفحة من عذاب ربك ليقولن يا ويلنا إنا كنا ظالمين ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين .

قوله تعالى : " ونضع الموازين القسط " قال الزجاج : المعنى : ونضع الموازين ذوات القسط ، والقسط : العدل ، وهو مصدر يوصف به ، يقال : ميزان قسط ، وميزانان قسط ، وموازين قسط . قال الفراء : القسط من صفة الموازين وإن كان موحدا ، كما تقول : أنتم عدل ، وأنتم رضا . وقوله : " ليوم القيامة " و " في يوم القيامة " سواء ، وقد ذكرنا الكلام في الميزان في أول ( الأعراف : 8 ) .

فإن قيل : إذا كان الميزان واحدا ، فما المعنى بذكر الموازين ؟ [ ص: 355 ]

فالجواب : أنه لما كانت أعمال الخلائق توزن وزنة بعد وزنة ، سميت موازين .

قوله تعالى : " فلا تظلم نفس شيئا " ; أي : لا ينقص محسن من إحسانه ، ولا يزاد مسيء على إساءته . " وإن كان مثقال حبة " ; أي : وزن حبة . وقرأ نافع : ( مثقال ) برفع اللام . قال الزجاج : ونصب ( مثقال ) على معنى : وإن كان العمل مثقال حبة . وقال أبو علي الفارسي : وإن كان الظلامة مثقال حبة ; لقوله تعالى : " فلا تظلم نفس شيئا " . قال : ومن رفع أسند الفعل إلى المثقال ، كما أسند في قوله تعالى : وإن كان ذو عسرة [ البقرة : 280 ] .

قوله تعالى : " أتينا بها " ; أي : جئنا بها . وقرأ ابن عباس ، ومجاهد ، وحميد : ( آتينا ) ممدودة ; أي : جازينا بها .

قوله تعالى : " وكفى بنا حاسبين " قال الزجاج : هو منصوب على وجهين : أحدهما : التمييز ، والثاني : الحال .
ولقد آتينا موسى وهارون الفرقان وضياء وذكرا للمتقين الذين يخشون ربهم بالغيب وهم من الساعة مشفقون وهذا ذكر مبارك أنـزلناه أفأنتم له منكرون .

قوله تعالى : " ولقد آتينا موسى وهارون الفرقان " فيه ثلاثة أقوال :

أحدها : أنه التوراة التي فرق بها بين الحلال والحرام ، قاله مجاهد وقتادة .

والثاني : البرهان الذي فرق به بين حق موسى وباطل فرعون ، قاله ابن زيد .

والثالث : النصر والنجاة لموسى ، وإهلاك فرعون ، قاله ابن السائب .

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 45.41 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 44.78 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.38%)]