عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 31-10-2022, 04:17 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,716
الدولة : Egypt
افتراضي التحليل اللساني للخطاب الشعري: قصيدة دعيني وقولي للشنفرى نموذجا

التحليل اللساني للخطاب الشعري: قصيدة دعيني وقولي للشنفرى نموذجا


إبراهيم مهديوي




دعيني وقولي
1- دَعِيني وقُولي بَعْدُ مَا شِئْتِ إِنَّنِي
سَيُغْدَى بِنَعْشي مَرَّةً فأُغَيَّبُ

2- خَرَجْنا فَلَمْ نَعْهَدْ وقَلَّتْ وَصاتُنا
ثَمَانِيَةٌ ما بعدَها مُتَعَتَّبُ

3- سَراحينُ فِتيانٍ كأنَّ وُجوهَهُمْ
مصابيحُ أو لونٌ من الماء مُذْهَبُ

4- نمُرُّ بِرَهْوِ الماء صَفْحاً وقد طوتْ
ثمائلُنا والزَّادُ ظَنٌّ مُغيَّبُ

5- ثلاثاً على الأقدام حتى سَمَا بِنَا
على العَوْص شَعْشَاعٌ من القوم مِحْرَبُ

6- فَثَاروا إلينا في السَّواد فَهَجْهَجُوا
وَصَوَّتَ فِينَا بالصّباح المُثَوِّبُ

7- فشنَّ عليهمْ هزَّةَ السّيف ثابِتٌ
وصَمَّمَ فِيهِمْ بالحُسَامِ المُسَيَّبُ

8- وظلْتُ بفتيانٍ مَعِي أَتَّقِيهُمُ
بهِنَّ قليلاً ساعةً ثُمَّ خُيِّبُوا

9- وقد خَرَّ منهم راجلانِ وفارسٌ
كَمِيٌّ صَرَعْنَاهُ وَخُومٌ مُسَلَّبُ

10- يشُنُّ إليه كلُّ رِيْعٍ وقَلْعةٍ
ثمانيةٌ وَالقومُ رِجْلٌ وَمِقْنَبُ

11- فلمَّا رآنا قُوْمُنَا قِيلَ أَفْلِحُوا
فَقُلْنا اسْأَلُوا عن قائلٍ لا يُكَذَّبُ


تمهيد:
نسعى في هذا التحليل البنيوي، لقصيدة "دعيني وقولي" للصعلوك الشنفرى، إلى الكشف عن قدرة التحليل اللساني على دراسة وتحليل الخطاب الشعري. وسنتخذ من مختلف مستويات الدرس اللساني إواليات وأدوات اشتغال: المستوى الأصواتي، والمستوى الصواتي، والمستوى الصرفي، والمستوى المعجمي، والمستوى التركيبي، ثم المستوى الدلالي. وعليه، كيف يمكن الاستناد إلى المعارف اللغوية/ اللسانية في تحليل الخطاب الشعري والوقوف عند خصائصه؟ أو بعبارة أوضح؛ كيف يمكن تحليل قصيدة "دعيني وقولي" صوتياً وصرفياً ومعجمياً وتركيبياً ودلالياً؟

1- القراءة التحليلية للقصيدة:
إن غرضنا من هذه الدراسة التحليلية للقصيدة، هو إبراز ما للآليات اللسانية من قدرة على تحليل الخطاب الشعري. وسيكون أساسنا في هذه العملية، مختلف مستويات الدرس اللساني العام: أصواتا، وصرفا، وتركيبا، ومعجما، ودلالة. وسنجعل من المستويين الأصواتي والصواتي منطلقا لذلك.

1- المستوى الصواتي الأصواتي:
بقراءتنا لقصيدة الشنفرى المُعَنْوَنة بـِ "دعيني وقولي"، يمكن الوقوف عند الجانب الأصواتي لها من خلال حضور الأصوات التالية:
1.1. الأصوات الشديدة: وذلك نحو:
أولاً: صوت الدال: إن صوت الدال صوت يتسم بخِصِّيصَة (+مجهور، +شديد)، وقد لجأ الشاعر إلى استعماله في مطلع قصيدته (دعيني وقولي)، وهو عنوان القصيدة أيضا، إنما ليؤكد شدته وقوته في مواجهة الأعداء، لأن المقام لم يعد يسمح بالتراجع إلى الوراء أو التردد، أو التساهل.

ثانياً: صوت الباء: يتميز هذا الصوت بسمات (+مجهور، +شديد، +شفوي)؛ وهذه الصفات إنما تعكس صفات شخصية البطل: القوي، والشجاع، والصارم، والصعلوك. لكن، ما نلحظه هو هيمنة صوت الباء مقارنة بباقي الأصوات الشفوية الأخرى (الميم في: مصابيح، الماء، إلخ)، و(الواو في: وجوه، قوم، لون، إلخ)، بل الأكثر من ذلك حين جعل الباء المضمومة رَوِيَّا للقصيدة في نحو: (فأغيّبُ) و(مُتَعَتَّبُ)، وهلما جرا. وإن استعمال الشاعر الصعلوك لمثل هذه الأصوات خاصة الشفوية، إنما هو دليل على وجوده القوي، ورغبته في فرض صوته، باعتباره ذلك الشخص الشهم، والشديد، والبطل، إلخ، وكلها صفات يتحلى بها الصعاليك كافة.

1.2. الأصوات الصفيرية:
تتلخص هذه الأصوات في أصوات: الصاد والزاي والسين. إنها أصوات ذات طبيعة غنائية، ومن سماتها (+صفيري، +منفتح، +استفالي). إن توظيفه لمثل هذه الأصوات ذات الطبيعة الغنائية؛ إنما ليعطي لقصيدته سمة موسيقية، وجرسا رنَّانًا في أذن السامع. ونذكر من نماذجها في القصيدة، على سبيل الذكر لا الحصر، ما يلي: السين في (سراحين) و(السّواد)، والزاي في (الزّاد)، والصاد في (وَصَاتُنا) و(صَوَّتَ)، وغيرها من النماذج.

1.3. الأصوات المهموسة:
ما يمكن أن نلاحظه من خلال قراءتنا للقصيدة هو أن الشاعر عَمَدَ إلى استعمال الأصوات المهموسة كلما وصَف أو ذكر العدو (قوم خثعم)، وذلك من قبيل: الثاء (+مهموس، +رخو) في (فَثَارُوا)، والهاء (+مهموس، +رخو) في (فَهَجْهَجُوا)، والتاء (+مهموس، +شديد) في (قلّتْ)؛ للدلالة على الوقف والهمس، وضعف العدو كذلك. إن الأصوات المهموسة دالة على الضّعف والتردد والخوف، لذلك سعى الصعلوك إلى استعمالها كلما ذكر الخصم (قوم خثعم)، في مقابل استعماله لأصوات شديدة ومهجورة للدلالة على قوته، وشدة إخوانه الصعاليك.

على كل، كان هدفنا في هذا المحور هو الوقوف عند القيمة التعبيرية للصوت ومدى اتفاقه مع الجرس الموسيقي للقصيدة، والدلالات التي أراد لها الشاعر أن تَبْرُزَ. إن الأصوات داخل السياق الصوتي للقصيدة بمثابة أفعال تؤدي معنى. ومن هنا يتعين علينا مراعاة الدلالة الفنية لكل صوت على حدة، إذ لا بد من معرفة طاقة كل صوت وإيحاءاته التعبيرية.

أما بخصوص المستوى الصواتي، فإنه يمكن للمعنى داخل القصيدة أن يُؤدَّى صواتيا من خلال بعض الظواهر الموسيقية المصاحبة للغة في إطار ما يصطلح عليه بِـ: التطريزات، وهو مجال الدراسات الصواتية الحديثة، خاصة ما اتصل بالنبر والتنغيم. هذان العنصران اللذان لهما مكانة مهمة في تقطيع الكلام وفهمه في اللغتين الفرنسية والإنجليزية. ويظهر هذا النوع من الظواهر الصواتية في أثناء أداء الجمل الاستفهامية والتعجبية والندائية في اللغة العربية، التي تتطلب مقامات صوتية معينة لا يتحصل الفهم لدى المتلقي إلا بحضورها وحسن احترامها في الكلام.

وبهذا، يتبيّن لنا أن الدرس اللساني، في جانبه الصواتي الأصواتي، له الإمكانية على تحليل الخطاب الأدبي، الشعري نموذجا، وهو ما لاحظناه. لكن، ماذا عن باقي المستويات؟ ولنجعل المحور الثاني مقصورا على تناول المستوى الصرافي ودروه في تحليل الخطاب الشعري.

2- المستوى الصرفي:
لا مِراءَ في أن علم الصرف يُعنى بدراسة بنية الكلمات وأحوال هيئاتها من اسم متمكن وفعل متصرف، وقولنا كذلك يعني أنه لا يدرس الاسم المبني ولا الفعل الجامد. وسنحاول في دراستنا هذه، أن نلامس بعض الصيغ الصرفية المهيمنة، ودلالاتها المختلفة في علاقتها بمضمون القصيدة.
يتبع


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 22.39 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 21.76 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.80%)]