
31-10-2022, 09:16 PM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,446
الدولة :
|
|
رد: المصدر المؤول بحث في التركيب والدلالة
المصدر المؤول
د. طه محمد الجندي
بحث في التركيب والدلالة (6)
العنصر السادس: (لو):
أقرَّ فريقٌ غير قليلٍ مِن نُحاتنا القدامى صلاحيةَ هذا اللفظِ ليكونَ عنصرًا مصدريًّا، غير أنَّهم حدَّدوا تلك الصلاحية له في تراكيبَ محدَّدة، وكان الحقُّ معهم؛ لأنَّ الفريق الثاني - الذي لَم يُقرَّ لها بتلك الصلاحية - أَوَّلوا تلك التراكيب تأويلاتٍ متكلفةً، لا تتَّفق مع منطقِ اللُّغة، ولا رُوحها.
والضابط النحويُّ لوقوع (لو) حرفًا مصدريًّا بيَّنه الرضي[1] عندما نصَّ على أنها تكون كذلك إذا وقعتْ بعدَ فِعل يُفهَم منه معنى التمنِّي، وقدْ كان ابن هشام أكثرَ تحديدًا من الرضيِّ عندما ذكَر أنَّها تكون مصدريةً إذا وقعتْ بعدَ الفعلين (ودّ - يودّ)؛ نحو قوله تعالى: ﴿ وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ ﴾ [القلم: 9]، و﴿ يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ ﴾ [البقرة: 96][2]، بل وجَدْنا مَن هو أكثر تحديدًا لها مِن ابن هشام، ذلك الذي نظَر إلى الدَّلالاتِ المتعدِّدة لهذا الفعل (ودَّ)، فهو إمَّا أنْ يكون بمعنى (تمنَّى)، أو (أحبَّ)، فقصَر استعمالَ (لو) المصدرية بعدَ المُفهمة للتمنِّي، يُوضِّح هذا الرأي ما جاءَ في "الدُّر" مَرويًّا عن أبي مسلم الأصبهانيِّ في قوله: "إذا كانت (ودَّ) بمعنى (تمنَّى)، فيُستعمل معها (لو) و(أن)، وربَّما جمَع بينهما، فيُقال: وَدِدتُ لو أن فعَلت، وحكَى عنِ الراغب قوله: "إذا كان بمعنى أحبَّ، لا يجوز إدخالُ (لو) فيه أبدًا"[3]، وفي هذا الصَّدَد لا يَنبغي أن يُشكِل علينا دخولُ (أن) على (لو) في حديث أبي مسلمٍ السابق؛ لأنَّنا سُقْنا عنهم آنفًا إجازتَهم إبدالَ الحرْف مِن مِثله، إذا كان موافقًا له في المعنَى.
وقد ساقَ لنا هذا الفريقُ مِن المُثبتين لها هذا المعنى مِن الأدلَّةِ والبراهين؛ مما يؤكِّد صحَّةَ مذهبِهم، فهذا العُكبريُّ في "التبيان" يذكر لنا دَليلينِ للتفريقِ بين (لو) التي تقَع مصدريةً، والتي تكون للشَّرْط، أحد هذين الدليلينِ دَلالي، والآخَر تركيبي، يقول: "لو يُعمَّر، (لو) هنا بمعنى (أن) الناصبة للفِعل، ولكن لا تَنصب، وليستْ التي يَمتنع بها الشيءُ لامتناعِ غيرِه، ويدلُّك على ذلك شيئان:
أحدهما: أنَّ هذه يلزمها المستقبل، والأخرى معناها في الماضي.
والثاني: أن يودّ يتعدَّى إلى مفعول واحدٍ، وليس ممَّا يُعلَّق عن العمل، فمِن هنا لَزِم أن يكون (لو) بمعنى (أن)"[4].
وإذًا، فالرأي مع جوازِ وقوعها مصدرية في هذه التراكيب؛ وذلك لاتِّفاقها مع غيرِها من العناصر المصدريَّة الأخرى، في أن الفِعل الذي يعمل فيها وفي مدخولها فِعلٌ قلْبي مِن تلك الأفعال التي تتَّسم بسمة (+ حالة)، ولعلَّ ذلك يعودُ إلى أنها تُستخدم بمعنى التمنِّي الذي هو شيءٌ يَهجس في القلْب، يُقدِّره المتمنِّي على ما يذكُر ابنُ يعيش[5].
ثم إنَّ في الأخْذ بهذا القولِ سلامةً مِن التكلُّف الذي تأوَّله المانعون؛ إذ تأوَّلوا مفعولاً للفِعل (ودّ - يودّ) محذوفًا، كما تأوَّلوا جوابًا لـ(لو) محذوفًا أيضًا، وتقديرهما في قوله تعالى: ﴿ يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ ﴾ [البقرة: 96]، يودُّ أحدُهم طولَ التعمير لو يُعمَّر ألف سنةٍ لسرَّه ذلك[6]، وبيِّنٌ مدَى التكلُّفِ في هذا التأويل، حتى إنَّ كثيرًا من نحويينا القُدامى وصَفوه بذلك، منهم ابنُ هشام الذي عقَّب على حذفِ مفعول الفِعل، وجواب (لو) بقوله: "ولا خفاءَ بما في ذلك مِن التكلُّف".
وقد وجدتُ هذا الرأي نفسَه مِن الشِّهابِ والصبَّان والخُضري[7].
وإذا كنَّا قد خلُصْنا إلى جواز وقوع (لو) مصدرية بعدَ ما يُفيد معنى التمنِّي من الأفعال: ودّ - يودّ، فإنَّنا لا نوافِق ابنَ هشام فيما ذهَب إليه مِن جواز وقوعها مصدريةً بعدَ أفعال لا تتَّسم بهذه السِّمة، مُمثلاً لها بقول قتيلة:
مَا كَانَ ضَرَّكَ لَوْ مَنَنْتَ وَرَبَّمَا
مَنَّ الفَتَى وَهُوَ المَغِيظُ المُحْنَقُ
وقول الأعشى:
وَرُبَّمَا فَاتَ قَوْمًا جُلُّ أَمْرِهِمُ
مِنَ التَّأنِّي، وَكَانَ الحَزْمُ لَوْ عَجِلُوا
وقول امرئ القيس:
تَجَاوَزْتُ أَحْرَاسًا عَلَيْهَا وَمَعْشَرًا
عَلَيَّ حَراصًا لَوْ يُسِرُّونَ مَقْتَلِي
ويُمكن تفسيرُها في تلك الأبيات بأنَّها حرْف تَمنٍّ، وهو مِن المعاني التي أوْرَدها ابنُ هشام لها، مُمثِّلاً لذلك بقوله تعالى: ﴿ فَلَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً ﴾ [الشعراء: 102]؛ أي: فليتَ لنا كرةً، وقد ساقَ ابنُ هشام[8] عن ابن الضائع بأنَّ (لو) التي للتمنِّي قسمٌ قائمٌ برأسِه لا تحتاج إلى جوابٍ.
[1] الرضي؛ "شرح الكافية"، (2/ 387).
[2] وانظر ابن هشام؛ "مغني اللبيب"، (3/ 265).
[3] السمين الحلبي؛ "الدر المصون"، (2/ 131).
[4] العكبري؛ "التبيان في إعراب القرآن"، (1/ 96).
[5] ابن يعيش؛ "شرح المفصَّل"، (9/ 11).
[6] راجع: الشيخ خالد الأزهري؛ "شرح التصريح" (2/ 255)، والسمين الحلبي؛ "الدر المصون" (1/ 309).
[7] راجع: الشهاب؛ "حاشيته على تفسير البيضاوي" (8/ 228)، بيروت دار صادر، دون تاريخ، والصبَّان؛ "حاشيته على شرح الأشموني" (4/ 35)، القاهرة دار إحياء الكتب العربية، دون تاريخ، والخضري؛ "حاشية الخضري" (2/ 127)، دار إحياء الكتب العربية، دون تاريخ.
[8] ابن هشام؛ "مغني اللبيب"، (1/ 266 - 267).
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|