عرض مشاركة واحدة
  #9  
قديم 15-11-2022, 05:37 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,362
الدولة : Egypt
افتراضي رد: فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام


فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام
المؤلف:شيخ الاسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية.
سُورَةُ النساء
المجلد الخامس
الحلقة( 211)

من صــ 461 الى صـ 470





فَصْلٌ:
فَالْغَفْلَةُ وَالشَّهْوَةُ أَصْلُ الشَّرِّ. قَالَ تَعَالَى {وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا} وَالْهَوَى وَحْدَهُ لَا يَسْتَقِلُّ بِفِعْلِ السَّيِّئَاتِ إلَّا مَعَ الْجَهْلِ. وَإِلَّا فَصَاحِبُ الْهَوَى، إذَا عَلِمَ قَطْعًا أَنَّ ذَلِك يَضُرُّهُ ضَرَرًا رَاجِحًا: انْصَرَفَتْ نَفْسُهُ عَنْهُ بِالطَّبْعِ. فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ فِي النَّفْسِ حُبًّا لِمَا يَنْفَعُهَا، وَبُغْضًا لِمَا يَضُرُّهَا. فَلَا تَفْعَلُ مَا تَجْزِمُ بِأَنَّهُ يَضُرُّهَا ضَرَرًا رَاجِحًا. بَلْ مَتَى فَعَلَتْهُ كَانَ لِضَعْفِ الْعَقْلِ. وَلِهَذَا يُوصَفُ هَذَا بِأَنَّهُ عَاقِلٌ، وَذُو نُهًى، وَذُو حِجًا. وَلِهَذَا كَانَ الْبَلَاءُ الْعَظِيمُ مِنْ الشَّيْطَانِ. لَا مِنْ مُجَرَّدِ النَّفْسِ. فَإِنَّ الشيطان يزين لها السيئات. ويأمرها بها، ويذكر لها ما فيها من المحاسن. التي هي منافع لا مضار. كما فعل إبليس بآدم وحواء. فقال {يا آدم هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى} {فأكلا منها فبدت لهما سوآتهما} {وقال ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين}.
ولهذا قال تعالى {ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين} {وإنهم ليصدونهم عن السبيل ويحسبون أنهم مهتدون} وقال تعالى {أفمن زين له سوء عمله فرآه حسنا} وقال تعالى {ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم كذلك زينا لكل أمة عملهم ثم إلى ربهم مرجعهم فينبئهم بما كانوا يعملون}. وقوله {زينا لكل أمة عملهم} هو بتوسيط تزيين الملائكة، والأنبياء، والمؤمنين للخير. وتزيين شياطين الجن والإنس للشر. قال تعالى {وكذلك زين لكثير من المشركين قتل أولادهم شركاؤهم ليردوهم وليلبسوا عليهم دينهم} فأصل ما يوقع الناس في السيئات: الجهل، وعدم العلم بكونها تضرهم ضررا راجحا، أو ظن أنها تنفعهم نفعا راجحا. ولهذا قال الصحابة رضي الله عنهم " كل من عصى الله فهو جاهل " وفسروا بذلك قوله تعالى {إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب} كقوله {وإذا جاءك الذين يؤمنون بآياتنا فقل سلام عليكم كتب ربكم على نفسه الرحمة أنه من عمل منكم سوءا بجهالة ثم تاب من بعده وأصلح فأنه غفور رحيم} ولهذا يسمى حال فعل السيئات: الجاهلية. فإنه يصاحبها حال من حال جاهلية.
قال أبو العالية: سألت أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم عن هذه الآية؟ {إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب} فقالوا: كل من عصى الله فهو جاهل. ومن تاب قبيل الموت: فقد تاب من قريب. وعن قتادة قال " أجمع أصحاب محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن كل من عصى ربه فهو في جهالة، عمدا كان أو لم يكن. وكل من عصى الله فهو جاهل " وكذلك قال التابعون ومن بعدهم. قال مجاهد: من عمل ذنبا - من شيخ، أو شاب - فهو بجهالة، وقال: من عصى ربه فهو جاهل. حتى ينزع عن معصيته. وقال أيضا: هو إعطاء الجهالة العمد. وقال مجاهد أيضا: من عمل سوءا خطأ، أو إثما عمدا: فهو جاهل. حتى ينزع منه.

رواهن ابن أبي حاتم. ثم قال: وروي عن قتادة، وعمرو بن مرة، والثوري، ونحو ذلك " خطأ، أو عمدا ". وروي عن مجاهد والضحاك قالا: ليس من جهالته أن لا يعلم حلالا ولا حراما. ولكن من جهالته: حين دخل فيه. وقال عكرمة: الدنيا كلها جهالة وعن الحسن البصري: أنه سئل عنها؟ فقال: هم قوم لم يعلموا ما لهم مما عليهم. قيل له: أرأيت لو كانوا قد علموا؟ قال: فليخرجوا منها. فإنها جهالة. قلت: ومما يبين ذلك: قوله تعالى {إنما يخشى الله من عباده العلماء} وكل من خشيه، وأطاعه، وترك معصيته: فهو عالم. كما قال تعالى {أم من هو قانت آناء الليل ساجدا وقائما يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون}. وقال رجل للشعبي: أيها العالم. فقال: إنما العالم من يخشى الله. قوله تعالى {إنما يخشى الله من عباده العلماء} يقتضي أن كل من خشي الله فهو عالم. فإنه لا يخشاه إلا عالم.

ويقتضي أيضا: أن العالم من يخشى الله. كما قال السلف. قال ابن مسعود " كفى بخشية الله علما، وكفى بالاغترار جهلا ". ومثل هذا الحصر يكون من الطرفين. حصر الأول في الثاني. وهو مطرد، وحصر الثاني في الأول نحو قوله {إنما تنذر من اتبع الذكر وخشي الرحمن بالغيب} وقوله {إنما أنت منذر من يخشاها} وقوله {إنما يؤمن بآياتنا الذين إذا ذكروا بها خروا سجدا وسبحوا بحمد ربهم وهم لا يستكبرون} {تتجافى جنوبهم عن المضاجع}. وذلك: أنه أثبت الخشية للعلماء، ونفاها عن غيرهم. وهذا كالاستثناء. فإنه من النفي: إثبات، عند جمهور العلماء. كقولنا " لا إله إلا الله " قوله تعالى {ولا يشفعون إلا لمن ارتضى} وقوله {ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له} وقوله {ولا يأتونك بمثل إلا جئناك بالحق وأحسن تفسيرا}. وقد ذهب طائفة إلى أن المستثنى مسكوت عنه. لم يثبت له ما ذكر. ولم ينف عنه. وهؤلاء يقولون ذلك في صيغة الحصر بطريق الأولى. فيقولون: نفى الخشية عن غير العلماء، ولم يثبتها لهم.
والصواب: قول الجمهور. أن هذا كقوله {قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق} فإنه ينفي التحريم عن غير هذه الأصناف ويثبتها لها.

لكن أثبتها للجنس. أو لكل واحد من العلماء؟ كما يقال: إنما يحج المسلمون. ولا يحج إلا مسلم. وذلك أن المستثنى هل هو مقتض أو شرط؟ . ففي هذه الآية وأمثالها: هو مقتض. فهو عام. فإن العلم بما أنذرت به الرسل يوجب الخوف. فإذا كان العلم يوجب الخشية الحاملة على فعل الحسنات. وترك السيئات. وكل عاص فهو جاهل. ليس بتام العلم. يبين ما ذكرنا من أن أصل السيئات الجهل، وعدم العلم. وإذا كان كذلك. فعدم العلم ليس شيئا موجودا. بل هو مثل عدم القدرة، وعدم السمع والبصر، وسائر الأعدام.

والعدم: لا فاعل له. وليس هو شيئا. وإنما الشيء الموجود. والله تعالى خالق كل شيء. فلا يجوز أن يضاف العدم المحض إلى الله. لكن قد يقترن به ما هو موجود. فإذا لم يكن عالما بالله، لا يدعوه إلى الحسنات، وترك السيئات. والنفس بطبعها متحولة. فإنها حية. والإرادة والحركة الإرادية من لوازم الحياة. ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح {أصدق الأسماء: حارث وهمام} فكل آدمي حارث وهمام. أي عامل كاسب، وهو همام. أي يهم ويريد. فهو متحرك بالإرادة. وقد جاء في الحديث {مثل القلب: مثل ريشة ملقاة بأرض فلاة وللقلب أشد تقلبا من القدر إذا استجمعت غليانا}. فلما كانت الإرادة والعمل من لوازم ذاتها. فإذا هداها الله: علمها ما ينفعها وما يضرها. فأرادت ما ينفعها، وتركت ما يضرها.
فصل:
والله سبحانه قد تفضل على بني آدم بأمرين، هما أصل السعادة:
أحدهما: أن كل مولود يولد على الفطرة كما في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال {كل مولود يولد على الفطرة. فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء. هل تحسون فيها من جدعاء؟ ثم يقول أبو هريرة: اقرءوا إن شئتم {فطرة الله التي فطر الناس عليها} قال تعالى {فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم}.

وفي صحيح مسلم عن عياض بن حمار عن النبي صلى الله عليه وسلم قال {يقول الله تعالى: خلقت عبادي حنفاء فاجتالتهم الشياطين. وحرمت عليهم ما أحللت لهم وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطانا}. فالنفس بفطرتها إذا تركت كانت مقرة لله بالإلهية محبة له تعبده لا تشرك به شيئا. ولكن يفسدها ما يزين لها شياطين الإنس والجن بما يوحي بعضهم إلى بعض من الباطل. قال تعالى {وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين} {أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم أفتهلكنا بما فعل المبطلون}.

وتفسير هذه الآية مبسوط في غير هذا الموضع. الثاني: أن الله تعالى قد هدى الناس هداية عامة بما جعل فيهم بالفطرة من المعرفة وأسباب العلم وبما أنزل إليهم من الكتب وأرسل إليهم من الرسل. قال تعالى {اقرأ باسم ربك الذي خلق} {خلق الإنسان من علق} {اقرأ وربك الأكرم} {الذي علم بالقلم} {علم الإنسان ما لم يعلم} وقال تعالى {الرحمن} {علم القرآن} {خلق الإنسان} {علمه البيان} وقال تعالى {سبح اسم ربك الأعلى} {الذي خلق فسوى} {والذي قدر فهدى} وقال تعالى {وهديناه النجدين}. ففي كل أحد ما يقتضي معرفته بالحق ومحبته له.
وقد هداه ربه إلى أنواع من العلم يمكنه أن يتوصل بها إلى سعادة الأولى والآخرة. وجعل في فطرته محبة لذلك. لكن قد يعرض الإنسان - بجاهليته وغفلته - عن طلب علم ما ينفعه. وكونه لا يطلب ذلك ولا يريده: أمر عدمي لا يضاف إلى الله تعالى. فلا يضاف إلى الله: لا عدم علمه بالحق ولا عدم إرادته للخير. لكن النفس كما تقدم: الإرادة والحركة من لوازمها فإنها حية حياة طبيعية؛ لكن سعادتها ونجاتها إنما تتحقق بأن تحيى الحياة النافعة الكاملة. وكان ما لها من الحياة الطبيعية موجبا لعذابها. فلا هي حية متنعمة بالحياة. ولا هي ميتة مستريحة من العذاب. قال تعالى {فذكر إن نفعت الذكرى} {سيذكر من يخشى} {ويتجنبها الأشقى} {الذي يصلى النار الكبرى} {ثم لا يموت فيها ولا يحيا} فالجزاء من جنس العمل. لما كان في الدنيا: ليس بحي الحياة النافعة التي خلق لأجلها.
بل كانت حياته من جنس حياة البهائم. ولم يكن ميتا عديم الإحساس: كان في الآخرة كذلك. فإن مقصود الحياة: هو حصول ما ينتفع به الحي ويستلذ به والحي لا بد له من لذة أو ألم. فإذا لم تحصل له اللذة: لم يحصل له مقصود الحياة فإن الألم ليس مقصودا. كمن هو حي في الدنيا وبه أمراض عظيمة لا تدعه يتنعم بشيء مما يتنعم به الأحياء. فهذا يبقى طول حياته يختار الموت ولا يحصل له. فلما كان من طبع النفس الملازم لها: وجود الإرادة والعمل إذ هو حارث همام. فإن عرفت الحق وأرادته وأحبته وعبدته: فذلك من تمام إنعام الله عليها.
وإلا فهي بطبعها لا بد لها من مراد معبود غير الله. ومرادات سيئة تضرها. فهذا الشر قد تركب من كونها لم تعرف الله ولم تعبده. وهذا عدم لا يضاف إلى فاعل ومن كونها بطبعها لا بد لها من مراد معبود. فعبدت غيره. وهذا هو الشر الذي تعذب عليه. وهو من مقتضى طبعها مع عدم هداها. والقدرية يعترفون بهذا جميعه. وبأن الله خلق الإنسان مريدا. لكن يجعلون المخلوق كونه مريدا بالقوة والقبول. أي قابلا لأن يريد هذا وهذا.

وأما كونه مريدا لهذا المعين وهذا المعين: فهذا عندهم ليس مخلوقا لله وغلطوا في ذلك غلطا فاحشا. فإن الله خالق هذا كله. وإرادة النفس لما تريده من الذنوب وفعلها: هو من جملة مخلوقات الله تعالى فإن الله خالق كل شيء. وهو الذي ألهم النفس - التي سواها - فجورها وتقواها. {وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في دعائه اللهم آت نفسي تقواها وزكها أنت خير من زكاها. أنت وليها ومولاها}. وهو سبحانه: جعل إبراهيم وآله أئمة يهدون بأمره. وجعل فرعون وآله أئمة يدعون إلى النار ويوم القيامة لا ينصرون. لكن هذا لا يضاف مفردا إلى الله تعالى لوجهين: من جهة علته الغائية ومن جهة سببه وعلته الفاعلية. أما الغائية: فإن الله إنما خلقه لحكمة هو باعتبارها خير لا شر. وإن كان شرا إضافيا. فإذا أضيف مفردا: توهم المتوهم مذهب جهم: أن الله يخلق الشر المحض الذي لا خير فيه لأحد لا لحكمة ولا رحمة. والأخبار والسنة والاعتبار تبطل هذا المذهب.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 45.20 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 44.58 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.39%)]