عرض مشاركة واحدة
  #6  
قديم 31-10-2022, 09:16 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,486
الدولة : Egypt
افتراضي رد: المصدر المؤول بحث في التركيب والدلالة

المصدر المؤول

د. طه محمد الجندي




بحث في التركيب والدلالة (5)







العنصر الخامس: (الذي):



الضابط النَّحْوي لهذا العنصر اللُّغويِّ: أنَّه اسمٌ موصولٌ يقَع على كلِّ مذكَّر مِن العقلاء وغيرهم، كذا ذكَر ابنُ يعيش[1]، غير أنَّ هذا الضابط النحويَّ كان تَنقصه النظرة الشاملة للتراكيب؛ إذ ندَّتْ عنه بعضُ التراكيب التي لَم تَصدُق على هذا الضابِط الموضوع مِن قِبل النُّحاة، فقد وجَدْناه في بعضِ التراكيبِ واقعًا على غيرِ المفرد، ولَم يَقتصرْ ذلك على لُغة الشِّعر المقيَّدة بضوابط الوزن والقافية، بل وجَدْنا ذلك واقعًا في التراكيبِ القرآنيَّة، ومِن أمثلة ذلك شاهد سيبويه في الكتاب:







وَإِنَّ الَّذِي حَانَتْ بِفَلْجٍ دِمَاؤُهُمْ

هُمُ الْقَوْمُ كُلُّ القَوْمِ يَا أُمَّ مَالِكِ[2]










وقوله تعالى: ﴿ وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا ﴾ [التوبة: 69].







وقوله تعالى: ﴿ وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ ﴾ [الزمر: 33].








وقوله تعالى: ﴿ وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُمَا ....* أُولَئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ ﴾ [الأحقاف: 17 - 18].







فمِن البيِّن في هذا التركيبِ أنَّ الضميرَ العائد على (الذي) كان مَجموعًا في البيت، وفي آيةِ التوبة، كما أُشير إليه بالاسمِ الموضوع للجَمْع أيضًا (أولئك) في الآيتين الأخيرتَين، ولا شكَّ أنَّ ذلك مناقضٌ للضابطِ النحْوي لهذا العُنصر اللُّغويِّ، وبالطبعِ لَم يَقفِ النحاةُ مَكتوفي الأيدي، بل لَجَؤوا إلى التأويل مطيَّتهم في مِثل هذا المواقِف، وكان مِن جرَّاء ذلك كمٌّ متراكِم مِن الأقوال المتناثِرة[3] حولَ الدلالة اللُّغويَّة لهذا العنصر، وكان مِن جملة ما ذَكَروه في هذا الصَّدَد، رأيٌ أجازَ جعْلها حرفًا مصدريًّا، يؤوَّل مع مدخوله بمصدرٍ، ذكَر هذا العُكبريُّ في "التبيان" مفسِّرًا البِنية التحتية لقولِه تعالى: ﴿ وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا ﴾ [التوبة: 69]، قائلاً: أي كخوضِهم[4]، ووصفه بأنَّه نادِر، كما ذَكَر هذا الرأيَ أيضًا السيوطيُّ في حديثه عن تقارُض اللفظين؛ أي: إعطاء كلِّ واحد منهما حُكمَ صاحبه، فبيَّن "أن (الذي) و(أن) المصدريَّة يتقارَضان، فتقع الذي مصدرية"، وذكَر أنَّ هذا الرأي قال به يونسُ والفرَّاءُ والفارسيُّ، وارتضاه ابن خروف، وابنُ مالك[5].







وما قدَّمته مِن نصوصٍ يجعلني أميلُ إلى القول بموصولية (الذي)، لا بحرفيَّته وجعْله مصدريًّا، بل هو اسمٌ موصول عام، له لفظٌ ومعنًى؛ لذا يمكن أن يعودَ الضميرُ عليه مفردًا إذا رُوعي فيه جانبُ اللفظ، كما يُمكن أن يُراعَى معناه، فيعود الضميرُ إليه مجموعًا، وهو في كِلا الاستعمالين اسمٌ موصول، لا حرْف مصدريٌّ، والرأي القائِل بحرفيته رأيٌ قاصِر، لَم يكُنْ وليدَ نظرةٍ عامَّة للتراكيب اللُّغويَّة.










[1] ابن يعيش؛ "شرح المفصَّل"، (1/ 139).



[2] سيبويه؛ أبو بشر عمرو بن عثمان بن قنبر؛ الكتاب (1/ 187)؛ تحقيق عبدالسلام هارون، القاهرة الهيئة المصرية العامة للكتاب 1977م.



[3] انظر عرْضًا مُفصلاً لهذه الآراء في رِسالتي للدكتوراه، ظاهِرة المطابقة النحوية في ضوءِ الاستعمال القرآني، ص (42 - 48) مخطوط بدار العلوم.



[4] أبو البقاء، عبدالله بن الحسين العُكبري؛ "التبيان في إعراب القرآن" (2/ 651)؛ تحقيق علي محمد البجاوي، القاهرة، عيسى البابي الحلبي وشركاه.



[5] جلال الدين السيوطي؛ "الأشباه والنظائر" (1/ 139 - 140)، القاهرة، دار الحديث للطباعة والنشر والتوزيع، ط (3) 1404هـ - 1984م.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 18.80 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 18.17 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (3.34%)]