شرح سنن أبي داود
(عبد المحسن العباد)
كتاب الصلاة
شرح سنن أبي داود [083]
الحلقة (114)
شرح سنن أبي داود [083]
جاءت الأحاديث بجواز مصافة الصبي المميز في الصلاة، أما المرأة فلا يجوز لها أن تصف مع الرجال ولو كانت مع محارمها، ولو كانت مع رجل واحد فإنها تصف خلفه، أما بالنسبة للإمام فإنه بعد أن يسلم ينحرف إلى جهة المأمومين ويستقبلهم بوجهه، كذلك يستحب للإمام أن يتحول عن مكان الفريضة عند أداء النافلة، أما المأموم فعليه أن يتابع الإمام ولا يسابقه ولا يتأخر عنه ولا يوافقه.
كيفية قيام الثلاثة في الصلاة
شرح حديث: (... وصففت أنا واليتيم وراءه والعجوز من ورائنا فصلى لنا ركعتين ثم انصرف)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب إذا كانوا ثلاثة كيف يقومون. حدثنا القعنبي عن مالك عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس بن مالك : (أن جدته مليكة دعت رسول الله صلى الله عليه وسلم لطعام صنعته فأكل منه، ثم قال: قوموا فلأصل لكم، قال أنس : فقمت إلى حصير لنا قد اسود من طول ما لبس فنضحته بماء، فقام عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وصففت أنا واليتيم وراءه، والعجوز من ورائنا، فصلى لنا ركعتين ثم انصرف صلى الله عليه وسلم) ]. قوله: [ باب إذا كانوا ثلاثة كيف يقومون ]. يعني: إذا كان المصلون ثلاثة كيف يصفون وراء الإمام؟ وإذا كان معهم نساء يصلين وراءهم. أورد أبو داود حديث أنس أن الرسول صلى الله عليه وسلم زار جدته مليكة وهي أم سليم وهي جدة إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة أم أنس بن مالك رضي الله عنه، فقدمت له طعاماً فأكل ثم قال: (قوموا فلأصلِّ لكم، فصلى بهم ركعتين، وكان أنس واليتيم وراءه، والعجوز من ورائهم ) وهذا فيما إذا كانوا ثلاثة فإنهم يكونون خلف الإمام، حيث يصفّون صفّاً والنساء يكن من ورائهم. وفي هذا الحديث دليل على مصافة الصبي المميز، وأنه يمكن أن يكون مع واحد صفاً، والمرأة إن كانت واحدة فهي تصف وراءهم، ولا تصف المرأة بجوار الرجال ولو كانوا من ذوي محارمها، بل لو كان هناك رجل واحد وامراة وصليا جماعة فإن الرجل يكون في الأمام والمرأة تكون وراءه ولا تصف عن يمينه، وإنما الذي يصف عن يمينه الرجل.
تراجم رجال إسناد حديث: (وصففت أنا واليتيم وراءه، والعجوز من ورائنا فصلى لنا ركعتين ثم انصرف
قوله: [ حدثنا القعنبي ]. هو عبد الله بن مسلمة القعنبي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب إلا ابن ماجة . [ عن مالك ]. هو مالك بن أنس إمام دار الهجرة المحدث الفقيه الإمام المشهور، وهو أحد أصحاب المذاهب الأربعة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة ]. إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أنس بن مالك ]. أنس بن مالك رضي الله عنه هو صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام وخادمه، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. وهذا الحديث من الرباعيات التي هي من أعلى الأسانيد عند أبي داود ؛ لأن بين أبي داود وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة أشخاص، وهم: القعنبي و مالك و إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة و أنس بن مالك .
شرح حديث: (... ثم قام فصلى بيني وبينه ثم قال: هكذا رأيت رسول الله فعل)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا محمد بن فضيل عن هارون بن عنترة عن عبد الرحمن بن الأسود عن أبيه قال: (استأذن علقمة و الأسود على عبد الله وقد كنا أطلنا القعود على بابه، فخرجت الجارية فاستأذنت لهما فأذن لهما، ثم قام فصلى بيني وبينه ثم قال: هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فَعَلْ) ]. أورد أبو داود حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه وفيه: أنه جاء إليه الأسود و علقمة ودخلا عليه فصلى بهما وكان بينهما، يعني: أن الإمام صار بين المأمومَيْن؛ لأن ابن مسعود جعل واحداً عن يمينه والثاني عن شماله، وهذا يخالف ما تقدّم من الأحاديث التي فيها أن الجماعة إذا كانوا ثلاثة فيتقدمهم واحد منهم، والاثنان يكونان وراءه، حتى لو كان أحد الاثنين صبياً مميزاً فإنه يكون صفاً ويعتد به في الصف. وهذا الذي في الحديث مخالف لما تقدم، لكن حمله العلماء على واحد من أمرين: الأول: إما أنه كان المكان ضيقاً، وليس هناك مجال لأن يتقدم الإمام ويتأخر المأمومون. الثاني: أن ذلك مما كان أولاً ثم نُسخ، مثل: التطبيق الذي جاء عن ابن مسعود رضي الله عنه، وهو كون الإنسان في ركوعه لا يجعل اليدين على الركبتين، وإنما يجمعهما ببعض ويجعلهما بين الفخذين، فهذا يُسمى التطبيق، وقد جاء فيه أحاديث صحيحة ولكنه منسوخ، فيحتمل أن يكون هذا مما أخذه أولاً ثم نسخ. وعلى هذا لا يكون هناك مخالفة في صف الاثنين وراء الإمام، بل السنة هي أن الاثنين فأكثر يصفون وراء الإمام، وما جاء مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم يحمل على أن المكان ضيق، أو أن الذي أخذه ابن مسعود عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد نسخ كما نُسخ التطبيق.
تراجم رجال إسناد حديث: (... ثم قام فصلى بيني وبينه ثم قال: هكذا رأيت رسول الله فعل)
قوله: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة ]. عثمان بن أبي شيبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي . [ حدثنا محمد بن فضيل ]. هو محمد بن فضيل بن غزوان وهو صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن هارون بن عنترة ]. هارون بن عنترة لا بأس به، أخرج له أبو داود و النسائي و ابن ماجة في التفسير. [ عن عبد الرحمن بن الأسود ]. هو عبد الرحمن بن الأسود بن يزيد بن قيس النخعي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبيه ]. أبوه هو الأسود بن يزيد بن قيس وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ استأذن علقمة و الأسود على عبد الله ]. هو عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
ما جاء في الإمام ينحرف بعد التسليم
شرح حديث: (صليت خلف رسول الله فكان إذا انصرف انحرف)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب الإمام ينحرف بعد التسليم. حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن سفيان حدثني يعلى بن عطاء عن جابر بن يزيد بن الأسود عن أبيه قال: (صليت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم وسلم، فكان إذا انصرف انحرف) ]. قوله: [ باب الإمام ينحرف بعد التسليم ]. أي: ينحرف إلى جهة المأمومين ويستقبلهم بوجهه، ولا يبقى إلى جهة القبلة إلا بمقدار ما يقول: أستغفر الله، أستغفر الله، أستغفر الله، اللهم! أنت السلام، ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام. وهذا هو الذي جاءت به السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. وعلى هذا: فالانصراف لا يكون بعد التسليم مباشرة. والحكمة في هذا تظهر في عدة أمور ذكرها العلماء وهي: أولاً: القبلة إنما هو من أجل الصلاة، ولما فرغت الصلاة انتهت المهمّة. ثانياً: لو استمر الإمام إلى جهة القبلة فقد يأتي البعض متأخراً والإمام مستقبل القبلة فيظن أن الصلاة ما فُرغ منها، ولكنه بانصرافه وباتجاهه إلى المأمومين يُعلم بأن الصلاة قد انتهت. والسنة قد جاءت عن رسول الله عليه الصلاة والسلام بالكيفية التي ذكرنا، فيقتدي الإمام بالنبي الكريم عليه الصلاة والسلام فيما جاء به. أورد أبو داود حديث يزيد بن الأسود رضي الله عنه قال: (صليت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان إذا انصرف انحرف) أي: إذا انصرف من الصلاة فإنه ينحرف إلى جهة المأمومين. والانصراف يطلق على الفراغ من الصلاة، كما في الحديث: (لا تسبقوني بالركوع ولا بالسجود ولا بالانصراف) يعني: ولا بالسلام. وقد جاء أنه كان يقول قبل أن ينحرف: (أستغفر الله، أستغفر الله، أستغفر الله، اللهم! أنت السلام ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام).
تراجم رجال إسناد حديث: (صليت خلف رسول الله فكان إذا انصرف انحرف)
قوله: [ حدثنا مسدد ]. هو مسدد بن مسرهد البصري وهو ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ حدثنا يحيى ]. هو يحيى بن سعيد القطان وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سفيان ]. هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري وهو ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثني يعلى بن عطاء ]. يعلى بن عطاء ثقة، أخرج له البخاري في جزء القراءة و مسلم ، وأصحاب السنن. [ عن جابر بن يزيد بن الأسود ]. جابر بن يزيد بن الأسود صدوق، أخرج له أبو داود و الترمذي و النسائي . [ عن أبيه ]. هو يزيد بن الأسود وهو صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، أخرج حديثه أبو داود و الترمذي و النسائي .
شرح حديث: (كنا إذا صلينا خلف رسول الله أحببنا أن نكون عن يمينه ...)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن رافع حدثنا أبو أحمد الزبيري حدثنا مسعر عن ثابت بن عبيد عن عبيد عن البراء بن عازب قال: (كنا إذا صلينا خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم أحببنا أن نكون عن يمينه، فيُقبِل علينا بوجهه صلى الله عليه وسلم). ثم أورد أبو داود حديث البراء بن عازب وفيه أنهم كانوا يحبون أن يكونوا عن يمين الرسول صلى الله عليه وسلم في الصلاة، وقصدهم من ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم إذا انصرف من الصلاة يقبل عليهم؛ لأنه كان إذا سلَّم انصرف إلى جهة اليمين، بمعنى أنه ينحرف إلى جهة يساره فيكون أول من يرى الذين هم عن يمينه. وهذا الحديث فيه: أنه كان ينصرف إلى جهة المأمومين، وهذا محل الشاهد من الترجمة.
تراجم رجال إسناد حديث: (كنا إذا صلينا خلف رسول الله أحببنا أن نكون عن يمينه...)
قوله: [ حدثنا محمد بن رافع ]. هو محمد بن رافع النيسابوري القشيري وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة . [ حدثنا أبو أحمد الزبيري ]. هو محمد بن عبد الله بن الزبير وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا مسعر ]. هو مسعر بن كدام وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ثابت بن عبيد ]. ثابت بن عبيد ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد و مسلم و أصحاب السنن. [ عن عبيد ]. هو عبيد بن البراء بن عازب وهو ثقة، أخرج له مسلم و أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ عن البراء بن عازب ]. البراء بن عازب رضي الله تعالى عنهما صحابي ابن صحابي، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
حكم الإمام يتطوع في مكانه
شرح حديث: (لا يصل الإمام في الموضع الذي صلى فيه حتى يتحول)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب الإمام يتطوع في مكانه. حدثنا أبو توبة الربيع بن نافع حدثنا عبد العزيز بن عبد الملك القرشي حدثنا عطاء الخراساني عن المغيرة بن شعبة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يصلِّ الإمام في الموضع الذي صلى فيه حتى يتحول). قال أبو داود : عطاء الخراساني لم يدرك المغيرة بن شعبة ]. قوله: [ باب الإمام يتطوع في مكانه ]. يعني: أنه لا يتطوع في موضع المكتوبة، وإنما عليه أن يتحول إلى مكان آخر، ولكنه عند الحاجة لا بأس بذلك، وكذلك المأموم، فإنه عند الحاجة يتطوع في مكان المكتوبة، ولكن التحول أولى؛ لأنه قد جاء ما يدل على ذلك؛ ولأن فائدة ذلك: أن تشهد له البقاع والأماكن المتعددة، فإن البقاع تشهد على ما يحصل عليها، ومما جاء في تفسير قوله تعالى: يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا [الزلزلة:4] يعني: تشهد على ما فُعِلَ على ظهرها من خير أو شر. وكذلك جاء في العيدين أن الإنسان يذهب من طريق ويعود من طريق آخر، قالوا: ليشهد له الطريق الذي خرج منه والطريق الذي رجع منه. أورد أبو داود حديث المغيرة بن شعبة رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يصل الإمام في الموضع الذي صلى فيه حتى يتحول). يعني: لا يصلي النافلة في مكان الفريضة حتى يتحول إلى مكان آخر. والحديث هذا الذي أورده المصنف فيه انقطاع، وفيه أيضاً مجهول.
تراجم رجال إسناد حديث: (لايصل الإمام في الموضع الذي صلى فيه حتى يتحول)
قوله: [ حدثنا أبو توبة الربيع بن نافع ]. هو أبو توبة الربيع بن نافع الحلبي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي . [ حدثنا عبد العزيز بن عبد الملك القرشي ]. وهو مجهول، أخرج حديثه أبو داود وحده. [ حدثنا عطاء الخراساني ]. عطاء الخراساني وهو صدوق يَهِم كثيراً ويرسل ويدلس، وحديثه أخرجه مسلم وأصحاب السنن. وهذا الحديث مرسل؛ لأن عطاءً لم يدرك المغيرة ، ولهذا قال أبو داود : عطاء الخراساني لم يدرك المغيرة . وقالوا: إنه ولد في السنة التي مات فيها المغيرة . وعلى هذا فالحديث فيه مجهول وفيه انقطاع. [ عن المغيرة بن شعبة ]. المغيرة بن شعبة صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
الإمام يحدث بعد ما يرفع رأسه من آخر ركعة
.
شرح حديث: (إذا قضى الإمام الصلاة وقعد فأحدث قبل أن يتكلم فقد تمت صلاته ... )
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب الإمام يُحْدِث بعد ما يرفع رأسه من آخر الركعة. حدثنا أحمد بن يونس حدثنا زهير حدثنا عبد الرحمن بن زياد بن أنعم عن عبد الرحمن بن رافع و بكر بن سوادة عن عبد الله بن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا قضى الإمام الصلاة وقعد فأحدث قبل أن يتكلم فقد تمت صلاته، ومن كان خلفه ممن أتم الصلاة) ]. قوله: [ باب الإمام يحدث بعدما يرفع رأسه من آخر الركعة ]. يعني: إذا انتهى من الركعة الأخيرة سواء كانت ثانية أو ثالثة أو رابعة، فإذا حصل منه حدث أو كلام بعد ذلك فمعناه أن صلاته تّمّت، وكذلك الذين دخلوا معه من أول الصلاة تكون صلاتهم قد تمّت، أما من كان مسبوقاً فإنه يقوم ويقضي ما فاته. وفيه: أن التشهد ليس بلازم، وكذلك الصلاة على الرسول صلى الله عليه وسلم، ومن المعلوم أن التشهد ركن، وأن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد ركن من أركان الصلاة، ولكن الذي جاء عن الأحناف أنه إذا فرغ من التشهد فأحدث قبل أن يُسلّم فإن صلاته صحيحة، ولكن الحديث الذي سيأتي بعد هذا يدل على أنه لا ينتهي من الصلاة إلا بالتسليم، وأنه لو أحدث قبل أن يُسلّم فصلاته باطلة، وأن عليه أن يتوضأ ويعيد الصلاة؛ لأن الصلاة لا تتم إلا بالتسليم، وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (تحريمها التكبير، وتحليلها التسليم) فكما لا يدخل في الصلاة إلا بالتكبير، فلا تنتهي الصلاة إلا بالتسليم. وهذا الحديث ضعيف ولا يُعَوّل عليه.
تراجم رجال إسناد حديث: (إذا قضى الإمام الصلاة وقعد فأحدث قبل أن يتكلم فقد تمت صلاته ...)
قوله: [ حدثنا أحمد بن يونس ]. هو أحمد بن عبد الله بن يونس الكوفي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا زهير ]. هو زهير بن معاوية وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا عبد الرحمن بن زياد بن أنعم ]. هو عبد الرحمن بن زياد بن أنعم الإفريقي وهو ضعيف، أخرج له البخاري في الأدب المفرد و أبو داود و الترمذي و ابن ماجة . [ عن عبد الرحمن بن رافع ]. عبد الرحمن بن رافع ضعيف، أخرج له البخاري في الأدب المفرد و أبو داود و الترمذي و ابن ماجة . [ و بكر بن سوادة ]. بكر بن سوادة ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم و أصحاب السنن. [ عن عبد الله بن عمرو ]. عبد الله بن عمرو رضي الله تعالى عنهما صحابي ابن صحابي، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. وفي الإسناد عبد الرحمن بن زياد بن أنعم الإفريقي وهو ضعيف، وفيه عبد الرحمن بن رافع ، لكن لا يؤثر؛ لأنه مقرون بثقة، والحديث لم يأت عنه وحده، وإنما جاء عنه وعن بكر بن سوادة ، و بكر بن سوادة ثقة، فهو الذي يعوّل عليه، ولكن الإشكال في عبد الرحمن بن زياد بن أنعم الإفريقي ، فإنه ضعيف ولا يحتج به.
شرح حديث: (مفتاح الصلاة الطهور وتحريمها التكبير وتحليلها التسليم)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا وكيع عن سفيان عن ابن عقيل عن محمد بن الحنفية عن علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مفتاح الصلاة الطهور وتحريمها التكبير وتحليلها التسليم) ]. أورد أبو داود حديث علي بن أبي طالب أمير المؤمنين رضي الله عنه أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (مفتاح الصلاة الطهور) يعني: الطهور أول أعمالها؛ لأنه لابد لمن أراد الصلاة أن يبدأ بالوضوء وهو شرط من شروط الصلاة، كما في الحديث: (لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ) ، وهذا الطهور هو الماء أو ما يقوم مقامه الذي هو التيمم. قوله: [ (وتحريمها التكبير) ] يعني: أن الإنسان قبل أن يقول: الله أكبر ويدخل في الصلاة فإنه يحل له الأكل والشرب والكلام والالتفات، فإذا قال: الله أكبر، حرمت عليه الأشياء التي كانت حلالاً له قبل تكبيرة الإحرام، وهذا مثله لو أن الإنسان أحرم بحج أو عمرة فإنه تحرم عليه الأشياء التي كانت حلالاً له قبل ذلك الإحرام. قوله: [ (تحريمها التكبير) ] يدلنا على أن الصلاة لا يدخل فيها إلا بالتكبير، وأنه لا يجوز أن يؤتى بلفظ آخر غير التكبير، فلا يجوز أن يقول: الله أجل، أو الله أعظم، أو الله أكرم وما إلى ذلك؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم حصر ذلك بلفظ: الله أكبر، كما في الحديث: (إذا كبّر -يعني: الإمام- فكبروا). قوله: [ (وتحليلها التسليم) ]. يعني: الخروج والفراغ منها يكون بالتسليم، وأما قبل التسليم فإن الإنسان لا زال في الصلاة, وهذا يعارض ما تقدم في الحديث السابق الذي هو غير صحيح، وكذلك يعارض ما جاء عن الحنفية: أنه إذا لم يبق إلا التسليم وقد أتى المصلي بالتشهد والصلاة على الرسول صلى الله عليه وسلم، وحصل أنه أحدث فإن صلاته تكون قد تمت وهي صحيحة، وأن بوسعه أن يخرج منها بغير التسليم. فهذا الحديث حجة عليهم، وهو قوله صلى الله عليه وسلم: (وتحليلها التسليم).
تراجم رجال إسناد حديث: (مفتاح الصلاة الطهور وتحريمها التكبير وتحليلها التسليم
قوله: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة ]. قد مرّ ذكره. [ حدثنا وكيع ]. هو وكيع بن الجراح وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سفيان ]. هو الثوري ، وقد مرّ ذكره. [ عن ابن عقيل ]. هو عبد الله بن محمد بن عقيل بن أبي طالب وهو صدوق في حديثه لين، وحديثه أخرجه البخاري في الأدب المفرد و أبو داود و الترمذي و ابن ماجة. [ عن محمد بن الحنفية ]. هو محمد بن علي بن أبي طالب ، المشهور بابن الحنفية وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن علي ]. هو علي بن أبي طالب أمير المؤمنين ورابع الخلفاء الراشدين الهادين المهديين، صاحب المناقب الجمّة والفضائل الكثيرة، رضي الله عنه وأرضاه، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
ما يؤمر به المأموم من اتباع الإمام
شرح حديث: (لا تبادروني بركوع ولا بسجود ..)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب ما يؤمر به المأموم من اتباع الإمام. حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن ابن عجلان حدثني محمد بن يحيى بن حبان عن ابن محيريز عن معاوية بن أبي سفيان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تبادروني بركوع ولا بسجود، فإنه مهما أسبقكم به إذا ركعت تدركوني به إذا رفعت؛ إني قد بدنت) ]. أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة، وهي: باب ما يؤمر به المأموم من متابعة الإمام. يعني: كونه يأتي بالأفعال بعد الإمام. الحالات التي تكون بين الإمام والمأموم من حيث متابعته أربع حالات: مسابقة, وتخلف، وموافقة، ومتابعة, فهذه الأربع الحالات تجري من المأموم مع الإمام، فإما أن يسابق المأموم الإمام أو يتخلف عنه أو يتابعه أو يوافقه، والمسابقة والتخلف والموافقة كلها لا تفعل، وقد قال العلماء: إن المسابقة والتخلف محرمة؛ لأنها تنافي الائتمام، وأما الموافقة فهي مكروهة وأما المتابعة فهي سنة. والمسابقة: هي أن يركع قبل ركوع الإمام. والتخلف: أن يتخلف عن الإمام بأن يفرغ الإمام من الركوع وهو لم يركع. والموافقة: النزول مع الإمام تماماً لا يتقدم ولا يتأخر. المتابعة: بعدما يشرع الإمام في الركن ويستقر فيه يتابعه فيه، بمعنى أنه إذا استقر راكعاً يبدأ بالركوع ولا يركع معه بحيث يساويه، ولا يتأخر عنه ولا يسابقه, بل يتابعه، فهذه هي السنة. أورد أبو داود حديث معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تبادروني بركوع ولا سجود ..) يعني: لا تسبقوني ولا تفعلوا مثل ما أفعل معي مباشرة، بل إذا أخذت في الركوع فاركعوا؛ لأن الجزء الذي يسبقهم فيه في الأول هم يتأخرون فيه عندما يرفع فيكون مقدار ركوعهم هو مقدار ركوعه تماماً، فلا يزيد الإمام على المأمومين بشيء؛ لأنه استقر راكعاً في الركوع وهم جاءوا بعده، لكنه عندما يرفع هم باقون في الركوع، فصار المقدار الذي فعلوه بعدما رفع يقابل الشيء الذي تقدمهم به، فصار مقدار ركوعهم هو مقدار ركوعه تماماً، فمعنى هذا: أنني إذا ركعت وأنتم جئتم بعدي أنا أرفع وتجيئون بعدي، فيكون مقدار ركوعكم مثل مقدار ركوعي. قوله: [ (فإنه مهما أسبقكم به إذا ركعت تدركوني به إذا رفعت) ]. يعني: أنتم إذا فعلتم هذا الفعل لأجل أن يحصل لكم مثل ما يحصل لي، فالذي سبقتكم به عند الركوع يعوضه بقاؤكم عندما أرفع فتكونون قد ركعتم مثل ما ركعت؛ لأنني سبقتكم في البداية وأنتم تأخرتم عني في النهاية، وهذا التأخر ليس تأخراً طويلاً، وإنما هو بمقدار شروع الإمام في الركن الذي وراءه. قوله: [ (إني قد بدنت) ]. فسر بأنه قد طعن في السن، أو أنه قد زاد لحمه.
تراجم رجال إسناد حديث: (لا تبادروني بركوع ولا بسجود ...)
قوله: [ حدثنا مسدد ]. مسدد مر ذكره. [ حدثنا يحيى ]. مر ذكره. [ عن ابن عجلان ]. هو محمد بن عجلان المدني وهو صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ حدثني محمد بن يحيى بن حبان ]. محمد بن يحيى بن حبان ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن محيريز ]. هو: عبد الله بن محيريز وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن معاوية بن أبي سفيان ]. معاوية بن أبي سفيان ، أمير المؤمنين رضي الله عنه وأرضاه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
شرح حديث: (أنهم كانوا إذا رفعوا رءوسهم من الركوع مع رسول الله قاموا قياماً ..)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا حفص بن عمر حدثنا شعبة عن أبي إسحاق قال: سمعت عبد الله بن يزيد الخطمي يخطب الناس قال: حدثنا البراء وهو غير كذوب (أنهم كانوا إذا رفعوا رءوسهم من الركوع مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قاموا قياماً، فإذا رأوه قد سجد سجدوا) ]. وحديث البراء بن عازب رضي الله عنه مثل حديث معاوية ، أنهم كانوا إذا صلوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ورفع رأسه من الركوع قاموا قياماً, وإذا قاموا قياماً لا ينتقلون من القيام إلى السجود إلا إذا وصل إلى الأرض وسجد عليها، عند ذلك يلحقونه، ومعنى هذا أنه سبقهم في القيام ثم سبقهم في السجود، فكان مقدار قيامهم مثل مقدار قيامه كما قلنا في الركوع في الحديث السابق.
يتبع