عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 24-10-2022, 11:52 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,763
الدولة : Egypt
افتراضي النحو العربي نشأته ومدارسه وقضاياه

النحو العربي نشأته ومدارسه وقضاياه
د. عبدالله معروف







النحو العربي







نشأته ومدارسه وقضاياه [1]










"الملخص":




نسعى مِن خلال هذا البحثِ الموجَز إلى تقديم نظرة مُوجَزة حول نشأة علمٍ جليلٍ من العلوم العربية، ألا وهو علم النحو، وواضعه ومدارسه، وأبرز النحاة عبر التاريخ، وأبرز القضايا النَّحوية، وأثناء الخوض في هذا الموضوع تبادرت إلى الذهن أسئلة من قبيل:




لماذا وُضِع النحو؟




ومَن واضعه؟




وما أبرزُ المدارس النَّحْوية؟




وما أهمُّ القضايا النَّحْوية؟









والغاية مِن جمع هذه المادة وتصنيفِها بهذا الشكل المبسَّط، هي جعلُ هذه المعلومات والمعارف في متناوَل المتلقِّي البسيط والمتعلِّم، حول نشأة علم النحو العربي، وأرجو أن أكون مُوفَّقًا في اختيار الموضوع وتصنيف محاوره.









مقدمة:




كان العربُ يستعمِلون لسانَهم عن سليقةٍ لم يحتاجوا معها أن يُبينوا قواعدَ نظمِه، وبعد مجيء الإسلام ومخالطتِهم الأعاجمَ مالت ألسنتُهم إلى اللحن، والخروج عن أصول الكلام التي ورِثوها عن أسلافهم، فتسرَّب اللحن إلى لسانهم!










وحرصًا منهم على الحفاظِ على لسانهم المُبِين الذي اختاره الله عز وجل لسانًا للقرآن ووعاءً للرسالة الخاتمة - عمِلوا على وضعِ نحوٍ ينحوه كلُّ دخيل على اللسان ويلتزمه أبناء العربية.










يقول ابن خلدون في هذاالشأن: "إنَّه لَمَّا فسَدت مَلَكة اللسان العربي في الحركات المُسمَّاة - عند أهل النحو- بالإعراب استنبطت القوانين لحفظها كما قلناه، ثماستمر ذلك الفساد إلى موضوعات الألفاظ،فاستُعمل كثيرٌ مِن كلام العرب في غير موضوعه عندهم، ميولًا مع هُجْنَة المُستَعرِبين في اصطلاحاتهم المخالِفةِ لصريح العربية، فاحتيج إلى حفظ الموضوعات اللُّغوية بالكتابوالتدوين، خشيةَ الدروس وما ينشأ عنه من الجهل بالقرآن والحديث، فشعر كثيرٌ مِن أئمةاللسان بذلك وأملوا فيه الدواوين"[2].










أضِفْ إلى هذا رغبةَ اللغويين في أن يلتحِقَ بهم غيرُ العرب في تعلُّم اللسان العربي؛ ليَسهُلَ عليهم التعامل مع كتاب الله عز وجل تلاوةً وفهمًا ودراسةً، فعكَف العلماء على دراسة أصواتها ومفرداتها ووصف تراكيبها،وأَلَّفوا في ذلك كتبًا لضبطها وتقعيدها، ووضعوا القواعد التي تصف هذه اللسان وصفًا محكمًاودقيقًا.










وقد انتهج علماء العربية للقيام بذلك منهجًا متميزًا في البحث اللغوي معتمِدين علىذوقِهم وإعمال العقل ودقة الملاحظة، وكان لهم فضلُ السَّبْق في الوقوف على كثيرٍ مِن الظواهر الصوتيةوالصرفية والنَّحْوية التي أفاد منها المحدثون.










مفهوم النحو:




النحو لغةً:




ترجع معاني النحو في اللغة إلى عدة معانٍ: منها القصد، والتحريف، والجهة، وأصل هذه المعاني هو القصد؛ لأن النحو مأخوذٌ مِن قول أبي الأسود الدُّؤَلي، عندما وضع كتابًا فيه جمل العربية، ثم قال: "... انحوا هذا النحو"؛ أي: اقصدوه، والنحو القصد، فسُمِّي لذلك نحوًا"[3].










وهذا ما يُسْتَشَفُّ مِن كلام اللغويين؛ يقول ابن فارس: "النون والحاء والواو كلمةٌ تدل على قصد...، ولذلك سُمِّي نحو الكلام؛ لأنه يقصِد أصول الكلام، فيتكلم على حَسَبِ ما كان العرب تتكلم به"[4].










كما يدل عليه أيضًا كلام ابن منظور في لسان العرب؛ إذ ذهب إلى هذا المعنى بقوله: "والنحو القصد، والطريق...، نحاه ينحوه وينحاه نحوًا، وانتحاه، ونحوُ العربية منه...، وهو في الأصل مصدر شائع؛ أي: نحوت نحوًا؛ كقولك: قصدت قصدًا، ثم خص به انتحاء هذا القبيل من العلم"[5]، وفي المعجم الوسيط: "النحو: القصد، يقال: نحوتُ نحوه: قصدت قصده"[6].










يظهر مِن خلال هذه التحديدات أن أصل هذه المادة الذي ترجع إليه هو القصد، وأن ما سواه من المعاني تابعٌ، وهناك مَن يذهب إلى أن أصل المادة هو الناحية - أي الجهة - انطلاقًا من مبدأ تقدُّم الأصل الحسي.










يقول حسن عون: "نرجِّح أن الأصلَ في هذه المادة هو الناحية؛ أي: الجانب مِن الشيء، ثم جاءت المشتقاتُ مِن هذا الأصل...، ومن هذه المادة: نَحَا يَنحُو بمعنى اتَّجه، أو قصد يقصد، والصلة واضحة بين الناحية والفعل"[7].










وإذا كانتِ العلاقة واضحةً بين المعنيينِ كما يقول، فليس ذلك بمرجَّح، ما دام الوجه الآخر له ما يُسوِّغه، وليس وضوحُ العَلاقة وحدَه كافيًا؛ لأننا سنضرِبُ بكلام اللغويين عُرْضَ الحائطِ، خصوصًا أنهم لم يذهبوا إلى هذا المعنى، ولكنهم أتَوْا به على أنه معنًى ثانٍ، أضِفْ إلى هذا ما ذكره أغلبُ النحاة من أن الأصل في تسمية النحو، هو ما تقدم من كلام أبي الأسود.










النحو اصطلاحًا:




إن أقدم تعريفٍ اصطلاحيٍّ للنحو على الأرجح، هو تعريف ابن السراج، الذي يقول فيه:




"النحو إنما أُرِيد به أن ينحو المتكلِّم إذا تعلَّمه كلامَ العرب، وهو علمٌ استخرجه المتقدِّمون فيه مِن استقراء كلام العرب، حتى وقفوا منه على الغرض الذي قصده المبتدئون بهذه اللغة"[8].










ويتَّضِح الربط بين المعنى اللُّغوي والاصطلاحي لهذا التعريف، في تصديره له بما يشير إلى المعنى اللغوي الذي هو القصد.










وعرَّفه ابن جني بقوله:




"هو انتحاءُ سَمْتِ كلام العرب في تصرُّفه؛ من إعراب وغيره؛ كالتثنية، والجمع، والتحقير، والتكسير، والإضافة، والنَّسب، والتركيب، وغير ذلك، ليلحق مَن ليس مِن أهل اللغة العربية بأهلها في الفصاحة، فينطق بها وإن لم يكن منهم، وإن شذَّ بعضهم عنها، رُد به إليها"[9].










ومِن التعريفات التي قُدِّمت للنحو بعد هذين التعريفين، تعريف ابن عصفور الذي حدَّه بأنه:




"علمٌ مستخرج بالمقاييس المستنبطة مِن استقراء كلام العرب، الموصلة إلى معرفة أجزائه التي ائتَلف منها"[10].










ثم ابن الناظم الذي أضاف إلى التعريف المتقدم بعض التفاصيل، فقال:




"العلم بأحكام مستنبطة من استقراء كلام العرب، أعني أحوال الكلم في ذواتها، أو ما يعرض لها بالتركيب لتأدية أصل المعاني من الكيفية بالتقديم والتأخير"[11].










وعرَّفه ابن يَعِيشَ بقوله:




"النحْوُ قانونٌ يُتوصَّل به إلى كلام العرب"[12].










أما الشاطبي، فقد عرَّف النحو مُبينًا العَلاقة بين التعريف اللُّغوي والاصطلاحي، بقوله:




"وأصل النحو في اللغة القصد، وهو ضد اللحن الذي هو عدولٌ عن القصد والصواب، والنحو قصد إليه، وفي الاصطلاح علمٌ بالأحوال والأشكال التي بها تدلُّ ألفاظ العرب على المعاني، أو أنه علمٌ بالمقاييس المستنبطة مِن استقراء كلام العرب"[13].










والملاحظُ أن هذه التعريفات كلِّها لم تقدم تعريفًا دقيقًا شاملًا للنحو على وجه الخصوص، مما جعَلها توصف بأنها غير كاملة:




فقد اعتُرِض على الأول بأنه لم يحُدَّ النحو، وإنما بيَّن مصادره والغاية التي مِن أجلها وُضِع.










كما اعتُرِض على الثاني بأن النحو ليس هو انتحاءَ سَمْت كلام العرب، وإنما ذلك الغاية منه[14].




أما التعريفات الأخرى فقد مزج أصحابُها بين مفهومَي الصرف والنحو.










وأول تعريف للنحو بمعناه الخاص هو ما حدَّه به خالد الأزهري؛ حيث قال: "علمٌ بأصولٍ تُعرَف بها أحوال أواخر الكلم إعرابًا وبِناءً"[15].










ويعترض السيد علي حسن مطر على هذا التعريف، بأنه وإن كان أخرج التصريف، فإنه لا ينطبق على النحو كما هو موجود في الكتب؛ إذ فيه بعض المباحث التي لا تعلُّق لها بأحوال الكلام بناءً وإعرابًا، مُقدِّمًا تعريفًا - ويرى أن الأولى بأن يكون تعريفًا للنحو بمعناه الخاص - هو الآتي: "العلم الباحث عن أحكام الكلمة المركَّبة"[16].










نشأة علم النحو وواضعه:




يُعرَف علم النحو بأنه علم بأصول تُعرفُ بها أحوال الكلمات العربية؛ من حيث الإعرابُ، والبناءُ؛ أي: مِن حيث ما يعرِضُ لها في حالِ تركيبِها، فبه نعرِفُ ما يجبُ أن يكونَ عليه آخرُ الكلمةِ من رفع، أو نصب، أو جرٍّ، أو جزم، أو لزوم حالة واحدة بعد انتظامها في الجملة؛ فهو يراقِبُ الوظيفة التي تشغَلُها الكلمة في التركيب: أهيَ فاعل، أم مفعول، أم مبتدأ، أم خبر…، فالعنصرُ النَّحْويُّ يُساعِد على فَهْم وظيفة كلِّ كلمة في التركيب؛ لأنه يهتمُّ بدراسة العَلاقات المُطَّرِدة بين الكلمات في الجملة والوصول إلى معناها ودلالتها[17].










و"النحو نظامٌ من المعاني والعَلاقات التي تتحكم في معنى الجملة العربية"[18].




وإذا ما استطاع الدارس أن يُحلِّلَ الجملةَ، وأن يفهمَ مُكوِّناتها، فإنه يأمَن اللبس، والإعرابُ في اللغة العربية يقوم بدورٍ رئيس في تحديد الوظائف النَّحْوية للكلمات، مِن خلال حركاته التي تُفرِّق بين كلمة وأخرى بالاشتراك مع العنصر الصرفي الذي يُميِّز الاسمَ من الفعل والحرف، اقرَأ الآية الكريمةَ الآتيةَ: ﴿ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ ﴾ [التوبة: 3]، فهذه الآية - كما ذكرنا - أخطأ في قراءتِها كثيرون، ولعلَّ خطأهم كان ناتجًا عن عدم فهم التركيب، وعدم القدرة على فهم الوظائف النَّحْوية للكلمات، وقد أخطأ بعضُ العرب قديمًا في ضبطها فعطفوا (رسوله) على المشركين، فكان المعنى أن الله بريءٌ مِن المشركين ومن الرسول صلى الله عليه وسلم أيضًا! وهذا لم يردْهُ الله تعالى ولن يريده.










لهذا يمكن القولُ: إن ظهورَ النحو كان بباعثٍ ديني، يتجلى في حرص المسلمين على قراءة القرآن الكريم قراءةً سليمة وفَهْم دَلالته، وخاصةً بعد فُشُوِّ اللحن الذي أخذ في الظهور منذ عصر الرسول صلى الله عليه وسلم كما أشرنا، غير أن اللحنَ كان نادرًا في صدر الإسلام، وكلما تقدَّمنا منحدرين اتَّسع شُيُوع اللحن في الألسن، خاصةً بعد تعريب غيرِ العرب…، وكل ذلك وغيره جعل الحاجةَ ماسةً إلى وضع تقعيد يُعرَف به الصواب مِن الخطأ في الكلامِ خشيةَ دخول اللحن وشيوعه في تلاوة آيات الذِّكر الحكيم، هذا دفع إلى التفكيرِ في وضع النحو وتقرير قواعد تنتظم في قوانين قياسية من استقراء دقيق للعبارات والتراكيب الفصيحة وأوضاعها الإعرابية.










وقد اختلفت الآراء فيمَن نُسِبت إليهم الخطوات الأولى في وضع النحو العربي:




يقول السِّيرافي: اختلف الناس في أولِ مَن رسم النحو، فقال قائلون: أبو الأسود الدؤلي، وقيل: هو نصر بن عاصم، وقيل: بل هو عبدالرحمن بن هرمز، وأكثر الناس على أنه أبو الأسود الدؤلي.










وتضطرب الروايات في السبب المباشرِ الذي جعل أبا الأسود يُؤلِّف في النحو لأول مرة، فمِن قائل: إنه سمع قارئًا يقرأ الآية الكريمة: ﴿ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ ﴾ [التوبة: 3]،بكسر اللامِ في رسوله، فقال: ما ظننتُ أمرَ الناس يصل إلى هذا، واستأذن زياد بن أبيه والي البصرة (45 - 53 هـ).










وقيل: بل استأذن ابنَه عُبَيدالله واليَها مِن بعده (55 - 64هـ)، في أن يضع للناس رسم العربية.




وقيل: بل وفد على زياد، فقال له: إني أرى العرب قد خالطَتِ الأعاجم وتغيَّرت ألسنتهم، أفتأذَن لي أن أضع للعرب كلامًا يعرفون به كلامهم.










وقيل: بل إن رجلًا لحن أمام زياد أو أمام ابنِه عُبيدالله، فطلب زياد أو ابنه منه أن يرسم للناس العربية.










وقيل: إنه رسمها حين سمع ابنتَه تقول: "ما أحسنُ السماءِ"، وهي لا تريد الاستفهام، وإنما تريد التعجب، فقال لها قولي: "ما أحسنَ السماءَ".










وفي رواية أنه شكا فسادَ لسانِها لعليِّ بن أبي طالب، فوضع له بعض أبوابِ النحو، وقال له: انحُ هذا النحو، ومِن أجل ذلك سُمِّي العلم باسم النحو.










وقد أشرك بعضُ الرواة معه في هذا الصنيع تلميذيه نصر بن عاصم وابن هرمز؛ إذ يقول الزَّبِيدي: "أولُ مَن أصَّل النحو وأعمل فكرَه فيه أبو الأسود ظالِمُ بنُ عمرٍو الدؤلي، ونصر بن عاصم، وعبدالرحمن بن هرمز؛ فوضعوا للنحو أبوابًا وأصَّلوا له أصولًا، فذكروا عوامل الرفع والنصب والخفض والجزم، ووضعوا باب الفاعل والمفعول والتعجب والمضاف"[19].



يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 30.91 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 30.28 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.03%)]