عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 15-11-2022, 05:10 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,025
الدولة : Egypt
افتراضي رد: فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام


فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام
المؤلف:شيخ الاسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية.
سُورَةُ النساء
المجلد الخامس
الحلقة( 213)

من صــ 481 الى صـ 490



وقد قال {شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم قائما بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم} فله الوحدانية في إلهيته وله العدل وله العزة والحكمة. وهذه الأربعة إنما يثبتها السلف وأتباعهم. فمن قصر عن معرفة السنة فقد نقص الرب بعض حقه. والجهمي الجبري لا يثبت عدلا ولا حكمة ولا توحيد إلهية. بل توحيد ربوبيته. والمعتزلي أيضا لا يثبت في الحقيقة توحيد إلهية ولا عدلا في الحسنات والسيئات ولا عزة ولا حكمة في الحقيقة وإن قال: إنه يثبت الحكمة بما معناها يعود إلى غيره. وتلك لا يصلح أن تكون حكمة من فعل لا لأمر يرجع إليه بل لغيره هو عند العقلاء قاطبة بها ليس بحكيم بل سفيه. وإذا كان الحمد لا يقع إلا على نعمة فقد ثبت: أنه رأس الشكر.
فهو أول الشكر. والحمد - وإن كان على نعمته وعلى حكمته - فالشكر بالأعمال هو على نعمته. وهو عبادة له لإلهيته التي تتضمن حكمته. فقد صار مجموع الأمور داخلا في الشكر. ولهذا عظم القرآن أمر الشكر. ولم يعظم أمر الحمد مجردا إذ كان نوعا من الشكر. وشرع الحمد - الذي هو الشكر المقول - أمام كل خطاب مع التوحيد. ففي الفاتحة: الشكر والتوحيد. والخطب الشرعية لا بد فيها من الشكر والتوحيد. والباقيات الصالحات نوعان. فسبحان الله وبحمده: فيها الشكر والتنزيه والتعظيم. ولا إله إلا الله. والله أكبر: فيها التوحيد والتكبير. وقد قال تعالى {فادعوه مخلصين له الدين الحمد لله رب العالمين}.

وهل الحمد على كل ما يحمد به الممدوح وإن لم يكن باختياره أو لا يكون الحمد إلا على الأمور الاختيارية. كما قيل في الذم؟ فيه نظر ليس هذا موضعه. وفي الصحيح {أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا رفع رأسه من الركوع يقول: ربنا ولك الحمد. ملء السماء وملء الأرض وملء ما شئت من شيء بعد أهل الثناء والمجد. أحق ما قال العبد - وكلنا لك عبد - لا مانع لما أعطيت. ولا معطي لما منعت. ولا ينفع ذا الجد منك الجد} هذا لفظ الحديث.
" أحق " أفعل التفضيل. وقد غلط فيه طائفة من المصنفين فقالوا {حق ما قال العبد}. وهذا ليس لفظ الرسول. وليس هو بقول سديد. فإن العبد يقول الحق والباطل. بل حق ما يقوله الرب. كما قال تعالى {فالحق والحق أقول}. ولكن لفظه {أحق ما قال العبد} خبر مبتدأ محذوف. أي الحمد أحق ما قال العبد. أو هذا - وهو الحمد - أحق ما قال العبد. ففيه بيان: أن الحمد لله أحق ما قاله العباد. ولهذا أوجب قوله في كل صلاة وأن تفتتح به الفاتحة. وأوجب قوله في كل خطبة وفي كل أمر ذي بال. والحمد ضد الذم. والحمد يكون على محاسن المحمود مع المحبة له كما أن الذم يكون على مساويه مع البغض له. فإذا قيل: إنه سبحانه يفعل الخير والحسنات وهو حكيم رحيم بعباده أرحم بعباده من الوالدة بولدها: أوجب ذلك أن يحبه عباده ويحمدوه.

وأما إذا قيل: بل يخلق ما هو شر محض لا نفع فيه ولا رحمة ولا حكمة لأحد. وإنما يتصف بإرادة ترجح مثلا على مثل. لا فرق عنده بين أن يرحم أو يعذب. وليست نفسه ولا إرادته مرجحة للإحسان إلى الخلق بل تعذيبهم وتنعيمهم سواء عنده. وهو - مع هذا - يخلق ما يخلق لمجرد العذاب والشر ويفعل ما يفعل لا لحكمة - ونحو ذلك مما يقوله الجهمية -: لم يكن هذا موجبا لأن يحبه العباد ويحمدوه. بل هو موجب للعكس. ولهذا فإن كثيرا من هؤلاء ينطقون بالذم والشتم والطعن. ويذكرون ذلك نظما ونثرا. وكثير من شيوخ هؤلاء وعلمائهم من يذكر في كلامه ما يقتضي هذا. ومن لم يقله بلسانه فقلبه ممتلئ به لكن يرى أن ليس في ذكره منفعة أو يخاف من عموم المسلمين. وفي شعر طائفة من الشيوخ ذكر نحو هذا. وهؤلاء يقيمون حجج إبليس وأتباعه على الله. ويجعلون الرب ظالما لهم.

وهو خلاف ما وصف الله به نفسه في قوله تعالى {وما ظلمناهم ولكن كانوا هم الظالمين} وقوله {وما ظلمناهم ولكن ظلموا أنفسهم} وقوله {وما ربك بظلام للعبيد}.
كيف يكون ظالما؟ وهم فيما بينهم لو أساء بعضهم إلى بعض أو قصر في حقه لكان يؤاخذه ويعاقبه وينتقم منه. ويكون ذلك عدلا إذا لم يعتد عليه. ولو قال: إن الذي فعلته قدر علي فلا ذنب لي فيه: لم يكن هذا عذرا له عندهم باتفاق العقلاء. فإذا كان العقلاء متفقين على أن حق المخلوق لا يجوز إسقاطه احتجاجا بالقدر. فكيف يجوز إسقاط حق الخالق احتجاجا بالقدر. وهو سبحانه الحكم العدل الذي لا يظلم مثقال ذرة. وإن تك حسنة يضاعفها. ويؤت من لدنه أجرا عظيما. وهذا مبسوط في غير هذا الموضع. فقوله {أحق ما قال العبد} يقتضي: أن حمد الله أحق ما قاله العبد. فله الحمد على كل حال. لأنه لا يفعل إلا الخير والإحسان الذي يستحق الحمد عليه سبحانه وتعالى. وإن كان العباد لا يعلمون. وهو سبحانه خلق الإنسان وخلق نفسه متحركة بالطبع حركة لا بد فيها من الشر لحكمة بالغة ورحمة سابغة.
فإذا قيل: فلم لم يخلقها على غير هذا الوجه؟ . قيل: كان يكون ذلك خلقا غير الإنسان. وكانت الحكمة التي خلقها بخلق الإنسان لا تحصل. وهذا سؤال الملائكة حيث قالوا {أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء} وما لم تعلمه الملائكة فكيف يعلمه آحاد الناس. ونفس الإنسان خلقت كما قال الله تعالى {إن الإنسان خلق هلوعا} {إذا مسه الشر جزوعا} {وإذا مسه الخير منوعا} وقال تعالى {خلق الإنسان من عجل}. فقد خلقت خلقة تستلزم وجود ما وجد منها لحكمة عظيمة ورحمة عميمة. فكان ذلك خيرا ورحمة. وإن كان فيه شر إضافي كما تقدم. فهذا من جهة الغاية مع أنه لا يضاف الشر إلى الله. وأما الوجه الثاني من جهة السبب: فإن هذا الشر إنما وجد لعدم العلم والإرادة التي تصلح النفس. فإنها خلقت بفطرتها تقتضي معرفة الله ومحبته.

وقد هديت إلى علوم وأعمال تعينها على ذلك. وهذا كله من فضل الله وإحسانه. لكن النفس المذنبة لما لم يحصل لها من يكملها بل حصل لها من زين لها السيئات - من شياطين الإنس والجن - مالت إلى ذلك وفعلت السيئات. فكان فعلها للسيئات. مركبا من عدم ما ينفع وهو الأفضل. ووجود هؤلاء الذين حيروها. والعدم لا يضاف إلى الله. وهؤلاء: القول فيهم كالقول فيها: خلقهم لحكمة. فلما كان عدم ما تعمل به وتصلح: هو أحد السببين. وكان الشر المحض الذي لا خير فيه: هو العدم المحض والعدم لا يضاف إلى الله. فإنه ليس شيئا. والله خالق كل شيء: كانت السيئات منها باعتبار أن ذاتها في نفسها مستلزمة للحركة الإرادية التي تحصل منها - مع عدم ما يصلحها - تلك السيئات.

والعبد إذا اعترف وأقر بأن الله خالق أفعاله كلها فهو على وجهين. إن اعترف به إقرارا بخلق الله كل شيء بقدرته ونفوذ مشيئته وإقرارا بكلماته التامات التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر واعترافا بفقره وحاجته إلى الله وأنه إن لم يهده فهو ضال. وإن لم يتب عليه فهو مصر. وإن لم يغفر له فهو هالك: خضع لعزته وحكمته. فهذا حال المؤمنين الذين يرحمهم الله ويهديهم ويوفقهم لطاعته. وإن قال ذلك احتجاجا على الرب ودفعا للأمر والنهي عنه وإقامة لعذر نفسه فهذا ذنب أعظم من الأول. وهذا من أتباع الشيطان. ولا يزيده ذلك إلا شرا. وقد ذكرنا أن الرب سبحانه محمود لنفسه ولإحسانه إلى خلقه.
ولذلك هو يستحق المحبة لنفسه ولإحسانه إلى عباده. ويستحق أن يرضى العبد بقضائه. لأن حكمه عدل لا يفعل إلا خيرا وعدلا. ولأنه لا يقضي للمؤمن قضاء إلا كان خيرا له {إن أصابته سراء شكر. فكان خيرا له. وإن أصابته ضراء صبر. فكان خيرا له}. فالمؤمن يرضى بقضائه لما يستحقه الرب لنفسه - من الحمد والثناء - ولأنه محسن إلى المؤمن. وما تسأله طائفة من الناس وهو أنه صلى الله عليه وسلم قال {لا يقضي الله للمؤمن قضاء إلا كان خيرا له} وقد قضى عليه بالسيئات الموجبة للعقاب. فكيف يكون ذلك خيرا؟ .
وعنه جوابان:
أحدهما: أن أعمال العباد لم تدخل في الحديث، إنما دخل فيه ما يصيب الإنسان من النعم والمصائب كما في قوله {ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك} ولهذا قال {إن أصابته سراء شكر. فكان خيرا له. وإن أصابته ضراء صبر. فكان خيرا له} فجعل القضاء: ما يصيبه من سراء وضراء. هذا ظاهر لفظ الحديث. فلا إشكال عليه. الوجه الثاني: أنه إذا قدر أن الأعمال دخلت في هذا. فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم {من سرته حسنته وساءته سيئته فهو مؤمن}. فإذا قضى له بأن يحسن فهذا مما يسره. فيشكر الله عليه. وإذا قضى عليه بسيئة: فهي إنما تكون سيئة يستحق العقوبة عليها إذا لم يتب منها. فإن تاب أبدلت بحسنة. فيشكر الله عليها.
وإن لم يتب ابتلي بمصائب تكفرها فصبر عليها. فيكون ذلك خيرا له. والرسول صلى الله عليه وسلم قال {لا يقضي الله للمؤمن} والمؤمن هو الذي لا يصر على ذنب بل يتوب منه. فيكون حسنة كما قد جاء في عدة آيات. إن العبد ليعمل الذنب فيدخل به الجنة بعمله. لا يزال يتوب منه حتى يدخل بتوبته منه الجنة.
والذنب يوجب ذل العبد وخضوعه ودعاء الله واستغفاره إياه وشهوده بفقره وحاجته إليه وأنه لا يغفر الذنوب إلا هو.

فيحصل للمؤمن - بسبب الذنب - من الحسنات ما لم يكن يحصل بدون ذلك. فيكون هذا القضاء خيرا له. فهو في ذنوبه بين أمرين: إما أن يتوب فيتوب الله عليه فيكون من التوابين الذين يحبهم الله. وإما أن يكفر عنه بمصائب؛ تصيبه ضراء فيصبر عليها. فيكفر عنه السيئات بتلك المصائب وبالصبر عليها ترتفع درجاته. وقد جاء في بعض الأحاديث {يقول الله تعالى أهل ذكري أهل مجالستي. وأهل شكري أهل زيادتي. وأهل طاعتي أهل كرامتي. وأهل معصيتي لا أؤيسهم من رحمتي. إن تابوا فأنا حبيبهم} أي محبهم فإن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين {وإن لم يتوبوا فأنا طبيبهم. أبتليهم بالمصائب لأكفر عنهم المعائب}. وفي قوله تعالى {فمن نفسك} من الفوائد: أن العبد لا يركن إلى نفسه ولا يسكن إليها. فإن الشر لا يجيء إلا منها. ولا يشتغل بملام الناس ولا ذمهم إذا أساءوا إليه.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 37.15 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 36.52 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.69%)]