عرض مشاركة واحدة
  #4  
قديم 31-10-2022, 09:05 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,201
الدولة : Egypt
افتراضي رد: قصيدة عروة بن الورد "أقلي علي اللوم يا بنة منذر" قراءة في المعاني والأساليب

قصيدة عروة بن الورد "أقلي علي اللوم يا بنة منذر" قراءة في المعاني والأساليب
د. شاذلي عبد الغني إسماعيل




لا يكتفي الشاعر بذكر الهامة، بل يُصوِّر لها مشهدًا يكثِّف من الإحساس بعجزها، ويستخدم في تصويره لهذا المشهدِ الفعلينِ المضارعين (تجاوب - تشتكي)؛ ليستحضر من خلاله الحدث أمام المخاطب، ويدل على تجدد هذه الحاله.
ذَرِيني أُطَوِّفْ فِي البلادِ لعلَّنِي
أُخلِّيك أَو أُغْنِيك عَن سوءِ محضرِ

فإنْ فَازَ سهمٌ للمنيَّة لم أكُنْ
جزوعًا وَهل عَن ذَاك من مُتأخرِ

وإنْ فازَ سهمي كفَّكُمْ عَنْ مَقاعدٍ
لَكُمْ خَلْفَ أدبارِ البُيوتِ ومَنْظَرِ


معاني الكلمات:
أُخلِّيك: أُقتل عنك فأفارقك، فتصبحين خاليةً للأزواج.
أُغْنيك عَن سوء محضر: إذا سلمتُ فسأعود عليك بالمال الذي يُغْنيك عن الحضور بمكان تذوقين فيه ذلَّ السؤال للناس.
فَازَ سهمٌ: كانوا في الجاهلية إذا اقترعوا يضعون السهام في قدح (وعاء من الخشب)، ومَن يخرج سهمه أولًا يقولون له: فاز سهمك.
المنية: الموت.
خَلْفَ أدبارِ البُيوتِ: كان الضيف إذا نزل بقوم نزل بأدبار البيوت حتى يُهيَّأ له مكانه.

الشرح:
في القطعة الأولى ذكر عروةُ أهمَّ الأسباب التي تدفَعُه إلى الغزوِ ومواجهة الموت، وهو طلبُه الخلودَ عبر بقاء ذكره بعد موته، وهو هنا يوصل محاولة إقناعها عبر ذكر سبب يتعلق بها هي، فهو يُغامِر بحياته من أجلها هي أيضًا، ومِن أجل أن تحيا حياةً كريمة، وهو في غزواته بين أمرينِ: إما أن يموت فتستطيع أن تتزوَّج مِن بعده، وإما أن يعيش فيعود بالمال الذي يحفظ لها كرامتها ويُغْنيها عن أن تكون في موضع تمدُّ فيه يديها بالسؤال، وهو يُؤكِّد هذا المعنى بصورةٍ أخرى؛ حتى يجعلها تتخيَّل الذل الذي يوقع فيه الاحتياج للآخرين، فهو والموت يقترعانِ، فإن فاز الموت فهو غير جازعٍ؛ لأنه على يقين أنه لا يمكن تأخير ميعادِه، أما إن فاز هو ورجع غانمًا، فإنه سيَحمِيهم من الضيم والنزول لاجئين خلف أدبار البيوت، بعد أن كانوا أعزةً في بيوتهم.

الأسلوب:
يحاول الشاعرُ إقناعَ زوجه سلمى عبر التقابل بين الصور، والتقابل هنا بين ما سيعود عليها من بقائه في ظل الغزو، سواء مات أو عاد لها محمَّلًا بالغنائم، وبين بقائه معها في ظل الحاجة إلى المال وهو ما يعرضها لذل السؤال، أو اللجوء لضيافة الآخرين.
الصور هنا عمَّقت من الإحساس بالفكرة التي يريد إيصالَها، سواء عبر الصورة الاستعارية التي جسَّم فيها المنية، وجعل نفسه مقارِعًا لها لا يخشى النتيجة التي تترتب على هذه المقارعة؛ لأنه لا يَهَبُها، أو عبر الصور الواقعية التي يجعلها تستحضر الحالة وتتخيلها ماثلةً أمامها مثل حضورها وهي تسأل الناس المال، ومثل وجودهم خلف أدبار البيوت ضيوفًا لاجئين.

يستخدم الشاعر الاستفهامَ المقصود به النفي: وهل عن ذاك من متأخِّر؟ حتى ينبهَها ويدفعها للإجابة التي هي يقينية.
تقُولُ: لكَ الويلاتُ هلْ أنتَ تارِكٌ
ضَبُوءًا بِرَجْلٍ تَارَةً وبِمِنْسَرِ

ومُستَثبِتٌ فِي مالِك العام إِنَّنِي
أَرَاك على أقتادِ صرماءَ مُذْكِرِ

فجُوعٍ بهَا للصَّالحينَ مَزِلَّة
مَخُوفٍ ردَاهَا أنْ تُصِيبَك فاحذَرِ

أبَى الخفضَ من يَغْشاكِ مِنْ ذِي قرابة
وَمِن كلِّ سَوْدَاءِ المعاصمِ تعتري

ومستَهنئ زيدٌ أبُوهُ فَلا أرَى



معاني الكلمات:
ضَبُوءًا: ضبأ الصائد؛ أي التصق واستتر بالأرض ليَخْفَى عن فريسته فيفاجئها.
بِرَجْلٍ: أي برجالة؛ أي يسيرون على أرجلهم.
وبِمِنْسَرِ: الجماعة من الخيل بين الثلاثين إلى الأربعين، وقيل: أكثر، وقيل: أقل.
أقتاد: جمع قَتَدٍ، وهو خشب الرَّحْل الذي يُوضَع على ظهر البعير للركوب.
صَرْمَاء: التي قطعت منها حلمات الضَّرْع التي يرضع منها الرضيع؛ لينقطع لبنها، فتشتد قوتها ويشتد لحمُها.
مُذْكِر: التي تلد الذكور، وهو أفظع ما يكون من نتاج العرب وأبغضه إليهم.

فجُوعٍ بهَا للصَّالحينَ: تهلك الصالحين فتفجع المحبِّين لهم، وفي شرح ابن السكِّيت: "الصالحون عند العرب ذوو المعروف لا ذوو الدين"، وفي جمهرة أشعار العرب: "الرجالُ الذين يطلبون معالي الأمور".
مَزِلَّةٌ: هي موضع للسقوط والانزلاق لا يستقرُّ عليها أحد، وفي لسان العرب " والمَزَلَّة والمَزِلَّة - بِكَسْرِ الزَّايِ وَفَتْحِهَا -: الْمَكَانُ الدَّحْضُ، وَهُوَ مَوْضِعُ الزَّلَل".

ردَاهَا: الردى: الهلاك.
الخفضَ: الدَّعة ولِين العيش.
يغشاك: يأتيك.
سَوْدَاء المعاصم: المعصم موضِع السوار من اليد، وسوداء المعاصم من شدة الجهد والجوع والبرد والاصطلاء بالنار.
تعتري: تأتيك طالبة المعروف.
ومستهنئ: طالب العطاء، استهنأ فلان: طلب عطاءَه.
زيد أبوه: يعني رجلًا من قومه يجمعه وإياه زيد، وهو جد عروة.
فاقنَيْ حياءك: الزمي حياءك.

الشرح:
في هذه الأبيات يظهرُ صوتُ سلمى زوجُ الشاعر وهي تجادِلُه وتحاول أن تُقنِعه بالكف عن غزواته، وتعبيرُ (لك الويلات) يُشعِرنا بالعذاب النفسي والقلق القاسي الذي تعانيه، خوفًا عليه في كل مرة يغزو فيها، وهي تودُّ أن يُشارِكها في هذا الإحساس حتى يشعرَ بها.

وبعضهم يزعم أن ذلك دعاءٌ منها له في معرِض الدعاء عليه، كما تقول العرب: (قاتله الله ما أرماه!)، وهي تسأله عن تركه للغزو الذي يفاجئ به الأقوام، ويتخفَّى لهم ملتصقًا بالأرض، كما يفعل الصائد مع فريسته، وهو مرة يذهب إليهم مع رجَّالة ومرة مع خيَّالة، وهي تسأله: هل سيحافظ على ماله هذا العام؟ وتحاول أن تصور له ديمومة وجودِه على حافَةِ الخطر والهلاك، فجعلَتْه فوق أقتاد ناقةٍ أتبعَتْها بالعديد من الصفات المرعبة؛ فهي ناقة قد قُطِعت حلماتها حتى لا تُرضِع لتقوَى وتشتد، وهي تلد الذكور، فهي أبشع ما تكون عند العرب، وتكثر من إدخال الفجيعة على أهل ذوي المروءات الذين تُهلِكهم، وهي لا يستقر على أقتادِها إنسان؛ لأنها موضع للسقوط والانزلاق، والجميع يخشى رداها، ويبدو أن استخدام العرب لهذه الناقة رمزًا للهلاك المتوقع، كان منتشرًا، فهذا هو مالك الهذلي يقول:
فَبَعض الوَعيدِ أنَّها قَد تَكَشَّفَت ♦♦♦ لِأَشياعِها عَن فَرجِ صَرماءَ مُذكِرِ

وهو هنا يبيِّن لها أسبابًا أخرى تمنَعُه أن يعيش في دَعةٍ وراحة وبُعْد عن المخاطر، ومنها رؤيته للمحتاجين من الأقارب وهم يغشون دارَه، ولتلك الفتاة الفقيرة التي تمتهنُ نفسَها في الخدمة، وتصطلي النار في ليل الشتاء القارص، دون أن تمتلك قفَّازين يحميانِ مِعْصَمها من السواد، وتدفعها الحاجة دفعًا لذلِّ السؤال، وضعيف محتاج يجمعهما جدٌّ واحد يأتيه فيطلب عطاءه، فلا يستطيع له ردًّا، فعليها بعد ذلك أن تحفظ حياءها وتكفَّ لومها وتتدرَّع بالصبر.

الأساليب:
1 - أضفى الحوارُ على النص حيويةً؛ حيث جعَلَنا نستمعُ إلى صوت المرأة عبر كلماتها التي تُصوِّر مشاعرها.

2- استخدام الفعلِ المضارع في القطعة أيضًا أكسَب الصورَ حيويةً، وجعَلَنا نستحضرُها أمامنا، إضافةً إلى ما أفاده مِن تجدُّد للحدث، فقولها يتكرر، كما أن رؤيتها له وهو على حافَّةِ الهلاك تتكرَّر أيضًا، كذلك غشيان ذوي القربى، وحاجتهم له، واعتراء الفتاة الفقيرة سوداء المعاصم، كل ذلك جعلنا الشاعر نراه وهو يتجدد ويتكرر عبر استخدامه لصيغة المضارع.

3- استخدام الجُمُل الاسمية أيضًا له دلالته، فقولها هي: "تارك، مستتثبت"، يُوحِي برغبتها الشديدة في تحقيق الحدث وثبوته.
والإتيانُ بصفات الناقة التي ترمز للهلاك أسماءً، يجعلُنا نرى هذه الصفات ثابتةً ودائمة فيها لا تتزحزح عنها.
أيضًا استخدام الاسم "مستهنئ" يُوحِي أننا أمام شخصٍ في حالة احتياج دائم للعطاء، فهو عاجز عن الكسب.

4- جاء الاستفهام: هل أنت تارك... ومستثبت؟ ليُوحِي برغبة المرأة في سماع الإجابة التي تمنحها الراحة.

5- فعل الأمر (فاحذر) يُجسِّد خوفها وحرصها عليه، كما أن فعلَي الأمر (اقني حياءك واصبري) يُجسِّدان ضيقه من إصرارها على لومه.

6- في قوله: "أبى الخفض مَن يغشاك" إسنادُ الفعل إلى سببه، فهم لا يرفضون أن يعيش في دعة حقيقة، لكنهم سببٌ يدفعه لهذا الرفض، ويمكن أن نقول: إن هناك مضافًا إليه محذوفًا؛ أي حاجة مَن يغشاك من ذي قرابة، وقدم المفعول به هنا الخفض؛ وذلك لأهميته بالنسبة لها، فهو ما تريده وترجوه له.
لحى اللهُ صُعلُوكًا إذَا جنَّ ليلُهُ
مُصَافي المُشَاشِ آلفًا كُلَّ مَجزَرِ

يعُدُّ الغِنَى مِنْ دهرِهِ كُلَّ ليلَةٍ
أصابَ قِراهَا مِنْ صدِيقٍ مُيسَّرِ

قَليلَ التماسِ المالِ إلَّا لِنفسِهِ
إذَا هوَ أضحى كالعريش المُجوَّرِ

ينَامُ عِشاءً ثمَّ يُصبِحُ قاعِدًا
يحُتُّ الحَصَى عَنْ جنبِهِ المُتَعفِّرِ

يُعينُ نساءَ الحيِّ مَا يستعِنَّهُ
فيُضْحِي طليحًا كالبعيرِ المُحَسَّرِ


معاني الكلمات:
لحى اللهُ: قبَّح ولعَن.
صُعلُوكًا: فقيرًا.
المُشَاشِ: العَظْم الليِّن الذي يُمضَغ ليخرج منه الدسم.
مَجزَر: اسم مكان مِن جزر، وهو موضع ذبح البهائم.
قِراهَا: القِرَى: ما يُقدَّم إلى الضيف.
مُيسَّرِ: الذي كثرت إبلُه وغنمه.
كالعريش: الخيمة من الخشب أو الجريد.
المُتَعفِّرِ: المغطَّى بالتراب.
طليحًا: مهزولًا ضعيفًا.
المُحَسَّرِ: المتعب، يقال: حسرت الدابةُ: أعيت وكلَّت.
يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 25.52 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 24.89 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.46%)]