شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع
(كتاب المناسك)
شرح فضيلة الشيخ الدكتور
محمد بن محمد المختار بن محمد الجكني الشنقيطي
الحلقة (235)
صـــــ(1) إلى صــ(27)
وجوب تعميم الحلق أو التقصير للتحلل من الإحرام
[ويحلق أو يقصر من جميع شعره] قوله: (ويحلق أو يقصر من جميع شعره) التحلل بالحلق أو التقصير لابد أن يعم جميع الرأس.
وقال بعض العلماء: يجزيه ثلاث شعرات.
وقيل: يجزيه ربع الرأس.
وقيل: يجزيه ثلث الرأس.
والصحيح: أنه لابد من تعميم الرأس كله؛ لقوله تعالى: { وَلا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ } [البقرة:196] فشمل جميع الرأس، ولا يقتصر على بعض الرأس دون بعض؛ لأنه إذا اقتصر على بعض الرأس دون بعض فقد ظلم، ولذلك ( نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن القزع ) ، والقزع: أن يحلق بعض الرأس ويترك بعضه، قال بعض العلماء: القزع أن يحلق نصف الرأس ويترك نصفه، فيكون النهي من أجل الظلم، كأنه إذا حلق نصف الرأس وترك النصف الثاني ظلم النصف الذي لم يحلق في الصيف، وظلم النصف الذي حلق في الشتاء؛ لأنه يعتبر نصف المكشوف في الشتاء مستضراً أكثر من الذي غطاه الشعر.
وقال بعض العلماء: إن القزع ليس حلق نصف الرأس، وإنما الحلق من أطرافه وهي القصة الموجودة الآن، وقد سرت -نسأل الله السلامة والعافية- إلى بعض أبناء المسلمين، وينبغي التنبيه عليها، ويُذكَّر الحلاق وهؤلاء بالله ويخوفون، وهي قضية حلق أطراف الشعر من الجانب الأيمن والأيسر ويبقى الشعر وفراً في منتصف الرأس، فهذه الحلقة أصلها حلقة اليهود، قالوا: ( نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن القزع ) وهي هذه الحلقة؛ أن يحلق أطراف الشعر ويترك الوسط، وهي طريقة اليهود، ومن فعلها فإنه متشبه بهم نسأل الله السلامة والعافية! فينبه على من يفعلها ويذكر بالله ويوعظ؛ لأنه لا يجوز التشبه بالكفار، فالمقصود: أنه إذا حلق يعم جميع الرأس، وإذا قصر يعم جميع الرأس، ولا يقتصر على بعض الرأس دون بعض.
قدر أخذ المرأة من شعرها للتحلل
[وتقصر المرأة من شعرها قدر أنملة] قوله: (وتقصر المرأة من شعرها قدر أنملة) فتجمع جميع شعرها في الأخير ثم تقص منه؛ لكن لا تقص لنفسها ولا يحلق الرجل لنفسه، وهذه من الأخطاء التي يقع فيها جميع النساء، حيث تقوم المرأة بجمع شعرها وتأخذ المقص وتقص لنفسها، فإن المتحلل لا يحلل لنفسه؛ لأنه محظور عليه أن يقص أو يتطيب حتى يخرج من نسكه، ولا يخرج إلا بحلق غيره، ولذلك كان من هديه عليه الصلاة والسلام أن يعطي الحلاق شقه الأيمن ثم الأيسر، فيحلق رأسه عليه الصلاة والسلام، والسنة أنه إذا أراد الإنسان أن يتحلل في الحج والعمرة أن يعطي الحلاق شقه الأيمن فيبدأ به، ثم ينتقل إلى شقه الأيسر، ولا يبتدئ بآخر الرأس أو بأعلى الرأس قبل الشق الأيمن؛ لأن السنة أن يبدأ بالشق الأيمن، ففي الصحيح عنه عليه الصلاة والسلام: ( أنه أعطى الحلاق شقه الأيمن ).
واختلف العلماء: هل العبرة في التيمن بالحالق، أو المحلوق؟ وهذه المسألة تقع على صورتين: الصورة الأولى: أن يكون الحلاق وراء ظهرك فلا إشكال؛ لأن يمينه يمين لك.
الصورة الثاني: أن يكون الحلاق أمام وجهك، يعني: يستقبلك ويحلق أمامك، ففي الحالة يمينه يسار لك ويسارك يمين له، فحينئذٍ هل العبرة إذا وقف أمام وجهك وصار يحلق وهو مقابل لك بيمينك أو بيمينه؟ قال بعض العلماء: العبرة بيمين المحلوق.
وقال بعضهم: العبرة بيمين الحلاق؛ لأن الفعل من الحلاق فيأخذ بيمينه لا بيمين المحلوق؛ لأن العبرة بفعله.
والصحيح: أن العبرة بيمين المحلوق لا بيمين الحلاق؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما جاء في الرواية: ( أعطى الحلاق شقه الأيمن ) فدل على أن العبرة بيمين المحلوق لا بيمين الحالق.
ما يباح للحاج بعد التحلل الأول
[ثم قد حل له كل شيء إلا النساء] قوله: (ثم قد حل له كل شيء إلا النساء) فله أن يتطيب، ويلبس المخيط، ويحلق شعره، ويزيل التفث، قال تعالى: { ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ } [الحج:29] ، فإذا فعل ذلك فقد تحلل التحلل الأول، وهذا التحلل يباح فيه كل شيء كما ذكرنا إلا النساء، ولا يباح له جماع النساء إلا بعد أن يطوف طواف الركن وهو طواف الزيارة، أما الدليل على أنه قد تحلل التحلل الأول، فلما ثبت في الصحيح من حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وأرضاها أنها قالت: ( طيبت رسول الله صلى الله عليه وسلم لحله قبل إحرامه، ولإحرامه قبل أن يطوف بالبيت ) فقولها: (لإحرامه قبل أن يطوف بالبيت) يدل على جواز الطيب قبل أن يطوف طواف الإفاضة، فلذلك قال العلماء: إن هذا التحلل هو التحلل الأصغر أو التحلل الأول.
حكم ترك الحلق والتقصير وتأخيره أو تقديمه على الرمي والنحر
[والحلق والتقصير نسك ولا يلزم بتأخيره دم ولا بتقديمه على الرمي والنحر] قوله: (والحلق والتقصير نسك) أي: إذا تركه فعليه دم.
قوله: (ولا يلزم بتأخيره دم) أي: أنه لو أخره عن يوم العيد لا دم عليه.
وقال بعض العلماء: إن أخره عن أيام التشريق لزمه دم؛ وذلك لفوات المحل، وعلى هذا فإنه ينبغي التأسي بسنة النبي صلى الله عليه وسلم وهديه، فمن أفضل ما يكون للإنسان في حجه وعمرته أن يفعل ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم: يرمي جمرة العقبة، ثم ينحر هديه، ثم يحلق رأسه، ثم بعد ذلك ينزل ويطوف بالبيت طواف الإفاضة متأسياً برسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فإن ذلك أرجى لقبول الله عز وجل لحجه.
قوله: (ولا بتقديمه على الرمي والنحر).
أما تقديم الحلق على الرمي والنحر ففيه وجهان للعلماء: فمن أهل العلم من قال: أما التقديم والتأخير فإنه قد جاء حديث النسائي في الرواية الصحيحة عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه أنه قال: ( ما سُئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شيء قدم أو أخر مما يَنسى -وفي رواية: مما يُنسى- إلا قال: افعل ولا حرج ) فقوله: (مما يُنسى) فهو يدل على أنه فعل لا شعوري، ولذلك جاء في الرواية الصحيحة الأخرى وهي ثابتة وصحيحة قال: ( لم أشعر فحلقت قبل أن أنحر، فقال: انحر ولا حرج؟ فقال: يا رسول الله! لم أشعر فنحرت قبل أن أرمي، قال: ارم ولا حرج ) فالمقصود: أنه قال: (لم أشعر) واصطحبت بعلة مناسبة للحكم.
ولذلك قرر بعض المحققين -وهي الرواية الثانية عن الإمام أحمد رحمه الله عليه، ويقول بها جمع من العلماء-: أنه ينبغي الترتيب كما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن حصل للإنسان عذر أو نسيان فإنه يعذر؛ لأن الأصل إيقاعها على هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وسنته، وأن يفعل هذه الأفعال كما وردت؛ حتى يكون ذلك أبلغ في التأسي برسول الله صلى الله عليه وسلم والاقتداء به، أما لو قدم وأخر وهو معذور فإنه لا يلزمه بذلك التقديم والتأخير دم، ولا يلزمه شيء، وإنما هو معذور بوجود النسيان والخطأ.
الأسئلة
حكم من رمى الجمرة قبل الفجر بلا عذر ثم رمى بعده
السؤال
من رمى جمرة العقبة قبل طلوع الفجر بلا عذر، فهل يمكنه أن يستدرك بأن يرمي بعد طلوع الشمس مرة ثانية، أم أن الإخلال وقع بالرمي الأول ولا عبرة بالرمي الثاني، أثابكم الله؟
الجواب
باسم الله، الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد: فمذهب جمهور العلماء: أن الرمي يمكن فيه التدارك ما دام الوقت باقياً، فإذا رمى قبل الفجر فعلى القول بأنه لابد وأن يقع رميه بعد الفجر، فإنهم ينصون على أنه لو رمى قبل مغيب شمس يوم النحر، أو قبل طلوع الفجر من اليوم الحادي عشر، على الوجهين المعروفين في تأقيت الرمي أنه يجزيه ولا شيء عليه، وقد يقول قائل: ما الفرق بين مسألتنا ومسألة الإحرام دون الميقات أننا قلنا: إنه يلزمه دم حتى ولو رجع؟ والجواب: أنه هنا إذا رمى قبل الفجر فإن رميه الأول لاغٍ ولا يعتد ولا ينعقد؛ لأنه عند أصحاب هذا القول وقع قبل الوقت المعتد به، كما لو صلى الظهر قبل الزوال، فلا يعتد ولا ينعقد، وإنما يلزم لو أنه انعقد في وقت لا يختص إلا بمعذور وهو غير معذور، فيستقيم أن يلزمه الدم أو الضمان، ولكن نظراً لكونه رمى قبل الوقت فإن رميه وجوده وعدمه على حد سواء، ويلزمه حينئذٍ أن يعيد الرمي على القول بالتأقيت بالفجر أو بطلوع الشمس، ثم إذا رمى ما بين وقت طلوع الشمس، أو طلوع الفجر وغروب الشمس أو طلوع الفجر من اليوم الثاني فإنه يجزيه ولا شيء عليه؛ لأن الإخلال لم يتحقق، إنما يتحقق إخلاله لو أنه اكتفى بالرمي الأول ولم يعده حتى مضى وقت الرمي المعتد به شرعاً، فحينئذٍ يلزمه الضمان؛ لعدم وقوع الرمي المأمور به.
والله تعالى أعلم.
عدم جواز رمي الجمرة قبل الفجر لمن كان مع الضعفة لحاجتهم
السؤال
من كان مع ضعفة وعجزة وتعجل بهم من مزدلفة بعد مغيب القمر، فهل له أن يرمي الجمرة معهم بعد منتصف الليل، وكذلك بالنسبة لطواف الإفاضة، أثابكم الله؟
الجواب
إذا رخص لغير المعذور أن يكون مع المعذورين فيرخص له بقدر الحاجة، فالقاعدة في الشرع: أن ما جاز للحاجة يقدر بقدرها.
فيجوز له أن يدفع ويصحبهم ويكون معهم إذا كانوا محتاجين له؛ لأن القاعدة: أن الإذن بالشيء إذن بلازمه.
فلما كان هؤلاء الضعفة مأذوناً لهم بالدفع، وتوقف حصول الرخصة لهم بوجود من يعينهم ومن يساعدهم، ومن يرفق بهم وييسر لهم هذه الرخصة، كان مأذوناً لهم من هذا الوجه، فإذا وجد غيرهم من المعذورين ممن يستطيع أن يقوم بذلك ولا يحتاج لهذا القادر فيبقى على الأصل من كونه لا يدفع، فإذا دفع مع هؤلاء المعذورين فلا يترخص بالرمي، إنما يبقى على القول بتأقيت الرمي بطلوع الفجر أو بطلوع الشمس؛ حتى يتبين وقت البداية فيرمي.
والله تعالى أعلم.
حرمة النكاح ولوازمه بعد التحلل الأول
السؤال
هل يحرم كذلك عقد النكاح بعد التحلل الأول، أثابكم الله؟
الجواب
يحرم النكاح ولوازمه، فمحظور النكاح عقداً وخطبة ووطئاً كله مستصحب، ولذلك يعتبرون الجنس واحداً يحظر عليه أن يخطب وأن يعقد وأن يطأ، على التفصيل الذي ذكرناه في المحظورات، والله تعالى أعلم.
التحاق واجبات العمرة بواجبات الحج في الحكم
السؤال
هل يقاس من ترك واجباً من واجبات العمرة على من ترك واجباً من واجبات الحج في إيجاب الدم عليه، أثابكم الله؟
الجواب
من ترك واجباً من واجبات العمرة يلتحق بواجبات الحج، ولذلك العمرة هي الحج الأصغر، والدليل على أنها حج أصغر قول الله عز وجل: { وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الأَكْبَرِ } [التوبة:3] فقال: { يَوْمَ الْحَجِّ الأَكْبَرِ } [التوبة:3] فوصف الحج بكونه أكبر، لذلك قال شيخ الإسلام : الحج حجان: حج أكبر، وحج أصغر؛ لدلالة هذه الآية الكريمة، فإذا وقع الإخلال في الحج الأصغر والأكبر فالحكم واحد، فالواجب الذي يجبر في الحج يجبر بما يجبر به في العمرة والعكس، والواجب الذي في العمرة يجبر بما يجبر به الواجب في الحج، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: ( دخلت العمرة في الحج، وشبك بين أصابعه صلوات الله وسلامه عليه ) وهذا يدل على أن حكمهما واحد، وعلى هذا فإنه يلزمه ما يلزم من أخل بواجب الحج، وانظر إلى الواجبات في العمرة ستجدها موافقة في كثير من المسائل لواجبات الحج؛ فإنك ترى الرجل إذا أحرم بالعمرة يلزمه أن يتقي المحظورات كما لو أحرم بالحج، سواء بسواء، وكذلك أيضاً بالنسبة لطوافه بالبيت وما يلزمه في الطواف الحكم فيهما واحد، وعلى هذا إذا أخلّ بواجب في العمرة يجبره بما يجبر به الواجب في الحج.
والله تعالى أعلم.
دعاء الصائم عند تهيئه للفطر لا بعده
السؤال
أشكل عليَّ مسألة الدعاء عند الفطر لقوله عليه السلام: ( للصائم عند فطره ) ، فهل يكون وقت الدعاء بعد الأذان أم قبله، أثابكم الله؟
الجواب
الدعاء عند الفطر، أي: عند تهيئه للفطر، بمعنى: أن يكون قبل أن يفطر، وهذا ذكر العلماء له نظائر: أن العبد إذا قام بحق الله عز وجل وأداه، كان من كرم الله عز وجل أن يجعل له الخير العاجل باستجابة دعوته، فتجده في الصلاة إذا صلى وانتهى من التشهد، وقضى أذكار الصلاة ولم يبق إلا أن يسلم، شرع له أن يدعو؛ لقوله عليه الصلاة والسلام عندما سئل: ( أي الدعاء أسمع؟ قال: أدبار الصلوات المكتوبات )؛ وذلك لأنه قام بفريضة الله، وأدى حق الله، فيرجى أن يستجيب الله دعاءه، ولما وفى لله يوفي الله له.
وفي الزكاة إذا جاء ودفع ندب للإمام أن يدعو له؛ وذلك لقوله تعالى: { خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ } [التوبة:103] فكان عليه الصلاة والسلام إذا تصدق المتصدق دعا له.
وكذلك أيضاً في الصوم إذا فرغ من صومه وكاد أن يفطر، دعا وسأل الله في ختام يومه من خيري الدنيا والآخرة.
وكذلك في الحج، فإن الإنسان في حجه يدعو في عرفات وقالوا: ويدعو أيضاً في مزدلفة لقربه من التحلل، فهو يدعو في صبيحة مزدلفة؛ لأنه ليس بينه وبين التحلل إلا اليسير.
وهذا كله نبه عليه بعض العلماء، فإذا تأملت أركان الإسلام الأربعة هذه، وجدت أنه بمجرد ما يفرغ العبد من حق الله فإنه يرجى له إجابة الدعوة.
من هنا قال العلماء: لا يدعو بعد أن يفطر، وإنما يدعو عند تهيئه للفطر، فيسأل الله عز وجل من خيري الدنيا والآخرة.
حكم الفطر لكبير السن ومن به مرض لا يرجى برؤه
السؤال
رجل كبير السن وهو مصاب بمرض ولا يستطيع أن يصوم، فماذا يفعل، خصوصاً وأن عليه صياماً من رمضان السابق، أثابكم الله؟
الجواب
أما بالنسبة لكبر السن والمرض فكل واحد منهم إذا انفرد، وكان المرض مما لا يرجى برؤه فإن له الفطر، وكذلك لو كان كبيراً وصحته وعافيته طيبة لكنه لا يستطيع أن يصوم، ويجحفه الصوم ويرهقه، فإن من حقه أن يفطر، قال تعالى: { وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ } [البقرة:184] قال بعض السلف: (يطيقونه) يعني: يجدون المشقة، ولذلك في قراءة: (يَطْيَّقُونَهُ) وفي قراءة: (يَطَوَّقُونَهُ) أي: يجدون المشقة والعناء من صومهم، فهذا يفطر وعليه الإطعام، وهكذا إذا كان مريضاً مرضاً لا يرجى برؤه، كمن به فشل في الكلى، أو أمراض في القلب مزمنة بحيث لا يستطيع أن يصبر، أو عنده أدوية لابد من أخذها في ساعات منتظمة، كمن كان حديث عهد بعملية جراحية أو نحو ذلك، واستدام المرض معه بحيث لا يمكنه القضاء، فهذا يفطر ويتحول إلى الإطعام مباشرة، أما لو كان مرض هذا الكبير مما يرجى برؤه، كأن تكون نزلة عارضة كزكام أو أمراض خفيفة عارضة، وهذه الأمراض ترهقه عن الصوم، ولكن بعدها قد يشفى ويمكنه القضاء، فإنه يفطر ثم يقضي متى ما تيسر له القضاء ولا إطعام عليه.
والله تعالى أعلم.
حكم من أوتر مع الإمام وأراد أن يصلي من الليل
السؤال
من أوتر مع الإمام في القيام وأراد أن يصلي من الليل فكيف يوتر؟ وما معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( لا وتران في ليلة ) ، أثابكم الله؟
الجواب
قوله صلى الله عليه وسلم: ( لا وتران في ليلة ) حديث الترمذي حسنه غير واحد من العلماء، ومعناه: أن الوتر ينقض الوتر؛ لأنه إذا أوتر في الليلة وترين أصبحت الصلاة شفعيه وأصبح العدد شفعاً، فهذا هو وجه النهي عن الوترين، والمقصود شرعاً أن يبقى عدد صلاتك بالليل وتراً، ولذلك قال عليه الصلاة والسلام: ( اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وتراً ) ، فإذا صلى وتراً ثم أوتر بعده وتراً ثانياً فإن الوتر الثاني ينقض الوتر الأول، وعلى هذا فمن صلى مع الإمام وأوتر، أو صلى لوحده أول الليل وأوتر، ثم استيقظ آخر الليل وأحب أن يصلي فلا يخلو من حالتين: الحالة الأولى: أن يريد أن يصلي ركعتين كأن تكون ركعتي وضوء أو شيئاً خفيفاً فيصلي شفعاً ولا يوتر؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم صلى ركعتين بعدما أوتر، وهذا ثابت في الحديث الصحيح عن أم المؤمنين عائشة .
الحالة الثانية: أن يريد أن يطول ويقوم، كما هو الحال لو أوتر في صلاة التراويح وأراد أن يتهجد، أو أوتر أول الليل وقام في آخر الليل وأراد أن يتهجد، ففي هذه الحالة يصلي ركعة ينقض بها الوتر الأول؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: ( لا وتران في ليلة ) فنقض الوتر الثاني الوتر الأول، ثم يصلي ركعتين ركعتين ثم يوتر؛ السبب: أنه ينقض الوتر الأول؛ لكي يجعل آخر صلاته بالليل وتراً، وقد قال عليه الصلاة والسلام: ( اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وتراً ) ، فشرع له أن ينقض الوتر الأول، حتى يكون وتره في آخر الليل، وهذا هو فعل عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، واختاره جمع من الأئمة والسلف.
نسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يمنّ علينا بالقبول، وأن يتجاوز عنا الزلل والخلل إنه المرجو والأمل.
وآخر دعوانا أنِ الحمد لله رب العالمين.
وصلى الله وسلم وبارك على نبيه، وآله وصحبه أجمعين.