
25-11-2022, 06:33 AM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,757
الدولة :
|
|
رد: تفسير أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن للشيخ الشِّنْقِيطِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
تفسير أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن
صَاحِبِ الْفَضِيلَةِ الشَّيْخِ مُحَمَّدٍ الْأَمِينِ الشِّنْقِيطِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ
المجلد الخامس
الحلقة (411)
سُورَةُ النُّورِ
صـ 547 إلى صـ 554
[ ص: 547 ] المسألة الخامسة : اعلم أن صلاة النساء في بيوتهن أفضل لهن من الصلاة في المساجد ، ولو كان المسجد مسجد النبي - صلى الله عليه وسلم - وبه تعلم أن قوله - صلى الله عليه وسلم - " : صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام " خاص بالرجال ، أما النساء فصلاتهن في بيوتهن خير لهن من الصلاة في الجماعة في المسجد .
قال أبو داود في سننه : حدثنا عثمان بن أبي شيبة ، ثنا يزيد بن هارون ، أخبرنا العوام بن حوشب ، حدثني حبيب بن أبي ثابت ، عن ابن عمر قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " : لا تمنعوا نساءكم المساجد وبيوتهن خير لهن " وقال النووي في شرح المهذب في هذا الحديث : وحديث ابن عمر صحيح رواه أبو داود بلفظه هذا ، بإسناد صحيح على شرط البخاري اهـ .
وهذا الحديث أخرجه أيضا الإمام أحمد ، وقال ابن حجر في فتح الباري : وقد ورد في بعض روايات هذا الحديث وغيره ، ما يدل على أن صلاة المرأة في بيتها أفضل من صلاتها في المسجد ، وذلك في رواية حبيب بن أبي ثابت ، عن ابن عمر بلفظ " : لا تمنعوا نساءكم المساجد وبيوتهن خير لهن " أخرجه أبو داود ، وصححه ابن خزيمة ، ولأحمد والطبراني من حديث أم حميد الساعدية أنها جاءت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالت : يا رسول الله إني أحب الصلاة معك ، فقال " : قد علمت ، وصلاتك في بيتك خير لك من صلاتك في حجرتك ، وصلاتك في حجرتك خير من صلاتك في دارك ، وصلاتك في دارك خير من صلاتك في مسجد قومك ، وصلاتك في مسجد قومك خير من صلاتك في مسجد الجماعة " وإسناد أحمد حسن وله شاهد من حديث ابن مسعود عند أبي داود ، ووجه كون صلاتها في الإخفاء أفضل تحقق الأمن فيه من الفتنة ، انتهى محل الغرض من كلام ابن حجر .
وحديث ابن مسعود الذي أشار له هو ما رواه أبو داود في سننه : حدثنا ابن المثنى ، أن عمرو بن عاصم حدثهم قال : ثنا همام عن قتادة ، عن مورق عن أبي الأحوص ، عن عبد الله ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال " : صلاة المرأة في بيتها أفضل من صلاتها في حجرتها وصلاتها في مخدعها أفضل من صلاتها في بيتها " ، اهـ .
وقال النووي في شرح المهذب في هذا الحديث : رواه أبو داود بإسناد صحيح على شرط مسلم ، وقد روى أحمد عن أم سلمة عنه - صلى الله عليه وسلم - " : خير مساجد النساء قعر بيوتهن " .
[ ص: 548 ] وبما ذكرنا من النصوص تعلم أن صلاة النساء في بيوتهن أفضل لهن من صلاتهن في الجماعة في مسجد النبي - صلى الله عليه وسلم - وغيره من المساجد لثبوت ذلك عن النبي - صلى الله عليه وسلم - .
ومما يؤكد صلاتهن في بيوتهن ما أحدثنه من دخول المسجد في ثياب قصيرة هي مظنة الفتنة ، ومزاحمتهن للرجال في أبواب المسجد عند الدخول والخروج ، وقد روى الشيخان في صحيحيهما عن عائشة - رضي الله عنها - قالت : لو أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رأى من النساء ما رأينا ، لمنعهن من المسجد كما منعت بنو إسرائيل نساءها .
وقد علمت مما ذكرنا من الأحاديث أن مفهوم المخالفة في قوله تعالى : يسبح له فيها بالغدو والآصال رجال الآية ، معتبر وأنه ليس مفهوم لقب ، وقد أوضحنا المفهوم المذكور بالسنة كما رأيت ، والعلم عند الله تعالى .
قوله تعالى : يخافون يوما تتقلب فيه القلوب والأبصار ذكر - جل وعلا - في هذه الآية الكريمة : أن الرجال الذين يسبحون له في المساجد بالغدو والآصال ، إلى آخر ما ذكر من صفاتهم : أنهم يخافون يوما تتقلب فيه القلوب والأبصار ، وهو يوم القيامة لشدة هوله ، وما دلت عليه هذه الآية الكريمة من عظم هول ذلك اليوم ، وتأثيره في القلوب والأبصار ، جاء في آيات كثيرة من كتاب الله العظيم كقوله تعالى : قلوب يومئذ واجفة أبصارها خاشعة [ 79 \ 8 - 9 ] وقوله تعالى : إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار [ 14 \ 42 ] وقوله تعالى : وأنذرهم يوم الآزفة إذ القلوب لدى الحناجر الآية [ 40 \ 18 ] ، ونحو ذلك من الآيات الدالة على عظم ذلك اليوم كقوله تعالى : فكيف تتقون إن كفرتم يوما يجعل الولدان شيبا السماء منفطر به الآية [ 73 \ 17 - 18 ] ، وقوله تعالى : إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا إنا نخاف من ربنا يوما عبوسا قمطريرا [ 76 \ 9 - 10 ] إلى غير ذلك من الآيات ، وفي معنى تقلب القلوب والأبصار أقوال متعددة لأهل التفسير ، ذكرها القرطبي وغيره .
وأظهرها عندي : أن تقلب القلوب هو حركتها من أماكنها من شدة الخوف ; كما قال تعالى : إذ القلوب لدى الحناجر وأن تقلب الأبصار هو زيغوغتها ودورانها بالنظر في جميع الجهات من شدة الخوف ، كما قال تعالى [ ص: 549 ] فإذا جاء الخوف رأيتهم ينظرون إليك تدور أعينهم كالذي يغشى عليه من الموت الآية [ 33 \ 19 ] ، وكقوله تعالى : وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر [ 33 \ 10 ] فالدوران والزيغوغة المذكوران يعلم بهما معنى تقلب الأبصار ، وإن كانا مذكورين في الخوف من المكروه في الدنيا .
قوله تعالى : ليجزيهم الله أحسن ما عملوا ويزيدهم من فضله .
الظاهر أن اللام في قوله : " ليجزيهم " متعلقة بقوله : " يسبح " ، أي : يسبحون له ، ويخافون يوما ليجزيهم الله أحسن ما عملوا ، وقوله في هذه الآية الكريمة : ويزيدهم من فضله ، الظاهر أن هذه الزيادة من فضله تعالى ، هي مضاعفة الحسنات ، كما دل عليه قوله تعالى : من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها [ 6 \ 160 ] ، وقوله تعالى : إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها [ 4 \ 40 ] ، وقوله تعالى : والله يضاعف لمن يشاء [ 2 \ 261 ] .
وقال بعض أهل العلم : الزيادة هنا كالزيادة في قوله : للذين أحسنوا الحسنى وزيادة [ 10 \ 26 ] والأصح : أن الحسنى الجنة ، والزيادة النظر إلى وجه الله الكريم ، وذلك هو أحد القولين في قوله تعالى : لهم ما يشاءون فيها ولدينا مزيد [ 50 \ 35 ] .
وقد قدمنا قول بعض أهل العلم : أن قوله تعالى : ليجزيهم الله أحسن ما عملوا ونحوها من الآيات يدل على أن المباح حسن; لأن قوله : " أحسن ما عملوا " صيغة تفضيل ، وصيغة التفضيل المذكورة تدل على أن من أعمالهم حسنا لم يجزوه وهو المباح ، قال في مراقي السعود :
ما ربنا لم ينه عنه حسن
وغيره القبيح والمستهجن
قوله تعالى : والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا . ذكر - جل وعلا - في هذه الآية الكريمة أن أعمال الكفار باطلة ، وأنها لا شيء ; لأنه قال في السراب الذي مثلها به : حتى إذا جاءه لم يجده شيئا وما دلت عليه هذه الآية [ ص: 550 ] الكريمة من بطلان أعمال الكفار ، جاء موضحا في آيات أخر ; كقوله تعالى : مثل الذين كفروا بربهم أعمالهم كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف لا يقدرون مما كسبوا على شيء الآية [ 14 \ 18 ] ، وقوله تعالى : وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا [ 25 \ 23 ] ، إلى غير ذلك من الآيات .
وقد قدمنا أن عمل الكافر إذا كان على الوجه الصحيح أنه يجزى به في الدنيا ; كما أوضحناه في سورة " النحل " ، في الكلام على قوله تعالى : من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن الآية [ 16 \ 97 ] .
وقد دلت آيات من كتاب الله على انتفاع الكافر بعمله في الدنيا ، دون الآخرة ; كقوله تعالى : من كان يريد حرث الآخرة نزد له في حرثه ومن كان يريد حرث الدنيا نؤته منها وما له في الآخرة من نصيب [ 42 \ 20 ] ، وقوله تعالى : من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها وهم فيها لا يبخسون أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار وحبط ما صنعوا فيها وباطل ما كانوا يعملون [ 11 \ 15 - 16 ] ، وهذا الذي دلت عليه هذه الآيات من انتفاع الكافر بعمله الصالح في الدنيا ، دون الآخرة ثبت في صحيح مسلم وغيره من حديث أنس - رضي الله عنه - ; كما أوضحناه في الكلام على آية " النحل " المذكورة ، وهو أحد التفسيرين في قوله تعالى : ووجد الله عنده فوفاه حسابه [ 24 \ 39 ] ، أي : : وفاه حسابه في الدنيا على هذا القول ، وقد بين الله - جل وعلا - في سورة " بني إسرائيل " أن ما دلت عليه الآيات من انتفاع الكافر بعمله الصالح في الدنيا ، أنه مقيد بمشيئة الله تعالى ، وذلك في قوله تعالى : من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد ثم جعلنا له جهنم يصلاها مذموما مدحورا [ 17 \ 18 ] .
تنبيه .
في هذه الآية الكريمة سؤال معروف ذكرناه وذكرنا الجواب عنه في كتابنا " دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب " ، وذلك في قولنا فيه : لا يخفى ما يسبق إلى الذهن من أن الضمير في قوله : جاءه يدل على شيء موجود واقع عليه المجيء ; لأن وقوع المجيء على العدم لا يعقل ، ومعلوم أن الصفة الإضافية لا تتقوم إلا بين متضايفين ، فلا تدرك إلا بإدراكهما ، فلا يعقل وقوع المجيء بالفعل ، إلا بإدراك فاعل واقع منه المجيء ، ومفعول به [ ص: 551 ] واقع عليه المجيء ، وقوله تعالى : لم يجده شيئا يدل على عدم وجود شيء يقع عليه المجيء في قوله تعالى : جاءه .
والجواب عن هذا من وجهين ، ذكرهما ابن جرير في تفسير هذه الآية الكريمة .
قال : فإن قال قائل كيف قيل : حتى إذا جاءه لم يجده شيئا فإن لم يكن السراب شيئا فعلام دخلت الهاء في قوله : حتى إذا جاءه ؟ قيل : إنه شيء يرى من بعيد كالضباب الذي يرى كثيفا من بعيد ، فإذا قرب منه رق وصار كالهواء ، وقد يحتمل أن يكون معناه حتى إذا جاء موضع السراب لم يجد السراب شيئا ، فاكتفى بذكر السراب عن ذكر موضعه ، انتهى منه .
والوجه الأول أظهر عندي ، وعنده بدليل قوله : وقد يحتمل أن يكون معناه ، إلخ ، انتهى كلامنا في " دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب " ، وقد رأيت فيه جواب ابن جرير الطبري عن السؤال المذكور ، وقوله تعالى في هذه الآية : بقيعة قيل : جمع قاع ، كجار وجيرة ، وقيل : القيعة والقاع بمعنى ، وهو المنبسط المستوي المتسع من الأرض ، وعلى هذا فالقاع واحد القيعان ، كجار وجيران .
قوله تعالى : ألم تر أن الله يسبح له من في السماوات والأرض والطير صافات كل قد علم صلاته وتسبيحه والله عليم بما يفعلون
اعلم أن الضمير المحذوف الذي هو فاعل علم قال بعض أهل العلم : إنه راجع إلى الله في قوله : ألم تر أن الله يسبح له من في السماوات وعلى هذا فالمعنى كل من المسبحين والمصلين ، قد علم الله صلاته وتسبيحه ، وقال بعض أهل العلم : إن الضمير المذكور راجع إلى قوله : كل أي : كل من المصلين والمسبحين ، قد علم صلاة نفسه وتسبيح نفسه ، وقد قدمنا في سورة " النحل " ، في الكلام على قوله تعالى : من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن الآية [ 16 \ 97 ] ، كلام الأصوليين في أن اللفظ إن احتمل التوكيد والتأسيس حمل على التأسيس ، وبينا أمثلة متعددة لذلك من القرآن العظيم .
وإذا علمت ذلك ، فاعلم أن الأظهر على مقتضى ما ذكرنا عن الأصوليين ، أن يكون ضمير الفاعل المحذوف في قوله : كل قد علم صلاته وتسبيحه راجعا إلى قوله : [ ص: 552 ] كل أي : كل من المصلين قد علم صلاة نفسه ، وكل من المسبحين قد علم تسبيح نفسه ، وعلى هذا القول فقوله تعالى : والله عليم بما يفعلون تأسيس لا تأكيد ، أما على القول بأن الضمير راجع إلى الله ، أي : قد علم الله صلاته يكون قوله : والله عليم بما يفعلون كالتكرار مع ذلك ، فيكون من قبيل التوكيد اللفظي .
وقد علمت أن المقرر في الأصول أن الحمل على التأسيس أرجح من الحمل على التوكيد ; كما تقدم إيضاحه . والظاهر أن الطير تسبح وتصلي صلاة وتسبيحا يعلمهما الله ، ونحن لا نعلمهما ; كما قال تعالى : وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم [ 17 \ 44 ] .
ومن الآيات الدالة على أن غير العقلاء من المخلوقات لها إدراك يعلمه الله ونحن لا نعلمه ، قوله تعالى في الحجارة : وإن منها لما يهبط من خشية الله [ 2 \ 74 ] ، فأثبت خشيته للحجارة ، والخشية تكون بإدراك ، وقوله تعالى : لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله [ 59 \ 21 ] ، وقوله تعالى : إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها الآية [ 33 \ 72 ] ، والإباء والإشفاق إنما يكونان بإدراك ، والآيات والأحاديث واردة بذلك ، وهو الحق ، وظاهر الآية أن للطير صلاة وتسبيحا ، ولا مانع من الحمل على الظاهر ، ونقل القرطبي عن سفيان : أن للطير صلاة ليس فيها ركوع ولا سجود ، اهـ .
ومعلوم أن الصلاة في اللغة الدعاء ، ومنه قول الأعشى :
تقول بنتي وقد غربت مرتحلا
يا رب جنب أبي الأوصاب والوجعا
عليك مثل الذي صليت فاغتبطي
نوما فإن لجنب المرء مضطجعا
فقوله : مثل الذي صليت ، أي : دعوت ، يعني قولها : يا رب جنب أبي الأوصاب والوجعا .
وقوله : صافات أي : صافات أجنحتها في الهواء ، وقد بين تعالى في غير هذا الموضع أن إمساكه الطير صافات أجنحتها في الهواء وقابضات لها من آيات قدرته ، واستحقاقه العبادة وحده ، وذلك في قوله تعالى : أولم يروا إلى الطير فوقهم صافات ويقبضن ما يمسكهن إلا الرحمن الآية [ 67 \ 19 ] ، وقوله تعالى : [ ص: 553 ] ألم يروا إلى الطير مسخرات في جو السماء ما يمسكهن إلا الله إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون [ 16 \ 79 ] .
قوله تعالى : وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم ذكر - جل وعلا - في هذه الآية الكريمة أنه وعد الذين آمنوا وعملوا الصالحات من هذه الأمة : ليستخلفنهم في الأرض أي : ليجعلنهم خلفاء الأرض ، الذين لهم السيطرة فيها ، ونفوذ الكلمة ، والآيات تدل على أن طاعة الله بالإيمان به ، والعلم الصالح سبب للقوة والاستخلاف في الأرض ونفوذ الكلمة ; كقوله تعالى : واذكروا إذ أنتم قليل مستضعفون في الأرض تخافون أن يتخطفكم الناس فآواكم وأيدكم بنصره الآية [ 8 \ 26 ] ، وقوله تعالى : ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور [ 22 \ 40 - 41 ] ، وقوله تعالى : إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم [ 47 \ 7 ] ، إلى غير ذلك من الآيات .
وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة : كما استخلف الذين من قبلهم أي : كبني إسرائيل .
ومن الآيات الموضحة لذلك ، قوله تعالى : ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين ونمكن لهم في الأرض ونري فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون [ 28 \ 5 - 6 ] ، وقوله تعالى عن موسى - عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام - : عسى ربكم أن يهلك عدوكم ويستخلفكم في الأرض فينظر كيف تعملون [ 7 \ 129 ] ، وقوله تعالى : وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض ومغاربها التي باركنا فيها الآية [ 7 \ 137 ] ، إلى غير ذلك من الآيات ، وقوله تعالى : ليستخلفنهم اللام موطئة لقسم محذوف ، أي : وعدهم الله ، وأقسم في وعده ليستخلفنهم .
قوله تعالى : وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم هذا الدين الذي ارتضاه لهم هو دين الإسلام بدليل قوله تعالى : اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا [ 5 \ 3 ] ، وقوله تعالى : [ ص: 554 ] إن الدين عند الله الإسلام [ 3 \ 19 ] ، وقوله تعالى : ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين [ 3 \ 85 ] ، وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة : وليمكنن لهم دينهم قال الزمخشري : تمكينه هو تثبيته وتوطيده .
قوله تعالى : وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وأطيعوا الرسول لعلكم ترحمون هذه الآية الكريمة تدل على أن إقامة الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، وطاعة الرسول - صلى الله عليه وسلم - لرحمة الله تعالى سواء قلنا إن لعل في قوله : لعلكم ترحمون حرف تعليل أو ترج ; لأنها إن قلنا : إنها حرف تعليل فإقامة الصلاة وما عطف عليه سبب لرحمة الله ; لأن العلل أسباب شرعية ، وإن قلنا : إن لعل للترجي ، أي : أقيموا الصلاة ، وآتوا الزكاة على رجائكم أن الله يرحمكم بذلك ; لأن الله ما أطمعهم بتلك الرحمة عند علمهم بموجبها إلا ليرحمهم لما هو معلوم من فضله وكرمه ، وكون لعل هنا للترجي ، إنما هو بحسب علم المخلوقين ; كما أوضحناه في غير هذا الموضع ، وهذا الذي دلت عليه هذه الآية من أنهم إن أقاموا الصلاة ، وآتوا الزكاة ، وأطاعوا الرسول رحمهم الله بذلك جاء موضحا في آية أخرى ، وهي قوله تعالى : والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الآية [ 9 \ 71 ] ، وقوله تعالى في هذه الآية : وأطيعوا الرسول بعد قوله : وإذ أخذنا من عطف العام على الخاص ; لأن إقام الصلاة وإيتاء الزكاة داخلان في عموم قوله : وأطيعوا الرسول وقد قدمنا مرارا أن عطف العام على الخاص وعكسه كلاهما من الإطناب المقبول إذا كان في الخاص مزية ليست في غيره من أفراد العام .
قوله تعالى : لا تحسبن الذين كفروا معجزين في الأرض نهى الله نبيه محمدا - صلى الله عليه وسلم - أن يحسب ، أي : يظن الذين كفروا معجزين في الأرض ، ومفعول معجزين محذوف ، أي : لا يظنهم معجزين ربهم ، بل قادر على عذابهم لا يعجز عن فعل ما أراد بهم ; لأنه قادر على كل شيء .

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|