عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 20-11-2022, 10:51 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,690
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير "محاسن التأويل"محمد جمال الدين القاسمي متجدد إن شاء الله


تفسير "محاسن التأويل"

محمد جمال الدين القاسمي
سُورَةُ المائدة
المجلد السادس
صـ 2019 الى صـ 2026
الحلقة (301)





[ ص: 2019 ] القول في تأويل قوله تعالى:

[49] وأن احكم بينهم بما أنـزل الله ولا تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنـزل الله إليك فإن تولوا فاعلم أنما يريد الله أن يصيبهم ببعض ذنوبهم وإن كثيرا من الناس لفاسقون

وأن احكم بينهم بما أنـزل الله عطف على (الكتاب) أي: أنزلنا إليك الكتاب والحكم بما فيه. أو على (الحق) أي: أنزلناه بالحق وب (أن احكم) ويجوز أن يكون جملة، بتقدير: وأمرنا أن احكم. وفي التعرض لعنوان إنزاله تعالى إياه، تأكيد لوجوب الامتثال، وتمهيد لما يعقبه من قوله: ولا تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنـزل الله إليك أي: يصرفوك عنه. وإظهار الاسم الجليل لتأكيد الأمر بتهويل الخطب. كإعادة (ما أنزل الله).

فإن تولوا أي: عن الحكم المنزل وأرادوا غيره: فاعلم أنما يريد الله أن يصيبهم ببعض ذنوبهم يعني بذنب التولي عن حكم الله، وإرادة خلافه، فوضع (ببعض ذنوبهم) موضع ذلك. وأراد: أن لهم ذنوبا جمة كثيرة العدد. وأن هذا الذنب - مع عظمه - بعضها وواحد منها.. وهذا الإبهام لتعظيم التولي، واستسرافهم في ارتكابه، ونحو (البعض) في هذا الكلام ما في قول لبيد. [ ص: 2020 ] (أو يرتبط بعض النفوس حمامها..!) أراد نفسه. وإنما قصد تفخيم شأنها بهذا الإبهام. كأنه قال: نفسا كبيرة ونفسا أي نفس. فكما أن التنكير يعطي معنى التكبير وهو معنى البعضية، فكذلك إذا صرح بالبعض. كذا في "الكشاف".

وفي "الحواشي": ومثل هذا قوله تعالى: ورفع بعضكم فوق بعض درجات أراد محمدا صلى الله عليه وسلم; وقيل: ذلك من الخصوص الذي أريد به العموم; وقيل: أراد العذاب في الدنيا. وأما في الآخرة فإنه يعذب بجميع الذنوب. ولقد تلطف القائل:


وأقول بعض الناس عنك كناية خوف الوشاة، وأنت كل الناس


وإن كثيرا من الناس لفاسقون أي: المتمردون في الكفر معتقدون فيه; وهذا تسجيل عليهم بالمخالفة. يعني: إن التولي عن حكم الله من التمرد العظيم والاعتداء في الكفر. والجملة اعتراض تذييلي مقرر لمضمون ما قبله. ونظيرها قوله تعالى: وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين وقوله تعالى: وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله

روى ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: قال كعب بن أسد، وابن صلوما، [ ص: 2021 ] وعبد الله بن صوريا، وشاس بن قيس; بعضهم لبعض: اذهبوا بنا إلى محمد لعلنا نفتنه عن دينه، فأتوه فقالوا: يا محمد! إنك قد عرفت أنا أحبار يهود وأشرافهم وساداتهم. وإنا - إن اتبعناك - اتبعنا يهود، ولم يخالفونا. وأن بيننا وبين قومنا خصومة فنحاكمهم إليك، فتقضي لنا عليهم، ونؤمن لك ونصدقك. فأبى ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم. فأنزل الله عز وجل فيهم: وأن احكم بينهم بما أنـزل الله ولا تتبع أهواءهم الآية.
القول في تأويل قوله تعالى:

[50] أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون

أفحكم الجاهلية يبغون أي: يريدون منك.

قال أبو السعود: إنكار وتعجب من حالهم وتوبيخ لهم و (الفاء) للعطف على مقدر يقتضيه المقام. أي: أيتولون عن حكمك فيبغون حكم الجاهلية. وتقديم المفعول للتخصيص المفيد لتأكد الإنكار والتعجيب. لأن التولي عن حكمه صلى الله عليه وسلم. وطلب حكم آخر، منكر عجيب. وطلب حكم الجاهلية أقبح وأعجب. والمراد ب (الجاهلية) إما الملة الجاهلية التي هي متابعة الهوى، الموجبة للميل والمداهنة في الأحكام فيكون تعبيرا لليهود بأنهم مع كونهم أهل كتاب وعلم، يبغون حكم الجاهلية التي هي هوى وجهل لا يصدر عن كتاب ولا يرجع إلى وحي. وإما أهل الجاهلية، وحكمهم ما كانوا عليه من التفاضل فيما بين القتلى. انتهى.

ومن أحسن من الله حكما أي: قضاء: لقوم يوقنون أي: ينظرون بنظر اليقين إلى العواقب. والاستفهام إنكار لأن يكون أحد حكمه أحسن من حكمه تعالى أو مساويا له.

قال ابن كثير: ينكر تعالى على من خرج عن حكم الله المحكم - المشتمل على كل خير، الناهي عن كل شر - وعدل إلى ما سواه من الآراء والأهواء والاصطلاحات التي وضعها [ ص: 2022 ] الرجال بلا مستند من شريعة الله، كما كان أهل الجاهلية يحكمون به من الضلالات والجهالات مما يضعونها بآرائهم وأهوائهم، وكما يحكم به التتار من السياسات الملكية المأخوذة عن جنكزخان الذي وضع لهم (الياسق) وهو عبارة عن كتاب مجموع من أحكام قد اقتبسها من شرائع شتى، من اليهودية والنصرانية والملة الإسلامية وغيرها. وفيها كثير من الأحكام أخذها من مجرد نظره وهواه، فصارت في بنيه شرعا متبعا يقدمونه على الحكم بكتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم. فمن فعل ذلك منهم فهو كافر يجب قتاله حتى يرجع إلى حكم الله ورسوله. فلا يحكم سواه في قليل ولا كثير. قال الله تعالى: أفحكم الجاهلية يبغون أي: يبتغون ويريدون، وعن حكم الله يعدلون.

ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون أي: ومن أعدل من الله في حكمه لمن عقل عن الله شرعه وآمن به وأيقن، وعلم أن الله تعالى أحكم الحاكمين وأرحم بخلقه من الوالدة بولدها؟ فإنه تعالى هو العالم بكل شيء، القادر على كل شيء، العادل في كل شيء. روى ابن أبي حاتم عن الحسن قال: من حكم بغير حكم الله فحكم الجاهلية. وكان طاوس إذا سأله رجل: أفضل بين ولدي في النحل؟ قرأ: أفحكم الجاهلية الآية. وروى الطبراني: عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أبغض الناس إلى الله عز وجل من يبتغي في الإسلام سنة الجاهلية، وطالب دم امرئ بغير حق ليريق دمه. ورواه البخاري بزيادة. انتهى كلام ابن كثير.

قال بعض مفسري الزيدية: اشتمل قوله تعالى: وأنـزلنا إليك الكتاب بالحق إلى قوله تعالى: ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون على عشرين وجها من التأكيد في [ ص: 2023 ] ملازمة شريعة نبينا صلى الله عليه وسلم التي أنزلها الله تعالى، واختاره لأمته، واستأثر بكثير من أسرارها فلم يطلع عليها، وما أشد امتثال ما تضمنته؟ وكيف الخروج عن عهدته خصوصا على الأئمة والحكام؟ ولن يحصل ذلك حتى يلوم نفسه بلجام الحق، ويعزل عن نفسه مطالعة الخلق، لهذه الجملة لا يقال: إنه صلى الله عليه وسلم معصوم لا يتبع أهواءهم، فكيف نهي عما يعلم الله أنه لا يفعله؟ قال الحاكم: ذلك مقدور له، فيصح النهي وإن علم أنه لا يفعله. وقيل: الخطاب له والمراد غيره.

كذلك لا يقال: قوله: فاحكم بينهم بما أنـزل الله يخرج من ذلك القياس. لأن ذلك - إن جعل خطابا له عليه الصلاة والسلام - فلم يكن متعبدا بالقياس. وإن كان خطابا للكل فالقياس ثابت بالدليل فهو بمثابة المنزل. هكذا ذكر الحاكم. والأكثر: أنه يجوز منه عليه الصلاة والسلام الاجتهاد، ومنعه آخرون. وقوله تعالى: فاستبقوا الخيرات قد يستدل به على أن الواجبات على الفوز. وهو محتمل؛ لأن المراد قبل أن يسبق عليكم الموت. انتهى.

وفي "الإكليل": استدل به على أن تقديم العبادات أول وقتها أفضل من تأخيرها. انتهى.

وقد روى مسلم عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم: أفضل الأعمال الصلاة لوقتها وبر الوالدين.

وروى أبو داود والترمذي والحاكم عن أم فروة عن النبي صلى الله عليه وسلم: «أفضل الأعمال الصلاة في أول وقتها» .
[ ص: 2024 ] القول في تأويل قوله تعالى:

[51] يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين

يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء أي: لا يتخذ أحد منكم أحدا منهم وليا، بمعنى: لا تصافوهم ولا تعاشروهم مصافاة الأحباب ومعاشرتهم.

قال المهايمي: إذا كان تودد أهل الكتاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم لقصد افتتانه عن بعض ما أنزل الله مع غاية كماله، فكيف حال من يتودد إليهم من المؤمنين؟ انتهى.

ووصفهم بعنوان (الإيمان) لحملهم من أول الأمر على الانزجار عما نهوا عنه.

فإن تذكير اتصافهم بضد صفات الفريقين، من أقوى الزواجر عن موالاتهما.

بعضهم أولياء بعض إيماء إلى علة النهي. أي: فإنهم متفوقون على خلافكم، يوالي بعضهم بعضا لاتحادهم في الدين. وإجماعهم على مضادتكم. فما لمن دينه خلاف دينهم ولموالاتهم!!.

ومن يتولهم منكم فإنه منهم أي: من جملتهم. وحكمه حكمهم وإن زعم أنه مخالف لهم في الدين، فهو بدلالة الحال منهم لدلالتها على كمال الموافقة.

قال الزمخشري: وهذا تغليظ من الله وتشديد في وجوب مجانبة المخالف في الدين واعتزاله. كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تراءى ناراهما. ومنه قول عمر [ ص: 2025 ] رضي الله عنه لأبي موسى في كاتبه النصراني: لا تكرموهم إذ أهانهم الله. ولا تأمنوهم إذ خونهم الله. ولا تدنوهم إذ أقصاهم الله. وروي أنه قال له أبو موسى: (لا قوام للبصرة إلا به) فقال: مات النصراني والسلام. يعني: هب أنه قد مات، فما كنت تكون صانعا حينئذ، فاصنعه الساعة واستغن عنه بغيره.

إن الله لا يهدي القوم الظالمين يعني: الذين ظلموا أنفسهم بموالاة الكفرة.

روى ابن أبي حاتم عن ابن سيرين قال: قال عبد الله بن عتبة: ليتق أحدكم أن يكون يهوديا أو نصرانيا وهو لا يشعر. قال: فظنناه يريد هذه الآية: يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الآية.

ثم بين تعالى كيفية توليهم. وأشعر بسببه وبما يؤول إليه أمره. فقال سبحانه:
القول في تأويل قوله تعالى:

[52] فترى الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم نادمين

فترى الذين في قلوبهم مرض أي: نفاق وشك في وعد الله لإظهار دينه: يسارعون فيهم أي: في مودتهم في الباطن والظاهر، من غير نظر فيما يلحقهم من الضرر في دين الله، والفضيحة بالنفاق: يقولون أي: في عذرهم: نخشى أن تصيبنا دائرة أي: من دوائر الزمان، وصرف من صروفه، فتكون الدولة لهم، فنحتاج إليهم، فنحن نتحفظ عن شرهم. ولا يتفكرون في أن الدائرة ربما تصيب من يوالونهم. والدائرة من الصفات الغالبة التي لا يذكر معها موصوفها. وأصلها: الخط المحيط بالسطح. استعيرت لنوائب الزمان، بملاحظة إحاطتها واستعمالها في المكروه. و (الدولة) ضدها، وقد ترد بمعنى (الدائرة) أيضا، لكنه قليل. كذا في "العناية".

[ ص: 2026 ] ثم رد تعالى عللهم الباطلة، وقطع أطماعهم الفارغة، وبشر المؤمنين بالظفر بقوله سبحانه: فعسى الله أن يأتي بالفتح أي: فتح مكة، عن السدي. أو فتح قرى اليهود من خيبر وفدك، عن الضحاك. وقال قتادة ومقاتل: هو القضاء الفصل بنصره صلى الله عليه وسلم على أعدائه، وإظهار المسلمين: أو أمر من عنده يقطع شأفة اليهود، ويجليهم عن بلادهم: فيصبحوا أي: المنافقون: على ما أسروا في أنفسهم من الشك في ظهور الإسلام، أو من النفاق: نادمين لافتضاحهم بالنفاق مع الفريقين. وتعليق الندامة بما كانوا يكتمونه - لا بما كانوا يظهرونه من موالاة الكفرة - لما أنه الذي كان يحملهم على الموالاة ويغريهم عليها. فدل ذلك على ندامتهم عليها بأصلها وسببها.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 53.00 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 52.37 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.18%)]