عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 08-11-2022, 08:44 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,755
الدولة : Egypt
افتراضي من شعر الغربة عن الوطن

من شعر الغربة عن الوطن


محمد حمادة إمام




لابن زيدون، صوَر شعرية، تبيِّن مدى رقَّته، وتوضِّح ما لحِقَه بعد تقلُّب بين أعطاف المتعة والترف - وقد أُودِعَ جدرانَ السجون، فحُرم من مُشتهاه، واقتُلع من معهد صباه، فنقش في جبين الأيام ما نقشه السجنُ والحرمانُ من ويلات وأحزان وحسرات أتتْ على قلبه وجوانحه[1]. وكأنَّ هذا الحنين نتاج شهوات ومتع ولذَّات السنين، فيقول متوجعًا من الظُّلم والاضطهاد، وذكريات الماضي ومرورها العابر، والفراق[2]: [من البسيط]
أَضْحى التنائي بديلًا مِن تدانينا ♦♦♦ ونَابَ عَنْ طِيبِ لُقْيانا تَجافِينا


إلى أن يقول:
يا روضةً طالما أَجْنَتْ لَوَاحِظَنا
وَرْدًا جَلَاهُ الصِّبا غضًّا ونَسْرينا

ويا حياةً تملَّينا بِزَهْرَتِها
مُنًى ضروبًا ولَذَّاتٍ أَفانِينا


"فابنُ زيدون في هذه القصيدة الغزَلية الرائعة، يَصِف ماضيَه السعيد؛ حيث اللقاء والغرام، ويقارِن بينه وبين حاضره المؤلمِ التعيس، حيث الحرمان والفرق والجفاء[3]، ولذا فإنه، قد مال إلى بعض المحسِّنات البديعية؛ مِن مثل التضاد في "تنائي - تداني"، "لقيانا - تجافينا".

وهذا "أبو حاتم الحجاري[4]"، يتحسَّر على أيام شبابه، ورفاقِه باللوَى، إذ كثيرا ما لعِب تحت ظلِّها ومرح؛ فيقول في أبيات منها[5]: [ من الكامل ]
أسفي لأيَّامي بمنزلة اللوى
وزمانِنَا الخالي بذات الخَال[6]

أيام نمرحُ تَحْتَ ظِلِّ شبيبةٍ
مَرحَ الغُصُون تَرِفُّ تَحْتَ ظِلاَلِ



وهذا "أبو الوليد الباجي[7]"، يمرُّ على الديار، ومعاهد الخلان، وقد أقفرَت مِن كل بهاء، وطلاوة الأحباء، فتتدفَّق دموعُه، حتى تَوارى المنجد، وما لديه عندئذ إلا النحيب، تحسُّرًا على أغصان الشباب الحسنة الذكية، الشبيهة بالغواني ذوات الطلعة البهيَّة؛ فيقول مصوِّرًا كثرة تجواله مع خلانه[8]: [ من الكامل ]:
في كُلِّ أُفْقٍ لي علاقة خَلَّةٍ
تهدي الهُدَى وبكُلِّ أرضٍ تُمْهَدُ

ما طَالَ عَهْدي بالديار وإنَّما
أنْسَى مَعاهِدَها أسًى وتبلُّدُ

ولقد مَرَرْتُ على المعاهدِ بَعْدَمَا
لَبِسَ البَدَاوةَ رَسْمُها المتأبِّدُ

فاستنجدَتْ ماءُ الدموع لبَينهِمْ
فَتتابَعتْ حتىَّ تَوارَى المُنْجِدُ

طَفِقتْ تُسابقُني إلى أَمَدِ الصِّبا
تلك الرُّبَى ومثال شِلْويَ يَبْعُدُ


إلى أن يقول:
لله أيّامُ الشّبابِ وحُسْنُها ♦♦♦ وغُصُونُهُنَّ المائِسَاتُ الميَّدُ


فالنحيب والحنين مِن رقة القلب، ولا سبيل لها إلى ذي القلب القاسي، وكانت الرقة مِن سمات أهل الأندلس، خاصَّة في فترة المرابطين، ولعل سبب هذا: "ما تعرَّضَت له الأمَّة الإسلامية منذ النصف الأول من القرن الخامس الهجري، حيث تعرضَت لسلسة من المآسي والنكبات، إذ سقطَت الخلافةُ في الأندلس، كما عاثتْ قبائلُ بني هلال في المغرب، وسقط بيتُ المقدس بيد الصليبين. فالمأساة هي مأساة لمعالمَ وطنيةٍ، وتنحدر ببطء إلى الضياع والنهاية...، والنكبة تبتدئ في تراث الأدب الأندلسي والمغربي منذ أن أخَذَت بعضُ مدائن الأندلس تسقط في يد الأسبان النصارى...[9]، فكان لهذه النكبات آنذاك صدًى واضحٌ في شِعر رثاء الشباب والحنين إلى معاهده، في تلك الديار.

وهذا ابن البراء التجيبي[10]، يصوِّر تحسُّره على الشباب، وحنينه إلى أوطانه، بعبارات تمتلئ وجدًا، وتفيض بالآهات والزفرات[11].


يتبع



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 20.06 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 19.43 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (3.13%)]