عرض مشاركة واحدة
  #7  
قديم 31-10-2022, 09:32 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,288
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الشيب والموت في الشعر


يزهو المرء بنفسه في شبابه، فإذا اعتراه المشيبُ، وقلاهُ الشباب انتابَهُ اليأسُ، مِن عَوْدِ لذَّاتِ الماضي، والأنس، والهدوء، والعافية، وراحة النفس، وطمأنينة القلب، فيظل متقلِّبًا بين الأرق والقلق، والخوف من الموت والوهن، متجاهلًا أن هذا سُنَّةُ الله في خَلقه، على مدى الدهر، يقول أبو حيان الأندلسي (ت. 753 ه )[28]: [ من الطويل]
وَيُزْهَى الفَتَى بالمالِ والجاهِ في الدُّنَى
ولذَّةِ مَطْعُومٍ وناعمِ مَلْبُوسِ

وغايتُه ضَعْفٌ وشَيْبٌ وَمِيتَةٌ
وقبرٌ وبَعْثٌ لِلنَّعيم أو البُوسِ


وهذا المنتشاقري، يصوِّر صنيعَ المشيب بسواد الرأس، وغُصْن المرء، موضحًا أثره على القلب، متمنِّيًا أن لو كان هذا المشيب - بيَّض بالتُّقَى الصحيفة المسودَّةَ بأوزار الشباب وآثامِه، بدلًا مِن تبييضِه سوادَ الرأس؛ فهو إذًا ثوبُ الموت، وحادي الفوتِ. فيقول[29]: [ من الكامل]
وَرَدَ المَشيبُ مُبيِّضًا بوُرُودِهِ
ما كانَ مِن شَعَرِ الشَّبيبةِ حَالِكا

يا ليته لو كَان بَيَّضَ بالتُّقَى
ما سوَّدَتْهُ مآثمٌ مِن حَالِكا

إنَّ المشيبَ غَدَا رِدَاءً للرَّدَى
فإذا عَلَاكَ أَجَدَّ في تَرْحَالِكا


ولابن الخطيب[30] عبارات تُصَوِّر عُزُوفَه - على يد المشيب - عن الآمال، ويأسَه مِن تحقيق مآربه وأمانيه، ومن نواله ما يرغب فيه ويشتهيه.

يتضح لنا مِن تصوير الشعراء في هذا الموضوع - المشيب والمنون - أنه عندما تتسلَّل بوادرُ الشيب إلى الرأس، إذْ به يُسْرع الانتشار، في عمود البدن بجنودٍ لا تقاوَم، عندئذٍ يدبُّ اليأسُ في نفسِ المرء وفؤاده مِن ملذَّات الحياة ومباهجِها، وينمو بل يستفحل خوفُه مِن الموت؛ لذلك كثُر مُبْغِضُوه، خاصة مَن تضمَّخ بخَلُوق الغواية والمجون، وتسربل بسربال الشهوات والملذَّات أيام الشباب.

ومع هذا كان منهم دعاة إلى التُّقَى، وتبييض ما بقِيَ في الصحيفة بالصلاح والهدى، بوعظ وزجر - للنفس أو الغير - دائم غير منقطع.

ومع بغضهم للمشيب، نلحظ فَضْلَهُ في كفِّهم عن المجون، والتصابي وفي إقلاعهم عن المعايب والمخازي.


[1] انظر: الشباب والشيب، د/ عبد الرحمن هيبة: ح 1 / 128.

[2] العقد الفريد: ح 3 / 41.

[3] "منتصف العمر"؛ لمن تقدَّم به السِّنُّ، وبلغ فيه مبلغًا، وليس المراد به منتصف العمر عامة، فقد يموت المرء وهو في طَور الشبيبة كابن هانئ الأندلسي مثلًا.

[4] انظر: الأسس النفسية للنمو. - بتصرُّف - ص 426، 427.

[5] هو: "أبو الأصبغ موسى بن محمد بن سعيد بن موسى، لعل مولده كان نحو سنة 250 ه = 864 م، تولى أبو الأصبغ خطة القطع"؛ جباية الأموال من المقاطعات" للأمير عبد الله بن محمد ( 275 – 300 ه )، ثم تقلَّب في عدد من المناصب، ولما جاء الأمير عبد الرحمن بن محمد إلى العرش جعل أبا الأصبغ وزيرًا له، وكانت وفاته في منتصف صفر سنة 310 ه = 921 م". انظر: تاريخ الأدب العربي د/ عمر فروخ ح 4 / ص 162، 163. ط 1 دار العلم للملايين. بيروت 1981 م.

[6] انظر الحلة السيراء لابن الأبار (595 – 658 ه) ح 1 / 232: 236، تاريخ الأدب العربي د/ عمر فروخ ح 4 / 162، 163، قضايا أندلسية د/ بدير متولي حميد ص 349. ط 1 دار المعرفة. القاهرة 1964 م، والبيتان الأولان للخريمي ( ت 214 ه ). انظر: الشباب والشيب د/ عبد الرحمن هيبة ح 2 / 484.

[7] انظر: تاريخ الأدب العربي د/ عمر فروخ ح 4 / 162.

[8] ديوانه ص 158، العقد الفريد ح 3 / 44، 45، قضية الزمن في الشعر العربي. د/ فاطمة محجوب ص 52، 53، وفي مطمح الأنفس. ص 78، 79. منسوبة للرمادي، وله في المعنى نفسه في ديوانه ص 311، العقد ح 3 / 44، قضية الزمن في الشعر العربي د/ فاطمة محجوب ص 52، 53 – أبيات منها: [ من البسيط ]
أطْلالُ لهْوك قد أقوَتْ مغانيها
لم يَبْق مِن عهدها إلا أثافيها

هذي المفارق قد قامت شواهدها
على فنائك والدنيا تُزَكّيها

أقوَت الأرضُ، وأقوَت الدارُ: إذا خلَتْ مِن أهلها. اللسان: ق. و. ا. المغاني: المنازل، التي كان بها أهلوها. اللسان: غ. ن. ا. وله في هذا المعنى – أيضًا – أبيات في ديوانه ص 211: [ من الكامل ]
أما الشباب فَوُدِّعَتْ أيَّامُه***ووداعُهُن مُوَكَّلُ بوداعي

[9] ديوان ابن عبد ربه ص 297، انظر: جذوة المقتبس ص 103، 104، بغية الملتمس ص 150، المطرب ص 145، نفح الطيب ح 7 / 52، 53، قصة الأدب في الأندلس د/ محمد عبد المنعم خفاجي ح 3 / 71، المطبعة المنيرية ط 1 سنة 1955، بروايات مختلفة، من تقديم وتأخير، وزيادة ونقصان.

[10] مسلم برقم 2877، شرح السنة برقم 1455 ط 1 المكتب الإسلامى – بيروت، ابن ماجة عن جابر برقم 4167.

[11] سورة يوسف: 87.

[12] انظر: زهر الآداب. ح 2 / 900.

[13] ديوان الإلبيري ص 49، وله في مثل هذا المعنى في ديوانه ص 24: 31، 105، 106.

[14] انظر: ديوان الإلبيري ص 45، وله في هذا المعنى – في ديوانه ص 117 – أبيات منها: [ من السريع ]
يا عجبًا مِنْ غفلتي بعد أَنْ *** ناداني الشيبُ ألا فارحلن!

[15] هو: "أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الله بن أبي يغمور قاضٍ زاهد. شاعر. نَدَبَهُ أهلُ الأمر لولاية القضاء بمدينة فاس". انظر: النفح ح 3 / 230، 231، ح 7 / 276.

[16] نفح الطيب ح 3 / 231، ونفس المعنى نراه عند ابن حمديس – في ديوانه ص 67 – فيقول: [ من الوافر ]
وكُنُتُ إذا مَرِضْتُ رجوتُ عيشًا
لياليَ كُنْتُ في شَرْخِ الشَّبابِ

فَصِرُت إذا مَرِضْتُ خَشِيتُ مَوْتًا
وَقُلْتُ: قَدِ انْقَضَى عَدَدُ الحِسَابِ

فَنَفْسُ الشَّيْخِ تَضْعُفُ كُلَّ حِينٍ
وَقُوَّتُهُ عَلَى طَرَفِ الذَّهَابِ


[17] انظر: ديوان الأعمى التطيلي ص 126.

[18] ابن ماجه برقم 1415. ص. ح. 1073.

[19] انظر: ديوان ابن حمديس ص 333، 334.

[20] الذخيرة ق 1 ح 2 / 313، 314، نفح الطيب ح 4 / 225.

[21] "جَدِيسٌ" حَيٌّ مِن عاد، وهم إخوة طَسْمٍ، وقيل: قبيلة كانت في الدهر الأول، فانقرضتْ. انظر: اللسان "ج. د. س".

[22] مامَةُ: اسمٌ. انظر: اللسان: "م. و. م".

[23] هو: الوزير الأجلُّ، أبو بكر محمد بن أبي العافية الأزدي القتندي الأصل الأغرناطي المنشأ. كان من بقايا الأدباء، وفحُول الشعراء، ورواة الحديث عن العلماء. سمع كتاب الملخص، وصحيح مسلم. عاش ما بين ( 513 – 584 ه ). انظر: المطرب لابن دحية ص 85، 86، ولابن الجنان أبيات – هي والترجمة في تحفة القادم ص 93 – في المعنى نفسه، وانظر أيضا: القصائد العشريات ص81، ص 56، 57، ص 85، 86، ص 143.

[24] انظر: المرجع السابق.

[25] "أندلسي، يُنسب إلى ذي الكلاع، أحد ملوك اليمن القدماء، ولد في خارج بلنسية، ثم حمل إليها سنة 565 ه، وتجول في الأندلس والمغرب، حارب الأسبان المحاصرين بلنسية على رأس جيش في معركة أنيجة، وكان يصيح إذا رأى تراخيًا خلفه: أمِن الجَنَّة تفرُّون! حتى سقط شهيدًا في ذي الحجة سنة 634 ه". انظر: نفح الطيب ح 4 / 473، 474، تاريخ الأدب العربي د/ عمر فروخ ح 5 / 693.

[26] نفح الطيب ح 4 / 473، 474، تاريخ الأدب العربي د/ عمر فروخ ح 5 / 695، 696.

[27] الحَجُون: جبل بمكة. وهي مقبرة. قال عمرو بن الحارث بن مضاض بن عمر يتأسف على البيت، وقيل: هو للحارث الجرهمي: [ من الطويل ].

كأنْ لم يكُن بَيْنَ الحَجُون إلى الصفا *** أنيسٌ، ولم يَسْمَرْ بمكةَ سامرُ
انظر: لسان العرب "ح. ج. ن".

[28] انظر: ديوان أبي حيان ص 224، 225، وانظر – له – في المعنى نفسه: ص 88، 127، من الديوان، وهو ما يبيِّن عظيمَ يأسِه مِن الحياة، بعد هجوم المشيب.

[29] انظر: نفح الطيب ح 6 / 144.

[30] انظر: نفح الطيب ح 6 / 423، ولم أجدها في الصيب والجهام، ومثل هذا المعنى وسابقه لدى محمد بن محمد بن إبراهيم بن سعد الخير عياش (ابن عيشون ت. بعد 725 ه) – الترجمة في الإحاطة ح 2 / 143: 149 في أبيات في المرجع السابق ص 154.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 24.78 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 24.16 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.53%)]