عرض مشاركة واحدة
  #360  
قديم 24-10-2022, 10:37 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,201
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد



تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء الخامس

سُورَةُ الْكَهْفِ
الحلقة (360)
صــ 131 إلى صــ 138





قوله تعالى: " سنين " قال الفراء، وأبو عبيدة، والكسائي، والزجاج: التقدير: سنين ثلاثمائة . وقال ابن قتيبة: المعنى: أنها لم تكن شهورا ولا أياما، وإنما كانت سنين . وقال أبو علي الفارسي: " سنين " بدل من قوله: " ثلاث مائة " . قال الضحاك: نزلت: " ولبثوا في كهفهم ثلاث مائة " فقالوا: أياما، أو شهورا، أو سنين ؟ فنزلت: " سنين " ; فلذلك قال: " سنين " ، ولم يقل: سنة . [ ص: 131 ]

قوله تعالى: " وازدادوا تسعا " يعني: تسع سنين، فاستغنى عن ذكر السنين بما تقدم من ذكرها، ثم أعلم أنه أعلم بقدر مدة لبثهم من أهل الكتاب المختلفين فيها، فقال: " قل الله أعلم بما لبثوا " . قال ابن السائب: قالت نصارى نجران: أما الثلاثمائة فقد عرفناها، وأما التسع فلا علم لنا بها، فنزل قوله تعالى: " قل الله أعلم بما لبثوا " . وقيل: إن أهل الكتاب قالوا: إن للفتية منذ دخلوا الكهف إلى يومنا هذا ثلاثمائة وتسع سنين، فرد الله تعالى عليهم ذلك، وقال: " قل الله أعلم بما لبثوا " بعد أن قبض أرواحهم إلى يومكم هذا، لا يعلم ذلك غير الله . وقيل: إنما زاد التسع ; لأنه تفاوت ما بين السنين الشمسية والسنين القمرية، حكاه الماوردي .

قوله تعالى: " أبصر به وأسمع " فيه قولان:

أحدهما: أنه على مذهب التعجب، فالمعنى: ما أسمع الله به وأبصر ; أي: هو عالم بقصة أصحاب الكهف وغيرهم، هذا قول الزجاج، وذكر أنه إجماع العلماء .

والثاني: أنه في معنى الأمر، فالمعنى: أبصر بدين الله وأسمع ; أي: أبصر بهدى الله وأسمع، فترجع الهاء إما على الهدى، وإما على الله عز وجل، ذكره ابن الأنباري .

قوله تعالى: " ما لهم من دونه " ; أي: ليس لأهل السماوات والأرض من دون الله من ناصر، " ولا يشرك في حكمه أحدا " ولا يجوز أن يحكم حاكم بغير ما حكم به، وليس لأحد أن يحكم من ذات نفسه، فيكون شريكا لله عز وجل في حكمه . وقرأ ابن عامر: ( ولا تشرك ) جزما بالتاء، والمعنى: لا تشرك أيها الإنسان . [ ص: 132 ]
واتل ما أوحي إليك من كتاب ربك لا مبدل لكلماته ولن تجد من دونه ملتحدا واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا .

قوله تعالى: " واتل ما أوحي إليك " في هذه التلاوة قولان:

أحدهما: أنها بمعنى القراءة . والثاني: بمعنى الاتباع . فيكون المعنى على الأول: اقرإ القرآن، وعلى الثاني: اتبعه واعمل به . وقد شرحنا في ( الأنعام: 115 ) معنى لا مبدل لكلماته .

قوله تعالى: " ولن تجد من دونه ملتحدا " قال مجاهد والفراء: ملجأ . وقال الزجاج: معدلا عن أمره ونهيه . وقال غيرهم: موضعا تميل إليه في الالتجاء .

قوله تعالى: " واصبر نفسك " سبب نزولها أن المؤلفة قلوبهم جاؤوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: عيينة بن حصن، والأقرع بن حابس، وذووهم، فقالوا: يا رسول الله ; لو أنك جلست في صدر المجلس ونحيت هؤلاء عنا - يعنون: سلمان، وأبا ذر، وفقراء المسلمين، وكانت عليهم جباب الصوف - جلسنا إليك وأخذنا عنك، فنزلت هذه الآية إلى قوله: " إنا أعتدنا للظالمين نارا " ، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم يلتمسهم، حتى إذا أصابهم في مؤخر المسجد يذكرون الله، قال: " الحمد لله الذي لم يمتني حتى أمرني أن أصبر نفسي مع رجال من أمتي، معكم المحيا ومعكم الممات " ، هذا قول سلمان الفارسي . ومعنى قوله: [ ص: 133 ] " واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم " ; أي: احبسها معهم على أداء الصلوات " بالغداة والعشي " . وقد فسرنا هذه الآية في ( الأنعام: 52 ) إلى قوله تعالى: ولا تعد عيناك عنهم ; أي: لا تصرف بصرك إلى غيرهم من ذوي الغنى والشرف، وكان عليه السلام حريصا على إيمان الرؤساء ليؤمن أتباعهم، ولم يكن مريدا لزينة الدنيا قط، فأمر أن يجعل إقباله على فقراء المؤمنين .

قوله تعالى: " ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا " سبب نزولها أن أمية بن خلف الجمحي دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى طرد الفقراء عنه، وتقريب صناديد أهل مكة، فنزلت هذه الآية، رواه الضحاك عن ابن عباس . وفي رواية أخرى عنه أنه قال: هو عيينة وأشباهه . ومعنى " أغفلنا قلبه " : جعلناه غافلا . وقرأ أبو مجلز: ( من أغفلنا ) بفتح اللام ورفع باء القلب . " عن ذكرنا " : عن التوحيد والقرآن والإسلام، " واتبع هواه " في الشرك . " وكان أمره فرطا " فيه أربعة أقوال:

أحدها: أنه أفرط في قوله ; لأنه قال: إنا رؤوس مضر، وإن نسلم يسلم الناس بعدنا، قاله أبو صالح عن ابن عباس . والثاني: ضياعا، قاله مجاهد . وقال أبو عبيدة: سرفا وتضييعا . والثالث: ندما، حكاه ابن قتيبة عن أبي عبيدة . والرابع: كان أمره التفريط، والتفريط: تقديم العجز، قاله الزجاج .
وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر إنا أعتدنا للظالمين نارا أحاط بهم سرادقها وإن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل يشوي الوجوه بئس الشراب وساءت مرتفقا . [ ص: 134 ]

قوله تعالى: " وقل الحق من ربكم " قال الزجاج: المعنى: وقل الذي أتيتكم به: الحق من ربكم .

قوله تعالى: " فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر " فيه ثلاثة أقوال:

أحدها: فمن شاء الله فليؤمن، روي عن ابن عباس .

والثاني: أنه وعيد وإنذار وليس بأمر، قاله الزجاج .

والثالث: أن معناه: لا تنفعون الله بإيمانكم ولا تضرونه بكفركم، قاله الماوردي . وقال بعضهم: هذا إظهار للغنى لا إطلاق في الكفر .

قوله تعالى: " إنا أعتدنا " ; أي: هيأنا وأعددنا، وقد شرحناه في قوله: وأعتدت لهن متكأ [ يوسف: 31 ] . فأما الظالمون، فقال المفسرون: هم الكافرون . وأما السرادق، فقال الزجاج: السرادق: كل ما أحاط بشيء، نحو: الشقة في المضرب، أو الحائط المشتمل على الشيء . وقال ابن قتيبة: السرادق: الحجرة التي تكون حول الفسطاط . وقرأت على شيخنا أبي منصور اللغوي، قال: السرادق فارسي معرب، وأصله بالفارسية: سرادار، وهو الدهليز، قال الفرزدق:


تمنيتهم حتى إذا ما لقيتهم تركت لهم قبل الضراب السرادقا


وفي المراد بهذا السرادق قولان:

أحدهما: أنه سرادق من نار، قاله ابن عباس . روى أبو سعيد الخدري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: " لسرادق النار أربعة جدر كثف، كل جدار منها مسيرة أربعين سنة " . وفي رواية أبي صالح عن ابن عباس، قال: [ ص: 135 ] السرادق: لسان من النار، يخرج من النار فيحيط بهم حتى يفرغ من حسابهم .

والثاني: أنه دخان يحيط بالكفار يوم القيامة، وهو الظل ذو ثلاث شعب الذي ذكره الله تعالى في ( المرسلات: 30 )، قاله ابن قتيبة .

قوله تعالى: وإن يستغيثوا ; أي: مما هم فيه من العذاب وشدة العطش، " يغاثوا بماء كالمهل " وفيه سبعة أقوال:

أحدها: أنه ماء غليظ كدردي الزيت، رواه العوفي عن ابن عباس .

والثاني: أنه كل شيء أذيب حتى انماع، قاله ابن مسعود . وقال أبو عبيدة والزجاج: كل شيء أذبته من نحاس أو رصاص أو نحو ذلك، فهول مهل .

والثالث: قيح ودم أسود كعكر الزيت، قاله مجاهد .

والرابع: أنه الفضة والرصاص يذابان، روي عن مجاهد أيضا .

والخامس: أنه الذي انتهى حره، قاله سعيد بن جبير .

والسادس: [ أنه ] الصديد، ذكره ابن الأنباري . قال مغيث بن سمي: هذا الماء هو ما يسيل من عرق أهل الموقف في الآخرة وبكائهم، وما يجري منهم من دم وقيح، يسيل ذلك إلى واد في جهنم فتطبخه جهنم، فيكون أول ما يغاث به أهل النار .

والسابع: أنه الرماد الذي ينفض عن الخبزة إذا خرجت من التنور، حكاه ابن الأنباري . [ ص: 136 ]

قوله تعالى: " يشوي الوجوه " قال المفسرون: إذا قربه إليه سقطت فروة وجهه فيه، ثم ذمه فقال: " بئس الشراب وساءت النار مرتفقا وفيه خمسة أقوال:

أحدها: منزلا، قاله ابن عباس . والثاني: مجتمعا، قاله مجاهد . والثالث: متكأ، قاله أبو عبيدة، وأنشد لأبي ذؤيب:


إني أرقت فبت الليل مرتفقا كأن عيني فيها الصاب مذبوح


وذبحه: انفجاره . قال الزجاج: " مرتفقا " منصوب على التمييز، ومعنى مرتفقا: متكأ على المرفق . والرابع: ساءت مجلسا، قاله ابن قتيبة . والخامس: ساءت مطلبا للرفق ; لأن من طلب رفقا من جهتها عدمه، ذكره ابن الأنباري . ومعاني هذه الأقوال تتقارب، وأصل المرفق في اللغة: ما يرتفق به .
إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات إنا لا نضيع أجر من أحسن عملا أولئك لهم جنات عدن تجري من تحتهم الأنهار يحلون فيها من أساور من ذهب ويلبسون ثيابا خضرا من سندس وإستبرق متكئين فيها على الأرائك نعم الثواب وحسنت مرتفقا .

قوله تعالى: " إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات " قال الزجاج: خبر " إن " هاهنا على ثلاثة أوجه: [ ص: 137 ]

أحدها: أن يكون على إضمار " إنا لا نضيع أجر من أحسن عملا " منهم، ولم يحتج إلى ذكر ( منهم ) ; لأن الله تعالى قد أعلمنا أنه محبط عمل غير المؤمنين .

والثاني: أن يكون خبر " إن " : " أولئك لهم جنات عدن " ، فيكون قوله: " إنا لا نضيع " قد فصل به بين الاسم وخبره ; لأنه يحتوي على معنى الكلام الأول ; لأن من أحسن عملا بمنزلة الذين آمنوا .

والثالث: أن يكون الخبر " إنا لا نضيع أجر من أحسن عملا " بمعنى: إنا لا نضيع أجرهم .

قال المفسرون: ومعنى " لا نضيع أجر من أحسن عملا " ; أي: لا نترك أعماله تذهب ضياعا، بل نجازيه عليها بالثواب .

فأما الأساور، فقال الفراء: في الواحد منها ثلاث لغات: إسوار وسوار وسوار، فمن قال: إسوار، جمعه: أساور، ومن قال: سوار أو سوار، جمعه: أسورة، وقد يجوز أن يكون واحد أساورة وأساور: سوارا . وقال الزجاج: الأساور جمع أسورة، وأسورة جمع سوار، يقال: سوار اليد، بالكسر، وقد حكي: سوار . قال المفسرون: لما كانت الملوك تلبس في الدنيا الأساور في اليد والتيجان على الرؤوس، جعل الله ذلك لأهل الجنة . قال سعيد بن جبير: يحلى كل واحد منهم بثلاثة من الأساور، واحد من فضة، وواحد من ذهب، وواحد من لؤلؤ ويواقيت .

فأما " السندس " و " الإستبرق " ، فقال ابن قتيبة: السندس: رقيق الديباج، والإستبرق ثخينه . وقرأت على شيخنا أبي منصور اللغوي، قال: السندس: رقيق الديباج، لم يختلف أهل اللغة في أنه معرب، قال الراجز:


وليلة من الليالي حندس لون حواشيها كلون السندس
[ ص: 138 ]

والاستبرق: غليظ الديباج، فارسي معرب، وأصله: إستفره . وقال ابن دريد: استروه، ونقل من العجمية إلى العربية، فلو حقر ( إستبرق ) أو كسر، لكان في التحقير ( أبيرق )، وفي التكسير ( أبارق ) بحذف السين والتاء جميعا .

قوله تعالى: " متكئين فيها " الاتكاء: التحامل على الشيء . قال أبو عبيدة: والأرائك: الفرش في الحجال، ولا تكون الأريكة إلا بحجلة وسرير . وقال ابن قتيبة: الأرائك: السرر في الحجال، واحدها: أريكة . وقال ثعلب: لا تكون الأريكة إلا سريرا في قبة عليه شواره ومتاعه . قال ابن قتيبة: ( الشوار ) مفتوح الشين، وهو متاع البيت . وقال الزجاج: الأرائك: الفرش في الحجال . قال: وقيل: إنها الفرش، وقيل: الأسرة، وهي على الحقيقة: الفرش كانت في حجال لهم .

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 52.63 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 52.00 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.19%)]