عرض مشاركة واحدة
  #300  
قديم 20-10-2022, 06:04 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,532
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد


تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الرابع
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(286)
الحلقة (300)
صــ 271إلى صــ 278




القول في تأويل قوله عز ذكره ( سل بني إسرائيل كم آتيناهم من آية بينة )

قال أبو جعفر : يعني بذلك جل ثناؤه : سل يا محمد بني إسرائيل الذين لا ينتظرون - بالإنابة إلى طاعتي ، والتوبة إلي بالإقرار بنبوتك وتصديقك فيما جئتهم به من عندي - إلا أن آتيهم في ظلل من الغمام وملائكتي ، فأفصل القضاء بينك وبين من آمن بك وصدقك بما أنزلت إليك من كتبي ، وفرضت [ ص: 271 ] عليك وعليهم من شرائع ديني ، وبينهم كم جئتهم به من قبلك من آية وعلامة ، على ما فرضت عليهم من فرائضي ، فأمرتهم به من طاعتي ، وتابعت عليهم من حججي على أيدي أنبيائي ورسلي من قبلك ، مؤيدة لهم على صدقهم ، بينة أنها من عندي ، واضحة أنها من أدلتي على صدق نذري ورسلي فيما افترضت عليهم من تصديقهم وتصديقك ، فكفروا حججي ، وكذبوا رسلي ، وغيروا نعمي قبلهم ، وبدلوا عهدي ووصيتي إليهم .

وأما"الآية" ، فقد بينت تأويلها فيما مضى من كتابنا بما فيه الكفاية وهي هاهنا . ما : -

4040 - حدثنا محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله عز وجل : " سل بني إسرائيل كم آتيناهم من آية بينة " ، ما ذكر الله في القرآن وما لم يذكر ، وهم اليهود .

4041 - حدثت عن عمار ، قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع قوله : " سل بني إسرائيل كم آتيناهم من آية بينة " ، يقول : آتاهم الله آيات بينات : عصا موسى ويده ، وأقطعهم البحر ، وأغرق عدوهم وهم ينظرون ، وظلل عليهم الغمام ، وأنزل عليهم المن والسلوى ، وذلك من آيات الله التي آتاها بني إسرائيل في آيات كثيرة غيرها ، خالفوا معها أمر الله ، فقتلوا أنبياء الله ورسله ، وبدلوا عهده ووصيته إليهم ، قال الله : " ومن يبدل نعمة الله من بعد ما جاءته فإن الله شديد العقاب " .

قال أبو جعفر : وإنما أنبأ الله نبيه بهذه الآيات ، فأمره بالصبر على من كذبه ، واستكبر على ربه ، وأخبره أن ذلك فعل من قبله من أسلاف الأمم قبلهم بأنبيائهم ، [ ص: 272 ] مع مظاهرته عليهم الحجج ، وأن من هو بين أظهرهم من اليهود إنما هم من بقايا من جرت عادتهم [ بذلك ] ، ممن قص عليه قصصهم من بني إسرائيل .
القول في تأويل قوله تعالى ( ومن يبدل نعمة الله من بعد ما جاءته فإن الله شديد العقاب ( 211 ) )

قال أبو جعفر : يعني"بالنعم" جل ثناؤه : الإسلام وما فرض من شرائع دينه .

ويعني بقوله : " ومن يبدل نعمة الله " ومن يغير ما عاهد الله في نعمته التي هي الإسلام ، من العمل والدخول فيه فيكفر به ، فإنه معاقبه بما أوعد على الكفر به من العقوبة ، والله شديد عقابه ، أليم عذابه .

فتأويل الآية إذا يا أيها الذين آمنوا بالتوراة فصدقوا بها ، ادخلوا في الإسلام ، جميعا ودعوا الكفر ، وما دعاكم إليه الشيطان من ضلالته ، وقد جاءتكم البينات من عندي بمحمد ، وما أظهرت على يديه لكم من الحجج والعبر ، فلا تبدلوا عهدي إليكم فيه وفيما جاءكم به من عندي في كتابكم بأنه نبيي ورسولي ، فإنه من يبدل ذلك منكم فيغيره فإنى له معاقب بالأليم من العقوبة .

وبمثل الذي قلنا في قوله : " ومن يبدل نعمة الله من بعد ما جاءته " ، قال جماعة من أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك : [ ص: 273 ]

4042 - حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله : " ومن يبدل نعمة الله من بعد ما جاءته " ، قال : يكفر بها .

4043 - حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، مثله .

4044 - حدثني موسى بن هارون ، قال : حدثنا عمرو بن حماد ، قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : " ومن يبدل نعمة الله " ، قال : يقول : من يبدلها كفرا .

4045 - حدثت عن عمار ، عن ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع " ومن يبدل نعمة الله من بعد ما جاءته " ، يقول : ومن يكفر نعمته من بعد ما جاءته .
القول في تأويل قوله تعالى ( زين للذين كفروا الحياة الدنيا ويسخرون من الذين آمنوا والذين اتقوا فوقهم يوم القيامة )

قال أبو جعفر : يعني جل ثناؤه بذلك : زين للذين كفروا حب الحياة الدنيا العاجلة اللذات ، فهم يبتغون فيها المكاثرة والمفاخرة ، ويطلبون فيها الرياسات والمباهاة ، ويستكبرون عن اتباعك يا محمد ، والإقرار بما جئت به من عندي ، تعظما منهم على من صدقك واتبعك ، ويسخرون بمن تبعك من أهل ، الإيمان ، والتصديق بك ، في تركهم المكاثرة ، والمفاخرة بالدنيا وزينتها من الرياش والأموال ، [ ص: 274 ] بطلب الرياسات وإقبالهم على طلبهم ما عندي برفض الدنيا وترك زينتها ، والذين عملوا لي وأقبلوا على طاعتي ، ورفضوا لذات الدنيا وشهواتها ، اتباعا لك ، وطلبا لما عندي ، واتقاء منهم بأداء فرائضي ، وتجنب معاصي فوق الذين كفروا يوم القيامة ، بإدخال المتقين الجنة ، وإدخال الذين كفروا النار .

وبنحو الذي قلنا في ذلك من التأويل قال جماعة منهم .

ذكر من قال ذلك :

4046 - حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج قوله : " زين للذين كفروا الحياة الدنيا " ، قال : الكفار يبتغون الدنيا ويطلبونها " ويسخرون من الذين آمنوا " ، في طلبهم الآخرة - قال ابن جريج : لا أحسبه إلا عن عكرمة ، قال : قالوا : لو كان محمد نبيا كما يقول ، لاتبعه أشرافنا وساداتنا! والله ما اتبعه إلا أهل الحاجة مثل ابن مسعود !

4047 - حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة في قوله : " والذين اتقوا فوقهم يوم القيامة " ، قال : " فوقهم " في الجنة .
القول في تأويل قوله تعالى ( والله يرزق من يشاء بغير حساب ( 212 ) )

قال أبو جعفر : ويعني بذلك : والله يعطي الذين اتقوا يوم القيامة من نعمه وكراماته وجزيل عطاياه ، بغير محاسبة منه لهم على ما من به عليهم من كرامته .

فإن قال لنا قائل : وما في قوله : " يرزق من يشاء بغير حساب " من المدح ؟ قيل : المعنى الذي فيه من المدح ، الخبر عن أنه غير خائف نفاد خزائنه ، [ ص: 275 ] فيحتاج إلى حساب ما يخرج منها ، إذ كان الحساب من المعطي إنما يكون ليعلم قدر العطاء الذي يخرج من ملكه إلى غيره ، لئلا يتجاوز في عطاياه إلى ما يجحف به ، فربنا تبارك وتعالى غير خائف نفاد خزائنه ، ولا انتقاص شيء من ملكه ، بعطائه ما يعطي عباده ، فيحتاج إلى حساب ما يعطي ، وإحصاء ما يبقي . فذلك المعنى الذي في قوله : " والله يرزق من يشاء بغير حساب "
القول في تأويل قوله تعالى ( كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه )

قال أبو جعفر : اختلف أهل التأويل في معنى"الأمة " : في هذا الموضع ، وفي" الناس " الذين وصفهم الله بأنهم : كانوا أمة واحدة .

فقال بعضهم : هم الذين كانوا بين آدم ونوح ، وهم عشرة قرون ، كلهم كانوا على شريعة من الحق ، فاختلفوا بعد ذلك .

ذكر من قال ذلك :

4048 - محمد بن بشار ، قال : حدثنا أبو داود ، قال : حدثنا همام بن منبه ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، قال : كان بين نوح وآدم عشرة قرون ، كلهم على شريعة من الحق ، فاختلفوا ، فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين ، قال : وكذلك هي في قراءة عبد الله "كان الناس أمة واحدة فاختلفوا" . [ ص: 276 ]

4049 - حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة في قوله : " كان الناس أمة واحدة " ، قال : كانوا على الهدى جميعا فاختلفوا ، فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين ، فكان أول نبي بعث نوح .

قال أبو جعفر : فتأويل"الأمة" على هذا القول الذي ذكرناه عن ابن عباس "الدين" ، كما قال النابغة الذبياني :


حلفت فلم أترك لنفسك ريبة وهل يأثمن ذو أمة وهو طائع؟


يعني ذا الدين .

فكان تأويل الآية على معنى قول هؤلاء : كان الناس أمة مجتمعة على ملة واحدة ودين واحد فاختلفوا ، فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين .

وأصل"الأمة" ، الجماعة تجتمع على دين واحد ، ثم يكتفى بالخبر عن"الأمة" من الخبر عن"الدين" ، لدلالتها عليه ، كما قال جل ثناؤه : ( ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ) [ سورة المائدة : 48 ، سورة النحل : 93 ] ، يراد به أهل دين واحد وملة واحدة . فوجه ابن عباس في تأويله قوله : " كان الناس أمة واحدة " ، إلى أن الناس كانوا أهل دين واحد حتى اختلفوا .

وقال آخرون : بل تأويل ذلك كان آدم على الحق إماما لذريته ، فبعث الله النبيين في ولده . ووجهوا معنى"الأمة" إلى طاعة الله ، والدعاء إلى توحيده واتباع أمره ، من قول الله عز وجل ( إن إبراهيم كان أمة قانتا لله حنيفا ) [ سورة النحل : 120 ] ، يعني بقوله : " أمة " ، إماما في الخير يقتدى به ، ويتبع عليه .

ذكر من قال ذلك : [ ص: 277 ]

4050 - حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : " كان الناس أمة واحدة " ، قال : آدم .

4051 - حدثنا أحمد بن إسحاق ، قال : حدثنا أبو أحمد ، قال : حدثنا سفيان ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، مثله .

4052 - حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد قوله : " كان الناس أمة واحدة " ، قال : آدم ، قال : كان بين آدم ونوح عشرة أنبياء ، فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين ، قال مجاهد : آدم أمة وحده ،

وكأن من قال هذا القول ، استجاز بتسمية الواحد باسم الجماعة لاجتماع أخلاق الخير الذي يكون في الجماعة المفرقة فيمن سماه ب "الأمة" ، كما يقال : "فلان أمة وحده" ، يقوم مقام الأمة .

وقد يجوز أن يكون سماه بذلك ؛ لأنه سبب لاجتماع الأشتات من الناس على ما دعاهم إليه من أخلاق الخير ، فلما كان آدم صلى الله عليه وسلم سببا لاجتماع من اجتمع على دينه من ولده إلى حال اختلافهم سماه بذلك"أمة" .

وقال آخرون : معنى ذلك كان الناس أمة واحدة على دين واحد يوم استخرج ذرية آدم من صلبه ، فعرضهم على آدم .

ذكر من قال ذلك :

4053 - حدثت عن عمار ، عن ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع [ ص: 278 ] قوله : " كان الناس أمة واحدة " - وعن أبيه ، عن الربيع ، عن أبي العالية ، عن أبي بن كعب ، قال : كانوا أمة واحدة حيث عرضوا على آدم ، ففطرهم يومئذ على الإسلام ، وأقروا له بالعبودية ، وكانوا أمة واحدة مسلمين كلهم ، ثم اختلفوا من بعد آدم فكان أبي يقرأ : "كان الناس أمة واحدة فاختلفوا فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين" إلى" فيما اختلفوا فيه " . وإن الله إنما بعث الرسل وأنزل الكتب عند الاختلاف .

4054 - حدثنا يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله : " كان الناس أمة واحدة " ، قال : حين أخرجهم من ظهر آدم لم يكونوا أمة واحدة قط غير ذلك اليوم" فبعث الله النبيين " ، قال : هذا حين تفرقت الأمم .

وتأويل الآية على هذا القول نظير تأويل قول من قال يقول ابن عباس : إن الناس كانوا على دين واحد فيما بين آدم ونوح - وقد بينا معناه هنالك; إلا أن الوقت الذي كان فيه الناس أمة واحدة مخالف الوقت الذي وقته ابن عباس .

وقال آخرون بخلاف ذلك كله في ذلك ، وقالوا : إنما معنى قوله : " كان الناس أمة واحدة" ، على دين واحد ، فبعث الله النبيين .

ذكر من قال ذلك :

4055 - حدثني محمد بن سعد ، قال : حدثني أبي ، قال : حدثني عمي ، قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : " كان الناس أمة واحدة " ، يقول : كان دينا واحدا ، فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين .

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 35.58 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 34.95 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.76%)]