عرض مشاركة واحدة
  #8  
قديم 30-10-2022, 11:11 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,362
الدولة : Egypt
افتراضي رد: فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام


فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام
المؤلف:شيخ الاسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية.
سُورَةُ النساء
المجلد الخامس
الحلقة( 210)

من صــ 451 الى صـ 460



وقال على لسان الخليل {إنني براء مما تعبدون} {إلا الذي فطرني فإنه سيهدين} وقال {أفرأيتم ما كنتم تعبدون} {أنتم وآباؤكم الأقدمون} {فإنهم عدو لي إلا رب العالمين} وقال {فلما أفلت قال يا قوم إني بريء مما تشركون} {إني وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين} فهذا البغض والعداوة والبراءة مما يعبد من دون الله ومن عابديه: هي أمور موجودة في القلب، وعلى اللسان والجوارح، كما أن حب الله وموالاته وموالاة أوليائه: أمور موجودة في القلب، وعلى اللسان والجوارح. وهي تحقيق قول " لا إله إلا الله " وهو إثبات تأليه القلب لله حبا خالصا وذلا صادقا. ومنع تأليهه لغير الله، وبغض ذلك وكراهته. فلا يعبد إلا الله.
ويحب أن يعبده، ويبغض عبادة غيره ويحب التوكل عليه وخشيته ودعاءه ويبغض التوكل على غيره وخشيته ودعاءه. فهذه كلها أمور موجودة في القلب. وهي الحسنات التي يثيب الله عليها. وأما مجرد عدم السيئات، من غير أن يعرف أنها سيئة، ولا يكرهها، بل لا يفعلها لكونها لم تخطر بباله، أو تخطر كما تخطر الجمادات التي لا يحبها ولا يبغضها - فهذا لا يثاب على عدم ما يفعله من السيئات. ولكن لا يعاقب أيضا على فعلها. فكأنه لم يفعلها. فهذا تكون السيئات في حقه بمنزلتها في حق الطفل والمجنون والبهيمة. لا ثواب ولا عقاب. ولكن إذا قامت عليه الحجة بعلمه تحريمها. فإن لم يعتقد تحريمها ويكرها وإلا عوقب على ترك الإيمان بتحريمها.

فصل:
وقد تنازع الناس في الترك: هل هو أمر وجودي أو عدمي؟. والأكثرون على أنه وجودي. وقالت طائفة - كأبي هاشم بن الجبائي - إنه عدمي وأن المأمور يعاقب على مجرد عدم الفعل، لا على ترك يقوم بنفسه. ويسمون " المذمية " لأنهم رتبوا الذم على العدم المحض. والأكثرون يقولون: الترك أمر وجودي. فلا يثاب من ترك المحظور إلا على ترك يقوم بنفسه. وتارك المأمور: إنما يعاقب على ترك يقوم بنفسه. وهو أن يأمره الرسول صلى الله عليه وسلم بالفعل فيمتنع. فهذا الامتناع أمر وجودي. ولذلك فهو يشتغل عما أمر به بفعل ضده، كما يشتغل عن عبادة الله وحده بعبادة غيره. فيعاقب على ذلك. ولهذا كان كل من لم يعبد الله وحده، فلا بد أن يكون عابدا لغيره. يعبد غيره فيكون مشركا. وليس في بني آدم قسم ثالث. بل إما موحد، أو مشرك، أو من خلط هذا بهذا كالمبدلين من أهل الملل: النصارى ومن أشبههم من الضلال، المنتسبين إلى الإسلام.
قال الله تعالى {فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم} {إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون} {إنما سلطانه على الذين يتولونه والذين هم به مشركون} وقد قال تعالى {إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين} لما قال إبليس {لأزينن لهم في الأرض ولأغوينهم أجمعين} {إلا عبادك منهم المخلصين} قال تعالى {إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين}. فإبليس لا يغوي المخلصين. ولا سلطان له عليهم. إنما سلطانه على الغاوين. وهم الذين يتولونه، وهم الذين به مشركون.
وقوله {الذين يتولونه والذين هم به مشركون} صفتان لموصوف واحد. فكل من تولاه فهو به مشرك، وكل من أشرك به فقد تولاه. قال تعالى {ألم أعهد إليكم يا بني آدم أن لا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين} {وأن اعبدوني هذا صراط مستقيم}. وكل من عبد غير الله فإنما يعبد الشيطان، وإن كان يظن أنه يعبد الملائكة والأنبياء.
وقال تعالى {ويوم يحشرهم جميعا ثم يقول للملائكة أهؤلاء إياكم كانوا يعبدون} {قالوا سبحانك أنت ولينا من دونهم بل كانوا يعبدون الجن أكثرهم بهم مؤمنون}. ولهذا تتمثل الشياطين لمن يعبد الملائكة والأنبياء والصالحين ويخاطبونهم فيظنون أن الذي خاطبهم ملك أو نبي، أو ولي، وإنما هو شيطان، جعل نفسه ملكا من الملائكة، كما يصيب عباد الكواكب وأصحاب العزائم والطلسمات. يسمون أسماء، يقولون: هي أسماء الملائكة مثل منططرون وغيره، وإنما هي أسماء الجن. وكذلك الذين يدعون المخلوقين من الأنبياء والأولياء والملائكة قد يتمثل لأحدهم من يخاطبه، فيظنه النبي، أو الصالح الذي دعاه.

وإنما هو شيطان تصور في صورته، أو قال: أنا هو، لمن لم يعرف صورة ذلك المدعو. وهذا كثير يجري لمن يدعو المخلوقين، من النصارى ومن المنتسبين إلى الإسلام يدعونهم عند قبورهم، أو مغيبهم. ويستغيثون بهم. فيأتيهم من يقول: إنه ذلك المستغاث به في صورة آدمي إما راكبا، وإما غير راكب. فيعتقد المستغيث: أنه ذلك النبي، أو الصالح، أو أنه سره، أو روحانيته، أو رقيقته أو المعنى تشكل، أو يقول: إنه ملك جاء على صورته.
وإنما هو شيطان يغويه، لكونه أشرك بالله ودعا غيره: الميت فمن دونه. فصار للشيطان عليه سلطان بذلك الشرك.

فظن أنه يدعو النبي، أو الصالح، أو الملك. وأنه هو الذي شفع له، أو هو الذي أجاب دعوته. وإنما هو الشيطان، ليزيده غلوا في كفره وضلاله. فكل من لم يعبد الله مخلصا له الدين، فلا بد أن يكون مشركا عابدا لغير الله. وهو في الحقيقة: عابد للشيطان. فكل واحد من بني آدم إما عابد للرحمن، وإما عابد للشيطان. قال تعالى {ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين} {وإنهم ليصدونهم عن السبيل ويحسبون أنهم مهتدون} {حتى إذا جاءنا قال يا ليت بيني وبينك بعد المشرقين فبئس القرين} {ولن ينفعكم اليوم إذ ظلمتم أنكم في العذاب مشتركون} وقال تعالى {إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئين والنصارى والمجوس والذين أشركوا إن الله يفصل بينهم يوم القيامة إن الله على كل شيء شهيد}. فبنو آدم منحصرون في الأصناف الستة. وبسط هذا له موضع آخر.
فصل:
والمقصود هنا: أن الثواب والعقاب إنما يكون على عمل وجودي بفعل الحسنات، كعبادة الله وحده، وترك السيئات، كترك الشرك أمر وجودي، وفعل السيئات، مثل ترك التوحيد، وعبادة غير الله أمر وجودي. قال تعالى {من جاء بالحسنة فله خير منها ومن جاء بالسيئة فلا يجزى الذين عملوا السيئات إلا ما كانوا يعملون} وقال تعالى {إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وإن أسأتم فلها} وقال تعالى {من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها} وقال تعالى {للذين أحسنوا الحسنى وزيادة ولا يرهق وجوههم قتر ولا ذلة أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون} {والذين كسبوا السيئات جزاء سيئة بمثلها وترهقهم ذلة} - إلى قوله - {أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون} وقال تعالى {ثم كان عاقبة الذين أساءوا السوءى أن كذبوا بآيات الله وكانوا بها يستهزئون}. فأما عدم الحسنات والسيئات: فجزاؤه عدم الثواب والعقاب. وإذا فرض رجل آمن بالرسول مجملا، وبقي مدة لا يفعل كثيرا من المحرمات، ولا سمع أنها محرمة، فلم يعتقد تحريمها.

مثل من آمن ولم يعلم أن الله حرم الميتة والدم ولحم الخنزير، ولا علم أنه حرم نكاح الأقارب سوى أربعة أصناف، ولا حرم بالمصاهرة أربعة أصناف - حرم على كل من الزوجين أصول الآخر وفروعه - فإذا آمن ولم يفعل هذه المحرمات، ولا اعتقد تحريمها، لأنه لم يسمع ذلك: فهذا لا يثاب ولا يعاقب. ولكن إذا علم التحريم فاعتقده: أثيب على اعتقاده. وإذا ترك ذلك - مع دعاء النفس إليه - أثيب ثوابا آخر، كالذي تدعوه نفسه إلى الشهوات فينهاها كالصائم الذي تشتهي نفسه الأكل والجماع فينهاها، والذي تشتهي نفسه شرب الخمر والفواحش فينهاها.

فهذا يثاب ثوابا آخر، بحسب نهيه لنفسه، وصبره على المحرمات، واشتغاله بالطاعات التي هي ضدها. فإذا فعل تلك الطاعات كانت مانعة له عن المحرمات.
وإذا تبين هذا: فالحسنات التي يثاب عليها كلها وجودية، نعمة من الله تعالى وما أحبته النفس من ذلك، وكرهته من السيئات: فهو الذي حبب الإيمان إلى المؤمنين، وزينه في قلوبهم. وكره إليهم الكفر والفسوق والعصيان.
فصل:
وأما السيئات: فمنشؤها الجهل والظلم. فإن أحدا لا يفعل سيئة قبيحة إلا لعدم علمه بكونها سيئة قبيحة، أو لهواه وميل نفسه إليها. ولا يترك حسنة واجبة إلا لعدم علمه بوجوبها، أو لبغض نفسه لها. وفي الحقيقة: فالسيئات كلها ترجع للجهل. وإلا فلو كان عالما علما نافعا بأن فعل هذا يضره ضررا راجحا لم يفعله. فإن هذا خاصية العاقل. ولهذا إذا كان من الحسنات ما يعلم أنه يضره ضررا راجحا، كالسقوط من مكان عال، أو في نهر يغرقه، أو المرور بجنب حائط مائل، أو دخول نار متأججة، أو رمي ماله في البحر ونحو ذلك،لم يفعله، لعلمه بأن هذا ضرر لا منفعة فيه. ومن لم يعلم أن هذا يضره - كالصبي، والمجنون، والساهي والغافل - فقد يفعل ذلك. ومن أقدم على ما يضره - مع علمه بما فيه من الضرر عليه - فلظنه أن منفعته راجحة. فإما أن يجزم بضرر مرجوح، أو يظن أن الخير راجح.

فلا بد من رجحان الخير، إما في الظن وإما في المظنون، كالذي يركب البحر ويسافر الأسفار البعيدة للربح. فإنه لو جزم بأنه يغرق أو يخسر لما سافر، لكنه يترجح عنده السلامة والربح، وإن كان مخطئا في هذا الظن. وكذلك الذنوب: إذا جزم السارق بأنه يؤخذ ويقطع، لم يسرق. وكذلك الزاني: إذا جزم بأنه يرجم، لم يزن. والشارب يختلف حاله. فقد يقدم على جلد أربعين وثمانين، ويديم الشرب مع ذلك. ولهذا كان الصحيح: أن عقوبة الشارب غير محدودة، بل يجوز أن تنتهي إلى القتل، إذا لم ينته إلا بذلك. كما جاءت بذلك الأحاديث. كما هو مذكور في غير هذا الموضع. وكذلك العقوبات، متى جزم طالب الذنب بأنه يحصل له به الضرر الراجح لم يفعله. بل إما ألا يكون جازما بتحريمه، أو يكون غير جازم بعقوبته. بل يرجو العفو بحسنات، أو توبة، أو بعفو الله، أو يغفل عن هذا كله. ولا يستحضر تحريما، ولا وعيدا فيبقى غافلا. غير مستحضر للتحريم. والغفلة من أضداد العلم.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 37.01 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 36.38 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.70%)]