عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 20-11-2022, 10:59 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,659
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير "محاسن التأويل"محمد جمال الدين القاسمي متجدد إن شاء الله


تفسير "محاسن التأويل"

محمد جمال الدين القاسمي
سُورَةُ المائدة
المجلد السادس
صـ 2036 الى صـ 2046
الحلقة (303)



وروى الواقدي: أن عمر رضي الله عنه كتب إلى أحبار الشام - لما لحق بهم – [ ص: 2036 ] كتابا فيه: أن جبلة ورد إلي في سراة قومه، فأسلم فأكرمته. ثم سار إلى مكة فطاف فوطئ إزاره رجل من بني فزارة، فلطمه جبلة فهشم أنفه وكسر ثناياه. (وقيل: قلع عينه، ويدل له ما سيأتي) فاستعدى الفزاري على جبلة إلي. فحكمت إما بالعفو أو بالقصاص. فقال: أتقتص مني وأنا ملك وهو سوقة؟ فقلت: شملك وإياه الإسلام. فما تفضله إلا بالعافية.

فسأل جبلة التأخير إلى الغد. فلما كان من الليل ركب مع بني عمه ولحق بالشام مرتدا.

وروي أنه ندم على ما فعل وأنشد:


تنصرت بعد الحق عارا للطمة ولم يك فيها، لو صبرت لها، ضرر

فأدركني فيها لجاج حمية
فبعت لها العين الصحيحة بالعور

فيا ليت أمي لم تلدني وليتني
صبرت على القول الذي قاله عمر


هذا ما في "الكشاف" و "العناية".

وقال الخطابي: أهل الردة كانوا صنفين: صنفا ارتدوا عن الدين ونابذوا الملة وعدلوا إلى الكفر. وهذه الفرقة طائفتان:

إحداهما: - أصحاب مسيلمة الكذاب من بني حنيفة وغيرهم [ ص: 2037 ] الذين صدقوه على دعواه في النبوة، أصحاب الأسود العنسي ومن استجابه من أهل اليمن. وهذه الفرقة بأسرها منكرة لنبوة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم. مدعية النبوة لغيره. فقاتلهم أبو بكر حتى قتل مسيلمة باليمامة، والعنسي بصنعاء. وانفضت جموعهم وهلك أكثرهم.

والطائفة الأخرى: - ارتدوا عن الدين. فأنكروا الشرائع وتركوا الصلاة والزكاة وغيرهما من أمور الدين، وعادوا إلى ما كانوا عليه في الجاهلية، فلم يكن يسجد لله في الأرض إلا في ثلاثة مساجد: مسجد مكة، ومسجد المدينة، ومسجد عبد القيس.

قال; والصنف الآخر: هم الذين فرقوا بين الصلاة وبين الزكاة، فأنكروا وجوبها ووجوب أدائها إلى الإمام، وهؤلاء -على الحقيقة- أهل البغي وإنما لم يدعوا بهذا الاسم في ذلك الزمن خصوصا، لدخولهم في غمار أهل الردة، وأضيف الاسم في الجملة إلى أهل الردة، إذ كانت أعظم الأمرين وأهمهما.

انظر تتمة هذا المبحث في "نيل الأوطار" في كتاب الزكاة.

قال الشوكاني: فأما مانعو الزكاة منهم، المقيمون على أصل الدين، فإنهم أهل بغي. ولم يسموا على الانفراد كفارا، وإن كانت الردة قد أضيفت إليهم لمشاركتهم المرتدين في منع بعض ما منعوه من حقوق الدين، وذلك أن الردة اسم لغوي. فكل من انصرف عن أمر كان مقبلا عليه، فقد ارتد عنه. وقد وجد من هؤلاء القوم الانصراف عن الطاعة ومنع الحق. وانقطع عنهم اسم الثناء والمدح، وعلق بهم الاسم القبيح، لمشاركتهم القوم الذين كان ارتدادهم حقا.

الثانية: قوله تعالى: يحبهم ويحبونه

مذهب السلف في المحبة المسندة له تعالى. أنها ثابتة له تعالى بلا كيف ولا تأويل، ولا مشاركة للمخلوق في شيء من خصائصها. كما تقدم في الفاتحة في: الرحمن الرحيم

فتأويل مثل الزمخشري لها - بإثابته تعالى لهم أحسن الثواب، وتعظيمهم والثناء عليهم [ ص: 2038 ] والرضا عنهم - تفسير باللازم، منزع كلامي لا سلفي. وقد أنكر الزمخشري أيضا كون محبة العباد لله حقيقية، وفسرها بالطاعة وابتغاء المرضاة. فرده صاحب "الانتصاف" بأنه خلاف الظاهر. وهو من المجاز الذي يسمى فيه المسبب باسم السبب، والمجاز الذي لا يعدل إليه عن الحقيقة، إلا بعد تعذرها، فليمتحن حقيقة المحبة لغة بالقواعد، لينظر: أهي ثابتة للعبد متعلقة بالله تعالى أم لا؟ إذ المحبة، لغة: ميل المتصف بها إلى أمر ملذ. واللذات الباعثة على المحبة منقسمة إلى مدرك بالحسن: كلذة الذوق في المطعوم، ولذة النظر واللمس في الصور المستحسنة، ولذة الشم في الروائح العطرة، ولذة السمع في النغمات الحسنة، وإلى لذة تدرك بالعقل: كلذة الجاه والرياسة والعلوم وما يجري مجراها. فقد ثبت أن في اللذات الباعثة على المحبة ما لا يدركه إلا العقل دون الحس، ثم تتفاوت المحبة ضرورة بحسب تفاوت البواعث عليها، وإذا تفاوتت المحبة بحسب تفاوت البواعث، فلذات العلوم أيضا متفاوتة بحسب تفاوت المعلومات، فليس معلوم أكمل ولا أجمل من المعبود الحق. فاللذة الحاصلة في معرفته تعالى، ومعرفة جلاله وكماله، تكون أعظم. والمحبة المنبعثة عنها تكون أمكن، وإذا حصلت هذه المحبة بعثت على الطاعات والموافقات. فقد تحصل من ذلك أن محبة العبد [ ص: 2039 ] ممكنة، بل واقعة من كل مؤمن، فهي من لوازم الإيمان وشروطه، والناس فيها متفاوتون بحسب تفاوت إيمانهم، وإذا كان كذلك، وجب تفسير محبة العبد لله بمعناها الحقيقي لغة، وكانت الطاعة والموافقات كالمسبب عنها والمغاير لها. ألا ترى إلى الأعرابي الذي سأل عن الساعة؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ما أعددت لها؟ قال: ما أعددت لها كبير عمل. ولكن حب الله ورسوله. فقال عليه الصلاة والسلام: أنت مع من أحببت. فهذا الحديث ناطق بأن المفهوم من المحبة لله غير الأعمال والتزام الطاعات؛ لأن الأعرابي نفاها وأثبت الحب، وأقره عليه الصلاة والسلام على ذلك. ثم إذا ثبت إجراء محبة العبد لله تعالى على حقيقتها لغة، فالمحبة في اللغة. إذا تأكدت سميت عشقا، فمن تأكدت محبته لله تعالى، وظهرت آثار تأكدها عليه من استيعاب الأوقات في ذكره وطاعته - فلا تمنع أن تسمى محبته عشقا؛ إذ العشق ليس إلا المحبة البالغة. انتهى.

الثالث: قوله تعالى: أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين

قال ابن كثير: هذه صفات المؤمنين الكمل، أن يكون أحدهم متواضعا لأخيه ووليه، متعززا على خصمه وعدوه، كما قال تعالى: محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم

قال الزمخشري: فإن قلت: هلا قيل: أذلة للمؤمنين؟ قلت فيه وجهان:

أحدهما: - أن يضمن الذل معنى الحنو والعطف كأنه قيل: عاطفين عليهم على وجه التذلل والتواضع.

[ ص: 2040 ] والثاني: أنهم -مع شرفهم وعلو طبقتهم وفضلهم على المؤمنين - خافضون لهم أجنحتهم.. وقرئ: (أذلة وأعزة) بالنصب على الحال.

وفي "الحواشي": أن قوله تعالى: أعزة على الكافرين تكميل؛ لأنه لما وصفهم بالتذلل، ربما توهم أن لهم في نفسهم حقارة. فقال: ومع ذلك هم أعزة على الكافرين، كقوله:


جلوس في مجالسهم رزان وإن ضيف ألم بهم خفوف


واستدل بالآية على فضل التواضع للمؤمنين والشدة على الكفار.

الرابعة: قوله تعالى: ولا يخافون لومة لائم

قال الزمخشري: يحتمل أن تكون (الواو) للحال على معنى: أنهم يجاهدون، وحالهم في المجاهدة خلاف حال المنافقين، فإنهم كانوا موالين لليهود. فإذا خرجوا في جيش المؤمنين خافوا أولياءهم اليهود، فلا يعملون شيئا مما يعلمون أنه يلحقهم فيه لوم من جهتهم; وأما المؤمنون فكانوا يجاهدون لوجه الله لا يخافون لومة لائم قط. وأن تكون للعطف على أن من صفتهم المجاهدة في سبيل الله. وأنهم صلاب في دينهم. إذا شرعوا في أمر من أمور الدين - إنكار منكر أو أمر بمعروف - مضوا فيه كالمسامير المحماة، لا يرعبهم قول قائل ولا اعتراض معترض ولا لومة لائم. يشق عليه جدهم في إنكارهم وصلابتهم في أمرهم. و (اللومة) المرة من اللوم. وفيها وفي التنكير مبالغتان. كأنه قيل: لا يخافون شيئا قط من لوم أحد من اللوام. انتهى.

وفيه وجوب التمسك بالحق وإن لامه لائم. وإنه مع تمسكه به صيره محلة أعلى ممن تمسك به من غير لوم؛ لأنه تعالى مدح من هذا حاله. وفيه أيضا، أن خوف الملامة ليس عذرا في ترك أمر شرعي.

[ ص: 2041 ] روى الإمام أحمد عن أبي ذر قال: أمرني خليلي صلى الله عليه وسلم بسبع: أمرني بحب المساكين والدنو منهم، وأمرني أن أنظر إلى من هو دوني ولا أنظر إلى من هو فوقي، وأمرني أن أصل الرحم وإن أدبرت، وأمرني أن لا أسأل أحدا شيئا، وأمرني أن أقول بالحق وإن كان مرا، وأمرني أن لا أخاف في الله لومة لائم، وأمرني أن أكثر من قول (لا حول ولا قوة إلا بالله) فإنهن كنز تحت العرش.

وروى الإمام أحمد أيضا عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ألا، لا يمنعن أحدكم رهبة الناس أن يقول بحق إذا رآه أو شهده. فإنه لا يقرب من أجل ولا يباعد من رزق أن يقول بحق أو أن يذكر بعظيم» .

وروي أيضا عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يحقرن أحدكم نفسه، أن يرى أمرا لله فيه مقال فلا يقول فيه. فيقال له يوم القيامة: ما منعك أن تكون قلت في كذا وكذا؟ فيقول: مخافة الناس، فيقول: إياي أحق أن تخاف» .

وروى الشيخان عن عبادة بن الصامت قال: بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم [ ص: 2042 ] على السمع والطاعة في المنشط والمكره. وأن لا ننازع الأمر أهله. وأن نقول بالحق حيثما كنا، لا نخاف في الله لومة لائم.

الخامسة: قوله تعالى: ذلك فضل الله

الإشارة إلى ما ذكر من حب الله إياهم، وحبهم لله وذلتهم للمؤمنين، وعزتهم على الكافرين، وجهادهم في سبيل الله، وعدم مبالاتهم للوم اللوام. فالمذكور كله فضل الله الذي فضل به أولياءه.

قال المهايمي: أما المحبتان فظاهر. وكذا العزة على الكفار والجهاد. وأما الذلة على المؤمنين فلأنه تواضع موجب للرفع. وأما عدم خوف الملامة فلما فيه من تحقيق المودة مع الله.

وقوله تعالى: يؤتيه من يشاء أي: ممن يريد به مزيد إكرام من سعة جوده والله واسع أي: كثير الفواضل، جل جلاله.

ولما نهى عن موالاة اليهود والنصارى، أشار إلى من يتعين للموالاة، فقال سبحانه:
القول في تأويل قوله تعالى:

[55] إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون

إنما وليكم الله المفيض عليكم كل خير: ورسوله الذي هو واسطة: والذين آمنوا المعينون في موالاة الله ورسوله بأفعالهم، لأنهم: الذين يقيمون الصلاة التي هي أجمع العبادات البدنية: ويؤتون الزكاة القاطعة محبة المال الجالب للشهوات: وهم راكعون حال من فاعل الفعلين، أي: يعملون ما ذكر - من إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة - وهم خاشعون ومتواضعون لله ومتذللون غير معجبين. فإن رؤيتهم تؤثر فيمن يواليهم بالعون في موالاة الله ورسوله.
[ ص: 2043 ] القول في تأويل قوله تعالى:

[56] ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون

ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فيعينهم وينصرهم: فإن حزب الله هم الغالبون في العاقبة على أعدائه.

تنبيهات:

الأول: إنما أفرد (الولي) ولم يجمع، مع أنه متعدد، للإيذان بأن الولاية لله أصل، ولغيره تبع لولايته عز وجل. فالتقدير: وكذلك رسوله والذين آمنوا.

الثاني: ثمرة هذه الآية تأكيد موالاة المؤمنين والبعد عن موالاة الكفار.

الثالث: قال ابن كثير: توهم بعض الناس أن هذه الجملة - يعني قوله تعالى: وهم راكعون - في موضع الحال من قوله: ويؤتون الزكاة أي: في ركوعهم. ولو كان هذا كذلك، لكان دفع الزكاة في حال الركوع أفضل من غيره؛ لأنه ممدوح، وليس الأمر كذلك عند أحد من العلماء ممن نعلمهم من أئمة الفتوى. وحتى إن بعضهم ذكر في هذا أثرا عن علي بن أبي طالب، أن هذه الآية نزلت فيه: أنه مر به سائل في حال ركوعه، فأعطاه خاتمه. ثم روى ابن كثير الأثر المذكور عن ابن أبي حاتم وابن جرير وعبد الرزاق وابن مردويه، ثم قال: وليس يصح شيء منها بالكلية. لضعف أسانيدها وجهالة رجالها.. انتهى.

وقد اقتص ذلك الخفاجي في "حواشي البيضاوي" عن الحاكم وغيره بطول. ثم أنشد أبياتا لحسان بن ثابت فيها. ولوائح الضعف بل الوضع لا تخفى عليها. لا سيما ونفس حسان بن ثابت، العريق في العربية، بعيد مما نسب إليه. وأي حاجة للتنويه بفضل علي عليه السلام بمثل هذه الواهيات. وفضله أشهر من نار على علم.

[ ص: 2044 ] قال البغوي: روي عن عبد الملك بن سليمان قال: سألت أبا جعفر، محمد بن علي الباقر عن هذه الآية: إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا من هم؟ فقال: المؤمنون. فقلت: إن ناسا يقولون هو علي. فقال: علي من الذين آمنوا.

قال ابن كثير: وقد تقدم في الأحاديث التي أوردناها، أن هذه الآية كلها نزلت في عبادة بن الصامت رضي الله عنه، حين تبرأ من حلف يهود، ورضي بولاية الله ورسوله والمؤمنين.

الرابع: ذهب من رأى أن هذه الآية نزلت في علي عليه السلام وأنه تصدق بخاتمه وهو راكع - كما قدمنا - إلى أن العمل القليل في الصلاة لا يبطلها، وأن صدقة النفل تسمى زكاة. نقله السيوطي في "الإكليل" عن ابن الفرس.

وقال بعض الزيدية: ثمرة الآية تأكد موالاة المؤمنين، وبيان فضل من نزلت فيه، وأنه يجوز إخراج الزكاة في الصلاة، وتنوى. وكذا نية الصيام في الصلاة تصح. وإن الفعل القليل لا يفسد الصلاة. قال: وهذا مأخوذ من سبب نزولها، لا من لفظها. ومتى قيل: إن عليا عليه السلام لم تجب عليه زكاة؟ قلنا: إذا صح ما ذكر أنها نزلت فيه، كان أولى بالصحة، وأنها قد وجبت عليه.

قال في "الغياضة": إن قيل: قد روي أنه كان من ذهب، والذهب محرم على الرجال; أجيب بأن ذلك كان في صدر الإسلام ثم نسخ، أو أن هذا من خواص علي عليه السلام. انتهى.

قال الزمخشري: فإن قلت: كيف صح أن يكون لعلي رضي الله عنه، واللفظ لفظ جماعة؟ قلت: جيء به على لفظ الجمع، وإن كان السبب فيه رجلا واحدا، ليرغب الناس في مثل فعله فينالوا مثل ثوابه. ولينبه على أن سجية المؤمنين يجب أن تكون على هذه الغاية [ ص: 2045 ] من الحرص على البر والإحسان وتفقد الفقراء. حتى إن لزهم أمر لا يقبل التأخير - وهم في الصلاة - لم يؤخروه إلى الفراغ منها. انتهى.

وإنما أوردنا هذا، على علاته، تعجيبا من غرائب الاستنباط. وقد توسع الرازي، عليه الرحمة، في المناقشة مع الشيعة هنا، فليراجع فإنه بحث بديع.

الخامس: قوله تعالى: فإن حزب الله هم الغالبون معناه: فإنهم هم الغالبون.

فوضع الظاهر موضع الضمير العائد إلى (من) دلالة على علة الغلبة. وهو أنهم حزب الله. فكأنه قيل: ومن يتول هؤلاء فهم حزب الله. وحزب الله هم الغالبون. وتنويها بذكرهم وتعظيما لشأنهم وتشريفا لهم بهذا الاسم. وتعريضا لمن يوالي غير هؤلاء بأنه حزب الشيطان. وأصل (الحزب) القوم يجتمعون لأمر حزبهم. وقيل: الحزب جماعة فيهم شدة. فهو أخص من الجماعة والقوم.

ثم أشار تعالى إلى أن موالاة غيرهم، إن كانت لجر نفع، فضررها أعظم. وإن كانت لدفع ضرر فالضرر الحاصل بها لا يفي بالمدفع، فقال سبحانه:
القول في تأويل قوله تعالى:

[57] يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الذين اتخذوا دينكم هزوا ولعبا من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم والكفار أولياء واتقوا الله إن كنتم مؤمنين

يا أيها الذين آمنوا أي: مقتضى إيمانكم حفظ تعظيم دينكم: لا تتخذوا الذين اتخذوا دينكم أي: الذي هو رأس مال كمالاتكم، الذي به انتظام معاشكم ومعادكم، وهو مناط سعادتكم الأبدية، وسبب قربكم من ربكم: هزوا أي: شيئا مستخفا: ولعبا أي: سخرية وضحكا، مبالغة في الاستخفاف به حتى لعبوا بعقول أهله. [ ص: 2046 ] ثم بين المستهزئين وفصلهم بقوله تعالى: من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم والكفار قرئ بالنصب والجر، يعني المشركين كما في قراءة ابن مسعود: ومن الذين أشركوا . أولياء في العون والنصرة. وإنما رتب النهي على وصف اتخاذهم الدين هزوا ولعبا. تنبيها على العلة، وإيذانا بأن من هذا شأنه، جدير بالبغضاء والشنآن والمنابذة. فكيف بالموالاة؟: واتقوا الله أي: في ذلك، بترك موالاتهم، أو بترك المناهي على الإطلاق. فيدخل فيه ترك موالاتهم دخولا أوليا: إن كنتم مؤمنين أي: حقا، فإن قضية الإيمان توجب الاتقاء لا محالة.

ثم بين استهزاءهم بحكم خاص من أحكام الدين، بعد استهزائهم بالدين على الإطلاق، إظهارا لكمال شقاوتهم، بقوله سبحانه:

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 42.39 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 41.76 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.48%)]