عرض مشاركة واحدة
  #5  
قديم 30-10-2022, 10:49 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,362
الدولة : Egypt
افتراضي رد: فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام


فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام
المؤلف:شيخ الاسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية.
سُورَةُ النساء
المجلد الخامس
الحلقة( 207)

من صــ 421 الى صـ 430





وكما قال أهل القرية للمرسلين {إنا تطيرنا بكم} وكما قال الكفار من ثمود لصالح ولقومه: {اطيرنا بك وبمن معك} فكانوا يقولون عما يصيبهم - من الحرب والزلزال والجراح والقتل وغير ذلك مما يحصل من العدو -: هو منك. لأنك أمرتنا بالأعمال الموجبة لذلك. ويقولون عن هذا وعن المصائب السمائية: إنها منك. أي بسبب طاعتنا لك واتباعنا لدينك: أصابتنا هذه المصائب كما قال تعالى: {ومن الناس من يعبد الله على حرف فإن أصابه خير اطمأن به وإن أصابته فتنة انقلب على وجهه خسر الدنيا والآخرة}. فهذا يتناول كل من جعل طاعة الرسول وفعل ما بعث به: مسببا لشر أصابه: إما من السماء. وإما من آدمي. وهؤلاء كثيرون. لم يقولوا " هذه من عندك " بمعنى: أنك أنت الذي أحدثتها. فإنهم يعلمون أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يحدث شيئا من ذلك ولم يكن قولهم " من عندك " خطابا من بعضهم لبعض.
بل هو خطاب للرسول صلى الله عليه وسلم. ومن فهم هذا تبين له أن قوله {ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك} لا يناقض قوله {كل من عند الله} بل هو محقق له. لأنهم - هم ومن أشبههم إلى يوم القيامة - يجعلون ما جاء به الرسول والعمل به: سببا لما قد يصيبهم من مصائب. وكذلك من أطاعه إلى يوم القيامة. وكانوا تارة يقدحون فيما جاء به ويقولون: ليس هذا مما أمر الله به. ولو كان مما أمر الله به: لما جرى على أهله هذا البلاء.

وتارة لا يقدحون في الأصل. لكن يقدحون في القضية المعينة. فيقولون: هذا بسوء تدبير الرسول. كما قال عبد الله بن أبي ابن سلول يوم أحد - إذ كان رأيه مع رأي النبي صلى الله عليه وسلم أن لا يخرجوا من المدينة - فسأله صلى الله عليه وسلم ناس ممن كان لهم رغبة في الجهاد: أن يخرج. فوافقهم ودخل بيته ولبس لامته. فلما لبس لأمته ندموا. وقالوا للنبي صلى الله عليه وسلم أنت أعلم. فإن شئت أن لا نخرج فلا نخرج. فقال: {ما ينبغي لنبي إذا لبس لامته أن ينزعها حتى يحكم الله بينه وبين عدوه} يعني: أن الجهاد يلزم بالشروع كما يلزم الحج. لا يجوز ترك ما شرع فيه منه إلا عند العجز بالإحصار في الحج.

فصل:
والمفسرون ذكروا في قوله {وإن تصبهم سيئة يقولوا هذه من عندك} هذا وهذا. فعن ابن عباس، والسدي، وغيرهما: أنهم يقولون هذا، تشاؤما بدينه. وعن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم. قال: بسوء تدبيرك - يعني كما قاله عبد الله بن أبي وغيره يوم أحد - وهم كالذين {قالوا لإخوانهم وقعدوا لو أطاعونا ما قتلوا}. فبكل حال: قولهم " من عندك " هو طعن فيما أمر الله به ورسوله: من الإيمان والجهاد. وجعل ذلك: هو الموجب للمصائب التي تصيب المؤمنين المطيعين، كما أصابتهم يوم أحد.
وتارة تصيب عدوهم. فيقول الكافرون: هذا بشؤم هؤلاء، كما قال أصحاب القرية للمرسلين {إنا تطيرنا بكم} وكما قال تعالى عن آل فرعون {فإذا جاءتهم الحسنة قالوا لنا هذه وإن تصبهم سيئة يطيروا بموسى ومن معه ألا إنما طائرهم عند الله ولكن أكثرهم لا يعلمون} وقال تعالى عن قوم صالح {قالوا اطيرنا بك وبمن معك قال طائركم عند الله بل أنتم قوم تفتنون} ولما قال أهل القرية {إنا تطيرنا بكم لئن لم تنتهوا لنرجمنكم وليمسنكم منا عذاب أليم} {قالوا طائركم معكم أئن ذكرتم بل أنتم قوم مسرفون}. قال الضحاك: في قوله {ألا إنما طائرهم عند الله} يقول: الأمر من قبل الله ما أصابكم من أمر فمن الله، بما كسبت أيديكم.
وقال ابن أبي طلحة عن ابن عباس: " معايبكم " وقال قتادة " عملكم عند الله ". وفي رواية غير علي: عملكم عند الله {بل أنتم قوم تفتنون} أي تبتلون بطاعة الله ومعصيته. رواهما ابن أبي حاتم وغيره. وعن ابن إسحاق قال: قالت الرسل " طائركم معكم " أي أعمالكم. فقد فسروا " الطائر " بالأعمال وجزائها، لأنهم كانوا يقولون: إنما أصابنا ما أصابنا من المصائب بذنوب الرسل وأتباعهم.

فبين الله سبحانه: أن طائرهم - وهو الأعمال وجزاؤها - هو عند الله. وهو معهم. فهو معهم لأن أعمالهم وما قدر من جزائها معهم كما قال تعالى {وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه} وهو من الله؛ لأن الله تعالى قدر تلك المصائب بأعمالهم. فمن عنده تتنزل عليهم المصائب. جزاء على أعمالهم، لا بسبب الرسل وأتباعهم. وفي هذا يقال: إنهم إنما يجزون بأعمالهم، لا بأعمال غيرهم. ولذلك قال في هذه الآية - لما كان المنافقون والكفار ومن في قلبه مرض يقول: هذا الذي أصابنا هو بسبب ما جاء به محمد، عقوبة دينية وصل إلينا - بين سبحانه: أن ما أصابهم من المصائب إنما هو بذنوبهم. ففي هذا رد على من أعرض عن طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم لئلا تصيبه تلك المصائب. وعلى من انتسب إلى الإيمان بالرسول، ونسبها إلى فعل ما جاء به الرسول، وعلى من أصابته مع كفره بالرسول ونسبها إلى ما جاء به الرسول.

فصل:
والمقصود: أن ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم ليس سببا لشيء من المصائب. ولا تكون طاعة الله ورسوله قط سببا لمصيبة، بل طاعة الله والرسول لا تقتضي إلا جزاء أصحابها بخيري الدنيا والآخرة. ولكن قد تصيب المؤمنين بالله ورسوله مصائب بسبب ذنوبهم. لا بما أطاعوا فيه الله والرسول، كما لحقهم يوم أحد بسبب ذنوبهم. لا بسبب طاعتهم الله ورسوله صلى الله عليه وسلم. وكذلك ما ابتلوا به في السراء والضراء والزلزال: ليس هو بسبب نفس إيمانهم وطاعتهم، لكن امتحنوا به، ليتخلصوا مما فيهم من الشر وفتنوا به كما يفتن الذهب بالنار، ليتميز طيبه من خبيثه. والنفوس فيها شر. والامتحان يمحص المؤمن من ذلك الشر الذي في نفسه. قال تعالى {وتلك الأيام نداولها بين الناس وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء والله لا يحب الظالمين} {وليمحص الله الذين آمنوا ويمحق الكافرين} وقال تعالى {وليبتلي الله ما في صدوركم وليمحص ما في قلوبكم} ولهذا قال صالح عليه السلام لقومه {طائركم عند الله بل أنتم قوم تفتنون}.
ولهذا كانت المصائب تكفر سيئات المؤمنين، وبالصبر عليها ترتفع درجاتهم وما أصابهم في الجهاد من مصائب بأيدي العدو، فإنه يعظم أجرهم بالصبر عليها. وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم قال {ما من غازية يغزون في سبيل الله، فيسلمون ويغنمون إلا تعجلوا ثلثي أجرهم. وإن أصيبوا وأخفقوا: تم لهم أجرهم}. وأما ما يلحقهم من الجوع والعطش والتعب: فذاك يكتب لهم به عمل صالح. كما قال تعالى {ذلك بأنهم لا يصيبهم ظمأ ولا نصب ولا مخمصة في سبيل الله ولا يطئون موطئا يغيظ الكفار ولا ينالون من عدو نيلا إلا كتب لهم به عمل صالح إن الله لا يضيع أجر المحسنين}. وشواهد هذا كثيرة.
فصل:
والمقصود: أن قوله {وإن تصبهم حسنة يقولوا هذه من عند الله وإن تصبهم سيئة يقولوا هذه من عندك قل كل من عند الله} فإنهم جعلوا ما يصيبهم من المصائب بسبب ما جاءهم به الرسول. وكانوا يقولون: النعمة التي تصيبنا هي من عند الله. والمصيبة من عند محمد. أي بسبب دينه وما أمر به. فقال تعالى: قل هذا وهذا من عند الله.

لا من عند محمد. محمد لا يأتي لا بنعمة ولا بمصيبة ولهذا قال بعد هذا {فمال هؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثا} قال: السدي وغيره: هو القرآن. فإن القرآن إذا هم فقهوا ما فيه: تبين لهم أنه إنما أمرهم بالخير، والعدل، والصدق، والتوحيد. لم يأمرهم بما يكون سببا للمصائب. فإنهم إذا فهموا ما في القرآن علموا: أنه لا يكون سببا للشر مطلقا. وهذا مما يبين أن ما أمر الله به: يعلم بالأمر به حسنه ونفعه، وأنه مصلحة للعباد. وليس كما يقول من يقول: قد يأمر الله العباد بما لا مصلحة لهم فيه إذا فعلوه.

بل فيه مضرة لهم.
فإنه لو كان كذلك لكان قد يصدقه المتطيرون بالرسل وأتباعهم. ومما يوضح ذلك: أنه لما قال {ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك} قال بعدها {وأرسلناك للناس رسولا وكفى بالله شهيدا} فإنه قد شهد له بالرسالة بما أظهره على يديه من الآيات والمعجزات. وإذا شهد الله له كفى به شهيدا. ولم يضره جحد هؤلاء لرسالته بما ذكروه من الشبه التي هي عليهم لا لهم بما أرادوا أن يجعلوا سيئاتهم وعقوباتهم حجة على إبطال رسالته. والله تعالى قد شهد له: أنه أرسله للناس رسولا. فكان ختم الكلام بهذا إبطالا لقولهم: إن المصائب من عند الرسول. ولهذا قال، بعد هذا {من يطع الرسول فقد أطاع الله ومن تولى فما أرسلناك عليهم حفيظا}.
فصل:
وكان فيما ذكره إبطال لقول الجهمية المجبرة ونحوهم، ممن يقول: إن الله قد يعذب العباد بلا ذنب. وأنه قد يأمر العباد بما لا ينفعهم، بل بما يضرهم. فإن فعلوا ما أمرهم به حصل لهم الضرر، وإن لم يفعلوه عاقبهم.
يقولون هذا ومثله، ويزعمون أن هذا لأنه يفعل ما يشاء. والقرآن يرد على هؤلاء من وجوه كثيرة، كما يرد على المكذبين بالقدر. فالآية ترد على هؤلاء وهؤلاء، كما تقدم، مع احتجاج الفريقين بها. وهي حجة على الفريقين. فإن قال نفاة القدر: إنما قال في الحسنة " هي من الله " وفي السيئة " هي من نفسك " لأنه يأمر بهذا، وينهى عن هذا، باتفاق المسلمين. قالوا: ونحن نقول: المشيئة ملازمة للأمر.
فما أمر به فقد شاءه وما لم يأمر به لم يشأه. فكانت مشيئته وأمره حاضة على الطاعة دون المعصية. فلهذا كانت هذه منه دون هذه. قيل: أما الآية: فقد تبين أن الذين قالوا " الحسنة من عند الله، والسيئة من عندك " أرادوا: من عندك يا محمد، أي بسبب دينك. فجعلوا رسالة الرسول هي سبب المصائب. وهذا غير مسألة القدر.

وإذا كان قد أريد: أن الطاعة والمعصية - مما قد قيل - كان قوله {كل من عند الله} حجة عليكم كما تقدم. وقوله بعد هذا {ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك} لا ينافي ذلك. بل " الحسنة " أنعم الله بها وبثوابها و " السيئة " هي من نفس الإنسان ناشئة، وإن كانت بقضائه وقدره، كما قال تعالى {من شر ما خلق} فمن المخلوقات ما له شر، وإن كان بقضائه وقدره. وأنتم تقولون: الطاعة والمعصية هما من أحداث الإنسان، بدون أن يجعل الله هذا فاعلا وهذا فاعلا، وبدون أن يخص الله المؤمن بنعمة ورحمة أطاعه بها وهذا مخالف للقرآن.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 43.81 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 43.18 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.43%)]