
25-10-2022, 01:36 PM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,301
الدولة :
|
|
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله

كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الرابع
الحلقة (177)
صــــــــــ 229 الى صـــــــــــ235
( قال الشافعي ) ومانع الصدقة ممتنع بحق ناصب دونه فإذا لم يختلف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في قتاله فالباغي يقاتل الإمام العادل في مثل هذا المعنى في أنه لا يعطي الإمام العادل حقا إذا وجب عليه ويمتنع من حكمه ويزيد على مانع الصدقة أن يريد أن يحكم هو على الإمام العادل ويقاتله فيحل قتاله بإرادته قتاله الإمام قال وقد قاتل أهل الامتناع بالصدقة وقتلوا ثم قهروا فلم يقد منهم أحدا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وكلا هذين متأول أما أهل الامتناع فقالوا قد فرض الله علينا أن نؤديها إلى رسوله كأنهم ذهبوا إلى قول الله عز وجل لرسوله صلى الله عليه وسلم { خذ من أموالهم صدقة تطهرهم } وقالوا لا نعلمه يجب علينا أن نؤديها إلى غير رسول الله صلى الله عليه وسلم وأما أهل البغي فشهدوا على من بغوا عليه بالضلال ورأوا أن جهاده حق فلم يكن على واحد من الفريقين عند تقضي الحرب قصاص عندنا والله تعالى أعلم . ولو أن رجلا واحدا قتل على التأويل أو جماعة غير ممتنعين ثم كانت لهم بعد ذلك جماعة ممتنعون أو لم تكن كان عليهم القصاص في القتل والجراح وغير ذلك كما يكون على غير المتأولين فقال لي قائل فلم قلت في الطائفة الممتنعة الغاصبة المتأولة تقتل وتصيب المال أزيل عنها القصاص وغرم المال إذا تلف ولو أن رجلا تأول [ ص: 229 ] فقتل أو أتلف مالا اقتصصت منه وأغرمته المال ؟ فقلت له وجدت الله تبارك وتعالى يقول { ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف في القتل } { وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يحل دم مسلم أو قتل نفس بغير نفس } وروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم { من اعتبط مسلما بقتل فهو قود يده } ووجدت الله تعالى قال { وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين } فذكر الله عز وجل قتالهم ولم يذكر القصاص بينهما فأثبتنا القصاص بين المسلمين على ما حكم الله عز وجل في القصاص وأزلناه في المتأولين الممتغين ورأينا أن المعنى بالقصاص من المسلمين هو من يكن ممتنعا متأولا فأمضينا الحكمين على ما أمضيا عليه وقلت له : علي بن أبي طالب كرم الله تعالى وجهه ولي قتال المتأولين فلم يقصص من دم ولا مال أصيب في التأويل وقتله ابن ملجم متأولا فأمر بحبسه وقال لولده إن قتلتم فلا تمثلوا ورأى له القتل وقتله الحسن بن علي رضي الله تعالى عنهما وفي الناس بقية من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لا نعلم أحدا أنكر قتله ولا عابه ولا خالفه في أن يقتل إذ لم يكن له جماعة يمتنع بمثلها ولم يقد علي وأبو بكر قبله ولي من قتلته الجماعة الممتنع بمثلها على التأويل كما وصفنا ولا على الكفر .
( قال الشافعي ) والآية تدل على أنه إنما أبيح قتالهم في حال وليس في ذلك إباحة أموالهم ولا شيء منها ، وأما قطاع الطريق ومن قتل على غير تأويل فسواء جماعة كانوا أو وحدانا يقتلون حدا وبالقصاص بحكم الله عز وجل في القتلة وفي المحاربين .
باب السيرة في أهل البغي .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : روي عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده علي بن الحسين رضي الله تعالى عنهما قال دخلت على مروان بن الحكم فقال ما رأيت أحدا أكرم غلبة من أبيك ما هو إلا أن ولينا يوم الجمل فنادى مناديه لا يقتل مدبر ولا يذفف على جريح .
( قال الشافعي ) فذكرت هذا الحديث للدراوردي فقال ما أحفظه يريد يعجب بحفظه هكذا ذكره جعفر بهذا الإسناد . قال الدراوردي أخبرنا جعفر عن أبيه أن عليا رضي الله تعالى عنه كان لا يأخذ سلبا وأنه كان يباشر القتال بنفسه وأنه كان لا يذفف على جريح ولا يقتل مدبرا .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : أخبرنا إبراهيم بن محمد عن جعفر بن محمد عن أبيه أن عليا رضي الله تعالى عنه قال في ابن ملجم بعد ما ضربه أطعموه واسقوه وأحسنوا إساره إن عشت فأنا ولي دمي أعفو إن شئت وإن شئت استقدت وإن مت فقتلتموه فلا تمثلوا .
باب الحال التي لا يحل فيها دماء أهل البغي
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : ولو أن قوما أظهروا رأي الخوارج وتجنبوا جماعات الناس وكفروهم لم يحلل بذلك قتالهم لأنهم على حرمة الإيمان لم يصيروا إلى الحال التي أمر الله عز وجل بقتالهم فيها بلغنا أن عليا رضي الله تعالى عنه بينما هو يخطب إذ سمع تحكيما من ناحية المسجد لا حكم إلا الله عز وجل فقال علي رضي الله تعالى عنه كلمة حق أريد بها باطل لكم علينا ثلاث لا نمنعكم مساجد [ ص: 230 ] الله أن تذكروا فيها اسم الله ولا نمنعكم الفيء ما كانت أيديكم مع أيدينا ولا نبدؤكم بقتال .
( قال الشافعي ) رحمه الله أخبرنا عبد الرحمن بن الحسن بن القاسم الأزرقي الغساني عن أبيه أن عديا كتب لعمر بن عبد العزيز أن الخوارج عندنا يسبونك فكتب إليه عمر بن عبد العزيز إن سبوني فسبوهم أو اعفوا عنهم وإن أشهروا السلاح فأشهروا عليهم وإن ضربوا فاضربوهم .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى وبهذا كله نقول ولا يحل للمسلمين بطعنهم دماؤهم ولا أن يمنعوا الفيء ما جرى عليهم حكم الإسلام وكانوا أسوتهم في جهاد عدوهم ولا يحال بينهم وبين المساجد والأسواق قال ولو شهدوا شهادة الحق وهم مظهرون لهذا قبل الاعتقاد أو بعده وكانت حالهم في العفاف والعقول حسنة البغي للقاضي أن يحصيهم بأن يسأل عنهم فإن كانوا يستحلون في مذاهبهم أن يشهدوا لمن يذهب مذهبهم بتصديقه على ما لم يسمعوا ولم يعاينوا أو يستحلوا أن ينالوا من أموال من خالفهم أو أبدانهم شيئا يجعلون الشهادة بالباطل ذريعة إليه لم تجز شهادتهم وإن كانوا لا يستحلون ذلك جازت شهادتهم وهكذا من بغى من أهل الأهواء ولا يفرق بينهم وبين غيرهم فيما يجب لهم وعليهم من أخذ الحق والحدود والأحكام ولو أصابوا في هذه الحال حدا لله عز وجل أو للناس دما أو غيره ثم اعتقدوا ونصبوا إماما وامتنعوا ثم سألوا أن يؤمنوا على أن يسقط عنهم ما أصابوا قبل أن يعتقدوا أو شيء منه لم يكن للإمام أن يسقط عنهم منه شيئا لله عز ذكره ولا للناس وكان عليه أخذهم به كما يكون عليه أخذ من أحدث حدا لله تبارك وتعالى أو للناس ثم هرب ولم يتأول ويمتنع .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى ولو أن قوما كانوا في مصر أو صحراء فسفكوا الدماء وأخذوا الأموال كان حكمهم كحكم قطاع الطريق وسواء المكابرة في المصر أو الصحراء ولو افترقا كانت المكابرة في المصر أعظمهما .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى وكذلك لو أن قوما كابروا فقتلوا ولم يأخذوا مالا أقيم عليهم الحق في جميع ما أخذوا وكذلك لو امتنعوا فأصابوا دما وأموالا على غير التأويل ثم قدر عليهم أخذ منهم الحق في الدماء والأموال وكل ما أتوا من حد .
( قال الشافعي ) ولو أن قوما متأولين كثيرا كانوا أو قليلا اعتزلوا جماعة الناس فكان عليهم وال لأهل العدل يجري حكمه فقتلوه وغيره قبل أن ينصبوا إماما ويعتقدوا ويظهروا حكما مخالفا لحكمه كان عليهم في ذلك القصاص وهكذا كان شأن الذين اعتزلوا عليا رضي الله تعالى عنه ونقموا عليه الحكومة فقالوا لا نساكنك في بلد فاستعمل عليهم عاملا فسمعوا له ما شاء الله ثم قتلوه فأرسل إليهم أن ادفعوا إلينا قاتله نقتله به قالوا : كلنا قاتله قال فاستسلموا نحكم عليكم قالوا لا فسار إليهم فقاتلهم فأصاب أكثرهم قال وكل ما أصابوه في هذه الحال من حد لله تبارك وتعالى أو للناس أقيم عليهم متى قدر عليهم وليس عليهم في هذه الحال أن يبدءوا بقتال حتى يمتنعوا من الحكم وينتصبوا قال وهكذا لو خرج رجل أو رجلان أو نفر يسير قليلو العدد يعرف أن مثلهم لا يمتنع إذا أريد فأظهروا رأيهم ونابذوا إمامهم العادل وقالوا نمتنع من الحكم فأصابوا دما وأموالا وحدودا في هذه الحال متأولين ثم ظهر عليهم أقيمت عليهم الحدود وأخذت منهم الحقوق لله تعالى وللناس في كل شيء كما يؤخذ من غير المتأولين فإن كانت لأهل البغي جماعة تكثر ويمتنع مثلها بموضعها الذي هي به بعض الامتناع حتى يعرف أن مثلها لا ينال حتى تكثر نكايته واعتقدت ونصبوا إماما وأظهروا حكما وامتنعوا من حكم الإمام العادل فهذه الفئة الباغية التي تفارق حكم من ذكرنا قبلها فينبغي إذا فعلوا هذا أن نسألهم ما نقموا فإن ذكروا مظلمة بينة ردت فإن لم يذكروها بينة قيل لهم عودوا لما فارقتم من طاعة الإمام العادل وأن تكون كلمتكم وكلمة أهل دين الله على المشركين واحدة وأن لا تمتنعوا من الحكم فإن فعلوا قبل منهم وإن امتنعوا قيل إنا مؤذنوكم بحرب [ ص: 231 ] فإن لم يجيبوا قوتلوا ولا يقاتلون حتى يدعوا ويناظروا إلا أن يمتنعوا من المناظرة فيقاتلوا قال وإذا امتنعوا من الإجابة وحكم عليهم بحكم فلم يسلموا أو حلت عليهم صدقة فمنعوها وحالوا دونها وقالوا لا نبدؤكم بقتال قوتلوا حتى يقروا بالحكم ويعودوا لما امتنعوا إن شاء الله تعالى .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى وما أصابوا في هذه الحال على وجهين : أحدهما ما أصابوا من دم ومال وفرج على التأويل ثم ظهر عليهم بعد لم يقم عليهم منه شيء إلا أن يوجد مال رجل بعينه فيؤخذ ، والوجه الثاني ما أصابوا على غير وجه التأويل من حد لله تعالى أو للناس ثم ظهر عليهم رأيت أن يقام عليهم كما يقام على غيرهم ممن هرب من حد أو أصابه وهو في بلاد لا والي لها ثم جاء لها وال وهكذا غيرهم من أهل دار غلبوا الإمام عليها فصار لا يجري له بها حكم فمتى قدر عليهم أقيمت عليهم تلك الحدود ولم يسقط عنهم ما أصابوا بالامتناع ولا يمنع الامتناع حقا يقام إنما يمنعه التأويل والامتناع معا فإن قال قائل فأنت تسقط ما أصاب المشركون من أهل الحرب إذا أسلموا فكذلك أسقط عن حربي لو قتل مسلما منفردا ثم أسلم وأقتل الحربي بديئا من غير أن يقتل أحدا وليس هذا الحكم في المتأول في واحد من الوجهين .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى فإذا دعي أهل البغي فامتنعوا من الإجابة فقوتلوا فالسيرة فيهم مخالفة للسيرة في أهل الشرك وذلك بأن الله عز وجل حرم ثم رسوله دماء المسلمين إلا بما بين الله تبارك وتعالى ثم رسوله صلى الله عليه وسلم فإنما أبيح قتال أهل البغي ما كانوا يقاتلون وهم لا يكونون مقاتلين أبدا إلا مقبلين ممتنعين مريدين فمتى زايلوا هذه المعاني فقد خرجوا من الحال التي أبيح بها قتالهم وهم لا يخرجون منها أبدا إلا إلى أن تكون دماؤهم محرمة كهي قبل يحدثون وذلك بين عندي في كتاب الله عز وجل قال الله تبارك وتعالى { فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين } .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى ولم يستثن الله تبارك وتعالى في الفيئة فسواء كان للذي فاء فئة أو لم تكن له فئة فمتى فاء والفيئة الرجوع حرم دمه ولا يقتل منهم مدبر أبدا ولا أسير ولا جريح بحال لأن هؤلاء قد صاروا في غير المعنى الذي حلت به دماؤهم وكذلك لا يستمتع من أموالهم بدابة تركب ولا متاع ولا سلاح يقاتل به في حربهم وإن كانت قائمة ولا بعد تقضيها ولا غير ذلك من أموالهم وما صار إليهم من دابة فحبسوها أو سلاح فعليهم رده عليهم وذلك لأن الأموال في القتال إنما تحل من أهل الشرك الذين يتخولون إذا قدر عليهم فأما من أسلم فحد في قطع الطريق والزنا والقتل فهو لا يؤخذ ماله فهو إذا قوتل في البغي كان أخف حالا لأنه إذا رجع عن القتال لم يقتل فلا يستمتع من ماله بشيء لأنه لا جناية على ماله بدلالة توجب في ماله شيئا قال ومتى ألقى أهل البغي السلاح لم يقاتلوا .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى وإذا قاتلت المرأة أو العبد مع أهل البغي والغلام المراهق فهم مثلهم يقاتلون مقبلين ويتركون مولين قال ويختلفون في الأسارى فلو أسر البالغ من الرجال الأحرار فحبس ليبايع رجوت أن يسع ولا يحبس مملوك ولا غير بالغ من الأحرار ولا امرأة لتبايع وإنما يبايع النساء على الإسلام فأما على الطاعة فهن لا جهاد عليهن وكيف يبايعن والبيعة على المسلمين المولودين في الإسلام إنما هي على الجهاد وأما إذا انقضت الحرب فلا أرى أن يحبس أسيرهم ولو قال أهل البغي أنظرونا ننظر في أمرنا لم أر بأسا أن ينظروا قال ولو قالوا أنظرونا مدة رأيت أن يجتهد الإمام فيه فإن كان يرجو فيئتهم أحببت الاستيناء بهم وإن لم يرج ذلك فإن عليه جهادهم وإن كان يخاف على الفئة العادلة الضعف عنهم [ ص: 232 ] رجوت تأخيرهم إلى أن يرجعوا أو تمكنه القوة عليهم .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى ولو سألوا أن يتركوا بجعل يؤخذ منهم لم ينبغ أن يؤخذ من مسلم جعل على ترك حق قبله ولا يترك جهاده ليرجع إلى حق منعه أو عن باطل ركبه والأخذ منهم على هذا الوجه في معنى الصغار والذلة والصغار لا يجري على مسلم قال ولو سألوا أن يتركوا أبدا ممتنعين لم يكن ذلك للإمام إذا قوي على قتالهم وإذا تحصنوا فقد قيل يقاتلون بالمجانيق والنيران وغيرها ويبيتون إن شاء من يقاتلهم ( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى وأنا أحب إلي أن يتوقى ذلك فيهم ما لم يكن بالإمام ضرورة إليه والضرورة إليه أن يكون بإزاء قوم متحصنا فيغزونه أو يحرقون عليه أو يرمونه بمجانيق أو عرادات أو يحيطون به فيخاف الاصطلام على من معه فإذا كان هذا أو بعضه رجوت أن يسعه رميهم بالمنجنيق والنار دفعا عن نفسه أو معاقبة بمثل ما فعل به قال ولا يجوز لأهل العدل عندي أن يستعينوا على أهل البغي بأحد من المشركين ذمي ولا حربي ولو كان حكم المسلمين الظاهر ، ولا أجعل لمن خالف دين الله عز وجل الذريعة إلى قتل أهل دين الله قال ولا بأس إذا كان حكم الإسلام الظاهر أن يستعان بالمشركين على قتال المشركين وذلك أنهم تحل دماؤهم مقبلين ومدبرين ونياما وكيفما قدر عليهم إذا بلغتهم الدعوة وأهل البغي إنما يحل قتالهم دفعا لهم عما أرادوا من قتال أو امتناع من الحكم فإذا فارقوا تلك الحال حرمت دماؤهم قال ولا أحب أن يقاتلهم أيضا بأحد يستحل قتلهم مدبرين وجرحى وأسرى من المسلمين فيسلط عليهم من يعلم أنه يعمل فيهم بخلاف الحق وهكذا من ولي شيئا ينبغي أن لا يولاه وهو يعلم أنه يعمل بخلاف الحق فيه ولو كان المسلمون الذين يستحلون من أهل البغي ما وصفت يضبطون بقوة الإمام وكثرة من معه حتى لا يتقدموا على خلافه وإن رأوه حقا لم أر بأسا أن يستعان بهم على أهل البغي على هذا المعنى إذا لم يوجد غيرهم يكفي كفايتهم وكانوا أجزأ في قتالهم من غيرهم .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى ولو تفرق أهل البغي فنصب بعضهم لبعض فسألت الطائفتان أو إحداهما إمام أهل العدل معونتها على الطائفة المفارقة لها بلا رجوع إلى جماعة أهل العدل وكانت بالإمام ومن معه قوة على الامتناع منهم لو أجمعوا عليه لم أر أن يعين إحدى الطائفتين على الأخرى وذلك أن قتال إحداهما ليس بأوجب من قتال الأخرى وأن قتاله مع إحداهما كالأمان للتي تقاتل معه وإن كان الإمام يضعف فذلك أسهل في أن يجوز معاونة إحدى الطائفتين على الأخرى فإن انقضى حرب الإمام الأخرى لم يكن له جهاد التي أعان حتى يدعوها ويعذر إليها فإن امتنعت من الرجوع نبذ إليها ثم جاهدها .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى ولو أن رجلا من أهل العدل قتل رجلا من أهل العدل في شغل الحرب وعسكر أهل العدل فقال : أخطأت به ظننته من أهل البغي أحلف وضمن ديته ولو قال عمدته أقيد منه .
( قال الشافعي ) وكذلك لو صار إلى أهل العدل بعض أهل البغي تائبا مجاهدا أهل البغي أو تاركا للحرب وإن لم يجاهد أهل البغي فقتله بعض أهل العدل وقال قد عرفته بالبغي وكنت أراه إنما صار إلينا لينال من بعضنا غرة فقتلته أحلف على ذلك وضمن ديته وإن لم يدع هذه الشبهة أقيد منه لأنه إذا صار إلى أهل العدل فحكمه حكمهم .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى ولو رجع نفر من أهل البغي عن رأيهم وأمنهم السلطان فقتل رجلا منهم رجل فادعى معرفتهم أنهم من أهل البغي وجهالته بأمان السلطان لهم ورجوعهم عن رأيهم درئ عنه القود وألزم الدية بعد ما يحلف على ما ادعى من ذلك وإن أتى ذلك عامدا أقيد بما نال من دم وجرح يستطاع فيه القصاص وكان عليه الأرش فيما لا يستطاع فيه القصاص من الجراح قال ولو أن تجارا في عسكر أهل البغي أو أهل مدينة غلب عليها أهل البغي أو أسرى من المسلمين كانوا في أيديهم [ ص: 233 ] وكل هؤلاء غير داخل مع أهل البغي برأي ولا معونة قتل بعضهم بعضا أو أتى حدا لله أو للناس عارفا بأنه محرم عليه ثم قدر على إقامته عليه أقيم عليه ذلك كله وكذلك لو كانوا في بلاد الحرب فأتوا ذلك عالمين بأنه محرم وغير مكرهين على إتيانه أقيم عليهم كل حد لله عز وجل وللناس وكذلك لو تلصصوا فكانوا بطرف ممتنعين لا يجري عليهم حكم أو لا يتلصصون ولا متأولين إلا أنهم لا تجري عليهم الأحكام وكانوا ممن قامت عليهم الحجة بالعلم مع الإسلام ثم قدر عليهم أقيمت عليهم الحقوق .
حكم أهل البغي في الأموال وغيرها .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : وإذا ظهر أهل البغي على بلد من بلدان المسلمين فأقام إمامهم على أحد حدا لله أو للناس فأصاب في إقامته أو أخذ صدقات المسلمين فاستوفى ما عليهم أو زاده مع أخذه ما عليهم ما ليس عليهم ثم ظهر أهل العدل عليهم لم يعودوا على من حده إمام أهل البغي بحد ولا على من أخذوا صدقته بصدقة عامة ذلك فإن كانت وجبت عليهم صدقة فأخذوا بعضها استوفى إمام أهل العدل ما بقي منها وحسب لهم ما أخذ أهل البغي منها : قال : وكذلك من مر بهم فأخذوا ذلك منه . قال وإن أراد إمام أهل العدل أخذ الصدقة منهم فادعوا أن إمام أهل البغي أخذها منهم فهم أمناء على صدقاتهم وإن ارتاب بأحد منهم أحلفه فإذا حلف لم تعد عليه الصدقة وكذلك ما أخذوا من خراج الأرض وجزية الرقاب لم يعد على من أخذوه منه لأنهم مسلمون ظاهر حكمهم في الموضع الذي أخذوا ذلك فيه ما عليهم من خراج وجزية رقبة وحق لزم في مال أو غيره . قال : ولو استقضى إمام أهل البغي رجلا كان عليه أن يقوم بما يقوم به القاضي من أخذ الحق لبعض الناس من بعض في الحدود وغيرها إذا جعل ذلك إليه : ولو ظهر أهل العدل على أهل البغي لم يردد من قضاء قاضي أهل البغي إلا ما يرد من قضاء القضاة غيره .
وذلك خلاف الكتاب أو السنة أو إجماع الناس أو ما هو في معنى هذا أو عمد الحيف برد شهادة أهل العدل في الحين الذي يردها فيه أو إجازة شهادة غير العدل في الحين الذي يجيزها فيه ولو كتب قاضي أهل البغي إلى قاضي أهل العدل بحق ثبت عنده لرجل على آخر من غير أهل البغي فالأغلب من هذا خوف أن يكون يرد شهادة أهل العدل بخلاف رأيه ويقبل شهادة من لا عدل له بموافقته ومنهم من هو مخوف أن يكون يستحل بعض أخذ أموال الناس بما أمكنه فأحب إلي أن لا يقبل كتابه وكتابه ليس بحكم نفذ منه فلا يكون للقاضي رده إلا بجور تبين له ولو كانوا مأمونين على ما وصفنا براء من كل خصلة منه وكتب من بلاد نائية يهلك حق المشهود له إن رد كتابه فقبل القاضي كتابه كان لذلك وجه والله تعالى أعلم : وكان كتاب قاضيهم إذا كان كما وصفت في فوت الحق إن رد شبيها بحكمه .
قال ومن شهد من أهل البغي عند قاض من أهل العدل في الحال التي يكون فيها محاربا أو ممن يرى رأيهم في غير محاربة فإن كان يعرف باستحلال بعض ما وصفت من أن يشهد لمن وافقه بالتصديق له على ما لم يعاين ولم يسمع أو باستحلال لمال المشهود عليه أو دمه أو غير ذلك من الوجوه التي يطلب بها الذريعة إلى منفعة المشهود له أو نكاية المشهود عليه استحلالا لم تجز شهادته في شيء وإن قل ومن كان من هذا بريئا منهم ومن غيرهم عدلا جازت شهادته .
قال : ولو وقع لرجل في عسكر أهل البغي على رجل في عسكر أهل العدل حق في دم نفس أو جرح أو مال وجب على [ ص: 234 ] قاضي أهل العدل الأخذ له به لا يختلف هو وغيره فيما يؤخذ لبعضهم من بعض من الحق في المواريث وغيرها ، وكذلك حق على قاضي أهل البغي أن يأخذ من الباغي لغير الباغي من المسلمين وغيرهم حقه ، ولو امتنع قاضي أهل البغي من أخذ الحق منهم لمن خالفهم كان بذلك عندنا ظالما ولم يكن لقاضي أهل العدل أن يمنع أهل البغي حقوقهم قبل أهل العدل بمنع قاضيهم الحق منهم قال : وكذلك أيضا يأخذ من أهل العدل الحق لأهل الحرب والذمة وإن منع أهل الحرب الحق يقع عليهم وأحق الناس بالصبر للحق أهل السنة من أهل دين الله تعالى وليس منع رئيس المشركين حقا قبل من بحضرته لمسلم بالذي يحل لمسلم أن يمنع حربيا مستأمنا حقه لأنه ليس بالذي ظلمه .
فيحبس له مثل ما أخذ منه ولا يمنع رجلا حقا بظلم غيره وبهذا يأخذ الشافعي . قال : ولو ظهر أهل البغي على مصر فولوا قضاءه رجلا من أهل معروفا بخلاف رأي أهل البغي فكتب إلى قاض غيره نظر فإن كان القاضي عدلا وسمى شهودا شهدوا عنده يعرفهم القاضي المكتوب إليه بنفسه أو يعرفهم أهل العدالة بالعدل وخلاف أهل البغي قبل الكتاب فإن لم يعرفوا فكتابه كما وصفت من كتاب قاضي أهل البغي قال :
وإذا غزا أهل البغي المشركين مع أهل العدل والتقوا في بلادهم فاجتمعوا ثم قاتلوا معا فإن كان لكل واحد من الطائفتين إمام فأهل البغي كأهل العدل جماعتهم كجماعتهم وواحدهم مثل واحدهم في كل شيء ليس الخمس قال : فإن أمن أحدهم عبدا كان أو حرا أو امرأة منهم جاز الأمان وإن قتل أحد منهم في الإقبال كان له السلب . وإن كان أهل البغي في عسكر ردءا لأهل العدل فسرى أهل العدل فأصابوا غنائم أو كان أهل العدل ردءا فسرى أهل البغي فأصابوا غنائم شركت كل واحدة من الطائفتين صاحبتها لا يفترقون في حال إلا أنهم إذا دفعوا الخمس من الغنيمة كان إمام أهل العدل أولى به لأنه لقوم مفترقين في البلدان يؤديه إليهم لأن حكمه جار عليهم دون حكم إمام أهل البغي وأنه لا يستحل حبسه استحلال الباغي .
قال : ولو وادع أهل البغي قوما من المشركين لم يكن لأحد من المسلمين غزوهم فإن غزاهم فأصاب لهم شيئا رده عليهم ولو غزا أهل البغي قوما قد وادعهم إمام المسلمين فسباهم أهل البغي فإن ظهر المسلمون على أهل البغي استخرجوا ذلك من أيديهم وردوه على أهله المشركين قال : ولا يحل شراء أحد من ذلك السبي وإن اشترى فشراؤه مردود قال : ولو استعان أهل البغي بأهل الحرب على قتال أهل العدل .
وقد كان أهل العدل وادعوا أهل الحرب فإنه حلال لأهل العدل قتال أهل الحرب وسبيهم وليس كينونتهم مع أهل البغي بأمان إنما يكون لهم الأمان على الكف فأما على قتال أهل العدل فلو كان لهم أمان فقاتلوا أهل العدل كان نقضا له : وقد قيل : لو استعان أهل البغي بقوم من أهل الذمة على قتال المسلمين لم يكن هذا نقضا للعهد لأنهم مع طائفة من المسلمين وأرى إن كانوا مكرهين أو ذكروا جهالة فقالوا كنا نرى علينا إذا حملتنا طائفة من المسلمين على طائفة من المسلمين أخرى أنها إنما تحملنا على من يحل دمه في الإسلام مثل قطاع الطريق أو قالوا لم نعلم أن من حملونا على قتاله مسلما لم يكن هذا نقضا لعهدهم ويؤخذون بكل ما أصابوا من أهل العدل من دم ومال وذلك أنهم ليسوا بالمؤمنين الذين أمر الله بالإصلاح بينهم .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى ونتقدم إليهم ونجدد عليهم شرطا بأنهم إن درجوا إلى مثل هذا استحل قتلهم وأسأل الله التوفيق قال : فإن أتى أحد من أهل البغي تائبا لم يقتص منه لأنه مسلم محرم الدم وإذا قاتل أهل الذمة مع أهل العدل أهل الحرب لم يعطوا سلبا ولا خمسا ولا سهما وإنما يرضخ لهم ولو رهن أهل البغي نفرا منهم عند أهل العدل ورهنهم أهل العدل رهنا .
وقالوا احبسوا رهننا حتى ندفع إليكم رهنكم وتوادعوا على [ ص: 235 ] ذلك إلى مدة جعلوها بينهم فعدا أهل البغي على رهن أهل العدل فقتلوهم لم يكن لأهل العدل أن يقتلوا رهن أهل البغي الذين عندهم ولا أن يحبسوهم إذا أثبتوا أن قد قتل أصحابهم لأن أصحابهم لا يدفعون إليهم أبدا ولا يقتل الرهن بجناية غيرهم وإن كان رهن أهل البغي بلا رهن من أهل العدل ووادعوهم إلى مدة فجاءت تلك المدة وقد غدر البغي لم يكن لهم حبس الرهن بغدر غيرهم . قال : ولو أن أهل العدل أمنوا رجلا من أهل البغي فقتله رجل جاهل كان فيه الدية . وإذا قتل العدلي الباغي عامدا والقاتل وارث المقتول أو قتل الباغي العدلي وهو وارثه لم أر أن يتوارثا والله تعالى أعلم ويرثهما معا ورثتهما غير القاتلين ، وإذا قتل أهل البغي في معركة وغيرها صلى عليهم لأن الصلاة سنة في المسلمين إلا من قتله المشركون في المعركة فإنه لا يغسل ولا يصلى عليه . وأما أهل البغي إذا قتلوا في المعركة فإنهم يغسلون ويصلى عليهم ويصنع بهم ما يصنع بالموتى ولا يبعث برءوسهم إلى موضع ولا يصلبون ولا يمنعون الدفن ، وإذا قتل أهل العدل أهل البغي في المعركة ففيهم قولان : أحدهما أن يدفنوا بكلومهم ودمائهم والثياب التي قتلوا فيها إن شاءوا لأنهم شهداء ولا يصلى عليهم ويصنع بهم كما يصنع بمن قتله المشركون لأنهم مقتولون في المعركة وشهداء . والقول الثاني : أن يصلى عليهم لأن أصل الحكم في المسلمين الصلاة على الموتى إلا حيث تركها رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنما تركها فيمن قتله المشركون في المعركة .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : والصبيان والنساء من أهل البغي إذا قتلوا معهم فهم في الصلاة عليهم مثل الرجال البالغين . قال : وأكره للعدلي أن يعمد قتل ذي رحمه من أهل البغي ولو كف عن قتل أبيه أو ذي رحمه أو أخيه من أهل الشرك لم أكره ذلك له بل أحبه وذلك { أن النبي صلى الله عليه وسلم كف أبا حذيفة بن عتبة عن قتل أبيه وأبا بكر يوم أحد عن قتل أبيه } ، وإذا قتلت الجماعة الممتنعة من أهل القبلة غير المتأولة أو أخذت المال فحكمهم حكم قطاع الطريق ، وهذا مكتوب في كتاب قطع الطريق .
وإذا ارتد قوم عن الإسلام فاجتمعوا وقاتلوا فقتلوا وأخذوا المال فحكمهم حكم أهل الحرب من المشركين ، وإذا تابوا لم يتبعوا بدم ولا مال . فإن قال قائل : لم لا يتبعون ؟ قيل هؤلاء صاروا محاربين حلال الأموال والدماء وما أصاب المحاربون لم يقتص منهم وما أصيب لهم لم يرد عليهم وقد قتل طليحة عكاشة بن محصن وثابت بن أقرم ثم أسلم هو فلم يضمن عقلا ولا قودا .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : والحد في المكابرة في المصر والصحراء سواء ولعل المحارب في المصر أعظم ذنبا .
( قال الربيع ) وللشافعي قول آخر : يقاد منهم إذا ارتدوا وحاربوا فقتلوا من قبل أن الشرك إن لم يزدهم شرا لم يزدهم خيرا بأن يمنع القود منهم .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : ولو أن أهل البغي ظهروا على مدينة فأراد قوم غيرهم من أهل البغي قتالهم لم أر أن يقاتلهم أهل المدينة معهم ، فإن قالوا نقاتلكم معا وسع أهل المدينة قتالهم دفعا لهم عن أنفسهم وعيالهم وأموالهم وكانوا في معنى من قتل دون نفسه وماله إن شاء الله تعالى . ولو سبى المشركون أهل البغي وكانت بالمسلمين قوة على قتال المشركين لم يسع المسلمين الكف عن قتال المشركين حتى يستنقذوا أهل البغي . ولو غزا المسلمون فمات عاملهم فغزوا معا أو متفرقين وكل واحد منهم رد لصاحبه شرك كل واحد منهم صاحبه في الغنيمة .

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|