عرض مشاركة واحدة
  #205  
قديم 17-11-2022, 05:33 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 136,031
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الموافقات - أبو إسحاق الشاطبي -----متجدد إن شاء الله


الموافقات
أبو إسحاق إبراهيم بن موسى بن محمد اللخمي الشاطبي
الجزء الخامس
الحلقة (205)
صـ361 إلى صـ 375



والثاني : أنها منن ونعم امتن الله بها على عباده ، وتعرف إليهم بها في [ ص: 361 ] أثناء ذلك ، واعتبرها ودعا إليها بنصبها لهم وبثها فيهم ، كقوله تعالى : الله الذي خلق السماوات والأرض وأنزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات رزقا لكم إلى قوله : وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها [ إبراهيم : 32 - 34 ] .

وقوله : الذي جعل لكم الأرض فراشا والسماء بناء وأنزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات رزقا لكم الآية [ البقرة : 22 ] .

وقوله : هو الذي أنزل من السماء ماء لكم منه شراب ومنه شجر إلى قوله : وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها [ النحل : 10 - 18 ] .

وفيها : والله جعل لكم مما خلق ظلالا وجعل لكم من الجبال أكنانا الآية [ النحل : 81 ] .

وفي أول السورة : والأنعام خلقها لكم فيها دفء ومنافع ومنها تأكلون [ النحل : 5 ] .

ثم قال : ولكم فيها جمال حين تريحون وحين تسرحون ثم قال : والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة [ النحل : 6 - 8 ] فامتن تعالى هاهنا ، وعرف بنعم من جملتها الجمال والزينة ، وهو الذي ذم به الدنيا في قوله : أنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة [ الحديد : 20 ] .

إلى غير ذلك ، بل حين عرف بنعيم الآخرة امتن بأمثاله في الدنيا ، كقوله : في سدر مخضود وطلح منضود وظل ممدود [ الواقعة : 28 - 30 ] .

[ ص: 362 ] وهو قوله : والله جعل لكم مما خلق ظلالا [ النحل : 81 ] .

وقال : ولهم فيها أزواج مطهرة [ البقرة : 25 ] .

وقال : والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا [ النحل : 72 ] .

وهو كثير ، حتى إنه قال في الجنة : فيها أنهار من ماء غير آسن [ محمد : 15 ] إلى آخر أنواع الأنهار الأربعة .

وقال : والله أنزل من السماء ماء فأحيا به الأرض بعد موتها إلى أن قال : وأوحى ربك إلى النحل أن اتخذي من الجبال بيوتا إلى قوله : فيه شفاء للناس [ النحل : 65 - 69 ] .

وهو كثير أيضا ، ( وأيضا ) فأنزل الأحكام ، وشرع الحلال والحرام تخليصا لهذه النعم التي خلقها لنا من شوائب الكدرات الدنيويات والأخرويات .

وقال تعالى : من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة [ النحل : 97 ] يعني في الدنيا : ولنجزينهم أجرهم [ النحل : 97 ] يعني في الآخرة .

وقال حين امتن بالنعم : انظروا إلى ثمره إذا أثمر وينعه [ الأنعام : 99 ] : كلوا من رزق ربكم واشكروا له بلدة طيبة ورب غفور [ سبأ : 15 ] وقال في بعضها : ولتبتغوا من فضله [ النحل : 14 ] .

فعد طلب الدنيا فضلا ، كما عد حب الإيمان ، وبغض الكفر فضلا .

[ ص: 363 ] والدلائل أكثر من الاستقصاء .

فاقتضى الوصف الأول المضادة للثاني ، فالوجه الأول من الوصف الأول يضاد هذا الوجه الأخير من الوصف الثاني ، وهو ظاهر ؛ لأن عدم اعتبارها ، وأنها مجرد لعب لا محصول له مضاد لكونها نعما وفضلا ، والوجه الثاني من الوصف الأول مضاد للأول من الوصف الثاني ؛ لأن كونها زائلة وظلا يتقلص عما قريب مضاد لكونها براهين على وجود الباري ووحدانيته ، واتصافه بصفات الكمال ، وعلى أن الآخرة حق ، فهي مرآة يرى فيها الحق في كل ما هو حق ، وهذا لا تنفصل الدنيا فيه من الآخرة ، بل هو في الدنيا لا يفنى ؛ لأنها إذا كانت موضوعة لأمر وهو العلم الذي تعطيه ، فذلك الأمر موجود فيها تحقيقه ، وهو لا يفنى ، وإن فني منها ما يظهر للحس ، وذلك المعنى ينتقل إلى الآخرة ، فتكون هنالك نعيما ، فالحاصل أن ما بث فيها من النعم التي وضعت عنوانا عليه - كجعل اللفظ دليلا على المعنى - فالمعنى باق وإن فني العنوان ، وذلك ضد كونها منقضية بإطلاق ، فالوصفان إذا متضادان ، والشريعة منزهة عن التضاد ، مبرأة عن الاختلاف ، فلزم من ذلك أن توارد الوصفين على جهتين مختلفتين ، أو حالتين متنافيتين ، بيانه أن لها نظرين :

أحدهما : نظر مجرد من الحكمة التي وضعت لها الدنيا من كونها متعرفا للحق ، ومستحقا لشكر الواضع لها ، بل إنما يعتبر فيها كونها عيشا ومقتنصا [ ص: 364 ] للذات ، ومآلا للشهوات ، انتظاما في سلك البهائم ، فظاهر أنها من هذه الجهة قشر بلا لب ، ولعب بلا جد ، وباطل بلا حق ؛ لأن صاحب هذا النظر لم ينل منها إلا مأكولا ومشروبا وملبوسا ومنكوحا ومركوبا من غير زائد ، ثم يزول عن قريب ، فلا يبقى منه شيء ، فذلك كأضغاث الأحلام ، فكل ما وصفته الشريعة فيها على هذا الوجه حق ، وهو نظر الكفار الذين لم يبصروا منها إلا ما قال تعالى من أنها لعب ولهو وزينة وغير ذلك مما وصفها به ، ولذلك صارت أعمالهم : كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا [ النور : 39 ] وفي الآية الأخرى : وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا [ الفرقان : 23 ] .

والثاني : نظر غير مجرد من الحكمة التي وضعت لها الدنيا ، فظاهر أنها ملأى من المعارف والحكم ، مبثوث فيها من كل شيء خطير مما لا يقدر على تأدية شكر بعضه ، فإذا نظر إليها العاقل وجد كل شيء فيها نعمة يجب شكرها ، فانتدب إلى ذلك حسب قدرته وتهيئته ، وصار ذلك القشر محشوا لبا ، بل صار القشر نفسه لبا ؛ لأن الجميع نعم طالبة للعبد أن ينالها فيشكر لله بها وعليها ، والبرهان مشتمل على النتيجة بالقوة أو بالفعل ، فلا دق ولا جل في هذه الوجوه إلا والعقل عاجز عن بلوغ أدنى ما فيه من الحكم والنعم ، ومن هاهنا أخبر تعالى عن الدنيا بأنها جد وأنها حق ، كقوله تعالى : أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا [ المؤمنون : 115 ] .

وقوله : وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما باطلا [ ص : 27 ] .

وقوله : وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما لاعبين ما خلقناهما إلا بالحق [ الدخان : 38 - 39 ] .

[ ص: 365 ] أولم يتفكروا في أنفسهم ما خلق الله السماوات والأرض وما بينهما إلا بالحق [ الروم : 8 ] إلى غير ذلك .

ولأجل هذا صارت أعمال أهل هذا النظر معتبرة مثبتة حتى قيل : فلهم أجر غير ممنون [ التين : 6 ] .

من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة [ النحل : 97 ] .

فالدنيا من جهة النظر الأول مذمومة ، وليست بمذمومة من جهة النظر [ ص: 366 ] الثاني ، بل هي محمودة ، فذمها بإطلاق لا يستقيم ، كما أن مدحها بإطلاق لا يستقيم ، والأخذ لها من الجهة الأولى مذموم ، يسمى أخذه رغبة في الدنيا ، وحبا في العاجلة ، وضده هو الزهد فيها ، وهو تركها من تلك الجهة ، ولا شك أن تركها من تلك الجهة مطلوب ، والأخذ لها من الجهة الثانية غير مذموم ، ولا يسمى أخذه رغبة فيها ، ولا الزهد فيها من هذه الجهة محمود ، بل يسمى سفها وكسلا وتبذيرا .

ومن هنا وجب الحجر على صاحب هذه الحالة شرعا ، ولأجله كان الصحابة طالبين لها ، مشتغلين بها ، عاملين فيها ؛ لأنها من هذه الجهة عون على شكر الله عليها ، وعلى اتخاذها مركبا للآخرة ، وهم كانوا أزهد الناس فيها ، وأورع الناس في كسبها ، فربما سمع أخبارهم في طلبها من يتوهم أنهم طالبون لها من الجهة الأولى ، لجهله بهذا الاعتبار ، وحاش لله من ذلك ، إنما طلبوها من الجهة الثانية ، فصار طلبهم لها من جملة عباداتهم ، كما أنهم تركوا طلبها من الجهة الأولى ، فكان ذلك أيضا من جملة عباداتهم رضي الله عنهم ، وألحقنا بهم ، وحشرنا معهم ، ووفقنا لما وفقهم له بمنه وكرمه .

فتأمل هذا الفصل ، فإن فيه رفع شبه كثيرة ترد على الناظر في الشريعة وفي أحوال أهلها ، وفيه رفع مغالط تعترض للسالكين لطريق الآخرة ، فيفهمون الزهد وترك الدنيا على غير وجهه ، كما يفهمون طلبها على غير وجهه ، فيمدحون ما لا يمدح شرعا ، ويذمون ما لا يذم شرعا .

وفيه أيضا من الفوائد فصل القضية بين المختلفين في مسألة الفقر والغنى ، وأن ليس الفقر أفضل من الغنى بإطلاق ، ولا الغنى أفضل بإطلاق ، بل الأمر في ذلك يتفصل ، فإن الغنى إذا أمال إلى إيثار العاجلة كان بالنسبة إلى [ ص: 367 ] صاحبه مذموما ، وكان الفقر أفضل منه ، وإن أمال إلى إيثار الآجلة ، فإنفاقه في وجهه ، والاستعانة به على التزود للمعاد ، فهو أفضل من الفقر ، والله الموفق بفضله .
فصل

واعلم أن أكثر أحكام هذا النظر مذكور في أثناء الكتاب ، فلذلك اختصر القول فيه .

وأيضا ، فإن ثم أحكاما أخر تتعلق به ، قلما يذكرها الأصوليون ، ولكنها بالنسبة إلى أصول هذا الكتاب كالفروع ، فلم نتعرض لها ؛ لأن المضطلع بها يدرك الحكم فيها بأيسر النظر ، والله المستعان ، وإنما ذكر هنا ما هو كالضابط الحاصر ، والأصل العتيد لمن تشوف إلى ضوابط التعارض والترجيح .
[ ص: 368 ] [ ص: 369 ] النظر الثاني

في أحكام السؤال والجواب ، وهو علم الجدل ، وقد صنف الناس فيه من متقدم ومتأخر ، والذي يليق منه بغرض هذا الكتاب فرض مسائل

[ ص: 370 ] [ ص: 371 ] المسألة الأولى

إن السؤال إما أن يقع من عالم أو غير عالم ، وأعني بالعالم المجتهد ، وغير العالم المقلد ، وعلى كلا التقديرين إما أن يكون المسئول عالما أو غير عالم ، فهذه أربعة أقسام :

الأول : سؤال العالم للعالم ، وذلك في المشروع يقع على وجوه ، كتحقيق ما حصل ، أو رفع إشكال عن له ، وتذكر ما خشي عليه النسيان ، أو تنبيه المسئول على خطأ يورده مورد الاستفادة ، أو نيابة منه عن الحاضرين من المتعلمين ، أو تحصيل ما عسى أن يكون فاته من العلم .

والثاني : سؤال المتعلم لمثله ، وذلك أيضا يكون على وجوه ، كمذاكرته له بما سمع ، أو طلبه منه ما لم يسمع مما سمعه المسئول ، أو تمرنه معه في المسائل قبل لقاء العالم ، أو التهدي بعقله إلى فهم ما ألقاه العالم .

والثالث : سؤال العالم للمتعلم ، وهو على وجوه كذلك ، كتنبيهه على موضع إشكال يطلب رفعه ، أو اختبار عقله أين بلغ ، والاستعانة بفهمه إن كان لفهمه فضل ، أو تنبيهه على ما علم ليستدل به على ما لم يعلم .

[ ص: 372 ] والرابع : وهو الأصل الأول ، سؤال المتعلم للعالم ، وهو يرجع إلى طلب علم ما لم يعلم .

فأما الأول والثاني والثالث ، فالجواب عنه مستحق إن علم ، ما لم يمنع من ذلك عارض معتبر شرعا وإلا فالاعتراف بالعجز .

وأما الرابع ، فليس الجواب عنه بمستحق بإطلاق ، بل فيه تفصيل ، فيلزم الجواب إذا كان عالما بما سئل عنه متعينا عليه في نازلة واقعة أو في [ ص: 373 ] أمر فيه نص شرعي بالنسبة إلى المتعلم ، لا مطلقا ، ويكون السائل ممن يحتمل عقله الجواب ، ولا يؤدي السؤال إلى تعمق ولا تكلف ، وهو مما يبنى عليه عمل شرعي ، وأشباه ذلك ، وقد لا يلزم الجواب في مواضع ، كما إذا لم يتعين عليه ، أو المسألة اجتهادية لا نص فيها للشارع ، وقد لا يجوز ، كما إذا لم يحتمل عقله الجواب ، أو كان فيه تعمق ، أو أكثر من السؤالات التي هي من جنس الأغاليط ، أو فيه نوع اعتراض ، ولا بد من ذكر جملة يتبين بها هذا المعنى بحول الله في أثناء المسائل الآتية .
[ ص: 374 ] المسألة الثانية

الإكثار من الأسئلة مذموم ، والدليل عليه النقل المستفيض من الكتاب والسنة وكلام السلف الصالح ، من ذلك قوله تعالى : يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم الآية [ المائدة : 101 ] .

وفي الحديث أنه - عليه الصلاة والسلام - قرأ : ولله على الناس حج البيت الآية [ آل عمران : 97 ] ، فقال رجل : يا رسول الله ، أكل عام ؟ فأعرض ، ثم قال : يا رسول الله ، أكل عام ؟ ثلاثا ، وفي كل ذلك يعرض ، وقال في الرابعة : والذي نفسي بيده لو قلتها لوجبت ، ولو وجبت ما قمتم بها ، ولو لم تقوموا بها لكفرتم ، فذروني ما تركتكم .

وفي مثل هذا نزلت : لا تسألوا عن أشياء الآية [ المائدة : 101 ] .

[ ص: 375 ] وكره - عليه الصلاة والسلام - المسائل وعابها ، ونهى عن كثرة السؤال ، وكان - عليه الصلاة والسلام - يكره السؤال فيما لم ينزل فيه حكم ، وقال : إن الله فرض فرائض ، فلا تضيعوها ، ونهى عن أشياء ، فلا تنتهكوها ، وحد حدودا فلا تعتدوها ، وعفا عن أشياء رحمة بكم لا عن نسيان ، فلا تبحثوا عنها .





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 28.41 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 27.78 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.21%)]