
25-11-2022, 06:20 AM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,405
الدولة :
|
|
رد: تفسير أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن للشيخ الشِّنْقِيطِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
تفسير أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن
صَاحِبِ الْفَضِيلَةِ الشَّيْخِ مُحَمَّدٍ الْأَمِينِ الشِّنْقِيطِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ
المجلد الخامس
الحلقة (406)
سُورَةُ النُّورِ
صـ 507 إلى صـ 514
وقد بينا في سورة " البقرة " أن الرجل يجب عليه حفظ فرجه عن وطء زوجته في الدبر ، وذكرنا لذلك أدلة كثيرة ، وقد أوضحنا الكلام على آية : والذين هم لفروجهم [ 23 \ 5 ] ، في سورة " قد أفلح المؤمنون " ، وقد وعد الله تعالى من امتثل أمره في هذه الآية من الرجال والنساء بالمغفرة والأجر العظيم ، إذا عمل معها الخصال المذكورة معها في سورة " الأحزاب " ، وذلك في قوله تعالى : إن المسلمين والمسلمات إلى [ ص: 507 ] قوله تعالى : والحافظين فروجهم والحافظات والذاكرين الله كثيرا والذاكرات أعد الله لهم مغفرة وأجرا عظيما [ 33 \ 35 ] ، وأوضح تأكيد حفظ الفرج عن الزنى في آيات أخر ; كقوله تعالى : ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلا [ 17 \ 32 ] ، وقوله تعالى : والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاما يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا إلا من تاب الآية [ 25 \ 68 - 70 ] ، إلى غير ذلك من الآيات ، وأوضح لزوم حفظ الفرج عن اللواط ، وبين أنه عدوان في آيات متعددة في قصة قوم لوط ; كقوله : أتأتون الذكران من العالمين وتذرون ما خلق لكم ربكم من أزواجكم بل أنتم قوم عادون [ 26 \ 165 - 166 ] ، وقوله تعالى : ولوطا إذ قال لقومه إنكم لتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين أئنكم لتأتون الرجال وتقطعون السبيل وتأتون في ناديكم المنكر [ 29 \ 28 - 29 ] ، إلى غير ذلك من الآيات .
وقد أوضحنا كلام أهل العلم وأدلتهم في عقوبة فاعل فاحشة اللواط في سورة " هود " ، وعقوبة الزاني في أول هذه السورة الكريمة .
واعلم أن الأمر بحفظ الفرج يتناول حفظه من انكشافه للناس ، وقال ابن كثير - رحمه الله - في تفسير هذه الآية : وحفظ الفرج تارة يكون بمنعه من الزنى ; كما قال تعالى : والذين هم لفروجهم حافظون الآية [ 23 \ 5 ] ، وتارة يكون بحفظه من النظر إليه كما جاء في الحديث في مسند أحمد والسنن " : احفظ عورتك إلا من زوجتك أو ما ملكت يمينك " ، اهـ منه .
وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة : قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم قال الزمخشري في الكشاف : من للتبعيض والمراد غض البصر عما يحرم ، والاقتصار به على ما يحل ، وجوز الأخفش أن تكون مزيدة ، وأباه سيبويه ، فإن قلت : كيف دخلت في غض البصر دون حفظ الفرج ؟ قلت : دلالة على أن أمر النظر أوسع ، ألا ترى أن المحارم لا بأس بالنظر إلى شعورهن ، وصدورهن ، وثديهن ، وأعضادهن ، وأسوقهن ، وأقدامهن ، وكذلك الجواري المستعرضات ، والأجنبية ينظر إلى وجهها وكفيها وقدميها في إحدى الروايتين ، وأما أمر الفرج فمضيق ، وكفاك فرقا أن أبيح النظر إلا ما استثني منه ، وحظر الجماع إلا ما استثني منه ، ويجوز أن يراد مع حفظها من الإفضاء إلى ما لا يحل حفظها عن الإبداء .
[ ص: 508 ] وعن ابن زيد : كل ما في القرآن من حفظ الفرج فهو عن الزنى إلا هذا فإنه أراد به الاستتار ، اهـ كلام الزمخشري .
وما نقل عن ابن زيد من أن المراد بحفظ الفرج في هذه الآية الاستتار فيه نظر ، بل يدخل فيه دخولا أوليا حفظه من الزنى واللواط ، ومن الأدلة على ذلك تقديمه الأمر بغض البصر على الأمر بحفظ الفرج ; لأن النظر بريد الزنى ، كما سيأتي إيضاحه قريبا إن شاء الله تعالى ، وما ذكر جواز النظر إليه من المحارم لا يخلو بعضه من نظر ، وسيأتي تحقيق ذلك إن شاء الله تعالى وتفصيله في سورة " الأحزاب " ، كما وعدنا في ترجمة هذا الكتاب المبارك ، أنا نوضح مسألة الحجاب في سورة " الأحزاب " .
وقول الزمخشري : إن من في قوله : يغضوا من أبصارهم للتبعيض ، قاله غيره ، وقواه القرطبي بالأحاديث الواردة في أن نظرة الفجاءة لا حرج فيها ، وعليه أن يغض بصره بعدها ، ولا ينظر نظرا عمدا إلى ما لا يحل ، وما ذكره الزمخشري عن الأخفش ، وذكره القرطبي وغيرهما من أن من زائدة ، لا يعول عليه . وقال القرطبي : وقيل الغض : النقصان ، يقال : غض فلان من فلان ، أي : وضع منه ، فالبصر إذا لم يمكن من عمله ، فهو موضوع منه ومنقوص ، فـ من صلة للغض ، وليست للتبعيض ، ولا للزيادة ، اهـ منه .
والأظهر عندنا أن مادة الغض تتعدى إلى المفعول بنفسها وتتعدى إليه أيضا بالحرف الذي هو من ومثل ذلك كثير في كلام العرب ، ومن أمثلة تعدي الغض للمعقول بنفسه قول جرير :
فغض الطرف إنك من نمير فلا كعبا بلغت ولا كلابا
وقول عنترة :
وأغض طرفي ما بدت لي جارتي حتى يواري جارتي مأواها
وقول الآخر :
وما كان غض الطرف منا سجية ولكننا في مذحج غربان
لأن قوله : غض الطرف مصدر مضاف إلى مفعوله بدون حرف .
[ ص: 509 ] ومن أمثلة تعدي الغض بـ من قوله تعالى : يغضوا من أبصارهم و يغضضن من أبصارهن وما ذكره هنا من الأمر بغض البصر قد جاء في آية أخرى تهديد من لم يمتثله ، ولم يغض بصره عن الحرام ، وهي قوله تعالى : يعلم خائنة الأعين [ 40 \ 19 ] .
وقد قال البخاري - رحمه الله - : وقال سعيد بن أبي الحسن ، للحسن : إن نساء العجم يكشفن صدرهن ورءوسهن ، قال : اصرف بصرك عنهن ، يقول الله - عز وجل - : قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم قال قتادة : عما لا يحل لهم ، وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن خائنة الأعين النظر إلى ما نهي عنه ، اهـ محل الغرض منه بلفظه .
وبه تعلم أن قوله تعالى : يعلم خائنة الأعين فيه الوعيد لمن يخون بعينه بالنظر إلى ما لا يحل له ، وهذا الذي دلت عليه الآيتان من الزجر عن النظر إلى ما لا يحل جاء موضحا في أحاديث كثيرة .
منها : ما ثبت في الصحيح ، عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال " : إياكم والجلوس بالطرقات " ، قالوا : يا رسول الله ما لنا من مجالسنا بد نتحدث فيها ، قال " : فإذا أبيتم إلا المجلس فأعطوا الطريق حقه " ، قالوا : وما حق الطريق يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟ قال " : غض البصر ، وكف الأذى ، ورد السلام ، والأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر " ، انتهى ، هذا لفظ البخاري في " صحيحه " .
ومنها ما ثبت في الصحيح عن عبد الله بن عباس - رضي الله عنهما - قال : أردف النبي - صلى الله عليه وسلم - الفضل بن عباس يوم النحر خلفه على عجز راحلته ، وكان الفضل رجلا وضيئا فوقف النبي - صلى الله عليه وسلم - للناس يفتيهم ، وأقبلت امرأة من خثعم وضيئة تستفتي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فطفق الفضل ينظر إليها وأعجبه حسنها ، فالتفت النبي - صلى الله عليه وسلم - والفضل ينظر إليها ، فأخلف بيده ، فأخذ بذقن الفضل فعدل وجهه عن النظر إليها ، الحديث .
ومحل الشاهد منه : أنه - صلى الله عليه وسلم - صرف وجه الفضل عن النظر إليها ، فدل ذلك على أن نظره إليها لا يجوز ، واستدلال من يرى أن للمرأة الكشف عن وجهها بحضرة الرجال الأجانب بكشف الخثعمية وجهها في هذا الحديث ، سيأتي إن شاء الله الجواب عنه في [ ص: 510 ] الكلام على مسألة الحجاب في سورة " الأحزاب " .
ومنها ما ثبت في الصحيحين وغيرهما : من أن نظر العين إلى ما لا يحل لها تكون به زانية ، فقد ثبت في الصحيح عن ابن عباس ، أنه قال : ما رأيت شيئا أشبه باللمم مما قال أبو هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - " : إن الله كتب على ابن آدم حظه من الزنى أدرك ذلك لا محالة ، فزنى العين : النظر ، وزنى اللسان : المنطق ، والنفس تتمنى وتشتهي ، والفرج يصدق ذلك كله ويكذبه " ، اهـ ، هذا لفظ البخاري ، والحديث متفق عليه ، وفي بعض رواياته زيادة على ما ذكرنا هنا .
ومحل الشاهد منه قوله - صلى الله عليه وسلم - " : فزنى العين النظر " ، فإطلاق اسم الزنى على نظر العين إلى ما لا يحل دليل واضح على تحريمه والتحذير منه ، والأحاديث بمثل هذا كثيرة معلومة .
ومعلوم أن النظر سبب الزنى فإن من أكثر من النظر إلى جمال امرأة مثلا قد يتمكن بسببه حبها من قلبه تمكنا يكون سبب هلاكه ، والعياذ بالله ، فالنظر بريد الزنى ، وقال مسلم بن الوليد الأنصاري :
كسبت لقلبي نظرة لتسره عيني فكانت شقوة ووبالا
ما مر بي شيء أشد من الهوى سبحان من خلق الهوى وتعالى
وقال آخر :
ألم تر أن العين للقلب رائد فما تألف العينان فالقلب آلف
وقال آخر :
وأنت إذا أرسلت طرفك رائدا لقلبك يوما أتعبتك المناظر
رأيت الذي لا كله أنت قادر عليه ولا عن بعضه أنت صابر
وقال أبو الطيب المتنبي :
وأنا الذي اجتلب المنية طرفه فمن المطالب والقتيل القاتل
وقد ذكر ابن الجوزي - رحمه الله - في كتابه " ذم الهوى " فصولا جيدة نافعة أوضح فيها الآفات التي يسببها النظر وحذر فيها منه ، وذكر كثيرا من أشعار الشعراء ، والحكم النثرية [ ص: 511 ] في ذلك وكله معلوم ، والعلم عند الله تعالى .
قوله تعالى : ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها اعلم أولا أن كلام العلماء في هذه الآية يرجع جميعه إلى ثلاثة أقوال :
الأول : أن الزينة هنا نفس شيء من بدن المرأة ; كوجهها وكفيها .
الثاني : أن الزينة هي ما يتزين به خارجا عن بدنها .
وعلى هذا القول ففي الزينة المذكورة الخارجة عن بدن المرأة قولان :
أحدهما : أنها الزينة التي لا يتضمن إبداؤها رؤية شيء من البدن ; كالملاءة التي تلبسها المرأة فوق القميص والخمار والإزار .
والثاني : أنها الزينة التي يتضمن إبداؤها رؤية شيء من البدن كالكحل في العين .
فإنه يتضمن رؤية الوجه أو بعضه ، وكالخضاب والخاتم ، فإن رؤيتهما تستلزم رؤية اليد ، وكالقرط والقلادة والسوار ، فإن رؤية ذلك تستلزم رؤية محله من البدن ; كما لا يخفى .
وسنذكر بعض كلام أهل العلم في ذلك ، ثم نبين ما يفهم من آيات القرآن رجحانه .
قال ابن كثير - رحمه الله - في تفسير هذه الآية ، وقوله تعالى : ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها أي : لا يظهرن شيئا من الزينة للأجانب ، إلا ما لا يمكن إخفاؤه ، قال ابن مسعود كالرداء والثياب ، يعني على ما كان يتعاطاه نساء العرب من المقنعة التي تجلل ثيابها ، وما يبدو من أسافل الثياب ، فلا حرج عليها فيه لأن هذا لا يمكنها إخفاؤه ونظيره في زي النساء ما يظهر من إزارها ، وما لا يمكن إخفاؤه ، وقال بقول ابن مسعود : الحسن ، وابن سيرين ، وأبو الجوزاء ، وإبراهيم النخعي وغيرهم ، وقال الأعمش عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها قال : وجهها وكفيها والخاتم ، وروي عن ابن عمر ، وعطاء ، وعكرمة ، وسعيد بن جبير ، وأبي الشعثاء ، والضحاك ، وإبراهيم النخعي وغيرهم نحو ذلك . وهذا يحتمل أن يكون تفسيرا للزينة التي نهين عن إبدائها ; كما قال أبو إسحاق السبيعي ، عن أبي الأحوص ، عن عبد الله قال في قوله : ولا يبدين زينتهن الزينة : القرط ، والدملوج ، والخلخال ، والقلادة ، وفي رواية عنه بهذا الإسناد ، قال : الزينة زينتان ، فزينة لا يراها إلا الزوج الخاتم والسوار ، وزينة يراها [ ص: 512 ] الأجانب ، وهي الظاهر من الثياب ، وقال الزهري : لا يبدو لهؤلاء الذين سمى الله ممن لا تحل له إلا الأسورة والأخمرة والأقرطة من غير حسر ، وأما عامة الناس ، فلا يبدو منها إلا الخواتم . وقال مالك ، عن الزهري إلا ما ظهر منها : الخاتم والخلخال ، ويحتمل أن ابن عباس ، ومن تابعه أرادوا تفسير ما ظهر منها : بالوجه والكفين ، وهذا هو المشهور عند الجمهور ، ويستأنس له بالحديث الذي رواه أبو داود في " سننه " :
حدثنا يعقوب بن كعب الأنطاكي ، ومؤمل بن الفضل الحراني ، قالا : حدثنا الوليد ، عن سعيد بن بشير ، عن قتادة ، عن خالد بن دريك ، عن عائشة - رضي الله عنها - : أن أسماء بنت أبي بكر دخلت على النبي - صلى الله عليه وسلم - وعليها ثياب رقاق فأعرض عنها ، وقال " : يا أسماء ، إن المرأة إذا بلغت المحيض لم يصلح أن يرى منها إلا هذا " ، وأشار إلى وجهه وكفيه ، لكن قال أبو داود ، وأبو حاتم الرازي : هو مرسل ، خالد بن دريك لم يسمع من عائشة - رضي الله عنها - والله أعلم ، اهـ كلام ابن كثير .
وقال القرطبي في تفسيره لقوله تعالى : إلا ما ظهر منها : واختلف الناس في قدر ذلك ، فقال ابن مسعود : ظاهر الزينة هو الثياب ، وزاد ابن جبير : الوجه ، وقال سعيد بن جبير أيضا ، وعطاء ، والأوزاعي : الوجه والكفان والثياب ، وقال ابن عباس ، وقتادة ، والمسور بن مخرمة : ظاهر الزينة هو الكحل والسوار والخضاب إلى نصف الذراع والقرطة والفتخ ونحو هذا ، فمباح أن تبديه المرأة لكل من دخل عليها من الناس . وذكر الطبري عن قتادة في معنى نصف الذراع حديثا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وذكر آخر عن عائشة - رضي الله عنها - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال " : لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر إذا عركت أن تظهر إلا وجهها ويديها إلى هاهنا " ، وقبض على نصف الذراع .
قال ابن عطية : ويظهر لي بحكم ألفاظ الآية أن المرأة مأمورة بأن لا تبدي وأن تجتهد في الإخفاء لكل ما هو زينة ، ووقع الاستثناء فيما يظهر بحكم ضرورة حركة فيما لا بد منه ، أو إصلاح شأن ونحو ذلك ، فما ظهر على هذا الوجه مما تؤدي إليه الضرورة في النساء ، فهو المعفو عنه .
قلت : وهذا قول حسن إلا أنه لما كان الغالب من الوجه والكفين ظهورهما عادة ، وعبادة وذلك في الصلاة والحج ، فيصلح أن يكون الاستثناء راجعا إليهما يدل لذلك ما رواه أبو داود عن عائشة - رضي الله عنها - ثم ذكر القرطبي حديث عائشة المذكور الذي [ ص: 513 ] قدمناه قريبا ، ثم قال : وقد قال ابن خويز منداد من علمائنا : إن المرأة إذا كانت جميلة ، وخيف من وجهها وكفيها الفتنة ، فعليها ستر ذلك ، وإن كانت عجوزا أو مقبحة جاز أن تكشف وجهها وكفيها ، اهـ محل الغرض من كلام القرطبي .
وقال الزمخشري : الزينة ما تزينت به المرأة من حلي أو كحل أو خضاب ، فما كان ظاهرا منها كالخاتم والفتخة والكحل والخضاب ، فلا بأس به ، وما خفي منها كالسوار ، والخلخال ، والدملج ، والقلادة ، والإكليل ، والوشاح ، والقرط ، فلا تبديه إلا لهؤلاء المذكورين ، وذكر الزينة دون مواقعها للمبالغة في الأمر بالتصون والتستر ; لأن هذه الزينة واقعة على مواضع من الجسد لا يحل النظر إليها لغير هؤلاء ، وهي الذراع ، والساق ، والعضد ، والعنق ، والرأس ، والصدر ، والأذن ، فنهى عن إبداء الزينة نفسها ليعلم أن النظر إذا لم يحل إليها لملابستها تلك المواقع ، بدليل أن النظر إليها غير ملابسة لها لا مقال في حله ، كان النظر إلى المواقع أنفسها متمكنا في الحظر ، ثابت القدم في الحرمة ، شاهدا على أن النساء حقهن أن يحتطن في سترها ويتقين الله في الكشف عنها ، إلى آخر كلامه .
وقال صاحب " الدر المنثور " : وأخرج عبد الرزاق والفريابي ، وسعيد بن منصور ، وابن أبي شيبة ، وعبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والطبراني ، والحاكم وصححه ، وابن مردويه ، عن ابن مسعود - رضي الله عنه - في قوله تعالى : ولا يبدين زينتهن قال : الزينة السوار والدملج والخلخال ، والقرط ، والقلادة إلا ما ظهر منها قال : الثياب والجلباب .
وأخرج ابن أبي شيبة ، وابن جرير ، وابن المنذر ، عن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال : الزينة زينتان ، ، زينة ظاهرة ، وزينة باطنة لا يراها إلا الزوج . فأما الزينة الظاهرة : فالثياب ، وأما الزينة الباطنة : فالكحل ، والسوار والخاتم ، ولفظ ابن جرير : فالظاهرة منها الثياب ، وما يخفى : فالخلخالان والقرطان والسواران .
وأخرج ابن المنذر عن أنس في قوله : ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها قال : الكحل والخاتم .
وأخرج سعيد بن منصور ، وابن جرير ، وعبد بن حميد ، وابن المنذر ، والبيهقي عن ابن عباس - رضي الله عنهما - ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها قال : الكحل والخاتم والقرط والقلادة .
[ ص: 514 ] وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد ، عن ابن عباس في قوله : إلا ما ظهر منها قال : هو خضاب الكف ، والخاتم .
وأخرج ابن أبي شيبة ، وعبد بن حميد ، وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس في قوله : إلا ما ظهر منها قال : وجهها ، وكفاها والخاتم .
وأخرج ابن أبي شيبة ، وعبد بن حميد ، وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس في قوله : إلا ما ظهر منها قال : رقعة الوجه ، وباطن الكف .
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد ، وابن المنذر ، والبيهقي في سننه ، عن عائشة - رضي الله عنها - : أنها سئلت عن الزينة الظاهرة ؟ فقالت : القلب والفتخ ، وضمت طرف كمها .
وأخرج ابن أبي شيبة عن عكرمة في قوله : إلا ما ظهر منها قال : الوجه وثغرة النحر .
وأخرج ابن جرير عن سعيد بن جبير في قوله : إلا ما ظهر منها قال : الوجه والكف .
وأخرج ابن جرير عن عطاء في قوله : إلا ما ظهر منها قال : الكفان والوجه .
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير ، عن قتادة ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها قال : المسكتان والخاتم والكحل .
قال قتادة : وبلغني أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال " : لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر إلا إلى هاهنا " ويقبض نصف الذراع . وأخرج عبد الرزاق وابن جرير ، عن المسور بن مخرمة في قوله : إلا ما ظهر منها قال : القلبين ، يعني السوار والخاتم والكحل .

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|