عرض مشاركة واحدة
  #10  
قديم 15-11-2022, 05:46 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,362
الدولة : Egypt
افتراضي رد: فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام


فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام
المؤلف:شيخ الاسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية.
سُورَةُ النساء
المجلد الخامس
الحلقة( 212)

من صــ 471 الى صـ 480




كما أنه إذا قيل: محمد وأمته يسفكون الدماء ويفسدون في الأرض: كان هذا ذما لهم وكان باطلا. وإذا قيل: يجاهدون في سبيل الله لتكون كلمة الله هي العليا ويكون الدين كله لله ويقتلون من منعهم من ذلك: كان هذا مدحا لهم وكان حقا. فإذا قيل: إن الرب تبارك وتعالى حكيم رحيم. أحسن كل شيء خلقه وأتقن ما صنع وهو أرحم الراحمين. أرحم بعباده من الوالدة بولدها. والخير كله بيديه. والشر ليس إليه. بل لا يفعل إلا خيرا. وما خلقه من ألم لبعض الحيوانات أو من أعمالهم المذمومة: فله فيها حكمة عظيمة ونعمة جسيمة - كان هذا حقا. وهو مدح للرب وثناء عليه. وأما إذا قيل: إنه يخلق الشر الذي لا خير فيه ولا منفعة لأحد. ولا له فيها حكمة ولا رحمة.
ويعذب الناس بلا ذنب: لم يكن هذا مدحا للرب ولا ثناء عليه. بل كان بالعكس. ومن هؤلاء من يقول: إن الله تعالى أضر على خلقه من إبليس. وبسط القول في بيان فساد قول هؤلاء له موضع آخر. وقد بينا بعض ما في خلق جهنم وإبليس والسيئات: من الحكمة والرحمة. وما لم نعلم أعظم مما علمناه. فتبارك الله أحسن الخالقين وأرحم الراحمين وخير الغافرين. ومالك يوم الدين. الأحد الصمد. الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد. الذي لا يحصي العباد ثناء عليه. بل هو كما أثنى على نفسه الذي له الحمد في الأولى والآخرة. وله الحكم وإليه ترجعون. الذي يستحق الحمد والحب والرضا لذاته ولإحسانه إلى عباده. سبحانه وتعالى. يستحق أن يحمد لما له في نفسه من المحامد والإحسان إلى عباده. هذا حمد شكر وذاك حمد مطلقا.

وقد ذكرنا - في غير هذا الموضع - ما قيل: من أن كل ما خلقه الله فهو نعمة على عباده المؤمنين. يستحق أن يحمدوه ويشكروه عليه وهو من آلائه. ولهذا قال في آخر سورة النجم {فبأي آلاء ربك تتمارى} وفي سورة الرحمن يذكر {كل من عليها فان} ونحو ذلك. ثم يقول عقب ذلك {فبأي آلاء ربكما تكذبان}. وقال آخرون: منهم الزجاج وأبو الفرج بن الجوزي {فبأي آلاء ربكما تكذبان} أي من هذه الأشياء المذكورة. لأنها كلها ينعم بها عليكم في دلالتها إياكم على وحدانيته وفي رزقه إياكم ما به قوامكم. وهذا قالوه في سورة الرحمن.
وقالوا في قوله {فبأي آلاء ربك تتمارى} فبأي نعم ربك التي تدل على وحدانيته تتشكك؟ وقيل: تشك وتجادل؟ قال ابن عباس: تكذب؟ . قلت: قد ضمن {تتمارى} معنى تكذب. ولهذا عداه بالتاء. فإن التماري: تفاعل من المراء. يقال: تمارينا في الهلال. والمراء في القرآن كفر وهو يكون تكذيبا وتشكيكا. وقد يقال: لما كان الخطاب لهم. قال {تتمارى} أي تتمارون. ولم يقل: تمتري. فإن التفاعل يكون بين اثنين تماريا. قالوا: والخطاب للإنسان. قيل للوليد بن المغيرة. فإنه قال {أم لم ينبأ بما في صحف موسى} {وإبراهيم الذي وفى} {ألا تزر وازرة وزر أخرى} ثم التفت إليه فقال {فبأي آلاء ربك تتمارى} تكذب. كما قال {خلق الإنسان من صلصال كالفخار} {وخلق الجان من مارج من نار} {فبأي آلاء ربكما تكذبان}. ففي كل ما خلقه الله إحسان إلى عباده يحمد عليه حمد شكر وله فيه حكمة تعود إليه يستحق لأجلها أن يحمد عليه حمدا يستحقه لذاته.
فجميع المخلوقات: فيها إنعام على العباد كالثقلين المخاطبين بقوله {فبأي آلاء ربكما تكذبان} من جهة أنها آيات للرب يحصل بها هدايتهم وإيمانهم الذي يسعدون به في الدنيا والآخرة. فيدلهم عليه وعلى وحدانيته وقدرته وعلمه وحكمته ورحمته. والآيات التي بعث بها الأنبياء وأيدهم بها ونصرهم. وإهلاك عدوهم - كما ذكره في سورة النجم {وأنه أهلك عادا الأولى} {وثمود فما أبقى} {وقوم نوح من قبل إنهم كانوا هم أظلم وأطغى} {والمؤتفكة أهوى} {فغشاها ما غشى} - تدلهم على صدق الأنبياء فيما أخبروا به من الأمر والنهي والوعد والوعيد. ما بشروا به وأنذروا به. ولهذا قال عقيب ذلك {هذا نذير من النذر الأولى} قيل: هو محمد. وقيل: هو القرآن.
فإن الله سمى كلا منهما بشيرا ونذيرا. فقال في رسول الله {إن أنا إلا نذير وبشير لقوم يؤمنون} وقال تعالى {إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا} وقال تعالى في القرآن {كتاب فصلت آياته قرآنا عربيا لقوم يعلمون} {بشيرا ونذيرا} وهما متلازمان. وكل من هذين المعنيين: مراد. يقال: هذا نذير أنذر بما أنذرت به الرسل الرسل المرسلين. ففي المخلوقات: نعم من جهة حصول الهدى والإيمان والاعتبار والموعظة بها. وهذه أفضل النعم. فأفضل النعم: نعمة الإيمان. وكل مخلوق من المخلوقات: فهو الآيات التي يحصل بها ما يحصل من هذه النعمة. قال تعالى {لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب} وقالي تعالى {تبصرة وذكرى لكل عبد منيب}. وما يصيب الإنسان إن كان يسره: فهو نعمة بينة. وإن كان يسوءه: فهو نعمة من جهة أنه يكفر خطاياه. ويثاب بالصبر عليه.

ومن جهة أن فيه حكمة ورحمة لا يعلمها {وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون}. وقد قال في الحديث {والله لا يقضي الله للمؤمن قضاء إلا كانوالكتب الأولى. وقوله " من النذر " أي من جنسها. أي رسول من خيرا له. إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له. وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له}.
وإذا كان هذا وهذا: فكلاهما من نعم الله عليه. وكلتا النعمتين تحتاج مع الشكر إلى الصبر. أما نعمة الضراء: فاحتياجها إلى الصبر ظاهر. وأما نعمة السراء: فتحتاج إلى الصبر على الطاعة فيها.
فإن فتنة السراء أعظم من فتنة الضراء.

كما قال بعض السلف: ابتلينا بالضراء فصبرنا. وابتلينا بالسراء فلم نصبر. وفي الحديث {أعوذ بك من فتنة الفقر. وشر فتنة الغنى}. والفقر: يصلح عليه خلق كثير.
والغنى: لا يصلح عليه إلا أقل منهم. ولهذا كان أكثر من يدخل الجنة المساكين. لأن فتنة الفقر أهون وكلاهما يحتاج إلى الصبر والشكر. لكن لما كان في السراء: اللذة. وفي الضراء: الألم. اشتهر ذكر الشكر في السراء والصبر في الضراء. قال تعالى {ولئن أذقنا الإنسان منا رحمة ثم نزعناها منه إنه ليئوس كفور} {ولئن أذقناه نعماء بعد ضراء مسته ليقولن ذهب السيئات عني إنه لفرح فخور} {إلا الذين صبروا وعملوا الصالحات أولئك لهم مغفرة وأجر كبير} ولأن صاحب السراء: أحوج إلى الشكر وصاحب الضراء: أحوج إلى الصبر. فإن صبر هذا وشكر هذا: واجب. إذا تركه استحق العقاب. وأما صبر صاحب السراء: فقد يكون مستحبا إذا كان عن فضول الشهوات. وقد يكون واجبا ولكن لإتيانه بالشكر - الذي هو حسنات - يغفر له ما يغفر من سيئاته. وكذلك صاحب الضراء: لا يكون الشكر في حقه مستحبا إذا كان شكرا يصير به من السابقين المقربين. وقد يكون تقصيره في الشكر: مما يغفر له لما يأتي به من الصبر. فإن اجتماع الشكر والصبر جميعا: يكون مع تألم النفس وتلذذها يصبر على الألم ويشكر على النعم.
وهذا حال يعسر على كثير من الناس. وبسط هذا له موضع آخر. والمقصود هنا: أن الله تعالى منعم بهذا كله وإن كان لا يظهر الإنعام به في الابتداء لأكثر الناس. فإن الله يعلم وأنتم لا تعلمون. فكل ما يفعله الله فهو نعمة منه.

وأما ذنوب الإنسان: فهي من نفسه. ومع هذا فهي - مع حسن العاقبة - نعمة وهي نعمة على غيره بما يحصل له بها من الاعتبار والهدى والإيمان. ولهذا كان من أحسن الدعاء قوله {اللهم لا تجعلني عبرة لغيري ولا تجعل أحدا أسعد بما علمتني مني}. وفي دعاء القرآن {ربنا لا تجعلنا فتنة للقوم الظالمين} {لا تجعلنا فتنة للذين كفروا} كما فيه {واجعلنا للمتقين إماما} أي فاجعلنا أئمة لمن يقتدي بنا ويأتم. ولا تجعلنا فتنة لمن يضل بنا ويشقى. و " الآلاء " في اللغة: هي النعم وهي تتضمن القدرة. قال ابن قتيبة: لما عدد الله في هذه السورة - سورة الرحمن - نعماءه وذكر عباده آلاءه ونبههم على قدرته. جعل كل كلمة من ذلك فاصلة بين نعمتين ليفهم النعم ويقررهم بها.

وقد روى الحاكم في صحيحه والترمذي عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال {قرأ علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم الرحمن حتى ختمها. ثم قال: ما لي أراكم سكوتا؟ للجن كانوا أحسن منكم ردا. ما قرأت عليهم هذه الآية من مرة - {فبأي آلاء ربكما تكذبان} - إلا قالوا: ولا بشيء من نعمك ربنا نكذب. فلك الحمد}.
والله تعالى يذكر في القرآن بآياته الدالة على قدرته وربوبيته. ويذكر بآياته التي فيها نعمه وإحسانه إلى عباده. ويذكر بآياته المبينة لحكمته تعالى. وهي كلها متلازمة. فكل ما خلق: فهو نعمة ودليل على قدرته وعلى حكمته. لكن نعمة الرزق والانتفاع بالمآكل والمشارب والمساكن والملابس: ظاهرة لكل أحد. فلهذا يستدل بها كما في سورة النحل. وتسمى سورة النعم. كما قاله قتادة وغيره. وعلى هذا: فكثير من الناس يقول: الحمد أعم من الشكر. من جهة أسبابه. فإنه يكون على نعمة وعلى غير نعمة. والشكر أعم من جهة أنواعه. فإنه يكون بالقلب واللسان واليد. فإذا كان كل مخلوق فيه نعمة: لم يكن الحمد إلا على نعمة. والحمد لله على كل حال. لأنه ما من حال يقضيها إلا وهي نعمة على عباده. لكن هذا فهم من عرف ما في المخلوقات من النعم. والجهمية والجبرية: بمعزل عن هذا.

وكذلك كل ما يخلقه: ففيه له حكمة. فهو محمود عليه باعتبار تلك الحكمة. والجهمية أيضا بمعزل عن هذا. وكذلك القدرية الذين يقولون: لا تعود الحكمة إليه. بل ما ثم إلا نفع الخلق.
فما عندهم إلا شكر كما ليس عند الجهمية إلا قدرة. والقدرة المجردة عن نعمة وحكمة: لا يظهر فيها وصف حمد كالقادر الذي يفعل ما لا ينتفع به ولا ينفع به أحدا. فهذا لا يحمد. فحقيقة قول الجهمية أتباع جهم: أنه لا يستحق الحمد. فله عندهم ملك بلا حمد مع تقصيرهم في معرفة ملكه. كما أن المعتزلة له عندهم نوع من الحمد بلا ملك تام. إذ كان عندهم يشاء ما لا يكون ويكون ما لا يشاء. وتحدث حوادث بلا قدرته. وعلى مذهب السلف: له الملك وله الحمد تامين. وهو محمود على حكمته كما هو محمود على قدرته ورحمته.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 37.10 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 36.47 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.69%)]