عرض مشاركة واحدة
  #5  
قديم 31-10-2022, 09:15 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,410
الدولة : Egypt
افتراضي رد: المصدر المؤول بحث في التركيب والدلالة

المصدر المؤول

د. طه محمد الجندي



بحث في التركيب والدلالة (4)



العنصر الرابع: (اللام):
والضابط التركيبيُّ لوقوعِ اللام حرفًا مصدريًّا - عندَ مَن يرى ذلك - هو اتصالُها بمعمولِ فِعلَي الإرادة والأمر ومشتقَّاتهما، على أنْ يكون مدخولها فعلاً مضارعًا منصوبًا بها، ويُحتم ذلك بالطبع أن يتَّصل الفِعل باللام، فلا يُفصل عنه بـ(أن)، أو (كي) المصدريتين، ومِن نماذج ذلك قوله تعالى: ﴿ يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ ﴾ [النساء: 26]، ﴿ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ ﴾ [المائدة: 6]، ﴿ وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الأنعام: 71].


وللحقِّ فقدْ سبَق أن عرَضتُ لهذا العنصر في دِراستي للماجستير، وكانتْ متعلِّقة بكتاب اللامات للهَروي ودِراسته في ضوءِ لامات القرآن الكريم، وكان ممَّا عرَضتُه مِن آراء النحاة آنئذٍ يتلخَّص في رأيين:
الأول: ذهَب أصحابُه إلى أنَّها للتعليل، وأنَّ مفعولَ فِعلَي الإرادة والأمر محذوف، ومِن هؤلاء الأخفش - في أحد قولَيْه - والزجَّاجي وابن خالويه، والزجَّاج وأبو حيَّان، وقد ذَكَر هذا الأخيرُ صراحةً أنه لا يجوز أن يكون متعلّقُ الإرادة والأمر الفِعل بعدَ اللام؛ "لأنَّه يؤدِّي إلى تعدِّي الفعل لمفعوله المتأخِّر عنه بواسطةِ اللام، وإلى إضمارِ (أن) بعدَ لام ليستْ لام الجحود، ولا لام (كي)، وكلاهما لا يجوز عندَ البصريِّين"[1].


الثاني: ذَهَب أصحابُه إلى أنَّ هذه اللام في موضِع (أن)، وقصر عليها هذا المعنى بعدَ الفِعلين (أراد) و(أمر) ومشتقَّاتهما، وممَّن ذهَب إليه الفرَّاء، وتَبِعه الهرويُّ، ونسَب الزجَّاج هذا الرأي للكوفيِّين عامَّتهم.


ويَستشهد الفراءُ لصحَّة رأيه بأنَّ اللام إنَّما صلَحتْ في موضع (أن) في أرَدت وأمَرت؛ لأنَّهما يطلبان في المستقبل، ولا يَصلُحان مع الماضي، ألاَ ترى أنَّك تقول "أمرتُك أنْ تقوم، ولا يصلُح أمرتُك أنْ قُمت، فلمَّا رأوا (أن) في غير هذَينِ الموضعَينِ تكون للماضي والمستقبل، استوثَقوا لمعنى الاستقبال بـ(كي)، وباللام التي في معنى (كي)"[2]، وقد أثبتَ للام هذا المعنى أيضًا بعدَ الأفعال المشبَّهة لـ(أرَدت، وأمرت) مُستشهِدًا بقول الشاعر:
أُحَاوِلُ إِعْنَاتِي بِمَا قَالَ أَمْ رَجَا
لِيَضْحَكَ مِنِّي أَوْ لِيَضْحَكَ صَاحِبُهْ


يقول: "والكلامُ رَجا أنْ يَضحَك منِّي"[3]، وأمَّا الزمخشريُّ، فقدْ تأرْجَح في المسألة؛ فمرةً أثبتَ أنَّ اللام للتعليل[4]، وأخرى يُثبت أنَّها بمعنى (أن)[5]، وثالثةً يذكُر أنها للتعليل، ولا يبعد فيها الوجهُ الثاني؛ إذ أجاب مَن سأله إنْ كان قوله تعالى: ﴿ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ ﴾ [البقرة: 185]، معطوفًا على اليُسر في قوله: ﴿ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ ﴾ [البقرة: 185]، فقال: لا يبعد ذلك"[6]، وحتى الزجَّاج الذي أنْكر هذا الرأي مِن الكوفيِّين، نَجِده يُثبت أنَّها بمعنى (أن) في موضعٍ آخَر مِن كتابه[7].


تِلك هي أبرزُ الآراء التي ذَكَرها أصحابها حولَ هذا العُنصر اللُّغوي، وإذا أخَذنا بقول الفرَّاءِ ومَن تَبِعه، فإنَّ اللام تكون حرفًا مصدريًّا بعد فِعلَي الإرادة والأمر، وتكون بمعنى (أن) وتقوم مقامَها في تقييد الفِعل بعدَها بالاستقبال وتأويله بالمصدر، غير أنَّ السِّمة المميِّزة لها عن (أن) تنصب على إرادةِ التوكيد لمدخولها، بخِلاف (أن) التي لا تُؤدِّي هذا المعنى، وقدْ أشار إلى ذلك الزمخشريُّ عندما نصَّ على أنَّ اللام جاءتْ مؤكِّدة لإرادةِ التبيين[8].


وقدْ سبَق أن أيَّدتُ هذا الرأي مُدلِّلاً على صحَّته بدليلين، أسوقهما هنا بنصِّهما:
1- العطفُ على اللام، ومعمولها بـ(أن) ومعمولها، وذلك في قوله تعالى: ﴿ وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ * وَأَنْ أَقِيمُوا الصَّلَاةَ ﴾ [الأنعام: 71 - 72]، فالفِعل أُمِرنا قد وقَع على الاثنين، وأنَّ مراده الاثنان: الإسلام وإقامة الصلاة معًا، ودخول اللام في "لنُسلِم" يجعلها أكثرَ تأكيدًا مِن مدخول (أن) وهو إقامة الصلاة، وقد قال الزمخشريُّ "فإنْ قلت: علامَ عطف قوله: وأنْ أقيموا، قلت: هو على موضِع (لنُسلم)، وكأنَّه قيل: وأُمِرْنا أن نُسلِم وأن أقيموا"[9].


2- عَطفها مع مدخولِها على المفعولِ الصريح في قوله تعالى: ﴿ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ ﴾ [البقرة: 185]، والمعنى المراد مِن الآية - والله أعلم - "يُريد الله بكم اليسرَ وإكمالَ العِدَّة"[10].


[1] أبو حيان النحوي؛ "تفسير البحر المحيط"، (3/ 225).

[2] أبو زكريا يحيى بن زياد الفرَّاء؛ "معاني القرآن"، (1/ 261 - 262)؛ تحقيق أحمد يوسف نجاتي، ومحمد علي النجار، القاهرة، الدار المصرية للتأليف والترجمة والنشر 1955م.

[3] السابق (1/ 262)، وانظر: د. أحمد عَلَم الدين الجندي؛ "مِن تُراث لغوي مفقود"، مكة المكرمة، مطبوعات جامعة أم القرى 1410هـ.

[4] الزمخشري؛ "الكشاف"، (2/ 37).

[5] السابق، (1/ 501).

[6] الزمخشري؛ "الكشاف"، (1/ 228).

[7] الزجَّاج؛ "معاني القرآن وإعرابه"، (2/ 285).

[8] الزمخشري؛ "الكشاف"، (1/ 501).

[9] الزمخشري؛ "الكشاف"، (2/ 38).

[10] د. طه محمد الجندي؛ "كتاب اللامات"؛ للهروي؛ تحقيق ودراسة في ضوء لامات القرآن الكريم، ص (271)، رسالة ماجستير بدار العلوم.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 21.18 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 20.55 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.96%)]