عرض مشاركة واحدة
  #305  
قديم 09-11-2022, 05:08 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,520
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد


تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الرابع
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(291)
الحلقة (305)
صــ 311إلى صــ 318




قال أبو جعفر : وهذان الخبران اللذان ذكرناهما عن مجاهد والضحاك ينبئان عن صحة ما قلنا في رفع " الصد " و" الكفر به " ، وأن رافعه " أكبر عند الله " . وهما يؤكدان صحة ما‌ روينا في ذلك عن ابن عباس ويدلان على خطإ من زعم أنه مرفوع على العطف على " الكبير " ، وقول من زعم أن معناه : وكبير صد عن سبيل الله [ ص: 311 ] وزعم أن قوله : " وإخراج أهله منه أكبر عند الله " ، خبر منقطع عما قبله مبتدأ .

4094 - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال : حدثنا هشيم قال : أخبرنا إسماعيل بن سالم عن الشعبي في قوله : " والفتنة أكبر من القتل " ، قال : يعني به الكفر .

4095 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد عن قتادة : " وإخراج أهله منه أكبر عند الله " من ذلك . ثم عير المشركين بأعمالهم أعمال السوء فقال : " والفتنة أكبر من القتل " ، أي الشرك بالله أكبر من القتل .

وبمثل الذي قلنا من التأويل في ذلك روي عن ابن عباس :

4096 - حدثني محمد بن سعد قال : حدثني أبى قال : حدثني عمي قال : حدثنى أبي ، عن أبيه عن ابن عباس قال : لما قتل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرو بن الحضرمي في آخر ليلة من جمادى وأول ليلة من رجب ، أرسل المشركون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يعيرونه بذلك ، فقال : " يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير " ، وغير ذلك أكبر منه : " صد عن سبيل الله وكفر به والمسجد الحرام وإخراج أهله منه أكبر " من الذي أصابمحمد صلى الله عليه وسلم .

قال أبو جعفر : وأما أهل العربية فإنهم اختلفوا في الذي ارتفع به قوله : " وصد عن سبيل الله " .

فقال بعض نحويي الكوفيين : في رفعه وجهان ؛ أحدهما : أن يكون " الصد " مردودا على " الكبير " يريد : قل القتال فيه كبير وصد عن سبيل الله وكفر [ ص: 312 ] به . وإن شئت جعلت " الصد " " كبيرا " ، يريد به : قل القتال فيه كبير ، وكبير الصد عن سبيل الله والكفر به .

قال أبو جعفر : قال فأخطأ - يعني الفراء - في كلا تأويليه . وذلك أنه إذا رفع " الصد " عطفا به على " كبير " يصير تأويل الكلام : قل القتال في الشهر الحرام كبير وصد عن سبيل الله ، وكفر بالله ، وذلك من التأويل خلاف ما عليه أهل الإسلام جميعا . لأنه لم يدع أحد أن الله تبارك وتعالى جعل القتال في الأشهر الحرم كفرا بالله ، بل ذلك غير جائز أن يتوهم على عاقل يعقل ما يقول أن يقوله . وكيف يجوز أن يقوله ذو فطرة صحيحة ، والله جل ثناؤه يقول في إثر ذلك : " وإخراج أهله منه أكبر عند الله " ؟ ! فلو كان الكلام على ما رآه جائزا في تأويله هذا ، لوجب أن يكون إخراج أهل المسجد الحرام من المسجد الحرام كان أعظم عند الله من الكفر به ، وذلك أنه يقول في إثره : " وإخراج أهله منه أكبر عند الله " . وفي قيام الحجة بأن لا شيء أعظم عند الله من الكفر به ، ما يبين عن خطإ هذا القول .

وأما إذا رفع " الصد " بمعنى ما زعم أنه الوجه الآخر - وذلك رفعه بمعنى : وكبير صد عن سبيل الله ، ثم قيل : " وإخراج أهله منه أكبر عند الله " - صار المعنى إلى أن إخراج أهل المسجد الحرام من المسجد الحرام أعظم عند الله من الكفر بالله والصد عن سبيله ، وعن المسجد الحرام . ومتأول ذلك كذلك ، داخل من الخطإ في مثل الذي دخل فيه القائل القول الأول : من تصييره بعض خلال الكفر أعظم عند الله [ ص: 313 ] من الكفر بعينه . وذلك مما لا يخيل على أحد خطؤه وفساده .

وكان بعض أهل العربية من أهل البصرة يقول القول الأول في رفع " الصد " ، ويزعم أنه معطوف به على " الكبير " ويجعل قوله : " وإخراج أهله " مرفوعا على الابتداء ، وقد بينا فساد ذلك وخطأ تأويله .

قال أبو جعفر : ثم اختلف أهل التأويل في قوله : " يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير " ، هل هو منسوخ أم ثابت الحكم ؟

فقال بعضهم : هو منسوخ بقول الله جل وعز : ( وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة ) [ سورة التوبة : 36 ] ، وبقوله : ( فاقتلوا المشركين ) [ سورة التوبة : 5 ]

ذكر من قال ذلك :

4097 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج عن ابن جريج قال : قال عطاء بن ميسرة : أحل القتال في الشهر الحرام في " براءة " قوله : ( فلا تظلموا فيهن أنفسكم‌ وقاتلوا المشركين كافة ) [ سورة التوبة : 36 ] : يقول : فيهن وفي غيرهن .

4098 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر عن الزهري قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم ، فيما بلغنا ، يحرم القتال في الشهر الحرام ، ثم أحل بعد . . [ ص: 314 ] وقال آخرون : بل ذلك حكم ثابت لا يحل القتال لأحد في الأشهر الحرم بهذه الآية ، لأن الله جعل القتال فيه كبيرا .

ذكر من قال ذلك :

4099 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسن قال : حدثني حجاج عن ابن جريج قال : قلت لعطاء : " يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير " ، قلت : ما لهم ! وإذ ذاك لا يحل لهم أن يغزوا أهل الشرك في الشهر الحرام ، ثم غزوهم بعد فيه ؟ فحلف لي عطاء بالله : ما يحل للناس أن يغزوا في الشهر الحرام ، ولا أن يقاتلوا فيه ، وما يستحب . قال : ولا يدعون إلى الإسلام قبل أن يقاتلوا ، ولا إلى الجزية ، تركوا ذلك .

قال أبو جعفر : والصواب من القول في ذلك ما قاله عطاء بن ميسرة : من أن النهي عن قتال المشركين في الأشهر الحرم منسوخ بقول الله جل ثناؤه : ( إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السماوات والأرض منها أربعة حرم ذلك الدين القيم فلا تظلموا فيهن أنفسكم وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة ) [ سورة التوبة : 36 ] .

وإنما قلنا ذلك ناسخ لقوله : " يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير " ، لتظاهر الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه غزا هوازن بحنين وثقيفا بالطائف وأرسل أبا عامر إلى أوطاس لحرب من بها من المشركين ، في الأشهر الحرم ، وذلك في شوال وبعض ذي القعدة ، وهو من الأشهر الحرم . فكان معلوما بذلك أنه لو كان القتال فيهن حراما وفيه معصية ، كان أبعد الناس من فعله صلى الله عليه وسلم . [ ص: 315 ]

وأخرى ؛ أن جميع أهل العلم بسير رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تتدافع أن بيعة الرضوان على قتالقريش كانت في ذي القعدة ، وأنه صلى الله عليه وسلم إنما دعا أصحابه إليها يومئذ ، لأنه بلغه أن عثمان بن عفان قتله المشركون إذ أرسله إليهم بما أرسله به من الرسالة ، فبايع صلى الله عليه وسلم على أن يناجز القوم الحرب ويحاربهم ، حتى رجع عثمان بالرسالة ، جرى بين النبي صلى الله عليه وسلم وقريش الصلح ، فكف عن حربهم حينئذ وقتالهم وكان ذلك في ذي القعدة ، وهو من الأشهر الحرم .

فإذ كان ذلك كذلك ، فبين صحة ما قلنا في قوله : " يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير " ، وأنه منسوخ .

فإذا ظن ظان أن النهي عن القتال في الأشهر الحرم كان بعد استحلال النبي صلى الله عليه وسلم إياهن لما وصفنا من حروبه فقد ظن جهلا؛ وذلك أن هذه الآية - أعني قوله : " يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه " - في أمر عبد الله بن جحش وأصحابه ، وما كان من أمرهم وأمر القتيل الذي قتلوه ، فأنزل الله في أمره هذه الآية في آخر جمادى الآخرة من السنة الثانية من مقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وهجرته إليها ، وكانت وقعة حنين والطائف في شوال من سنة ثمان من مقدمه المدينة وهجرته إليها ، وبينهما من المدة ما لا يخفى على أحد .

القول في تأويل قوله تعالى ( ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا )

قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره : ولا يزال مشركو قريش يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن قدروا على ذلك ، كما : - [ ص: 316 ] 4100 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة قال : حدثني ابن إسحاق قال : حدثني الزهري ويزيد بن رومان عن عروة بن الزبير : " ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا " ، أي : هم مقيمون على أخبث ذلك وأعظمه ، غير تائبين ولا نازعين يعني : على أن يفتنوا المسلمين عن دينهم حتى يردوهم إلى الكفر ، كما كانوا يفعلون بمن قدروا عليه منهم قبل الهجرة .

4101 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا عيسى عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قول الله عز وجل : " ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا " ، قال : كفار قريش .
القول في تأويل قوله تعالى ( ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون ( 217 ) )

قال أبو جعفر : يعني بقوله جل ثناؤه : " ومن يرتدد منكم عن دينه " ، من يرجع منكم عن دينه ، كما قال جل ثناؤه : ( فارتدا على آثارهما قصصا ) [ سورة الكهف : 64 ] يعني بقوله : " فارتدا " ، رجعا . ومن ذلك قيل : " استرد فلان حقه من فلان " ، إذا استرجعه منه .

وإنما أظهر التضعيف في قوله : " يرتدد " لأن لام الفعل ساكنة بالجزم ، وإذا [ ص: 317 ] سكنت فالقياس ترك التضعيف ، وقد تضعف وتدغم وهي ساكنة ، بناء على التثنية والجمع .

وقوله : " فيمت وهو كافر " ، يقول : من يرجع عن دينه دين الإسلام ، " فيمت وهو كافر " ، فيمت قبل أن يتوب من كفره ، فهم الذين حبطت أعمالهم .

يعني بقوله : " حبطت أعمالهم " ، بطلت وذهبت . وبطولها : ذهاب ثوابها ، وبطول الأجر عليها والجزاء في دار الدنيا والآخرة .

وقوله : " وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون " ، يعني : الذين ارتدوا عن دينهم فماتوا على كفرهم هم أهل النار المخلدون فيها .

وإنما جعلهم " أهلها " لأنهم لا يخرجون منها ، فهم سكانها المقيمون فيها ، كما يقال : " هؤلاء أهل محلة كذا " ، يعني : سكانها المقيمون فيها .

ويعني بقوله : " هم فيها خالدون " ، هم فيها لابثون لبثا ، من غير أمد ولا نهاية .
القول في تأويل قوله تعالى ( إن الذين آمنوا والذين هاجروا وجاهدوا في سبيل الله أولئك يرجون رحمة الله والله غفور رحيم ( 218 ) )

قال أبو جعفر : يعني بذلك جل ذكره : إن الذين صدقوا بالله وبرسوله وبما جاء به وبقوله : " والذين هاجروا " الذين هجروا مساكنة المشركين في أمصارهم [ ص: 318 ] ومجاورتهم في ديارهم ، فتحولوا عنهم ، وعن جوارهم وبلادهم ، إلى غيرها هجرة . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . لما انتقل عنه إلى ما انتقل إليه . وأصل المهاجرة : " المفاعلة " من هجرة الرجل الرجل للشحناء تكون بينهما ، ثم تستعمل في كل من هجر شيئا لأمر كرهه منه ، وإنما سمي المهاجرون من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم " مهاجرين " ، لما وصفنا من هجرتهم دورهم ومنازلهم كراهة منهم النزول بين أظهر المشركين وفي سلطانهم ، بحيث لا يأمنون فتنتهم على أنفسهم في ديارهم - إلى الموضع الذي يأمنون ذلك .

وأما قوله : " وجاهدوا " فإنه يعني : وقاتلوا وحاربوا .

وأصل " المجاهدة " " المفاعلة " من قول الرجل : " قد جهد فلان فلانا على كذا " - إذا كربه وشق عليه - " يجهده جهدا " . فإذا كان الفعل من اثنين ، كل واحد منهما يكابد من صاحبه شدة ومشقة ، قيل : " فلان يجاهد فلانا " - يعني أن كل واحد منهما يفعل بصاحبه ما يجهده ويشق عليه - " فهو يجاهده مجاهدة وجهادا " .



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 33.91 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 33.29 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.85%)]