عرض مشاركة واحدة
  #303  
قديم 09-11-2022, 04:00 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,970
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد


تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الرابع
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(289)
الحلقة (303)
صــ 295إلى صــ 302



قال أبو جعفر : وهذا الذي قاله السدي : من أنه لم يكن يوم نزلت هذه الآية زكاة ، وإنما كانت نفقة ينفقها الرجل على أهله ، وصدقة يتصدق بها ، ثم نسختها الزكاة قول ممكن أن يكون كما قال ، وممكن غيره . ولا دلالة في الآية على صحة ما قال ؛ لأنه ممكن أن يكون قوله : " قل ما أنفقتم من خير فللوالدين والأقربين " الآية ، حثا من الله جل ثناؤه على الإنفاق على من كانت نفقته غير واجبة من الآباء والأمهات والأقرباء ، ومن سمي معهم في هذه الآية ، وتعريفا من [ ص: 295 ] الله عباده مواضع الفضل التي تصرف فيها النفقات ، كما قال في الآية الأخرى : ( وآتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب وأقام الصلاة وآتى الزكاة ) [ سورة البقرة : 177 ] . وهذا القول الذي قلناه في قول ابن جريج الذي حكيناه .

وقد بينا معنى المسكنة ، ومعنى ابن السبيل فيما مضى ، فأغنى ذلك عن إعادته .
القول في تأويل قوله عز ذكره ( كتب عليكم القتال )

قال أبو جعفر : يعني بذلك جل ثناؤه بقوله : " كتب عليكم القتال " ، فرض عليكم القتال ، يعني قتال المشركين" وهو كره لكم" .

واختلف أهل العلم في الذين عنوا بفرض القتال .

فقال بعضهم : عني بذلك أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة دون غيرهم .

ذكر من قال ذلك :

4072 - حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، قال : سألت عطاء قلت له : " كتب عليكم القتال وهو كره لكم " ، أواجب الغزو على الناس من أجلها ؟ قال : لا! كتب على أولئك حينئذ .

4073 - حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا عثمان بن سعيد ، قال : حدثنا [ ص: 296 ] خالد ، عن حسين بن قيس ، عن عكرمة ، عن ابن عباس في قوله : " كتب عليكم القتال وهو كره لكم " ، قال نسختها ( قالوا سمعنا وأطعنا ) [ سورة البقرة : 285 ]

قال أبو جعفر : وهذا قول لا معنى له ؛ لأن نسخ الأحكام من قبل الله جل وعز ، لا من قبل العباد ، وقوله : " قالوا سمعنا وأطعنا " ، خبر من الله عن عباده المؤمنين وأنهم قالوه لا نسخ منه .

4074 - حدثني محمد بن إسحاق ، قال : حدثنا معاوية بن عمرو ، قال : حدثنا أبو إسحاق الفزاري ، قال : سألت الأوزاعي عن قول الله عز وجل : " كتب عليكم القتال وهو كره لكم " ، أواجب الغزو على الناس كلهم ؟ قال : لا أعلمه ، ولكن لا ينبغي للأئمة والعامة تركه ، فأما الرجل في خاصة نفسه فلا .

وقال آخرون : هو على كل واحد حتى يقوم به من في قيامه الكفاية ، فيسقط فرض ذلك حينئذ عن باقي المسلمين ، كالصلاة على الجنائز وغسلهم الموتى ودفنهم ، وعلى هذا عامة علماء المسلمين .

قال أبو جعفر : وذلك هو الصواب عندنا لإجماع الحجة على ذلك ، ولقول الله عز وجل : ( فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة وكلا وعد الله الحسنى ) [ سورة النساء : 95 ] ، فأخبر جل ثناؤه أن الفضل للمجاهدين ، وأن لهم وللقاعدين الحسنى ، ولو كان القاعدون مضيعين فرضا لكان لهم السوأى لا الحسنى . [ ص: 297 ]

وقال آخرون : هو فرض واجب على المسلمين إلى قيام الساعة .

ذكر من قال ذلك :

4075 - حدثنا حبيش بن مبشر قال : حدثنا روح بن عبادة ، عن ابن جريج ، عن داود بن أبي عاصم ، قال : قلت لسعيد بن المسيب : قد أعلم أن الغزو واجب على الناس! فسكت ، وقد أعلم أن لو أنكر ما قلت لبين لي .

وقد بينا فيما مضى معنى قوله : " كتب " بما فيه الكفاية .
القول في تأويل قوله تعالى ( وهو كره لكم )

قال أبو جعفر : يعني بذلك جل ثناؤه : وهو ذو كره لكم ، فترك ذكر"ذو" اكتفاء بدلالة قوله : "كره لكم" ، عليه ، كما قال : ( واسأل القرية ) [ سورة يوسف : 83 ]

وبنحو الذي قلنا في ذلك روي عن عطاء في تأويله .

ذكر من قال ذلك :

4076 - حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن عطاء في قوله : " وهو كره لكم " قال : كره إليكم حينئذ .

"والكره" بالضم : هو ما حمل الرجل نفسه عليه من غير إكراه أحد إياه عليه ، " والكره" بفتح"الكاف" ، هو ما حمله غيره ، فأدخله عليه كرها . وممن حكي عنه هذا القول معاذ بن مسلم . [ ص: 298 ]

4077 - حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا عبد الرحمن بن أبي حماد ، عن معاذ بن مسلم ، قال : الكره المشقة ، والكره الإجبار .

وقد كان بعض أهل العربية يقول : "الكره والكره" لغتان بمعنى واحد ، مثل : "الغسل والغسل" و"الضعف والضعف" ، و"الرهب والرهب" . وقال بعضهم : "الكره" بضم"الكاف" اسم و"الكره" بفتحها مصدر .
القول في تأويل قوله تعالى ( وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم )

قال أبو جعفر : يعني بذلك جل ثناؤه : ولا تكرهوا القتال ، فإنكم لعلكم أن تكرهوه وهو خير لكم ، ولا تحبوا ترك الجهاد ، فلعلكم أن تحبوه وهو شر لكم ، كما : -

4078 - حدثني موسى بن هارون ، قال : حدثنا عمرو بن حماد ، قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : " كتب عليكم القتال وهو كره لكم وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم " ، وذلك لأن المسلمين كانوا يكرهون القتال ، فقال : " وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم " يقول : إن لكم في القتال الغنيمة والظهور والشهادة ، ولكم في القعود أن لا تظهروا على المشركين ، ولا تستشهدوا ، ولا تصيبوا شيئا .

4079 - حدثني محمد بن إبراهيم السلمي ، قال : حدثني يحيى بن محمد بن مجاهد ، قال : أخبرني عبيد الله بن أبي هاشم الجعفي ، قال : أخبرني عامر بن واثلة قال : قال ابن عباس : كنت ردف النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : يا ابن عباس ارض عن الله بما قدر ، وإن كان خلاف هواك ، فإنه مثبت في كتاب الله . قلت : يا رسول الله ، فأين؟ وقد قرأت القرآن ! قال : في قوله : " [ ص: 299 ] وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون "
القول في تأويل قوله تعالى ( والله يعلم وأنتم لا تعلمون ( 216 ) )

قال أبو جعفر : يعني بذلك جل ثناؤه : والله يعلم ما هو خير لكم ، مما هو شر لكم ، فلا تكرهوا ما كتبت عليكم من جهاد عدوكم ، وقتال من أمرتكم بقتاله ، فإني أعلم أن قتالكم إياهم ، هو خير لكم في عاجلكم ومعادكم ، وترككم قتالهم شر لكم ، وأنتم لا تعلمون من ذلك ما أعلم ، يحضهم جل ذكره بذلك على جهاد أعدائه ، ويرغبهم في قتال من كفر به .
القول في تأويل قوله تعالى ( يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير وصد عن سبيل الله وكفر به والمسجد الحرام وإخراج أهله منه أكبر عند الله والفتنة أكبر من القتل )

قال أبو جعفر : يعني بذلك جل ثناؤه : يسألك يا محمد أصحابك عن الشهر الحرام وذلك رجب عن قتال فيه . [ ص: 300 ]

وخفض "القتال" على معنى تكرير"عن" عليه ، وكذلك كانت قراءة عبد الله بن مسعود فيما ذكر لنا . وقد : -

4080 - حدثت عن عمار بن الحسن ، قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع قوله : " يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه " ، قال : يقول : يسألونك عن قتال فيه ، قال : وكذلك كان يقرؤها : "عن قتال فيه" .

قال أبو جعفر : " قل " يا محمد : " قتال فيه " - يعني في الشهر الحرام" كبير " ، أي عظيم عند الله استحلاله وسفك الدماء فيه .

ومعنى قوله : " قتال فيه" ، قل القتال فيه كبير . وإنما قال : "قل قتال فيه كبير" ، لأن العرب كانت لا تقرع فيه الأسنة ، فيلقى الرجل قاتل أبيه أو أخيه فيه فلا يهيجه تعظيما له ، وتسميه مضر "الأصم" لسكون أصوات السلاح وقعقعته فيه . وقد : -

4081 - حدثني محمد بن عبد الله بن عبد الحكم المصري ، قال : حدثنا شعيب بن الليث ، قال : حدثنا الليث ، قال : حدثنا الزبير ، عن جابر قال : لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يغزو في الشهر الحرام إلا أن يغزى ، أو يغزو حتى إذا حضر ذلك أقام حتى ينسلخ .

وقوله جل ثناؤه : " وصد عن سبيل الله " . ومعنى"الصد" عن الشيء ، المنع منه ، والدفع عنه ، ومنه قيل : " صد فلان بوجهه عن فلان" ، إذا أعرض عنه فمنعه من النظر إليه .

وقوله : " وكفر به " ، يعني : وكفر بالله ، و"الباء" في"به" عائدة على اسم الله الذي في" سبيل الله " . وتأويل الكلام : وصد عن سبيل الله ، وكفر به ، وعن المسجد الحرام ، وإخراج أهل المسجد الحرام - وهم أهله وولاته - أكبر عند الله من القتال في الشهر الحرام .

[ ص: 301 ] ف " الصد عن سبيل الله " مرفوع بقوله : " أكبر عند الله " . وقوله : " وإخراج أهله منه " عطف على " الصد " . ثم ابتدأ الخبر عن الفتنة فقال : " والفتنة أكبر من القتل " ، يعني : الشرك أعظم وأكبر من القتل يعني : من قتل ابن الحضرمي الذي استنكرتم قتله في الشهر الحرام .

قال أبو جعفر : وقد كان بعض أهل العربية يزعم أن قوله : " والمسجد الحرام " معطوف على " القتال " وأن معناه : يسألونك عن الشهر الحرام ، عن قتال فيه ، وعن المسجد الحرام ، فقال الله جل ثناؤه : " وإخراج أهله منه أكبر عند الله " من القتال‌‌‌‌‌‌ في الشهر الحرام .

وهذا القول ، مع خروجه من أقوال أهل العلم ، قول لا وجه له ؛ لأن القوم لم يكونوا في شك من عظيم ما أتى المشركون إلى المسلمين في إخراجهم إياهم من منازلهم بمكة فيحتاجوا إلى أن يسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن إخراج المشركين إياهم من منازلهم ، وهل ذلك كان لهم ؟ بل لم يدع ذلك عليهم أحد من المسلمين ، ولا أنهم سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك .

وإذ كان ذلك كذلك ، فلم يكن القوم سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا عما ارتابوا بحكمه كارتيابهم في أمر قتل ابن الحضرمي ؛ إذ ادعوا أن قاتله من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قتله في الشهر الحرام ، فسألوا عن أمره ، لارتيابهم في حكمه . فأما إخراج المشركين أهل الإسلام من المسجد الحرام ، فلم يكن فيهم أحد شاكا أنه كان ظلما منهم لهم فيسألوا عنه .

ولا خلاف بين أهل التأويل جميعا أن هذه الآية نزلت [ ص: 302 ] على رسول الله صلى الله عليه وسلم في سبب قتل ابن الحضرمي وقاتله .

ذكر الرواية عمن قال ذلك :

4082 حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة بن الفضل عن ابن إسحاق قال : حدثني الزهري ويزيد بن رومان عن عروة بن الزبير قال : بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن جحش في رجب مقفله من بدر الأولى ، وبعث معه بثمانية رهط من المهاجرين ، ليس فيهم من الأنصار أحد ، وكتب له كتابا ، وأمره أن لا ينظر فيه حتى يسير يومين ثم ينظر فيه فيمضي لما أمره ، ولا يستكره من أصحابه أحدا .

وكان أصحاب عبد الله بن جحش من المهاجرين؛ من بني عبد شمس أبو حذيفة [ بن عتبة ] بن ربيعة - ومن بني أمية - بن عبد شمس ثم من حلفائهم : عبد الله بن جحش بن رئاب وهو أمير القوم وعكاشة بن محصن بن حرثان أحد بني أسد بن خزيمة - ومن بني نوفل بن عبد مناف عتبة بن غزوان حليف لهم - ومن بني زهرة بن كلاب : سعد بن أبي وقاص - ومن بني عدي بن كعب عامر بن ربيعة حليف لهم وواقد بن عبد الله بن مناة بن عرين بن ثعلبة بن يربوع بن حنظلة وخالد بن البكير أحد بني سعد بن ليث حليف لهم - ومن بني الحارث بن فهر : سهيل بن بيضاء .



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 34.63 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 34.00 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.81%)]