عرض مشاركة واحدة
  #387  
قديم 11-11-2022, 10:53 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,976
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن للشيخ الشِّنْقِيطِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ


بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
تفسير أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن
صَاحِبِ الْفَضِيلَةِ الشَّيْخِ مُحَمَّدٍ الْأَمِينِ الشِّنْقِيطِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ
المجلد الخامس
الحلقة (385)
سُورَةُ الْمُؤْمِنُونَ
صـ 339 إلى صـ 346



وهذا المعنى الذي ذكره هنا : أشار له في غير هذا الموضع كقوله تعالى قالوا ربنا أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين فاعترفنا بذنوبنا فهل إلى خروج من سبيل ذلكم بأنه إذا دعي الله وحده كفرتم وإن يشرك به تؤمنوا فالحكم لله العلي الكبير [ 40 \ 11 - 12 ] فكفرهم عند الله ذكر الله وحده ، من نكوصهم على أعقابهم ، وبين في موضع آخر أنهم إذا تتلى عليهم آياته ، لم يقتصروا على النكوص عنها ، على أعقابهم ، بل يكادون يبطشون بالذي يتلوها عليهم ، لشدة بغضهم لها ، وذلك في قوله تعالى : وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات تعرف في وجوه الذين كفروا المنكر يكادون يسطون بالذين يتلون عليهم آياتنا [ 22 \ 72 ] [ ص: 339 ] وهذا الذي ذكرنا أن العذاب عذاب يوم القيامة ، أظهر عندنا من قول من قال : إنه يوم بدر أو الجوع ، ومن قول من زعم : أن الذين يجأرون : هم الذين لم يقتلوا يوم بدر وأن جؤارهم من قبل إخوانهم ، فكل ذلك خلاف الظاهر ، وإن قاله من قاله :
قوله تعالى : أفلم يدبروا القول ، يتضمن حضهم ، على تدبر هذا القول الذي هو القرآن العظيم ; لأنهم إن تدبروه تدبرا صادقا ، علموا أنه حق ، وأن اتباعه واجب وتصديق من جاء به لازم ، وقد أشار لهذا المعنى في غير هذا الموضع ; كقوله تعالى : أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا [ 4 \ 82 ] وقوله : أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها [ 47 \ 24 ] وقوله في هذه الآية الكريمة أم جاءهم ما لم يأت آباءهم الأولين [ 23 \ 68 ] قال القرطبي :

فأنكروه ، وأعرضوا عنه ، وقيل : أم بمعنى : بل جاءهم ما لا عهد لآبائهم به ، فلذلك أنكروه ، وتركوا التدبر له .

وقال ابن عباس : وقيل المعنى : أم جاءهم أمان من العذاب ، وهو شيء لم يأت آباءهم الأولين ، قال أبو حيان في تفسير هذه الآية : قرعهم أولا بترك الانتفاع بالقرآن ، ثم ثانيا بأن ما جاءهم جاء آباءهم الأولين ، أي : إرسال الرسل ليس بدعا ، ولا مستغربا ، بل أرسلت الرسل للأمم قبلهم ، وعرفوا ذلك بالتواتر ونجاة من آمن ، واستئصال من كذب وآباؤهم إسماعيل وأعقابه إلى آخر كلامه ، وهذا الوجه من التفسير له وجه من النظر وعليه فالآية كقوله : قل ما كنت بدعا من الرسل الآية [ 46 \ 9 ] ونحوها من الآيات .
قوله تعالى : أم لم يعرفوا رسولهم فهم له منكرون ، قد قدمنا الآيات الموضحة لهذه الآية في سورة يونس ، في الكلام على قوله تعالى : فقد لبثت فيكم عمرا من قبله الآية [ 10 \ 16 ] فأغنى ذلك عن إعادته هنا .
قوله تعالى : أم يقولون به جنة بل جاءهم بالحق وأكثرهم للحق كارهون ، أم المذكورة في هذه الآية هي المعروفة عند النحويين بأم المنقطعة ، وضابطها ألا تتقدم عليها همزة تسوية نحو سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم الآية [ 2 \ 6 ] أو همزة مغنية ، عن لفظة ، أي : كقولك أزيد عندك أم عمرو ؟ أي : أيهما عندك فالمسبوقة [ ص: 340 ] بإحدى الهمزتين المذكورتين ، هي المعروفة عندهم بأم المتصلة ، والتي لم تسبق بواحدة منهما هي المعروفة بالمنقطعة كما هنا ، وأم المنقطعة تأتي لثلاثة معان .

الأول : أن تكون بمعنى : بل الإضرابية .

الثاني : أن تكون بمعنى همزة استفهام الإنكار .

الثالث : أن تكون بمعناهما معا فتكون جامعة بين الإضراب والإنكار ، وهذا الأخير هو الأكثر في معناها ، خلافا لابن مالك في الخلاصة في اقتصاره على أنها بمعنى : بل في قوله :
وبانقطاع وبمعنى بل وفت إن تك مما قيدت به خلت


ومراده بخلوها مما قيدت به : ألا تسبقها إحدى الهمزتين المذكورتين ، فإن سبقتها إحداهما ، فهي المتصلة كما تقدم قريبا ، وعلى ما ذكرنا فيكون المعنى متضمنا للإضراب عما قبله إضرابا انتقاليا ، مع معنى استفهام الإنكار ، فتضمن الآية الإنكار على الكفار في دعواهم : أن نبينا - صلى الله عليه وسلم - به جنة أي : جنون يعنون : أن هذا الحق الذي جاءهم به هذيان مجنون ، قبحهم الله ما أجحدهم للحق ! وما أكفرهم ! ودعواهم عليه هذه أنه مجنون كذبها الله هنا بقوله : بل جاءهم بالحق [ 23 \ 70 ] فالإضراب ببل إبطالي .

والمعنى : ليس بمجنون بل هو رسول كريم جاءكم بالحق الواضح ، المؤيد بالمعجزات الذي يعرف كل عاقل ، أنه حق ، ولكن عاندتم وكفرتم لشدة كراهيتكم للحق ، وما نفته هذه الآية الكريمة من دعواهم عليه الجنون صرح الله بنفيه في مواضع أخر كقوله تعالى : وما صاحبكم بمجنون [ 81 \ 22 ] وقوله تعالى : فما أنت بنعمة ربك بكاهن ولا مجنون [ 52 \ 29 ] وهذا الجنون الذي افتري على آخر الأنبياء ، افتري أيضا على أولهم ، كما قال تعالى في هذه السورة الكريمة عن قوم نوح أنهم قالوا فيه : إن هو إلا رجل به جنة فتربصوا به حتى حين [ 23 \ 25 ] وقد بين في موضع آخر أن الله لم يرسل رسولا إلا قال قومه : إنه ساحر ، أو مجنون ، كأنهم اجتمعوا فتواصوا على ذلك لتواطؤ أقوالهم لرسلهم عليه ، وذلك في قوله تعالى : كذلك ما أتى الذين من قبلهم من رسول إلا قالوا ساحر أو مجنون أتواصوا به بل هم قوم طاغون [ 51 \ 52 - 53 ] فبين أن سبب تواطئهم على ذلك ليس التواصي به ; لاختلاف أزمنتهم ، وأمكنتهم ، ولكن الذي جمعهم على ذلك هو مشابهة بعضهم لبعض في الطغيان ، وقد أوضح هذا المعنى في سورة [ ص: 341 ] البقرة في قوله كذلك قال الذين من قبلهم مثل قولهم تشابهت قلوبهم [ 2 \ 118 ] فهذه الآيات تدل على أن سبب تشابه مقالاتهم لرسلهم ، هو تشابه قلوبهم في الكفر والطغيان ، وكراهية الحق وقوله : وأكثرهم للحق كارهون [ 23 \ 70 ] ذكر نحو معناه في قوله تعالى : لقد جئناكم بالحق ولكن أكثركم للحق كارهون وقوله تعالى : وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات تعرف في وجوه الذين كفروا المنكر الآية [ 22 \ 72 ] وذلك المنكر الذي تعرفه في وجوههم ، إنما هو لشدة كراهيتهم للحق ، ومن الآيات الموضحة لكراهيتهم للحق ، أنهم يمتنعون من سماعه ، ويستعملون الوسائل التي تمنعهم من أن يسمعوه ، كما قال تعالى في قصة أول الرسل الذين أرسلهم بتوحيده والنهي عن الإشراك به ، وهو نوح : وإني كلما دعوتهم لتغفر لهم جعلوا أصابعهم في آذانهم واستغشوا ثيابهم وأصروا واستكبروا استكبارا [ 71 \ 7 ] وإنما جعلوا أصابعهم في آذانهم ، واستغشوا ثيابهم خوف أن يسمعوا ما يقوله لهم نبيهم نوح عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام ، من الحق ، والدعوة إليه ، وقال تعالى في أمة آخر الأنبياء - صلى الله عليه وسلم - وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه الآية [ 41 \ 26 ] فترى بعضهم ينهى بعضا عن سماعه ، ويأمرهم باللغو فيه ، كالصياح والتصفيق المانع من السماع لكراهتهم للحق ، ومحاولتهم أن يغلبوا الحق بالباطل .

وهذه الآية الكريمة سؤال معروف وهو أن يقال : قوله : وأكثرهم للحق كارهون [ 23 \ 70 ] يفهم من مفهوم مخالفته ، أن قليلا من الكفار ، ليسوا كارهين للحق ، وهذا السؤال وارد أيضا على آية الزخرف التي ذكرنا آنفا ، وهي قوله تعالى : ولكن أكثركم للحق كارهون [ 43 \ 78 ] .

والجواب عن هذا السؤال : هو ما أجاب به بعض أهل العلم بأن قليلا من الكفار ، كانوا لا يكرهون الحق ، وسبب امتناعهم عن الإيمان بالله ورسوله ليس هو كراهيتهم للحق ، ولكن سببه الأنفة والاستنكاف من توبيخ قومهم ، وأن يقولوا صبؤوا وفارقوا دين آبائهم ، ومن أمثلة من وقع له هذا أبو طالب فإنه لا يكره الحق ، الذي جاء به النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وقد كان يشد عضده في تبليغه رسالته كما قدمنا في شعره في قوله :
اصدع بأمرك ما عليك غضاضة


الأبيات وقال فيها : [ ص: 342 ]
ولقد علمت بأن دين محمد من خير أديان البرية دينا


وقال فيه - صلى الله عليه وسلم - أيضا :
لقد علموا أن ابننا لا مكذب لدينا ولا يعني بقول الأباطل


وقد بين أبو طالب في شعره : أن السبب المانع له من اعتناق الإسلام ليس كراهية الحق ، ولكنه الأنفة والخوف من ملامة قومه أو سبهم له كما في قوله :
لولا الملامة أو حذار مسبة لوجدتني سمحا بذاك يقينا
قوله تعالى : ولو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السماوات والأرض ومن فيهن ، اختلف العلماء في المراد بالحق في هذه الآية ، فقال بعضهم : الحق : هو الله تعالى ، ومعلوم أن الحق من أسمائه الحسنى ، كما في قوله تعالى : ويعلمون أن الله هو الحق المبين [ 24 \ 25 ] وقوله : ذلك بأن الله هو الحق [ 22 \ 6 ] وكون المراد بالحق في الآية : هو الله عزاه القرطبي للأكثرين ، وممن قال به : مجاهد وابن جريج ، وأبو صالح ، والسدي ، وروي عن قتادة ، وغيرهم .

وعلى هذا القول فالمعنى لو أجابهم الله إلى تشريع ما أحبوا تشريعه وإرسال من اقترحوا إرساله ، بأن جعل أمر التشريع وإرسال الرسل ونحو ذلك تابعا لأهوائهم الفاسدة ، لفسدت السماوات والأرض ، ومن فيهن ; لأن أهواءهم الفاسدة وشهواتهم الباطلة ، لا يمكن أن تقوم عليها السماء والأرض وذلك لفساد أهوائهم ، واختلافها . فالأهواء الفاسدة المختلفة لا يمكن أن يقوم عليها نظام السماء والأرض ومن فيهن ، بل لو كانت هي المتبعة لفسد الجميع .

ومن الآيات الدالة على أن أهواءهم لا تصلح ; لأن تكون متبعة قوله تعالى : وقالوا لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم [ 43 \ 31 ] ; لأن القرآن لو أنزل على أحد الرجلين المذكورين ، وهو كافر يعبد الأوثان فلا فساد أعظم من ذلك ، وقد رد الله عليهم بقوله : أهم يقسمون رحمة ربك الآية [ 43 \ 32 ] ، وقال تعالى : قل لو أنتم تملكون خزائن رحمة ربي إذا لأمسكتم خشية الإنفاق وكان الإنسان قتورا [ 7 \ 100 ] وقال تعالى : أم لهم نصيب من الملك فإذا لا يؤتون الناس نقيرا [ 4 \ 53 ] قال ابن كثير - رحمه الله - : ففي هذا كله تبيين عجز العباد ، واختلاف آرائهم وأهوائهم ، وأنه تعالى هو [ ص: 343 ] الكامل في جميع صفاته وأقواله وأفعاله وشرعه وقدره وتدبيره لخلقه سبحانه وتعالى علوا كبيرا .

ومما يوضح أن الحق لو اتبع الأهواء الفاسدة المختلفة لفسدت السماوات والأرض ومن فيهن قوله تعالى : لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا [ 21 \ 22 ] فسبحان الله رب العرش عما يصفون .

القول الثاني : أن المراد بالحق في الآية : الحق الذي هو ضد الباطل المذكور في قوله قبله : وأكثرهم للحق كارهون [ 23 \ 70 ] وهذا القول الأخير اختاره ابن عطية ، وأنكر الأول .

وعلى هذا القول فالمعنى : أنه لو فرض كون الحق متبعا لأهوائهم ، التي هي الشرك بالله ، وادعاء الأولاد ، والأنداد له ونحو ذلك لفسد كل شيء ; لأن هذا الفرض يصير به الحق ، هو أبطل الباطل ، ولا يمكن أن يقوم نظام السماء والأرض على شيء ، هو أبطل الباطل ; لأن استقامة نظام هذا العالم لا تمكن إلا بقدرة وإرادة إله هو الحق منفرد بالتشريع ، والأمر والنهي كما لا يخفى على عاقل والعلم عند الله تعالى .
قوله تعالى : بل أتيناهم بذكرهم فهم عن ذكرهم معرضون ، اختلف العلماء في الذكر في الآية فمنهم من قال : ذكرهم : فخرهم ، وشرفهم ; لأن نزول هذا الكتاب على رجل منهم فيه لهم أكبر الفخر والشرف ، وعلى هذا ، فالآية كقوله : وإنه لذكر لك ولقومك [ 43 \ 44 ] على تفسير الذكر بالفخر والشرف ، وقال بعضهم : الذكر في الآية : الوعظ والتوصية ، وعليه فالآية كقوله : ذلك نتلوه عليك من الآيات والذكر الحكيم [ 3 \ 58 ] وقال بعضهم : الذكر هو ما كانوا يتمنونه في قوله : لو أن عندنا ذكرا من الأولين لكنا عباد الله المخلصين [ 37 \ 168 - 169 ] وعليه ، فالآية كقوله تعالى : وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن جاءهم نذير ليكونن أهدى من إحدى الأمم [ 35 \ 42 ] وعلى هذا القول فقوله : فلما جاءهم نذير ما زادهم إلا نفورا الآية [ 35 \ 42 ] كقوله هنا ، فهم عن ذكرهم معرضون ، وكقوله : أو تقولوا لو أنا أنزل علينا الكتاب لكنا أهدى منهم [ 6 \ 157 ] والآيات بمثل هذا على القول الأخير كثيرة والعلم عند الله تعالى .
قوله تعالى : أم تسألهم خرجا فخراج ربك خير وهو خير الرازقين [ ص: 344 ] المراد بالخرج والخراج هنا : الأجر والجزاء .

والمعنى : أنك لا تسألهم على ما بلغتهم من الرسالة المتضمنة لخيري الدنيا والآخرة ، أجرة ولا جعلا ، وأصل الخرج والخراج : هو ما تخرجه إلى كل عامل في مقابلة أجره ، أو جعل ، وهذه الآية الكريمة تتضمن أنه - صلى الله عليه وسلم - ، لا يسألهم أجرا ، في مقابلة تبليغ الرسالة .

وقد أوضحنا الآيات القرآنية الدالة على أن الرسل لا يأخذون الأجرة على التبليغ في سورة هود ، في الكلام على قوله تعالى عن نوح : ويا قوم لا أسألكم عليه مالا إن أجري إلا على الله الآية [ 11 \ 29 ] وبينا وجه الجمع بين تلك الآيات ، مع آية : قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى [ 42 \ 23 ] وبينا هناك حكم أخذ الأجرة ، على تعليم القرآن وغيره ، فأغنى ذلك عن إعادته هنا . وقرأ هذين الحرفين ابن عامر : خرجا فخرج ربك ، بإسكان الراء فيهما معا ، وحذف الألف فيهما ، وقرأ حمزة والكسائي : خراجا فخراج ربك بفتح الراء بعدها ألف فيهما معا ، وقرأ الباقون : خرجا فخراج ربك بإسكان الراء ، وحذف الألف في الأول ، وفتح الراء وإثبات الألف في الثاني ، والتحقيق : أن معنى الخرج والخراج واحد ، وأنهما لغتان فصيحتان وقراءتان سبعيتان ، خلافا لمن زعم أن بين معناهما فرقا زاعما أن الخرج ما تبرعت به ، والخراج : ما لزمك أداؤه .

ومعنى الآية : لا يساعد على هذا الفرق كما ترى ، والعلم عند الله تعالى ، وصيغة التفضيل في قوله : وهو خير الرازقين [ 23 \ 72 ] نظرا إلى أن بعض المخلوقين يرزق بعضهم كقوله تعالى : وارزقوهم فيها واكسوهم [ 4 \ 5 ] وقوله تعالى : وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن الآية [ 2 \ 233 ] ، ولا شك أن فضل رزق الله خلقه ، على رزق بعض خلقه بعضهم كفضل ذاته ، وسائر صفاته على ذوات خلقه ، وصفاتهم .
قوله تعالى : وإنك لتدعوهم إلى صراط مستقيم ، قد قدمنا الآيات الموضحة ، لمعنى هذه الآية في سورة الحج في الكلام على قوله تعالى : وادع إلى ربك إنك لعلى هدى مستقيم [ 22 \ 67 ] فأغنى عن إعادته هنا .
قوله تعالى : وإن الذين لا يؤمنون بالآخرة عن الصراط لناكبون ، ذكر - جل وعلا - في هذه الآية الكريمة : أن الذين لا يؤمنون بالآخرة لإنكارهم البعث والجزاء ، ناكبون عن الصراط ، والمراد بالصراط ، الذي هم ناكبون عنه : الصراط المستقيم [ ص: 345 ] الموصل إلى الجنة المذكور في قوله قبله : وإنك لتدعوهم إلى صراط مستقيم [ 23 \ 73 ] ومن نكب عن هذا الصراط المستقيم ، دخل النار بلا شك .

والآيات الدالة على ذلك كثيرة ; كقوله تعالى في سورة الروم : وأما الذين كفروا وكذبوا بآياتنا ولقاء الآخرة فأولئك في العذاب محضرون [ 30 \ 16 ] ومعنى قوله : لناكبون : عادلون عنه ، حائدون غير سالكين إياه وهو معنى معروف في كلام العرب ، ومنه قول نصيب :
خليلي من كعب ألما هديتما بزينب لا تفقدكما أبدا كعب من اليوم زوراها فإن ركابنا
غداة غد عنها وعن أهلها نكب
جمع ناكبة ، عنها أي : عادلة عنها متباعدة عنها ، وعن أهلها .
قوله تعالى : ولو رحمناهم وكشفنا ما بهم من ضر للجوا في طغيانهم يعمهون ، قد بينا الآيات الموضحة لما دلت عليه هذه الآية من أنه تعالى يعلم المعدوم الذين سبق في علمه أنه لا يوجد أن لو وجد ، كيف يكون في سورة الأنعام في الكلام على قوله تعالى : ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه وإنهم لكاذبون [ 6 \ 28 ] فأغنى ذلك عن إعادته هنا ، وقوله في هذه الآية : للجوا في طغيانهم يعمهون [ 23 \ 75 ] اللجاج هنا : التمادي في الكفر والضلال ، والطغيان : مجاوزة الحد ، وهو كفرهم بالله ، وادعاؤهم له الأولاد والشركاء ، وقوله : يعمهون : يترددون متحيرين لا يميزون حقا ، من باطل ، وقال بعض أهل العلم : العمه : عمى القلب ، والعلم عند الله تعالى .
قوله تعالى : ولقد أخذناهم بالعذاب فما استكانوا لربهم وما يتضرعون ، ذكر - جل وعلا - في هذه الآية الكريمة أنه أخذ الكفار بالعذاب ، والظاهر أنه هنا : العذاب الدنيوي كالجوع والقحط والمصائب ، والأمراض والشدائد ، فما استكانوا لربهم أي : ما خضعوا له ، ولا ذلوا وما يتضرعون أي : ما يبتهلون إليه بالدعاء متضرعين له ، ليكشف عنهم ذلك العذاب لشدة قسوة قلوبهم ، وبعدهم من الاتعاظ ، ولو كانوا متصفين بما يستوجب ذلك من إصابة عذاب الله لهم ، وهذا المعنى الذي ذكره هنا جاء موضحا في غير هذا الموضع كقوله تعالى في سورة الأنعام : ولقد أرسلنا إلى أمم من قبلك فأخذناهم بالبأساء والضراء لعلهم يتضرعون فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا ولكن قست قلوبهم وزين لهم الشيطان ما كانوا يعملون [ 6 \ 42 - 43 ] وقوله في سورة [ ص: 346 ] الأعراف : وما أرسلنا في قرية من نبي إلا أخذنا أهلها بالبأساء والضراء لعلهم يضرعون ثم بدلنا مكان السيئة الحسنة حتى عفوا وقالوا قد مس آباءنا الضراء والسراء فأخذناهم بغتة وهم لا يشعرون [ 7 \ 94 - 95 ] إلى غير ذلك من الآيات .
قوله تعالى : وهو الذي أنشأ لكم السمع والأبصار والأفئدة قليلا ما تشكرون ، قد ذكرنا الآيات التي فيها إيضاح لمعنى هذه الآية في سورة النحل في الكلام على قوله تعالى : وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون [ 16 \ 78 ] وبينا هناك وجه إفراد السمع مع الجمع للأبصار والأفئدة ، فأغنى ذلك عن إعادته هنا .
قوله تعالى : وهو الذي ذرأكم في الأرض وإليه تحشرون ، ذرأكم معناه : خلقكم ، ومنه قوله تعالى : ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والإنس الآية [ 7 \ 179 ] وقوله في الأرض ، أي : خلقكم وبثكم في الأرض ، عن طريق التناسل ، كما قال تعالى : وبث منهما رجالا كثيرا ونساء الآية [ 4 \ 1 ] وقال : ثم إذا أنتم بشر تنتشرون [ 30 \ 20 ] وقوله : وإليه تحشرون أي : إليه وحده ، تجمعون يوم القيامة أحياء بعد البعث للجزاء والحساب .

وما تضمنته هذه الآية ، من أنه خلقهم ، وبثهم في الأرض ، وأنه سيحشرهم إليه يوم القيامة ، جاء معناه في آيات كثيرة ; كقوله في أول هذه السورة ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين إلى قوله : ثم إنكم يوم القيامة تبعثون [ 23 \ 12 - 16 ] وذكر - جل وعلا - أيضا هاتين الآيتين في سورة الملك في قوله تعالى : قل هو الذي أنشأكم وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة قليلا ما تشكرون قل هو الذي ذرأكم في الأرض وإليه تحشرون ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين [ 67 \ 23 - 25 ] والآيات في هذا المعنى كثيرة .
قوله تعالى : وهو الذي يحيي ويميت ، قد قدمنا الآيات الدالة على الإماتتين والإحياءتين ، وأن ذلك من أكبر الدواعي للإيمان به - جل وعلا - في سورة الحج في الكلام على قوله : وهو الذي أحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم [ 22 \ 26 ] وفي سورة البقرة في الكلام على قوله تعالى : كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا فأحياكم [ 2 \ 28 ] ، فأغنى ذلك عن إعادته هنا .

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 38.10 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 37.48 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.65%)]